in

كيف بِيعَ جسر لندن للولايات المتحدة الأمريكية

جسر لندن في مدينة بحيرة (هافاسو)
صورة: Adventures On Wheels/Shutterstock

على مدى قرون، ظل الأطفال في لندن يغنون أغنية مشهورة محلياً ويتراقصون على نغماتها بعنوان: «جسر لندن يتهاوى»، وعندما اكتشف المهندسون أن ”جسر لندن“ كان يتهاوى حقا في أوائل القرن العشرين، لم يعد الأمر مضحكا بعد ذلك.

كان هذا الجسر الحجري يبلغ من القدم مائة سنة، وكان يمثل أكثر نقاط لندن ازدحاماً، يعبره 8 آلاف راجل و900 عربة كل ساعة. اكتشف المهندسون والخبراء أن جسر لندن كان يغرق ببطء بحوالي ثلث سنتمتر كل سنة. عندما أخذت القياسات مرة أخرى في سنة 1924، اكتشف المهندسون أن الجانب الشرقي من الجسر كان أخفض من الجانب الغربي منه بحوالي تسعة سنتمترات، ومرت أربعة عقود أخرى قبل أن يستوي مجلس المدينة على قرار فاصل بشأن الجسر، فاقترح عضو مجلس المدينة (إيفان لوكين) أنه بدلا من هدم الجسر وتدميره، فلا ضير في محاولة بيعه.

قوبل اقتراح السيد (لوكين) ببعض الشكوك والتردد، لكن بعد مشورة طويلة، وافق المجلس على محاولة بيع الجسر، ورأى أنه قد يستغل المال من وراء بيعه في إعادة بنائه، وذلك في سنة 1967.

خلال الأشهر التي تلت ذلك، تلقى المجلس عدة استفسارات حول موضوع الجسر، لكن لم تتقدم أي جهة بعرض رسمي. في النهاية، عندما لم يتبق سوى خمسة أسابيع على موعد إغلاق العرض بالبيع، في الثامن والعشرين من شهر مارس 1968، تطوع السيد (لوكين) للذهاب إلى أمريكا من أجل بيع الجسر.

خلال مؤتمر صحفي له على مستوى غرفة التجارة الأمريكية-البريطانية في مدينة نيويورك، وعندما سأله أحد الصحفيين عما يجعل هذا الجسر مميزاً —بعد كل شيء، لم يكن الجسر لا قديما جدا (بني في سنة 1832)، كما لم يتضمن منازل داخله، كما لم يكن موضوع الأغنية المشهورة التي سبق لنا ذكرها، لأن تاريخها يسبق تاريخه— أجاب السيد (لوكين): ”إن جسر لندن ليس مجرد جسر، إنه وريث لألفي سنة من التاريخ الذي يضرب جذوره إلى المائة الأولى بعد الميلاد، زمن كانت فيه لندن مدينة رومانية…“.

بعد وقت وجيز، وقّع عقد البيع (روبيرت مكولوتش)، رجل أعمال من (ميزوري) وصاحب شركة (مكولوتش للبترول)، مقابل مبلغ 2.46 مليون دولار.

جسر لندن عندما كان لا يزال في لندن قبل تفكيكه ونقله إلى مدينة بحيرة (هافاسو).
جسر لندن عندما كان لا يزال في لندن قبل تفكيكه ونقله إلى مدينة بحيرة (هافاسو).

قبل بضعة سنوات، كان (مكولوتش) قد تحصل على مساحات شاسعة من الحكومة بالقرب من بحيرة (هافاسو) في أريزونا، وهي مسطح مائي كبير تكون بعد تشييد سد على نهر الكولورادو، شريطة أن يعمل (مكولوتش) على تطوير الأرض التي منحت إياه.

أسس (مكولوتش) مجتمع مدينة بحيرة (هافاسو) في الموقع، غير أنه واجه مشكلة في جلب شراة الأراضي إلى المنطقة. عندما أخبره (سي. في. وود)، أحد شركائه المهنيين، حول موضوع الجسر قرر الإثنان أنه كان بالضبط ما كانت مدينة بحيرة (هافاسو) تحتاجه لتصبح مدينة جذب كبيرة ومنطقة سياحية.

تم تفكيك هذا الهيكل الذي يبلغ طوله 289 متراً ويزن 33 ألف طن بعناية حجراً بحجر، وتمت تعبئته داخل صناديق ثم شحن عبر قناة باناما إلى (لونغ بيتش) في كاليفورنيا، ومن هناك نقلت صخور الغرانيت تلك عبر الشاحنات طول مسافة 500 كلم إلى وجهتها الأخيرة، وكلفت عملية الشحن وحدها (مكولوتش) سبعة ملايين دولار.

ثم بدأت عملية إعادة التركيب والبناء المعقدة، ولحسن الحظ، تم التخطيط لكل شيء مسبقا وبعناية كبيرة، حيث قبل تفكيك الجسر، قام العمال بحذر بترقيم كل حجر فيه، حتى تتم عملية إعادة التركيب بدون أية عواقب أو أخطاء كبيرة —على الرغم من أنها ثبتت عن كونها عملية شاقة استغرقت ثلاثة سنوات لتكتمل—

تحطمت بعض الصخور أثناء العملية وكان يجب استبدالها بأحجار غرانيت محلية، ومن أجل إعطاء الحجارة الجديدة منظراً تبدو فيه قديمة بمائة سنة، تم تغليفها بسناج مصدره حارقات وقود الطائرات.

بناء جسر لندن في مدينة بحيرة (هافاسو).
بناء جسر لندن في مدينة بحيرة (هافاسو).

من أجل السهر على قدرة الجسر على تحمل وزن حركة المرور الحديثة، تم بناء هيكل من الخرسانة المدعمة بالفولاذ الذي وضعت فوقه صخور الغرانيت القديمة، ولأنه لم يكن هناك أي نهر في مدينة بحيرة (هافاسو)، فقد شيد الجسر فوق أرض يابسة، لكن عندما شارف المشروع على الاكتمال، حفرت قناة بطول كيلومتر ونصف تحت الجسر فتدفقت فيها المياه من بحيرة (هافاسو).

افتتح جسر لندن رسميا في العاشر من أكتوبر سنة 1971 وسط بهرجة كبيرة، حيث تم إطلاق الألعاب النارية، وإقامة موكب استعراضي، وعروض ترفيهية، وأطلقت مئات البالونات في الهواء، وحضر الافتتاح عدة شخصيات بارزة على شاكلة عمدة مدينة لندن.

نجحت مجازفة (مكولوتش) وارتفعت مبيعات الأراضي في مدينة بحيرة (هافاسو) لتصل عنان السماء، ومن تجمع سكاني لا يتعدى بضعة مئات في الستينات، ازدهرت المدينة لتصل لعتبة 10 ألاف نسمة بحلول سنة 1974. في تلك السنة، جذب الجسر لوحده تقريبا مليون سائح إلى المدينة الجديدة.

اليوم تعتبر مدينة بحيرة (هافاسو) موطناً لـ52 ألف نسمة، وبالنسبة لهم فالجسر مجرد جزء من الحياة اليومية.

يوم افتتاح الجسر.
يوم افتتاح الجسر.
جسر لندن اليوم
الجسر اليوم. صورة: TJfrom AZ/Flickr
صورة جوية لجسر لندن في مدينة بحيرة (هافاسو). صورة: S. Winkvist/Wikimedia Commons
صورة جوية لجسر لندن في مدينة بحيرة (هافاسو). صورة: S. Winkvist/Wikimedia Commons

مقالات إعلانية