in

أصبحت أفراس النهر التي جلبها بابلو إيسكوبار إلى كولومبيا تعيث في بحيراتها فسادا، والسبب أغرب مما تتخيل!

تقترح دراسة حديثة أن هذه المخلوقات الضخمة صارت تغير من طبيعة المياه المحلية بسبب عادات التبرز لديها.

في سنة 1978، اقتنى تاجر المخدرات الشهير بابلو إيسكوبار ملكية عقارية شاسعة في (ميديين) بكولومبيا، والتي عمل على جعلها متميزة بعدد من الخصائص والمعالم الفريدة من نوعها، من بينها نذكر ملعب كرة قدم، تماثيلاً لديناصورات، حلبة مصارعة ثيران، ومعرضا للحيوانات البرية مملوءا بوحيد القرن، والزرافات، والحمير الوحشية، وأفراس النهر.

بعد أن تم القضاء على إيسكوبار بعدة طلقات نارية من طرف رجال الشرطة في سنة 1993، استولت حكومة البلد على هذه الملكية العقارية الشاسعة ونقلت معظم الحيوانات التي كانت تعيش فيها إلى حدائق حيوانات محلية. غير أن أفراس النهر، التي يقال أن بابلو إيسكوبار كان مولعا بها على وجه الخصوص، اعتُبرت خطيرة جدا وعدوانية ليتم التعامل معها ومحاولة نقلها.

على إثر ذلك، تركت هذه الحيوانات الثقيلة والضخمة في حرية تامة، فأخذت تجوب (هاسيندا نابوليس)، وهو الاسم الذي اشتهرت به الملكية العقارية الخاصة بإيسكوبار، والمنطقة المحيطة بها.

(هاسيندا نابوليس)، الملكية العقارية التي كان بابلو إيسكوبار يعيش فيها بمعية حيواناته الغريبة.
(هاسيندا نابوليس)، الملكية العقارية التي كان بابلو إيسكوبار يعيش فيها بمعية حيواناته الغريبة.

شكلت أفراس النهر المتروكة لحال سبيلها هذه مجتمعا صغيرا سرعان ما تضاعفت أعداده في كل من البحيرات الاصطناعية ونهر (ماغدالينا)، ومنذ ذلك الحين، أصبحت تشاهد بين الحين والآخر بعيدا عن (هاسييندا نابوليس) بحوالي 150 كيلومترا. الآن أصبحت أعدادها تتراوح بين 65 و80 فردا، وهو الأمر الذي قد يمثل مشكلة في وجه النظام البيئي المائي في كولومبيا: مشكلة تتعلق بالبراز على وجه الدقة.

يقول (جوناثان شورين)، وهو عالم بيولوجيا في جامعة (كاليفورنيا-سان دييغو)، لصحيفة (لوس آنجلوس تايمز): ”لا تتغذى أفراس النهر سوى على اليابسة“، ويضيف: ”ثم تقصد الماء حيث تظل تتبرز طوال اليوم“.

أفراس النهر الكولومبية

في بيئتها الطبيعية في إفريقيا، قد تكون عادات التبرز المميزة هذه لأفراس النهر ذات فائدة، حيث تنقل المواد المغذية على شاكلة السيليكون من اليابسة إلى المياه، لكن في كولومبيا، حيث أصبحت الحيوانات الآن اجتياحية أكثر، فإن الأمر مثلما يصفه (شورين) وفريقه من الباحثين في مجلة Ecology العلمية: ”المحيط أكثر رطوبة ومستويات المياه أقل تأثرا بالمواسم وأقل تنوعا“.

وتبقى الطريقة التي تؤثر بها أفراس النهر الإفريقية في النظام البيئي في أمريكا الجنوبية غير واضحة تماما، لذلك قررت مجموعة الباحثين هذه الخوض في تجربة لمدة سنتين من أجل اكتشافها.

قام الباحثون بجمع عينات من 14 بحيرة صغرى حول (هاسيندا نابوليس)، من أجل مقارنة نوعية المياه، ومستويات الأكسجين، وكذا مدى توازن نسبة النظائر بين البحيرات التي تعيش فيها أفراس النهر والبحيرات الخالية منها، فاكتشفوا أن ”الرزاقم“، أو البكتيريا الزرقاء –أو الطحالب الزرقاء المائلة للخضرة مثلما تعرف– كانت أكثر انتشارا في البحيرات التي تعيش فيها أفراس النهر، وربما كان هذا عائدا إلى توفر المغذيات بكميات هائلة بفضل تخصيب روث الأفراس للبكتيريا.

يقول (شورين) أن هذا الأمر يبعث على القلق، لأنه: ”قد يقود إلى عدة مشاكل على شاكلة فرط إنتاج الطحالب مما قد يؤدي إلى ظهور طحالب مضرة“.

تقترح بعض الدلائل الأخرى أن هذه الحيوانات بصدد تغيير الصبغة الكيميائية للأجسام المائية المحلية. في البيئات التي تعيش فيها أفراس النهر، وفقا لـ(جيسيكا لاي هيستر) من موقع Atlas Obscura: ”كان حجم الأكسجين المنحل في الماء أقل من المستوى الذي تستطيع الأسماك التعايش معه“، واستطردت بالقول: ”هذا من شأنه جعل الحياة أصعب على النباتات والحيوانات التي تكيفت وفقا لنظام بيئي خال من هذه الثدييات الضخمة ذات الأسنان الكبيرة“.

وضح (شورين) لمجلة (ناشيونال جيوغرافيك) أيضا أن الفروقات التي لاحظها بين البحيرات التي تعيش فيها أفراس النهر والبحيرات الخالية منها كانت: ”قابلة للقياس والملاحظة لكنها لم تكن خطيرة“، حيث بدا وكأن كميات وتنوع اللافقاريات في هذه الأجسام المائية لم تتأثر بعد بوجود أفراس النهر في بيئتها.

لكن هذه الأمر قد يتغير باستمرار هذه الحيوانات في التكاثر.

لو سُمح لأفراس النهر بزيادة أعدادها خارج السيطرة: ”سيتحول مجتمعها الصغير إلى مجتمع أعداده بالآلاف خلال العقود القليلة القادمة“ مثلما وضحه (شورين)، وأضاف: ”تقترح تأثيرات أفراس النهر التي لاحظناها على المحيط المائي في كولومبيا أن زيادة أعدادها المستدامة يشكل تهديدا في وجه نوعية المياه في البحيرات والأنهار هناك، ذلك أنها تقوم بتوسيع نطاقها باستمرار ويحتمل أن تستعمر مناطق جديدة على المنحدر الكاريبي في كولومبيا“.

يبقى ما يجب فعله حيال أفراس النهر هذه مشكلة عويصة، وتتلخص الاحتمالات الرئيسية المتمثلة كحلول لهذه الإشكالية في: تعقيمها، أو أسرها ونقلها إلى حدائق الحيوان، أو قتلها. يبقى الاحتمال الأخير هو الأبعد لأنه وفقا لـ(شورين): ”يحب الناس في كولومبيا واقع أن أفراس النهر تجذب السواح“، ويضيف لصحيفة (لوس أنجلوس تايمز): ”كما أن الناس يحبون الحيوانات“.

لكن مصارعة هذه الحيوانات المزاجية من أجل نقلها أو خصيها يمثل تحديا كبيرا وخطيرا ومكلفا، حيث كلفت عملية نقل فرس نهر وحيد فتي إلى حديقة حيوانات محلية في سنة 2018 حوالي 4500 دولار.

لكن مثلما يشرح الأمر (شورين)، قد يكون التعامل مع بضعة عشرات من هذه الحيوانات الضخمة أسهل من محاولة التعامل مع بضعة آلاف منها في المستقبل. يقول: ”تقترح هذه الدراسة أن هناك نوعا من الاستعجالية في تقرير ما يجب القيام به حيال هذه الحيوانات“، ويستطرد بالقول: ”السؤال المطروح هنا: ما قد يكون هذا الحل يا ترى؟“.

مقالات إعلانية