in

دخلك بتعرف أسرع جسم تم قذفه إلى الفضاء الخارجي على الإطلاق؟

غطاء فتحة مجارير

حين يطرح سؤال عن أسرع الأشياء التي أطلقت إلى الفضاء الخارجي، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا صورة لصاروخ يقذف خلفه لهباً لمسافة بعيدة، أو على الأقل شيء من هذا القبيل، لكن أسرع جسم يقذف إلى الفضاء هو غطاء فتحة مجاري.

لم أصدق القصة حين سمعتها للمرة الأولى، كيف يمكن لغطاء فتحة المجاري الحديدي أن يكون أسرع ما صنعه الإنسان على الإطلاق؟

أوَّلُ ما تخيلتُه مجموعة مرعبة من أغطية المجاري الطائرة، ترهب سكان مدينة نيويورك. لكن الأمر لم يكن كذلك، في الواقع تم إطلاق هذا الغطاء بواسطة قنبلة نووية.

في حديث له مع موقع Tech Insider، يروي (روبيرت براونلي) عالم فيزياء الفلك، الذي صمم هذه التجربة النووية، تفاصيل القصة العجيبة، حيث دحض كلام منتقديه وأكد على أن ذلك الغطاء كان على الأرجح الجسم الأسرع الذي أطلقته البشرية في تاريخها.

منذ عام 1945 وحتى عام 1992، فجرت الولايات المتحدة خلال تجاربها حوالي 1054 قنبلة نووية.

رسم بياني

ومع حلول الخمسينيات من القرن الماضي، تزايد قلق الحكومة الأمريكية والشعب على حد سواء من الإشعاعات التي يمكن أن تطلقها القنابل النووية في الغلاف الجوي.

انفجار نووي
سحابة الفطر في أول اختبار لقنبلة هيدروجينية والتي أطلق عليها اسم آيفي مايك، كما صُوِرت من جزيرة (إنيوتاك) المرجانية في المحيط الهادئ عام 1952.

لذلك بدأت الولايات المتحدة في عام 1962 بإجراء جميع التجارب النووية تحت الأرض.

آخر قنبلة نووية أمريكية يتم اختبارها، تحمل اسم The Divider، يتم ارسالها تحت الأرض تمهيداً لتفجيرها في 23 سبتمبر 1992. (LANL)
آخر قنبلة نووية أمريكية يتم اختبارها، تحمل اسم The Divider، يتم ارسالها تحت الأرض تمهيداً لتفجيرها في 23 سبتمبر 1992. (LANL)

كانت الاختبارات الأولى تحت الأرض بمثابة التجربة، إذ أن أحداً لم يكن يعلم ما قد يحدث بالضبط.

اختبار انفجار نووي

لكن الاختبارات التي تهمنا هنا كانت تحمل اسم Pascal خلال العملية Plumbbob.

اسماء الاختبارات النووية الأمريكية
لسوء الحظ، لم يتم ترك أي صور من تجارب باسكال، وكل ما تبقى هو وثائق حكومية مثل هذه. (NNSA)

صمم (براونلي) اختبار Pascal-A، وهو أول تصميم لأداة معدّة لاحتواء المخلفات الناتجة عن الانفجار النووي، حيث وضِعت القنبلة في قعر أنبوب مجوف (عرضه حوالي المتر وعمقه نحو 148 متر) مع غطاء حديدي بسمك 10 سنتمترات في الأعلى.

انفجار نووي

تم إجراء الاختبار في ليلة 26 يوليو 1957، حيث بدا الانفجار الخارج من الأنبوب كما لو أنه (شمعة رومانية). وقال (براونلي) إن الغطاء الحديدي في Pascal-A طار من أعلى الأنبوب ”مثل الخفاش“.

شمعة رومانية
مفرقعات الشمعة الرومانية

أراد (براونلي) أن يقيس سرعة انطلاق الغطاء الحديدي من الأنبوب، ولأجل ذلك قام بتصميم تجربة ثانية أُطلق عليها اسم Pascal-B.

هيربر غيريي

في 27 من أغسطس عام 1957 كرر (براونلي) التجربة الأولى، لكن الأنبوب في التجربة الثانية Pascal-B كان بعمق 152 متر، أي أكثر بقليل من سابقه. وتم تصوير التجربة باستخدام كاميرا تسجل إطاراً واحدًا كل جزء بالألف من الثانية.

انفجار نووي

وهكذا طار الغطاء المعدني بفعل الانفجار النووي. يقول براونلي إن الغطاء الحديدي كان سريعاً بحيث لم يكن مرئيًا إلا في إطار واحد من الشريط المسجل.

وعندما استخدم هذه المعلومات لمعرفة مدى سرعة الغطاء، حسب أنه كان يسير بمعدل يتجاوز خمسة أضعاف (سرعة الإفلات) من الأرض، ما يعني حوالي 200 ألف كيلومتر في الساعة..

الأرض من الفضاء الخارجي

أي أضعاف السرعة التي وصلت إليها المركبة الفضائية (نيوهورايزن) –حيث يقول الناس إنها أسرع جسم تطلقه البشرية– والتي بلغت سرعتها القصوى نحو 58500 كيلومتر في الساعة أثناء السفر باتجاه بلوتو.

مركبة هورايزن
مركبة هورايزن

في ذلك الوقت، كان (براونلي) يتوقع أن يعود الغطاء إلى الأرض، لكنه لم يعثر عليه قط.

مقر إجراء الاختبارات النووية في صحراء نيفادا الأمريكية.
مقر إجراء الاختبارات النووية في صحراء نيفادا الأمريكية.

وخَلُص إلى نتيجة مفادها أنه كان أسرع بكثير من أن يحترق قبل الوصول إلى الفضاء الخارجي.

صاروخ في الجو

في حين كان الإتحاد السوفيتي هو من أطلق (سبوتنيك) أول قمرٍ صناعي للإنسان في الفضاء الخارجي، ربما كان (براونلي) هو أول انسان على الإطلاق يقذف بشيء ما نحو الفضاء.

سبوتنيك

يقول براوني: ”كان الضغط هائلاً في الجزء العلوي من الأنبوب. أول ما تراه، وميض من الضوء صادر عن الجهاز في الجزء السفلي من الأنبوب المفرغ، وهذا الوهج شديد الحرارة وأكثر سطوعاً من الشمس بمليون مرة. لذا كان انفجار الغطاء وانطلاقه نحو الأعلى أمراً محتوماً“.

على مر السنين، شكك الكثيرون في قصة الغطاء المعدني الرائعة. لكن (براونلي)، الذي لديه معرفة مباشرة بالاختبار، يقول إنه يعرف الحقيقة. فيؤكد قائلاً: ”من وجهة نظري، حدث ذلك بالتأكيد“.

اختبار نووي

لذلك، في المرة القادمة التي تنظر فيها نحو النجوم، تذكر قصة براونلي. في مكان ما هناك، من المحتمل أن يكون ذلك الغطاء المعدني الذي أطلقته القنبلة النووية يبتعد عن الأرض بسرعة 200 ألف كيلومتر في الساعة.

ليلة مضيئة بالنجوم

مقالات إعلانية