in

[قصة حقيقية] كيف من الممكن لمطعم غير موجود أبدا أن يصبح أفضل وأشهر المطاعم

أفضل وأشهر مطعم في لندن

لمدة من الزمن كان مطعم ”The Shed at Dulwich“ هو المطعم الأكثر رغبة في مدينة لندن الإنجليزية على الإطلاق، فمن بين أكثر من 18 ألف مطعم مسجل في خدمة Trip Advisor الشهيرة، كان المصنف الأول تماماً مع تقييمات عالية وعديدة، وقائمة انتظار لا نهائية تتضمن العديد من المشاهير والإعلاميين والشخصيات المرموقة.

لكن كان هناك مشكلة واحدة فقط: المطعم لم يكن حقيقياً أصلاً، فلم يكن هناك مطعم يحمل اسم The Shed at Dulwich أصلاً، وخلال السبعة أشهر التي استمرت فيها الخدعة لم يأكل أي أحد هناك، فحتى صاحب الخدعة لم يكن طاهياً ولم يمتلك أي خبرة في تقديم الطعام.

القصة حصلت خلال عام 2017 الفائت، وعلى الرغم من أنها بذاتها مثيرة للاهتمام إلى حد بعيد، فالظلال التي تلقيها على العالم الإلكتروني بأكمله مثيرة للاهتمام للغاية، وسأحاول مناقشة بعض منها في الفقرات التالية.

لكن في البداية بالطبع، يجب الحديث عن هذه القصة وكيف ومن أين بدأت الأمور وتطورت لتصل إلى ذلك الحال.

أحداث القصة

من كاتب تقييمات، إلى طالب للتقييمات:

الكتاب Oobah Butler هو كاتب حر (يعمل بشكل مستقل) لعدة مواقع اليوم وبالدرجة الأولى موقع Vice الأمريكي، لكن قبل أن يصبح Butler كاتب مقالات على ذلك الموقع، عمل في عدة مجالات متنوعة مع كون بعض منها رمادي نوعاً ما، فخلال فترة من الفترات كان Butler يكتب التقييمات الإيجابية المزورة للمطاعم والفنادق وسواها على موقع Trip Advisor، حيث أن هذا الموقع هو المفضل لدى الكثيرين لمعرفة أي المطاعم يجب على الشخص زيارتها وأيها أجدر بالتجربة، ما جعله محط هوس للعديد من أصحاب الأعمال

Oobah Butler
هذا هو Oobah Butler الذي تحول من شخص يكتب التقييمات المزيفة مقابل المال، إلى شخص يستفيد من التقييمات المزيفة بشكل أشبه بالكوميدي.

مقابل كل تقييم إيجابي (بخمسة نجوم عادة)؛ كان Butler يحصل على 10 جنيهات إسترلينية (حوالي 14 دولاراً)، ومع أن المبلغ صغير جداً ولا يكفي لوجبة حتى في هذه المطاعم، فالأمر لم يكن مشكلة حقاً كون Butler لم يحتج لتناول الطعام أو زيارة المطعم أو الفندق المقصود أصلاً، بل يكفي بضعة دقائق لمشاهدة الصفحة على الموقع، ومن ثم كتابة بضعة أسطر تمدح الجو المميز والخدمة الجيدة والطعام اللذيذ وغيرها، ألهم هذا العمل Butler للقيام بتجربة بهذا الخصوص، وفي نيسان\أبريل من عام 2017 كانت البداية.

معلومات قليلة لتأكيد المطعم المزيف:

كانت البداية بإضافة المطعم المزيف إلى موقع Trip Advisor بنجاح، ومع كون الموقع لا يحتاج لإثباتات حقيقية فالأمر كان بسيطاً للغاية: هاتف رخيص الثمن مع خط مسبق الدفع بتكلفة لا تتجاوز 15 دولاراً فقط، وموقع ويب بسيط جداً لا يتضمن سوى معلومات بالحد الأدنى مع قائمة وجبات تبدو متوقعة لمكان مخصص للمجتمع المخملي، ففي هذا المطعم أنت لا تطلب وجبة حقاً، بل تطلب مزاجاً معيناً ووفق مزاجك يقوم المطعم بتقديم وجبة مناسبة لهذا المزاج.

قائمة ”المزاج“ في المطعم المزيف
الموقع الذي صنعه Butler بسيط جداً وبالكاد يتضمن أي محتوى سوى بضعة صور لأطباق، وقائمة غير معتادة مكون من المزاجات بدلاً من الوجبات.

لإضافة المزيد من الموثوقية بالمطعم، قام Butler بتصنيف المطعم بكونه يستضيف الحجوزات المسبقة حصرياً ولا يقبل الزبائن بشكل اعتيادي، وهذا ما جنبه الحاجة لتحديد موقع دقيق للمطعم أو تحديد مدخله.

ومع بعض الصور لأطباق تبدو شهية للغاية ومصنوعة من مواد غير قابلة للأكل مثل أقراص المنظفات والدهانات وحتى أقدام بشرية، كانت الأمور على ما يرام وبدأت الرحلة مع الموقع البسيط (الذي لا يزال يعمل ويمكن دخوله من هنا) وصفحة على موقع Trip Advisor (تم حذف الصفحة بعد أن فضح الأمر).

انتشار الضجة والشهرة:

بعد الإعدادات الأساسية للمطعم المزيف، بقي شيء واحد فقط: خلق بعض الضجة حول هذا المطعم المزعوم!

بدأ الأمر بمجموعة من أصدقاء Butler، حيث طلب منهم تقييم المطعم بأفضل تقييم ممكن مع شرح مختصر لتقييماتهم، ولجعل الأمر يبدو واقعياً أكثر فقد أطلعهم على آلية محددة لصياغة تقييماتهم، حيث يجب التوحيد حول كون المطعم صغيراً جداً وذو جو عائلي هادئ وقريب من الطبيعة والهدوء، والتركيز على مديح فكرة تقديم الوجبات حسب المزاج.

سرعان ما بدأ المطعم الجديد بإحداث بعض الضجة، وخلال عدة أسابيع بدأت المكالمات التي تطلب الحجز المسبق في المطعم، ومع كون المطعم غير موجود أصلاً، فقد كان الرد الدائم هو أن الأسابيع التالية محجوزة أصلاً ولا يمكن إعطاء أي موعد في وقت قريب. وهنا عمل علم النفس العكسي بشكله الأفضل، فكلما كان الأشخاص يرفضون أكثر كلما بدا المطعم حصرياً أكثر، وكلما أرادوا الوصول إليه أكثر، وفي بعض الأحيان تقييمه بتقييمات عالية جداً دون زيارته أو معرفة أي شيء عنه سوى موقعه البسيط وصفحته على Trip Advisor فقط.

طبق كهذا مصور بهذه الطريقة قادر على إثارة الجوع والرغبة بتناوله لدى الكثيرين بسبب مظهره المميز.
لكن أقراص المنظفات ومعجون حلاقة اللحية ليست أبداص أموراً يجب تناولها (على عكس ما قد يظنه متناولو أقراص Tide Pods).
هذا المنظر يبدو مثالياً لطبق من الحلوى بعد الطعام مع شوكولا تسيل ومكسرات شهية!
لكن المكونات الحقيقية تتضمن دهاناً منزلياً بالإضافة لمعجون حلاقة اللحية مجدداً!
هذا يبدو أشبه بإفطار مثالي بالنسبة للكثيرين ربما مع بيضة مسلوقة وشريحة من اللحم.
لكن لا أعتقد أن الأقدام البشرية تأتي ضمن حمية أي من القراء (أتمنى ذلك على الأقل).

الوصول إلى القمة:

مع تراكم الطلبات ازدادت الضجة، وسرعان ما وجد Butler نفسه في برامج تلفزيون حوارية عن مطعمه المميز والحصري، وبدأت المواقع المهتمة بالتسابق لإجراء مقابلات معه، بالإضافة لمحاولات فاشلة لتجربة هذا المطعم.

بالطبع فمع الاهتمام الإعلامي الكبير، يأتي الاهتمام الشعبي والشهرة والواسعة، ومع تنامي شهرة المطعم أكثر فأكثر، بدأ في القفز بالمراتب على موقع Trip Advisor، وخلال ستة أشهر انتقل المطعم من أن يكون في أسفل القائمة إلى المرتبة الأولى على الموقع متخطياً أكثر من 18 ألف مطعماً حقيقياً.

تصنيف المطعم المزيف على موقع Trip Advisor
خلال 6 أشهر وأقل من مئة تقييم، أصبح المطعم الغير موجود أصلاً هو أفضل مطعم في لندن.
تقييم للمطعم المزيف من موقع Trip Advisor
مع هذا النوع من التقييمات الإيجابية جداً والتي تبدو حقيقية للغاية، حتى مطعم غير حقيقي من الممكن أن يحقق الشهرة.

الأمر لم يتوقف عند البرامج حتى، فمع كون Butler قد وضع موقعاً تقريبياً للمطعم اعتماداُ على خرائط Google، بدأت الشركات بإرسال عينات مجانية على أمل أن تحظى بشرف استخدام منتجاتها! وبعض العاملين في القطاع الخدمي أخذوا يرسلون طلبات التوظيف المرفقة مع سنوات من الخبرة، وتوصيات من إداراتهم السابقة وغيرها.

عند هذا الحد كان الأمر قد بات قريباً من نهايته، فطلبات الحجز كانت تصل حتى 100 طلب في نهاية الأسبوع، ولم يعد هناك أي فائدة من المماطلة في الأمر.

عندما تصنف بين أفضل المطاعم، وتكون حصرياً للغاية بحيث لا يستطيع أحد الحجز حرفياً، فالشركات تريد أن تعرض منتجاتها لديك بأي شكل ممكن.

الوجبة الوحيدة:

في شهر تشرين الثاني\نوفمبر، كان استضافة وجبات حقيقية ولو لليلة واحدة أمراً حتمياً بعد هذا المشوار الطويل، لكن الأمر لم يكن ممكناً بسهولة، فالموقع المحدد للمطعم هو مجرد كوخ صغير وقديم يسكنه Butler، مع فناء صغير والكثير من الفوضى والعشب الطويل والأغراض المتناثرة، لذا كان لا بد من إجراء تغييرات عديدة بحيث يبدو المكان كمطعم باهظ الثمن للغاية من ناحية، ومكان متواضع ذي طابع ريفي من الناحية الأخرى.

من مكان للخردة والأشياء عديمة الفائدة، إلى مكان يعبر عن فخامة ورقي في الدرجة الأعلى! – صورة: Oobah Butler/Vice

بدأ الأمر مع جز العشب وتنظيف الفناء بطبيعة الحال، ومن ثم خطرت فكرة لـButler، وهي تحويل ما يشبه كوخاً صغيراً في الفناء من مكان لجمع الخردة، إلى ”منزل للدجاج“ بحيث يقوم الزبائن باختيار الدجاجة التي يريدونها لتكون ضمن عشائهم (كما هو الأمر في المطاعم الفخمة التي تعرض حوضاً من القريدس لتختار أيها ترغب في تناوله)، ومع إضافة بعض الستارات لتغطية داخل الكوخ، وإضافة بعض الطاولات والكراسي كانت الأمور على وشك الانتهاء.

الخطوة التالية كانت تقديم تجربة مطعم حقيقية، وكما ذكرنا سابقاً فـButler لا يتقن الطبخ أصلاً، ولم يسبق له أن قدم الطعام لأكثر من ثلاثة أشخاص (مع كونه طعاماً جاهزاً)، لذا فالحل الذي خطر لـButler هو تقديم طعام جاهز تم شراؤه من المتجر بشكل معلب، ومن ثم تسخينه ببساطة باستخدام فرن مايكرويف، ومع كون المطعم يقدم ”المزاج“ بدلاً من طلب وجبات، فقد كان Butler يمتلك الحرية بذلك لتقديم ما يشاء حسب افتراضه لمزاج الزبائن وتفضيلاتهم.

منتجات أطعمة معلبة بسعر 31 جنيهاً استرلينياً فقط، قدمت الطعام لـ20 شخصاً في ”أفضل مطعم في لندن“.
منتجات أطعمة معلبة بسعر 31 جنيهاً استرلينياً فقط، قدمت الطعام لـ20 شخصاً في ”أفضل مطعم في لندن“ – صورة: Oobah Butler/Vice

لتزوير التجربة الحقيقية أكثر، فقد استعان Butler بنادلة حقيقية لتقوم على خدمة الزبائن وأخذ رأيهم مع نهاية الوجبات، بالإضافة لصديق ذي خبرة في المطاعم لتحويل شكل المأكولات المعلبة إلى وجبات حقيقية، وحتى استئجار خدمات فني صوت مع مكبرات صوت مخفية لإصدار أصوات تظهر وكأنها أصوات مطبخ مطعم حقيقي من ناحية، وتغطي على أصوات فرن المايكرويف الذي يشكل أداة الطهي الوحيدة المستخدمة هنا.

وفي الليلة الموعودة كان Butler على موعد مع 20 زبوناً يتوزعون على طاولات مطعمه الذي كان حقيقياً لأول مرة.

ردود الفعل ونهاية التجربة:

خلال العشاء الوحيد لمطعم The Shed at Dulwich كانت الأطباق الرئيسية بسيطة للغاية: طبق من الكمأة، معكرونة مع الجبنة وأخيراً لازانيا مع الخضار، بالطبع فجميع هذه الأطباق صنعت بالكامل من علب أطعمة جاهزة تجارية (كامل ما دفعه Butler لشراء مؤونته لا يصل إلى 50 دولاراً أمريكياً) مع بعض الزينة، ومع الأصوات التي توحي بمطبخ مشغول للغاية بدت أطباق Butler كأنها معدة من الصفر وتم تقديمها للزبائن بالإضافة لتحلية مصنوعة من مثلجات الشوكولا فقط.

مع بعض الزينة وتقديم مناسب كفاية قي مكان حصري، حتى الطعام المعلب يبدو وكأنه يستحق بضع مئات من الدولارات.
مع بعض الزينة وتقديم مناسب كفاية قي مكان حصري، حتى الطعام المعلب يبدو وكأنه يستحق بضع مئات من الدولارات – صورة: Oobah Butler/Vice
كانت المحصلة مرضية، وكان الزبائن معجبين بطعام ربما ما كانوا لبتناولوه في منازلهم
كانت المحصلة مرضية، وكان الزبائن معجبين بطعام ربما ما كانوا لبتناولوه في منازلهم – صورة: Oobah Butler/Vice

في الحالة الطبيعية، يعتبر ما قدمه Butler طعاماً متوسطاً في أفضل الحالات، وغالباً يعد طعاماً سيئاً حقاً بسبب كونه معداً مسبقاً ومحفوظاً ومن ثم مسخناً بفرن مايكرويف، لكن مع أطباق بيضاء وفاتورة باهظة ضمن ما يعد أفضل مطعم في لندن، فالطبق سيبو شهياً للغاية وحتى لو كان متوسطاً سيجد الزبائن نفسهم معجبين به للغاية، ربما ليبرر دماغهم إنفاق المال والعمل للوصول إلى هذا الطبق.

كانت المحصلة مرضية، وكان الزبائن معجبين بطعام ربما ما كانوا لبتناولوه في منازلهم، ومعظمهم أبدى رغبته بالعودة مجدداً وزيارة المطعم مرة أخرى.

في النهاية، قام Butler بالتواصل مع موقع Trip Advisor وإطلاعهم على الأمر بأكمله (وهنا تمت إزالة صفحة المطعم) وقام بنشر تجربته على شكل مقال على موقع Vice مثيراً الكثير من الجدل حول المطاعم عموماً، ومصداقية التقييمات على موقع Trip Advisor وحتى على المواقع والمنصات العديدة الأخرى.

في النهاية، كتب Butler قصته الكاملة ومغامرته المجنونة في مقال على موقع Vice الشهير.
في النهاية، كتب Butler قصته الكاملة ومغامرته المجنونة في مقال على موقع Vice الشهير.

انعكاسات التجربة على الواقع

تجربة Butler مسؤولة عن تحطم رأي الكثيرين بالتقييمات الخاصة بالمطاعم بطبيعة الحال، ففي حال كان مطعم غير موجود أصلاً يستطيع الوصول لأن يكون الأول في واحدة من أغلى وأكبر المدن عالم، فكل شيء يبدو ممكناً. لكن الأمر ليس محصوراً بالمطاعم أو الفنادق هنا في الواقع، بل يمكن عكسه على الكثير من الحالات وهنا سأحاول مناقشة بعضها:

شراء التقييمات الإيجابية:

بحكم كوني شخصاً مهتماً بالأمور التقنية إلى أبعد حد ومتابعاً دائماً للأخبار والمنتجات التقنية، فهناك أمر لاحظته منذ وقت طويل نسبياً على عدة مواقع مثل Amazon وBest Buy وSouq وسواها، وبالأخص في مجال المنتجات الرقمية، فهذه المواقع جميعاً تشترك بتقديمها لإمكانية الطلب أو الحجز المسبق للمنتجات الغير متاحة او الغير صادرة بعد، وجميعها تتيح أمراً مثيراً للشبهات أيضاً: إمكانية تقييم المنتجات دون الحاجة لأي إثبات لتجربة المنتج أو شرائه أو الاطلاع عليه، فالتقييمات متاحة قبل كون المنتج قابلاً للشراء حتى.

طوال وقت طويل من الزمن، كنت أظن أن هذا النوع من التقييمات السابقة لظهور المنتجات حتى لا يعدو عن كونه حالة خاصة بالمعجبين المتعصبين، ففي قطاع التقنية هناك العديد من المعجبين المتعصبين لشركات ومنتجات معينة، وهؤلاء الأشخاص لا يهتمون لأي حيادية بل كل ما يهمهم أن يكون المنتج الذي يحبونه (ويعتبرونه جزءاً من هويتهم حتى) هو الأفضل في التقييمات، لذا لا غرابة بوجود مئات التقييمات الإيجابية مثلاً لهاتف مثل iPhone X قبل أسابيع من إتاحته للبيع، وفي حالة أقرب ربما: هاتف Huawei Mate 10.

صورة من التقييمات المزيفة لهاتف Huawei Mate 10 قبل أن يقوم موقع Best Buy بحذفها كونها مزيفة بالتأكيد.
صورة من التقييمات المزيفة لهاتف Huawei Mate 10 قبل أن يقوم موقع Best Buy بحذفها كونها مزيفة بالتأكيد.

قصة هاتف Huawei Mate 10 مثيرة للاهتمام أكثر من سواها في الواقع، فعلى عكس المنتجات الأخرى التي لا يمكن التمييز بين كونها آتية من معجبين متعصبين أو أشخاص قاموا بالتجربة، أو حتى أشخاص دفع لهم المال، فهذه واحدة من الحالات القليلة حين ينفضح الأمر بكون الشركة المنتجة نفسها خلف الأمر، حيث ظهر أن شركة Huawei كانت أقامت مسابقة ضمن إحدى المجموعات للحصول على الهاتف المنتظر، وأحد شروط الاشتراك كان تقييم المنتج بخمسة نجوم، ومع هاتف ذكي من الفئة العليا هناك مئات الراغبين بالأمر.

حالة Huawei هذه لا تزال جديدة نسبياً، لكن مع كونها قد فضحت بشكل علني فقد احتلت مكاناً مهماً في الإعلام.

المؤكد هنا هو أن هذه الحالة ليست الوحيدة على الإطلاق، وبالتأكيد أن هناك العديد من الحالات الأخرى التي تمت بشكل سري، وبقيت سرية وأفادت المقيمين الوهميين وبائعي المنتجات بنفس الوقت. هناك شيء واحد يمكن الثقة به هنا: التقييمات اليوم غير مؤهلة لأن تكون محطاً للثقة بأي شكل.

استخدام التقييمات السلبية للترهيب أو كأداة للانتقام:

الحياة مع التقييمات حيث أن كل قرار صغير مهما كان يحدد كل شيء في حياتك هي جحيم حقيقي، ومنذ عامين حاولت شركة ألمانية تجربة تطبيق مشابه للفكرة (مع فشل ذريع بالطبع).

واحدة من أكثر حلقات مسلسل Black Mirror البريطاني تأثيراً ورعباً في نفس الوقت هي الحلقة الثالثة من الموسم الأول، حيث أن الأشخاص في عالم الحلقة التخيلي يمتلكون تقييمات خاصة بهم (من خمسة نجوم كما في معظم المنصات الإلكترونية اليوم) وكل شيء في حياة الفرد يعتمد عل تقييماته، بداية من المباني والأماكن التي يسمح الدخول إليها، ووصولاً إلى الأعمال والمنازل المتاحة للسكن وحتى الشركاء العاطفيين والجنسيين، هذا الأسلوب من التقييم يمتلك جذوراً في حياتنا الاجتماعية أصلاً بطبيعة الحال، لكن عندما لا يمكن محو الماضي والبداية من جديد يتحول الأمر إلى كابوس.

بالطبع فتقييم المنتجات والخدمات وسواها ليس رعباً كما تقييم الأشخاص بطبيعة الحال، لكن من حيث المبدأ فنفس الأساليب تنطبق في الحالتين تقريباً، وسواء كان المعرض للتقييم شخصاً أو منتجاً فمع وجود التقييمات يجب تحقيق مهمة مستحيلة في الوصول إلى إرضاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص وتجنب إغضاب أي فئة ولو لم يكن لديك ذنب في الأمر، ولعل المهزلة التي حصلت من حملة التقييمات السلبية لصفحات FIFA وكأس العالم على Facebook من قبل الجمهور الكروي السوري الغاضب من العشب مثال واضح على الاستخدام غير العادل للتقييمات.

في حالة تقييمات FIFA السلبية فقد تم وضع حد لهذه الحملة السلبية بسهولة نوعاً ما كون الصفحات تستطيع إيقاف التقييمات حالياً على موقع Facebook، لكن هناك العديد من الأمثلة الأخرى حيث لا يوجد أي خيار للمتعرض للحملة، ومنها ما حصل مع لعبة DOTA 2 الشهيرة على متجر Steam للألعاب، حيث أن إشاعة عن كون عدم صدور جزء ثالث للعبة Half Life المحبوبة كان بسبب تركيز Valve (الشركة المطورة) على مشاريع أخرى مثل DOTA 2، أدى إلى غضب كبير انفجر على شكل آلاف من التقييمات السلبية للعبة من أشخاص لم يلعبوها أو يجربوها حتى، بل فقط يريدون الانتقام من اللعبة.

هذا النوع من الحملات المخصصة للتلاعب بالتقييمات يتكرر طوال الوقت على الإنترنت، فمع غياب أية جهة حيادية توثق الجودة والاعتماد على الرأي الشعبي، من الممكن التلاعب بأي شيء بداية من جعل مؤسس موقع 4Chan يفوز بجائزة شخصية العام في مجلة Time، ودون نهاية حقيقية حتى عند استخدام أسلوب التقييمات لدفن منشآت وأعمال صغيرة تحت وابل من تقييمات سلبية ربما تحطم عملها بشكل كامل.

هل يجب الثقة بالتقييمات؟

اليوم أكثر من أي وقت سابق، التقييمات هي أمر لا يمكن الثقة به بأي حال من الأحوال، فحتى مع مئات من التقييمات الإيجابية يمكن تجهيز الأمر بدفع مبالغ صغيرة أو بذل بعض الجهد لخلق حسابات وهمية عديدة تستطيع أداء المهمة، وحتى مع مئات التقييمات السلبية من الممكن أن ينتج الأمر من فئة صغيرة جداً لكن غاضبة كفاية، أو ببساطة كـ”مقلب“ رقمي من النوع المنتشر للغاية على الإنترنت وبالأخص ضمن مجتمعات 4Chan وReddit مثلاً.

لكن ما الحل هنا؟

هناك العديد من الأمور حيث من الممكن تجنب أمر التقييمات بالكامل، فبالنسبة لصفحة على موقع Facebook أو قناة على YouTube أنت لا تدفع شيئاً مقدماً، لذا يمكنك تجاهل التقييمات والاطلاع على المحتوى المتاح لتتخذ قرارك بنفسك.

لكن هناك نواحٍ لا يمكن تجنب التقييمات فيها في الواقع، فمشاهدة فيلم في صالة سينما، أو تناول العشاء في مطعم ما يعنيان دفع المال مقابل خدمة معينة، وهنا لا يمكن تجنب التقييمات أصلاً، فأنت بالمحصلة لا تريد مشاهدة فيلم لا يعجب أحداً، أو تناول الطعام في مطعم ذي سمعة سيئة.

بطبيعة الحال فهناك بعض الحلول الجزئية للأمر، فمن الممكن مثلاً حصر القدرة على تقييم المطاعم بزوارها، أو حصر تقييم البرامج والمسلسلات بمن شاهدوها فقط، وبالطبع حصر تقييم المنتجات على المتاجر بمن قاموا بشرائها حقاً، لكن هذه الأساليب تمتلك سلبياتها بالطبع كونها تحد من إمكانية التقييمات من ناحية، وكونها لا تنفع للخدمات المجانية مثل الصفحات العمومية والقنوات على مواقع الفيديو.

بالمحصلة لا يمكن تجنب التقييمات بشكل كامل، لكن الأفضل دائماً هو عدم إعطائها أكثر من أهميتها الحقيقية وعدم تجاهل عرضتها لسوء الاستخدام، ففي النهاية لا أحد منا يريد دفع مئتي دولار في مطعم ليتناول حرفياً نفس الوجبة التي يمكنه شراؤها بأقل من دولارين من المتر ومن ثم وضعها لدقائق في فرن مايكروويف.

مقالات إعلانية