in

لماذا تستورد دبي الرمل بكميات هائلة مع أنها مدينة صحراوية؟ إليك الجواب..

خلقت زيادة المشاريع البنائية العالمية طلباً غير مسبوق على الرمل، حتى في المدن المحاطة برمال الصحاري بكميات هائلة.

دبي

نحن غالبا ما نسلّم بوفرة الرمل ونعتبره سلعة ”غير ثمينة“، من الصحاري إلى الشواطئ إلى ساحات لعب الأطفال، يبدو أن الرمل في كل مكان بكميات لا نهاية لها. غير أن هذا المورد الوفير يغذي مشاريع عملاقة وكثيرة في العالم، فكثر عليه الطلب لدرجة نشأ سوق موازٍ كامل لتهريبه وبيعه بشكل غير قانوني.

بينما كان يبحث في أمر تآكل الشواطئ في (نيغريل) في جامايكا قبل تسعة سنوات من الآن؛ خاض العالم (باسكال بيدوزي) محادثات مع السكان المحليين في إحدى قرى صيد الأسماك، فتركه ما علمه عنهم مذهولاً. على الرغم من كل الوسائل المتطورة التي كان يستخدمها في مسحه للمنطقة ودراسته للضرر الواقع بشواطئها، لم يكن ليحرز أبداً السبب الفعلي في تآكل وتحات الساحل الغربي للبلد، أخبره السكان المحليون عن المافيا، أولئك الرجال المسلحون، الذين كانوا يأتون إلى الشواطئ في منتصف الليل ليسرقوا أكياساً محملة من الرمل ويقومون ببيعها لمشاريع البناء المختلفة.

يقول (بيدوزي): ”لقد صُدمت لمعرفتي بأن الناس قد يقتلون لأجل الرمل“، للعلم فإن (بيدوزي) يشغل منصب مدير فرع العلوم لدى قسم «الإخطار المبكر والتقييم» في برنامج البيئة لدى هيئة الأمم المتحدة، ويضيف قائلا: ”لقد عملت في مجال البيئة والمحيط لأكثر من عشرين سنة، لكن معضلة الرمل هذه فاجأتني“.

أدى ارتفاع الطلب على الرمل إلى ظهور تجارة غير قانونية له في العالم، في هذه الصورة يظهر لنا جندي يحرس موقع تنقيب عن الرمل في (بوغوتا) في كولومبيا. صورة: Getty Images
أدى ارتفاع الطلب على الرمل إلى ظهور تجارة غير قانونية له في العالم، في هذه الصورة يظهر لنا جندي يحرس موقع تنقيب عن الرمل في (بوغوتا) في كولومبيا. صورة: Getty Images

باعتباره مادة بناء؛ صمد الرمل في وجه امتحان الزمن، في سنة 3500 قبل الميلاد، كان المصريون وشعوب بلاد ما بين النهرين القدماء يستخدمون الرمل، الذي تشكل معظمه بفعل تعرية الرياح والماء للصخور، من أجل صناعة الزجاج. اليوم يبالغ العاملون في مجال البناء من استخدام هذه المادة، التي يمكن العثور عليها في مقالع الحجارة، والأنهار، والبحيرات، والمحيطات، وذلك من أجل إعداد جملة من مواد البناء الأخرى مثل الطلاء والإسمنت.

مع ارتفاع وتيرة مشاريع البناء في العالم كله، وكذا وصول تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ الطلب على الرمل عنان السماء. في سنة 2014 على سبيل المثال، تم التنقيب عن 196 مليون طن من الرمل والحصى حول العالم، وذلك وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

يقول (بيدوزي) أنه بعد الماء، يعتبر الرمل ثاني أكثر الموارد الطبيعية استعمالا في العالم، فهو يستخدم في كل شيء من مصفيات المسابح، والطواقم المعدنية، وآبار النفط والغاز وصولا إلى شاشات الهواتف الذكية ومعاجين الأسنان. وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فقد قُدر السوق الإجمالي للرمل والحصى في الولايات المتحدة وحدها بـ8.3 مليار دولار في سنة 2015، و2.5 مليار دولار في المملكة المتحدة في سنة 2013.

توقع تقرير أصدرته Freedonia Group سنة 2014 أن يرتفع الطلب على الرمل بنسبة 5.5٪ سنويا باعتبار سنة 2018، وقد يستفيد المستثمرون الذين هم على استعداد لتحمل عدم استقرار السوق وتحمل بعض المخاطر من زيادة شهية العالم تجاه هذه السلعة العالمية.

يقول (سوني رانداوا)، وهو نائب رئيس قطاع البحث عن الطاقة في D.A. Davidson، وهي شركة استثمار مقرها (أوريغون)، بأن سوق الرمل كان ”مملاً“ على مدى سنوات، وأضاف بأنه في السنوات القليلة الماضية أصبح هذا السوء مزدهراً جداً، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

طلب عالمي غير متكافئ:

يتوزع الطلب على الرمل بشكل غير متكافئ حول العالم.

زاد التوسع الإسمنتي وزيادة وتيرة مشاريع البناء في الصين والهند من الطلب على الرمل في أسواقها، وعلى المستوى العالمي، فإن خُمس استيراد الرمل من نصيب الصين، وذلك وفقاً لفرع إحصائيات التجارة لدى هيئة الأمم المتحدة.

وبفعل سُعار بناء وتطوير السدود، والطرقات، والمباني والمصانع الجديدة في البلد، فقد استخدمت الصين خلال السنوات السبعة الماضية من الرمل أكثر مما استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الماضي كله، ووفقاً لـ(بيدوزي) فإن الصين تعمل حتى على تكديس كميات هائلة من الرمل في الشعاب من أجل خلق جزر جديدة وتوسيع موطأ قدمها في بحر الصين الجنوبي.

مشاريع الصين البنائية العملاقة جعلتها في حاجة إلى كميات هائلة من الرمل.
مشاريع الصين البنائية العملاقة جعلتها في حاجة إلى كميات هائلة من الرمل. صورة: Getty Images

حتى أن الإمارات العربية المتحدة استوردت ما قيمته 456 مليون دولار من الرمل والحصى في سنة 2014، وعلى الرغم من كونها في قلب الصحراء، فإن الرمال المستوردة هي ما ساهمت في بناء مدينة دبي، وذلك وفقا لـ(باسكال)، ذلك أن رمال الصحراء المتشكلة بفعل الرياح كانت أكثر سلاسة من أن تكون صالحة للاستعمال في مشاريع البناء.

بينما انخفضت الحاجة للرمل في المملكة المتحدة بفعل التشجيع السياسي لاستخدام مواد بناء أخرى قابلة للتدوير، فوفقا لهيئة المنتجات المعدنية في المملكة المتحدة، فقد انخفض الطلب على الصخور والحصى والرمل بنسبة 25٪ تحت مستوى سنة 2007.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، خلق الاعتماد الجديد على تقنيات التكسيير الهيدروليكي في التنقيب عن النفط والغاز شهية كبيرة للرمل. وفقا لهيئة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت في سنة 2013 نسبة إنتاج الرمل لفائدة آبار التكسير الجيولوجي بتسعة عشر مرة أكبر من العقد السابق.

تتضمن تقنية التكسير الهيدروليكي في الحفر قذف المياه والرمل وبعض المواد الكيميائية داخل آبار تحفر بصورة أفقية على عمق آلاف الأمتار تحت الأرض ضد تشكلات صخرية، من أجل استخراج النفط أو الغاز الطبيعي.

لطالما كان الطلب على الرمل بنفس ذبذبة وعدم استقرار أسعار النفط. يقول (رانداوا) أنه من سنة 2011 إلى غاية سنة 2014 تضاعف الطلب على الرمل من 24 مليون طن إلى 59 مليون طن، ثم انخفض في سنة 2015 إلى 50 مليون طن فقط.

لكن حتى بانخفاض أسعار النفط، مازال الطلب على الرمل في ارتفاع، وذلك يعود لسبب كبير إلى ارتفاع حجم الرمل المستعمل في الآبار سعيا في استخراج المزيد من النفط، وذلك وفقا لـ(مارك بيانشي)، مدير على مستوى Cowen and Company.

زاد الاستخدام المكثف لتقنية التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة إلى زيادة الشهية لمادة الرمل.
زاد الاستخدام المكثف لتقنية التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة إلى زيادة الشهية لمادة الرمل. صورة: Getty Images

بينما أصبحت تقنية التكسير الهيدروليكي أفضل في استخراج المزيد من النفط في كل بئر على حدى، فإن حجم الرمل المستعمل في كل بئر على حدى قد ارتفع هو أيضاً، وذلك من 2000 طن للبئر الواحد في الربع الثاني لسنة 2013 إلى 4000 طن في الربع الرابع لسنة 2015.

كيف تستثمر:

يتطلب الأمر جيوبا مملوءة جداً وروحا ريادية من أجل شراء منجم للتنقيب عن الرمل أو شركة تنقيب عن الرمل في الخارج بشكل مباشر. تقنن عدة دول استخراج الرمل وتضع لها قوانين محددة، كما تمنح عددا محدودا من التراخيص لهذا الغرض من أجل الحيلولة دون التنقيب المفرط عن هذه السلعة، كما أن التكنولوجيا الضرورية لاستخراج ومعالجة ونقل الرمل تكون في معظم الأحيان باهضة أكثر من أن يتحمل تكاليفها المستثمرون الفرديون.

حتى أن الاستثمار في شركات الرمل الموجودة مسبقا يتطلب أكثر من مجرد جهد كبير، وذلك ابتداء من العمليات الصغرى التي تقوم بها أصغر الشركات التي قد تكون تملك منجما واحدا، وصولا إلى اللاعبين الكبار المتمثلين في الشركات متعددة الجنسيات مثل الشركة البلجيكية Sibelco Group التي هي شركة عمرها 144 سنة تنشط في 41 دولة، أو الشركة الألمانية Heidelberg Cement، التي تصنع وتبيع الإسمنت في 40 دولة وتملك وتدير منشآت الرمل في مناطق مختلفة في العالم.

لمعظم الوقت، فإن هذا السوق المتشتت جدا يكون ذا تركيز جهوي، فعلى الجانب الأوروبي تملك الهيئة الأوروبية لمنتجي الـ(سيليكا) الصناعية قائمة محددة عن اللاعبين الرئيسيين في القارة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تملك 230 شركة 335 مواقع عمل على الرمل عبر 35 ولاية، وذلك وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت أربعة شركات رمل أمريكية بيع حصص لها على سوق الأسهم في نيويورك، تركز اثنتان من هذه الشركات وهما Emerge Energy Services وHi Crush Partners حصراً على سوق الرمل المستخدم في التنقيب عن النفط والغاز، بينما تركز شركتا Fairmount Minerals وU.S. Silica على الرمل الصناعي.

يقول (رانداوا) أنه من الصعب تعقب مكاسب هذه الشركات، ومع صعوبة التنبؤ بأسعار النفط، فإنه يقول أن على المستثمرين المستعدين لتحمل المخاطر أن يتحضروا جيدا لاضطراب السوق وعدم استقراره.

يعتقد كل من (رانداوا) و(بيانشي) أن شركة U.S. Silica، التي كانت موجودة في الميدان منذ سنة 1900، هي الأكثر استعداد والأكثر تأهيلا لأن تتحمل ذبذبة السوق، فقد قال كلاهما أن زبائن الشركة الدائمين منذ زمن طويل يمنحونها مورد مداخيل ثابت حتى عندما ينخفض الطلب على الرمل المستخدم في آبار التنقيب. أضف إلى ذلك أن الشركة قد بدأت إنتاج بعض المواد الأخرى ذات العلاقة بالرمل.

مخاوف مستقبلية:

في النهاية، هنالك مخاوف قانونية وبيئية يجدر بنا التفكير فيها حول العالم، فوفقاً لـ(بيدوزي)، لقد تآكلت الشواطئ بمعدل 40 متر تقريباً من سنة 1968 إلى غاية سنة 2008، وفي بعض المناطق، على شاكلة (كارولاينا الجنوبية) وكاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، كان التآكل بفعل التنقيب المفرط على الرمال وبفعل الاحتباس الحراري كذلك قد وصل إلى مئات الأمتار، وفي مناطق أخرى من العالم، اختفت جزر تماما من الوجود.

يقول (بيدوزي): ”مازلنا نملك كميات هائلة من الرمل“، ويضيف: ”غير أنه يصبح نادراً شيئا فشيئا بسبب تعسفنا في استخدامه. لا يعني هذا أن نتوقف عن استخدام الرمل، لكن يجب علينا أن نكون أكثر حذراً في ذلك“.

مقالات إعلانية