in

تعرف على مدينة ميديلين، مدينة (بابلو إسكوبار) العالقة بين حب له وكره

مدينة ميديلين، مدينة (بابلو إسكوبار)

لقد مر أكثر من عقدين من الزمن على وفاة امبراطور تجارة المخدرات (بابلو إسكوبار) ولكن ذكراه بقيت حية في مدينته (ميديلين) في كولومبيا، بينما تقوم الشركات السياحية بجني الأموال من صيت جرائم (إسكوبار) الذي يختلف رأي سكان (ميديلين) حوله حتى يومنا هذا.

عاشت (ماريا سواريز) قبل ثلاثة عقود في المدينة، في حيّ يعرفه السكان المحليون باسم ”مكب النفايات“، وتتذكر المرأة البالغة من العمر 68 عاماً حياتها سابقاً قائلة: ”لقد عشت في كوخٍ مؤلفٍ من غرفة واحدة مع أطفالي الخمسة، كنا نستحم من البئر واستخدمنا الشموع للإضاءة، كما أننا بحثنا عن الطعام في القمامة“. تعيش الآن هذه المرأة المتقاعدة في منزل مريح في حي أنشأه تاجر المخدرات (بابلو اسكوبار) وأطلق اسمه عليه. بالرغم من كونه أحد أكثر المجرمين عنفاً في التاريخ، إلا أن الإجلال الذي يكنه السكان المحليون له يجعله أشبه بالقديس.

في صالون تصفيف الشعر بالقرب من لوحة جدارية معلقة تكريماً لـ(اسكوبار)، تتحدث صاحبة الصالون (ياميل زاباتا) عن المجرم الذي تبرع بإنشاء منازل وإيواء نحو 400 عائلة فقيرة في المنطقة أثناء محاولته لإطلاق حملته السياسية في عام 1980، وتقول: ”يُبقِ العديد من الناس صورة لـ(اسكوبار) في منازلهم ويشعلون الشموع أيضاً لأجله“.

مدينة ميديلين، مدينة (بابلو إسكوبار)
مدينة ميديلين، مدينة (بابلو إسكوبار)

قُتل (اسكوبار) الملقب بـ”الزعيم“ من قبل الشرطة –أو كما يعتقد الكثير من السكان في (ميديلين) بأن (اسكوبار) قد أطلق النار في أذنه عندما كان محاصراً على سطح أحد الطوابق– وبعد مضي 24 سنة على مقتله؛ لا يزال شخصه حاضراً بين الناس في ثاني أكبر مدينة في كولومبيا بعد العاصمة.

حب ”مقدس“ من جهة، وكره وبغض من جهة أخرى

قال (سيباستيان لوبيز) وهو موظف في شركة سياحية: ”لقد قتل مرتزقته عمي ولم يقدم أي شيء ايجابي بل جعل الأطفال الفقراء يحلمون بالحصول على بندقية ودراجة نارية بدلاً من الرغبة في مزاولة الدراسة“.

يحكي الكثير من الناس في (ميديلين) قصصاً عن الأقارب أو المعارف الذين ارتبطوا بعصابة (إسكوبار) أو قُتلوا على يدها، حيث كانت العصابة أو (الكارتيل) تهيمن على تجارة الكوكائين في الولايات المتحدة وحصدت ثروة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات من هذه التجارة. ويتحمل (اسكوبار) مسؤولية وفاة ما لا يقل عن 5000 شخص، بمن فيهم وزير العدل ومرشحين رئاسيين وقضاة وصحفيون وضباط شرطة، فقد أمر (إسكوبار) بتفجير طائرة ركاب نتيجة اعتقاده عن طريق الخطأ أنها تحمل مرشحاً رئاسياً آخر في عام 1989، وفجر مقراً للشرطة وأطاح بالحكومة تقريباً من خلال الاغتيالات والرشوة والتفجيرات التي تهدف إلى ترهيب السكان والدولة للخضوع إلى سلطته، ومن المرجح أن العديد من المنازل في (ميديلين) تحتوي على أموال تجارة المخدرات مخفيةً داخل جدرانها.

ازداد الاهتمام بشخصية (بابلو إسكوبار) من خلال المسلسل التلفزيوني الكولومبي المحلي وبرنامج (نيتفليكس) الرائع Narcos، حيث يقوم اليوم العديد من المرشدين السياحيين باستقبال عشرات الزوار لمشاهدة الأماكن التي كانت مرتبطة بسيد المخدرات، وتشمل المعالم مبنى أبيضا متعدد الطوابق يدعى (موناكو)، وهو أحد منازل (إسكوبار) والذي تم تفجيره من قبل عصابة (كالي كارتل) المنافسة. وقد تركت السلطات المحلية المبنى تحت تصرف الشرطة.

مبنى (موناكو).
مبنى (موناكو).

أما السجن الفخم الذي بناه (اسكوبار) لنفسه على التلال الخضراء بعيداً عن المدينة فقد أصبح الآن مسكناً للمسنين [قرر بابلو تسليم نفسه للشرطة شرط أن يبني سجنه الخاص، وهذا ما حصل بالفعل. قررت الحكومة نقله إلى سجن آخر لكن بابلو اكتشف اللعبة وهرب، حدث هذا قبل أن يلقي حتفه بعد مطاردته]، والذين يعتنون به وبحدائقه.

تحتوي أرض ”السجن“ على منصة للطائرات المروحية بالإضافة إلى مبنى رياضي أتت إليه فرق كرة القدم الكولومبية الكبرى للعب من أجل (إسكوبار)، وكنيسة تحتوي تمثالاً للمسيح المصلوب محاطاً بمسدسات ذهبية. ويقول دليل سياحي: ”يدّعي المسؤولون أن التمثال قد جيء به من قبل كهنة محليين لأنهم لا يريدون أي ارتباط للمكان مع (بابلو إسكوبار)“.

السجن الفخم الذي بناه (اسكوبار) لنفسه على التلال الخضراء
السجن الفخم الذي بناه (اسكوبار) لنفسه على التلال الخضراء.

أصبح قبر (اسكوبار) في مقبرة (مونتيساكرو) مكاناً للحج. يقول (فيديريكو أرولاف) -وهو موظف في المقبرة يعرف باسم ”الملاك“ ويحرس القبر المغطى بالورود: ”يأتي الناس إلى هنا كل يوم للصلاة ولطلب المساعدة من (بابلو)“، وقد علق شقيق (اسكوبار) وهو (روبرتو اسكوبار) مازحاً: ”يجني (بابلو) وهو ميتٌ أموالاً لمدينة (ميديلين) عن طريق السياحة أكثر مما كان يجنيه وهو على قيد الحياة“. وقد قضى (روبرتو) 14 عاماً في السجن ويدير الآن متحفاً في أحد منازل (بابلو) السابقة. ويشير العاملون في المتحف إلى سيد المخدرات بكل احترام ”دون بابلو“ ويلقبون رجاله بالصبية ويصفونه بأنه ”روبن هود“ الذي أعطى المال للفقراء وادعى بأنه ”يريد إنهاء الفساد“.

لكن يبدو أن عمدة المدينة (فيديريكو غوتيريس) غير راضٍ عن المنشآت السياحية المزدهرة والتي تعود أصلاً لـ(اسكوبار) في (ميديلين)، تلك المدينة التي تفخر بقطار الأنفاق وسياساتها البيئية، وأصدر العمدة خطاباً عاماً ينتقد فيه وكالة السفر في بنما لإعلانها عن ما سمته بـ”جولات المخدرات“ في عام 2016، كما انتقد مغني الراب الأمريكي (ويز خليفة) الذي زار القبر في (مونتيساكرو) وقال (غوتيريس) عنه: ”يلاحظ المرء أن هذا الرجل لم يتعرض أو يعاني من عنف تجار المخدرات، وكان على هذا الرجل المخزي أن يأخذ الزهور إلى الضحايا ويعتذر إلى المدينة بدلاً من أخذ الزهور إلى (بابلو إسكوبار)“.

كولومبيا بعد إسكوبار

ويستمر الاتجار بالكوكائين في كولومبيا، حيث ارتفعت نسبة حقول الكوكائين غير المشروعة بنسبة تصل إلى 50 في المائة لتصل مساحتها إلى 1500 كيلومتر مربع في عام 2016، وذلك وفقاً لصحيفة El Tiempo. وقد استمر هذا النمو على الرغم من اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة في تشرين الثاني عام 2016 مع حركة حرب العصابات (FARC) التي شاركت في تجارة المخدرات.

ويعمل الآن المهربون في (ميديلين) وفي أماكن أخرى ضمن وحدات أصغر وأكثر تخصصاً بدون ظهور رؤساء أقوياء مثل (بابلو اسكوبار)، وذلك وفقاً لصحيفة El Confidencial.

توجد ملحوظة في متحف (هاسيندا نابوليس) -وهو قصر ومنزل سابق لـ(اسكوبار) في (بويرتو تريونفو) شرق (ميديلين) تم تحويله إلى متنزه ترفيهي- تقول أن (بابلو) لا يجب أن يثير الاعجاب، بل أنه يستحق ”الرفض والإدانة الدائمة“. وبالرغم من ذلك، فإن (ماريا سواريز) لا تشاطر وجهة النظر هذه. وتقول: ”فليسامحه الله إن فعل أشياء سيئة، لكنه ساعدني بينما لم تقدم لي الحكومة أي شيء“.

مقالات إعلانية