in

سؤالان لا يعرف أحد إجابتهما على الأرض كلها

اينشتاين ونيوتن وستيفن هوكينج
صورة: قناة TED-Ed على يوتيوب

في أيام الدراسة، نقضي الكثير من الوقت لتتعلم الإجابات عن أسئلة عديدة، ولكن الآن سنقوم بعكس الأمر، سنركز على الأسئلة التي لا نستطيع تعلم إجاباتها لأنها ببساطة لا تملك إجابات.

كيف كان سيشعر المرء لو كان كلباً؟ هل تشعر السمكة بالألم؟ ماذا عن الحشرات؟ هل كان الإنفجار العظيم محض صدفة؟ هل يوجد إله؟ ولو أنه موجود ما الذي يجعلنا متأكدين بأنه ذكر وليس أنثى؟ ما الذي يجعل أناس وحيوانات أبرياء يعانون من أشياء فظيعة؟ هل هناك حقاً خطة للحياة؟ وهل المستقبل لم يكتب بعد، أم أنه مكتوب مسبقاً ولا يمكننا رؤيته؟ من نحن بطبيعة الحال؟ هل نحن آلات بيولوجية فقط؟ وإذا صح ذلك، لمَ أنا واعي؟ وما هو الوعي أساساً؟ هل ستصبح الروبوتات واعية يوماً ما؟ لا أحد يعلم…

في الحقيقة، إن الغوص في كل هذه التساؤلات المحيرة مثير جداً، لأنها تقودك إلى آخر حدود المعرفة، ولا تعلم ماذا ستجد هناك.

لذا دعنا نطرح سؤالين لا يعرف أحد على الكوكب إجابةً لهما.

1. ما هو عدد الأكوان الموجودة؟

ما هو عدد الأكوان الموجودة؟
صورة: قناة TED-Ed على يوتيوب

عندما تكون في طائرة (بجانب النافذة) وتنظر إلى الجبال والصحاري وتحاول أن تتخيل كم الأرض شاسعة، فتذكر أن هنالك شيء نراه يومياً يتسع لمليون أرض بداخله: هو الشمس.

الشمس كبيرة بشكل لا يعقل، ومع ذلك فإنها في محيطها الكبير لا تتجاوز حجم رأس الإبرة بالنسبة لعرض الكون، وفي مجرتنا درب التبانة يوجد حوالي 400 مليار نجم، والتي يمكنك أن تراها في ليلة صافية كضباب أبيض باهت ممتد على عرض السماء.

وأكثر من ذلك، يقدر عدد المجرات التي يستطيع التيليسكوب رؤيتها بـ100 مليار مجرة، ومعنى ذلك أنه لو كان كل نجم بحجم حبة رمل ستكوّن درب التبانة شاطئاً مساحته 80 متر مربع بعمق متر واحد. ولن تتسع كل شواطئ الأرض للنجوم الموجودة في الكون، حيث نحتاج لشاطئ يمتد لمئات الملايين من الكيلومترات. وأيضاً يعتقد العظيم ”ستيفن هوكينغ“ وفيزيائيون آخرون بأنه توجد تشكيلات أكبر في الكون، حيث أن المئة مليار مجرة التي يمكننا أن نشاهدها عبر التيليسكوب هي فقط جزء بسيط من مجموع المجرات في الكون.

أضف إلى ذلك أن الكون يتوسع بوتيرة متزايدة، كما أن الغالبية العظمى من المجرات تتباعد من حولنا بسرعة كبيرة لدرجة أن الضوء المنبعث منها قد لا يصلنا أبداً.

مع ذلك فالطبيعة الفيزيائية على الأرض ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك المجرات البعيدة والخفية. يمكننا فهمها كجزء من كوننا بحيث أنها تكوّن صرحاً ضخماً وتتبع نفس قوانين الفيزياء، ومصنوعة من نفس البنية الذرية، (إلكترونات، وبروتونات، وكواركات، ونيترونات)، التي تشكّلْنَا أنا وأنت منها.

مع ذلك، تخبرنا النظريات الفيزيائية الحديثة؛ ومن ضمنها نظرية الأوتار الفائقة، بأنه من الممكن أن يكون هناك عدد لانهائي من الأكوان، كل منها مبني من نوع مختلف من العناصر، وبخصائص مختلفة، ويتبع قوانين مختلفة أيضاً.

معظم هذه الأكوان قد لا يوفر شروط تواجد الحياة فيه، ومن الممكن أن يوجد وينعدم في نانو ثانية، ومع ذلك فإن هذه الأكوان مجتمعة تشكل كونا متعددا شاسعا من الأكوان الممكنة في 11 بُعد، مبرزة عجائب قد تفوق الخيال.

تتنبأ النسخة الرائدة من نظرية ”الأوتار الفائقة“ بأن الكون المتعدد مكون من 10 أس 500 كون (أي رقم 1 متبوع بجانبه 500 صفر)، ولتصور ضخامة هذا الرقم تخيل أن كل ذرة في كوننا المعروف تحتوي كوناً بداخلها وكل ذرة من ذرات هذه الأكوان ”الذرية“ تحتوي أيضاً كوناً خاصاً بها، وأعد ذلك لدورتين إضافيتين وسيكون عدد الذرات النهائي هو قسم صغير جداً من العدد 10 مرفوع إلى 500.

ولكن حتى هذا العدد الضخم يبقى صغيراً جداً أمام عدد آخر وهو ”اللانهاية – Infinity“. يعتقد بعض الفيزيائيون أن استمرارية الزمكان لا نهائية، وأنها تحتوي على عدد لانهائي مما يدعى بـ”الأكوان الفرعية – Pocket Universes“، بخصائص متفاوتة.

”الأكوان الفرعية“ هو مصطلح في النظرية التضخمية – Inflationary theory المطروحة من قبل ”آلان غوث – Alan Guth“ التي تقول بأن المناطق الكونية؛ كالتي تحتوي كوننا المعروف، هي واحدة من عدة مناطق تضخمية، حيث أن عالم الفيزياء الفلكية ”جين لينرز – Jean-Luc Lehners“ كان قد صرّح أن الكون المتضخم ينتج أكوانا فرعية أو صغيرة ”Pocket Universes“. (كيف حال عقولكم لحد الآن؟).

تضيف النظرية الكمومية المزيد من التعقيد على الأمر، وقد تم إثبات هذه النظرية من دون أي شك، ولكن تفسيرها محير للغاية، ويعتقد بعض الفيزيائيون أنه بالإمكان إزالة الحيرة عنها إذا تخيلنا وجود عدد كبير من الأكوان المتوازية تنشأ كل لحظة، وفي الحقيقة، من الممكن أن يكون العديد من هذه الأكوان مشابهاً للذي نعيش فيه، ويمكن أن تحتوي على نسخ عديدة منك أنت!

نعم أنت، في أحد هذه الأكوان، تتخرج بمرتبة شرف وتتزوج فتاة أحلامك، وفي كون آخر لا تكون النجاحات بهذا القدْر.

يبقى هنالك بعض العلماء ليقولوا بأن هذا الكلام مجرد هراء، والإجابة الوحيدة المنطقية على سؤال عدد الأكوان الموجودة هي واحد، كون واحد فقط. ويمكن أيضاً أن يجادل بعض الفلاسفة والصوفيون (والمتدينون طبعاً) بأنه حتى كوننا الوحيد هو مجرد وهم.

فكما ترى، لا يوجد هناك جواب يمكن أن يوافق عليه الجميع ولا حتى الأغلبية منهم، فَجُلَّ ما نعرفه هو أن الجواب محصور بين الصفر واللانهاية. وأعتقد أننا نعلم شيئاً آخر، هذا هو أفضل وقت لدراسة الفيزياء، لأننا نمر بأكبر نقلة نوعية عرفتها البشرية في تاريخ المعرفة.

2. لماذا لا يمكننا رؤية أي دليل على الحياة الفضائية؟

لماذا لا يمكننا رؤية أي دليل على الحياة الفضائية؟
صورة: قناة TED-Ed على يوتيوب

في مكان ما من الكون الشاسع، لا بد من وجود كواكب أخرى كثيرة تعج بالحياة. ولكن لماذا لا يمكننا أن نجد أي دليل على هذا؟

كما قال ”إريكو فيرمي – Erico Fermi“ في السؤال الشهير الذي طرحه عام 1950 ”?Where is everybody“ (وين الشباب؟).

مُدَّعوا نظرية المؤامرة (الذين عودونا على وضع أنوفهم في كل موضوع) يدَّعون أن الصحون الفضائية الطائرة ”UFOs“ تقوم بزيارتنا معظم الوقت، وأن التقارير التي تفيد بذلك يتم إخفاؤها دوماً، ولكن في الواقع هذا الإدعاء ليس مقنعاً أبداً… ولكن هذا يترك كذلك لغزا حقيقيا.

في سنة 2011 وجد مسبار ”كيبلر“ الفضائي المئات من الكواكب حول النجوم المحيطة بنا فقط، فلذا من الممكن أن يكون حوالي نصف تريليون كوكب موجوداً في مجرتنا فقط، وإذا قلنا بأن احتمال وجود كواكب آهلة للحياة هو كوكب واحد من كل 10,000 كوكب، فهذا يعني أنه لدينا 50 مليون كوكبا يسمح بوجود حياة على سطحه، وهذا فقط في درب التبانة.

وهنا يكمن اللغز: لم تتشكل الأرض إلا بعد مرور 9 مليارات سنة على الإنفجار العظيم، ومن الواضح أن هناك عدد لايحصى من الكواكب التي تشكلت قبل ذلك، وأعطت أيضاً فرصة لنشوء الحياة عليها قبل حدوث ذلك على الأرض بملايين السنوات، ولو أن بعضها فقط أنشأ حياةً متقدمة، وبدأ فيها التطور التكنولوجي، لكان أمامه ملايين السنين لكي يتطور ويزداد تعقيداً وقوة.

لقد رأينا على الأرض كيف يمكن أن تتسارع التكنولوجيا بشكل كبير جداً فقط في 100 سنة. فخلال ملايين السنوات يمكن لحضارة فضائية متقدمة أن تنتشر عبر المجرة بسهولة فائقة، ولربما تترك وراءها مخلفات جمع الطاقة، أو أساطيل سفن الفضاء المستعمِرة، أو أعمالا فنية رائعة تملأ السماء ليلاً.

على أقل تقدير من الممكن أن يكشفوا وجودهم (عن عمد أو لا) عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية، ولكن حتى اللحظة لم نجد أي دليل مقنع على أي شيء من هذا، لماذا؟

حسناً، هناك عدد من الإجابات الممكنة، وبعضها مخيف للغاية.

لربما هناك حضارة متقدمة جداً تسيطر على المجرة بالكامل وقد فرضت قوانين صارمة تمنع بث موجات الراديو وتفرض الهدوء في المجرة لأنهم مذعورون من احتمال وجود أي منافسين، فقط يتربصون بمكان ما وجاهزون لمحو أي خطر محتمل.

أو من الممكن أن لا تكون هذه الحضارة بهذا القدْر من التقدم، أو ربما تقدُّم حضارة بحيث تستطيع صنع تقنيات متطورة إلى هذا الحد لا يحدث كما نفترض نحن.

ومع كل ذلك، فإن ذلك (أي إمكانية نشوء حياة) يحصل على الأرض فقط كل 4 مليارات سنة، ولربما هذا كان حظاً موفقاً لنا. من الممكن أن نكون نحن أول حضارة تنشأ على هذا النحو في مجرتنا، أو من الممكن أن تكون الحضارات تحمل بذور تدمير نفسها بنفسها، عن طريق عجزها في نهاية المطاف عن السيطرة على التقنيات التي صنعتها بنفسها.

ولكن يوجد هناك العديد من الأجوبة الأكثر تفاؤلاً، وكبداية يجب القول أننا لا نبحث بتلك الجدية، فنحن نصرف كمية قليلة جداً من الأموال على هذه الأبحاث، جزء بسيط جداً من النجوم المحيطة قد تم النظر إليها عن كثب لإيجاد أي إشارات مثيرة للإهتمام.

وربما نحن لا ننظر بالاتحاه الصحيح، ربما تكتشف الحضارات الأخرى وهي قيد التطور تقنيات اتصالات مفيدة ومتطورة أكثر بكثير من الموجات الكهرومغناطيسية، ولربما أيضاً كانت كل هذه الأحداث تحصل داخل المادة السوداء المكتشَفة حديثاً من قِبَلِنا، أو الطاقة السوداء التي يظهر أنها تشكل معظم كتلة الكون، أو أننا نقيس بمقياس خاطئ.

ربما ستتوصل الحضارات المتقدمة لاستنتاج أن الحياة في النهاية هي فقط أنماط معقدة من المعلومات تتفاعل مع بعضها بطريقة رائعة. ويمكن لذلك أن يعمل بفعالية أكبر على نطاق صغير. فكما تقلصت أجهزة الستيريو إلى أجهزة iPod صغيرة، يمكن أن تكون الحياة المتقدمة ذاتها -ولكي تخفف آثارها على البيئة- قد حولت نفسها إلى حياة مجهرية متناهية الصِّغَر، مما قد يجعل المجموعة الشمسية تعج بالفضائيين، ونحن ببساطة، لم نلحظهم فقط.

ولربما تكون الأفكار التي في أدمغتنا هي شكل من أشكال الحياة الفضائية. نعم هذه فكرة جنونية، ربما جعلني الفضائيون أقولها.

ولكنها فكرة جميلة أن يكون للأفكار حياتها الخاصة، وأنها قد نجت من موت صانعيها، والحياة المادية هي فقط مرحلة مرور.

في الـ15 عاما القادم قد نبدأ برؤية معلومات طيفية حقيقية من كواكب قريبة واعدة بالحياة، والتي ستكشف كم سيكونون ودودين تجاه غيرهم، وفي الوقت نفسه فإن مشروع ” Search for Extraterrestial Intelligence“ للبحث عن الحضارات المتقدمة خارج الكرة الأرضية يقوم بنشر معلوماته للعامة، لكي يستطيع الملايين من المواطنين المهتمين بالعلوم المشاركة بالبحث، بما فيهم أنت.

وهنا على الأرض، يتم إنجاز تجارب مميزة لمحاولة إنشاء حيوات من الصفر، حيوات من الممكن أن تكون مختلفة كثيراً عن حياتنا المبنية على DNA. كل هذا سيساعدنا على معرفة إذا ما كان الكون يعج بالحياة أم أننا الوحيدون.

كل جواب هو مذهل بطريقته الخاصة، لأنه حتى لو كنا وحيدين، حقيقة كوننا نفكر، نحلم، ونطرح هذه الأسئلة قد تكون أحد أهم الحقائق في الكون.

ولدينا خبر إضافي جيد لكم، لن يصبح طلب العلم والمعرفة مملاً في يوم من الأيام، بل هو على العكس تماماً، فكلما تعلمت أكثر، كلما أصبح العالم أكثر إثارة، فالاحتمالات العديدة، والأسئلة التي لا تملك إجابات هي مايدفعنا إلى الأمام، لذا كن فضولياً ”Stay Curious“.

مقالات إعلانية