in

16 حقيقة تسمع بها لأول مرة حول الثورة الإسلامية الإيرانية، وكيف غيرت تاريخ العالم

الثورة الإيرانية

كانت الثورة الإيرانية واحداً من الأحداث المحورية على العديد من الجوانب التي غيرت شكل العلاقات الدولية وجعلتها مثلما نعرفها اليوم. مع تصعد الأنباء والمشاكل المتعلقة بالعقوبات الدولية المفروضية عليها، أصبح الكثير من الناس الآن يتساءلون حول الجمهورية الإسلامية في إيران ولماذا أصبحت نقطة سياسية على هذا القدر من الأهمية.

سيساعدنا فهم القصة وراء الثورة الإيرانية وجذورها على فهم السبب الذي يجعل التوترات في العلاقات بين إيران وبعض دول العالم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تستمر حتى يومنا هذا، تابعوا معنا القراءة لتعرفوا حقائق لم تعلموها سابقاً عن إيران والثورة الإسلامية التي غيرت وجهها إلى الأبد:

16. حكم سلالة بهلوي:

رضا شاه
رضا شاه.

في الواحد والعشرين من شهر فبراير سنة 1921، زحف رضا خان بهلوي، الذي عرف لاحقا باسم رضا شاه، و3000 من جنوده على طهران وأطاحوا بالحكومة التي كانت آنذاك ملكية دستورية. كان الملك آنذاك هو أحمد شاه قاجار، وقد ثبت عن سلالة قاجار عدم كفاءتها في إدارة البلد، إذ راح ملوكها يقترفون تجاوزات صارخة، على شاكلة بيع أراض إيرانية لدول أجنبية، من أجل تمويل نمط حياتهم الملكية الفاره، وعندما أصبح رضا خان بهلوي رئيس الوزراء وأعلن عن نفسه لاحقا شاهاً لإيران، بدا وكأنه كان المخلّص بالنسبة للشعب الإيراني، حيث بدا شخصاً سيعيد لإيران مجد الإمبراطورية الفارسية الغابر.

غير أن رضا جعل من نفسه حاكما وحيداً للبلد تتمركز السلطة كلها في يده، وحكم بيد من حديد، وكان الكثيرون يرون في حكمه على أنه حكم رجل واحد لم يأخذ بعين الاعتبار الدستور ولا البرلمان الإيراني. راح الكثير من الناس، خاصة في المناطق الريفية، ضحية للمجاعات تحت حكمه وبسبب تعديله لسياسات الأراضي الزراعية، فقد قيل أنهم تحملوا العبء الأكبر من أخطاء حكمه.

تم خلعه في سنة 1941، خلال الغزو الإنجليزي السوفييتي لإيران في الحرب العالمية الثانية، فاعتلى نجله محمد رضا بهلوي سدة الحكم وأصبح الشاه الجديد للبلد. استمر محمد رضا بهلوي في مساعي تحقيق العصرنة وسياساتها التي سار عليها والده، وأضفى عليها لمسته الخاصة، فجعل من إيران حليفة للقوى الغربية.

استمر حكم سلالة بهلوي العلماني في السيطرة على إيران إلى أن تمت الإطاحة بمحمد رضا بهلوي في سنة 1979 خلال الثورة الإيرانية الإسلامية.

15. كان حكام آل بهلوي يرغبون في تحويل إيران إلى دولة متمدنة ذات معالم غربية:

محمد رضا بهلوي شاه.
محمد رضا بهلوي شاه.

خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، تم إدخال عدة تعديلات جذرية على المجتمع الإيراني. بينما كانت الدراسة في السابق بين يدي رجال الدين حصراً، شيد الحكام من آل بهلوي مدارس علمانية، بما في ذلك أول جامعة على النمط الأوروبي في طهران، كما أدخل محمد رضا بهلوي قانونا علمانيا خارجا عن الشريعة الإسلامية وأنشأ محاكم علمانية، كما منع حتى النساء الإيرانيات من ارتداء الحجاب.

لم يدعم الكثير من الناس هذه التعديلات العلمانية التي أدخلها بهلوي على المجتمع الإيراني، في الواقع، عارضها الكثيرون بشدة، وكان واحد من بين أكثر المعارضين هو رجل الدين الشهير آية الله روح الله الخميني.

بالإضافة إلى محاولة إخراج البلد من أصوليته المحافظة، حاول محمد رضا بهلوي عصرنته وتحديثه أيضاً. تم تشييد سكة الحديد العابرة لإيران التي ربطت طهران ببقية البلد، وكان المراد من الثورة البيضاء عصرنة وتحديث الزراعة في البلد، غير أن أكثر السياسات التي رفضها الشعب الإيراني هي تحالف الملك مع القوى الغربية، بشكل أساسي بريطانيا، التي كانت ترغب في السيطرة على النفط الإيراني.

قادت هذه السياسة إلى استغلال بشع للشعب الإيراني، الذي كانت شركة النفط الأنجلو-فارسية تنظر إليه على أنه يد عاملة رخيصة أقرب ما يكون إلى شعب من العبيد، وبذلك ثبت كون شركة النفط هذه واحدا من أبرز المحفزات التي أشعلت فتيل الثورة الإيرانية.

14. دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الشاه بهلوي:

مما قد لا يثير الدهشة آنذاك أن الولايات المتحدة كانت من أكبر داعمي هذا الشاه المحب للغرب. في سنة 1856، رحبت الولايات المتحدة بأول سفرائها من إيران وهو (ميرزا أبو الحسن شيرازي)، وفي سنة 1883 أصبح (صامويل بينجامين) أول سفير أمريكي في طهران.

كان البلدان على علاقة صداقة مع بعضهما البعض، لكن لم تكن بينهما أية علاقات دبلوماسية على نطاق واسع، أو أية تفاعلات سياسية قبل الحرب العالمية الثانية. حتى خلال كل ذلك الغليان السياسي في سنة 1906 ولاحقا في سنة 1911، عندما كانت إيران تمر بثورتها الدستورية، حافظ البلدان على علاقة صداقتهما الطيبة، حيث لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تمديد إمبرياليتها لتطال هذه الدولة البعيدة في آسيا الوسطى، وكانت إيران بدورها سعيدة لتركها وشأنها.

كان واحد من الحلول المفتاحية للقتال في الحرب العالمية الثانية والانتصار فيها هو النفط، وذلك لأن العتاد الحربي الثقيل المستخدم حديثا في تلك الحرب مثل الطائرات والدبابات كان يتطلب كميات كبيرة من الوقود. كانت إيران تملك احتياطات هائلة من النفط، وقد غير امتلاكها لهذه السلعة القيمة شكل علاقاتها مع الغرب إلى الأبد.

بالإضافة إلى ذلك، جعلت الحرب الباردة التي اندلعت مباشرة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، للعالم قطبين بين القوى الشيوعية والرأسمالية. جعل موقع إيران الجغرافي من هذه الأخيرة مثالية للولايات المتحدة لتوزيع قواتها على مقربة من الحدود الروسية، فأدركت أمريكا بسرعة الأهمية الاستراتيجية لإيران وراحت تغازل الشاه.

13. كانت كل من بريطانيا والولايات المتحدة تتنافسان على الحصول على النفط الإيراني:

آبار النفط

تم إنشاء شركة النفط الأنجلو-فارسية من خلال سلسلة من التنازلات التي قام بها ملوك آل قاجار لصالح البريطانيين عند نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وقد كانت هذه الشركة واحداً من أكبر التأثيرات التي ساهمت في السيطرة على إيران خلال القرن العشرين.

مكنت هذه الشركة من تموين الحربين العالميتين الأولى والثانية بواسطة النفط الإيراني، كما قادت اتفاقيات النفط بين البريطانيين وشاهات إيران إلى استغلال كل من الأرض الإيرانية والشعب الإيراني —وهو ما يعتبره الكثيرون شكلا من أشكال الاستعمار غير المباشر— وهو ما كرهه الشعب الإيراني كثيراً، الذي كان كل ما يريده هو استغلال الموارد الطبيعية الإيرانية لمساعدة الشعب الإيراني وليس لمساعدة القوى الغربية.

أضيفت على إثر ذلك شركة النفط الأنجلو-فارسية إلى لائحة شكاوي طويلة رفعها الشعب ضد الأسرة المالكة، فبينما كان الشعب يعاني تحت وطأة الفقر والجوع المتدهورة، كان الشاه وحلفاؤه في الغرب يزدادون ثراء ونفوذا يوماً بعد يوم.

غير أن حاجة القوى الغربية للنفط لم تكن لتندثر في أي وقت قريب، فخلال الانفجار الاقتصادي والصناعي الذي تلى مباشرة الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة وبريطانيا تعتمدان بشكل أكبر فأكبر على احتياطيات النفط الإيرانية. من أجل حماية مصالحهم هناك، توجب عليهم الحفاظ على علاقات طيبة مع الشاه، حتى وإن كان شعبه ينقلب عليه تدريجياً.

12. في سنة 1953، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية انقلابا للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني:

محمد مصدّق.
محمد مصدّق.

في سنة 1951، دعم الإيرانيون رجلا سياسيا يدعى محمد مصدّق، الذي أصبح لاحقا رئيس الوزراء في البلد. على الرغم من أن مصدق كان يميل للعلمانية، فإنه وقف في وجه المصالح الغربية، ومن بين الأمور التي كان ينشد تحقيقها هي تأميم شركة النفط الأنجلو-فارسية، ومنه جعلها تحت سيطرة الشعب الإيراني ووضع حد ونهاية للاستغلال البريطاني لحقول النفط الإيرانية.

كانت خطوة مثل هذه بدون شكل لصالح إيران، التي سئم شعبها من استغلاله كدمية في يد الدول الغربية بينما كان الشاه يزداد ثراء ونفوذاً،
غير أن الغرب المتعطش للنفط كان يزداد تبعية واعتمادا على النفط الإيراني تدريجيا وأكثر وفأكثر، ومنه بدا واضحاً أن القوى الغربية لم تكن مستعدة للتخلي عن حقول النفط في الشرق الأوسط أو التخلي عن إدمانها لهذه السلعة الثمينة.

استجابت الولايات المتحدة وبريطانيا بأن خططتا ونفذتا انقلابا أطاح بمصدّق في سنة 1953. أثار الانقلاب كرها شديداً وعميقا تجاه الغرب بين الشعب الإيراني. بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية، أسس محمد رضا شاه، الذي تسلم مقاليد الحكم منذ إزاحة والده في سنة 1941، وكالة المخابرات الإيرانية SAVAK، وذلك من أجل سحق كل معارضة له بوحشية.

على الرغم من جهوده الهادفة إلى عصرنة وتحديث البلد، فإن محمد رضا شاه فشل في تطويرها من الناحية السياسية عن طريق إدخال الديمقراطية، وكذا فشله في إعارة الانتباه اللازم لتعالي أصوات الاستهجان والكره من طرف الشعب.

11. أدى الانقلاب المنفّذ إلى تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة في إيران:

محمد مصدّق في الإقامة الجبرية بعد الانقلاب.
محمد مصدّق في الإقامة الجبرية بعد الانقلاب.

كان واحد من أول الأمور التي قام بها محمد مصدّق كرئيس للوزراء هو تأميم شركة النفط الأنجلو-فارسية. قام بإلغاء التنازلات المقدمة لبريطانيا، والتي لم تكن لتنتهي مدتها إلا بحلول سنة 1993، وذلك حتى يتسنى لإيران أخيرا التحكم في ثرواتها الباطنية، خاصة النفط.

أصيب رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (وينستن تشيرشل) بالذعر جراء هذه الأحداث التي هددت مصالح بريطانيا في البلد، وذهب يطلب العون من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل استرجاع سلطته ونفوذه في إيران. قبل الرئيس الأمريكي (آيزنهاور) مساعدة بريطانيا على مضض، وأمر وكالة الاستخبارات المركزية بالبت فيما أصبح يعرف بعملية (أجاكس).

كان الهدف من عملية (أجاكس) هو حمل الشاه على إزاحة مصدّق من منصبه كرئيس للوزراء طوعاً، فخلقت وكالة الاستخبارات المركزية شائعات ونشرتها عبر طهران، فراحت تغذي بعض الاحتجاجات ضد مصدق. كانت واحدة من الإشاعات التي تم الترويج لها بنجاح هو أن مصدق كان يهدد بالعقاب الشديد كل من يعارضه، فأصبح ينظر إليه على أنه ديكتاتور وليس ذلك السياسي ذا الشعبية الكبيرة الذي انتخبه الشعب عبر عملية ديمقراطية.

في أغسطس من سنة 1953، أزاح الشاه رسميا مصدق من منصبه كرئيس للوزراء ثم اختبأ خشية عاقبة ما قام به. كان بذلك محمد مصدق أول قائد إيراني ينتخب بصورة ديمقراطية، والذي نفذت أولى الدولتين الديمقراطيتين في العالم، وهما الولايات المتحدة وبريطانيا، ضده انقلاباً للإطاحة به.

كان آية الله روح الله الخميني واحداً من النخبة المثقفة التي كانت على دراية بما كان يجري، وكان غاضبا جدا لما اقترفته أمريكا. كان استمرار الولايات المتحدة في دعم الأسرة المالكة يمثّل صفعة في وجه الشعب الإيراني، فراح الخميني يندد بالإمبريالية الأمريكية في كل مرة تسنح له فيها الفرصة، ورغب بشدة في استعادة إيران من قبضة الغرب ومصالحه.

10. آية الله روح الله الخميني، رجل دين ومفكر يجهر بمعارضته للتدخل الأمريكي في إيران:

آية الله روح الله الخميني.
آية الله روح الله الخميني.

بينما بدأ الشعب الإيراني يعبر عن سخطه وينقلب على التعديلات الغربية التي أدخلها عليه الشاه بهلوي، سيطر التيار الإسلامي على المعارضة وأصبح صوتها الرسمي. أصبحت المراكز الدينية، بشكل أخص مدينة قم المقدسة، مراكزا للمعارضة، وأصبح رجال الدين، الذين تمت إزاحتهم من قبل من الحياة السياسية، رمزاً للانتفاضة الشعبية ضد الشاه وتعديلاته المستوحاة من الغرب، وبشكل خاص ثار الكل ضد الانقلاب المدبر ضد رئيس الوزراء المخلوع محمد مصدق.

كان واحد من أبرز الأسماء الدينية هو آية الله الخميني، الرجل الذي سيصبح في سنة 1979 رأس حربة الثورة الإيرانية والرجل الذي سيصبح فيما بعد القائد الأول للجمهورية الإيرانية الإسلامية.

ابتداء من سنة 1965، حظي الخميني بدعم قوي ضد ما كان يشير إليه في خطاباته على أنه استبداد الشاه الكافر، الذي كان دمية في يد الولايات المتحدة من أجل الدفع قدماً بأهدافها الإمبريالية. في شهري يناير وفبراير من سنة 1970، خلال فترة منفاه التي قضاها في النجف، أصدر آية الله الخميني سلسلة من المحاضرات السياسية الدينية التي تم جمعها في كتاب أصبح يحمل عنوان ”ولاية الفقيه“، فمثّل هذا الكتاب نظرته للحكومة الإسلامية المثالية في إيران، وكيف ستتم هيكلة هذه الحكومة، وأساساتها اللاهوتية، والسياسية، والتاريخية.

9. أدت الثورة البيضاء التي اعتمدها الشاه إلى تدني الحياة الاجتماعية في البلد:

نساء يتظارهن في شوارع طهران.
نساء يتظارهن في شوارع طهران.

في تلك الأثناء، واصل الشاه تعديلاته التي استمرت في كسبه دعم القوى الغربية. ابتداء من سنة 1963، بدأ محمد رضا شاه بهلوي سلسلة واسعة من التغييرات المدعومة من طرف الولايات المتحدة التي أصبحت تعرف باسم ”الثورة البيضاء“، والتي كانت تهدف إلى عصرنة إيران أكثر فأكثر. سبقت الثورةَ البيضاء سلسلة من التعديلات التي طالت ملكية الأراضي والتي قامت بإعادة توزيع الأراضي في المناطق الريفية مقابل نيل حصص في القطاع الصناعي الذي تملكه الدولة الإيرانية، وكان الهدف من إعادة توزيع الأراضي في البلد هو تحديث وعصرنة المناطق الريفية أيضاً.

غير أن الكثير من هذه المزارع الجديدة فشلت فشلا ذريعاً، فتحتم على المزارعين وعائلاتهم هجر مزارعهم والتوجه إلى المدن الكبرى، على شاكلة طهران، من أجل البحث عن وظائف في القطاع الصناعي في البلد. تسبب هذا النزوح السريع نحو المناطق والمراكز الحضرية في تفكك الروابط القوية التي جمعت العائلات بأراضيها، والتي كانت تمثل حجر أساس محوري في الهيكلة الاجتماعية في المجتمع والثقافة الإيرانية.

دون ذلك، لم يعد المواطنون الذين كانوا في وقت سابق قادرين على إعالة أنفسهم من خلال العمل على أراضيهم قادرين على سد رمقهم وغرقوا في فقر مدقع وبؤس في المدن التي نزحوا إليها. كان نقص الغذاء كنتيجة على فشل المزارع يعني أن الناس لم يعودوا يملكون ما يكفي من الطعام ليأكلوه، وكانت الكثافة السكانية المتزايدة في المراكز الحضرية تعني أنه صار هناك عدد أكبار من الأفواه الجائعة مقابل عدد أقل من المزارعين لسد جوعها بالغذاء الكافي، على إثر ذلك تعاظم كره الشعب للشاه ومعارضته لسياسته.

8. لم يكن الشاه على دراية بتصعّد معارضة الشعب لسياساته الجديدة:

نساء إيرانيات من حقبة الستينات.
استهجن الكثير من رجال الدين نمط الحياة الغربية الذي أدخله الشاه على المجتمع الإيراني.

بدا وكأن الشاه لم يكن على دراية بكون شعبه كان مناهضا تماماً لتعديلاته وسياساته الجديدة. في الواقع، كان الشاه مقتنعاً بأن كل تلك السياسات والتعديلات كانت جيدة جدا للبلد وأن الشعب كان معجباً بها، لذا قام بما قد يقوم به ملك هو سبب ضلال نفسه: الاستمرار في إدخال التعديلات التي كان يظن أن الناس مساندون لها.

تضمنت التغييرات الإضافية في إطار الثورة البيضاء إدخال قوانين ليبرالية من أجل تمكين النساء في البلد، وخفض السلطة المحلية لمشايخ القبائل والحكم الذاتي لبعض المجموعات الإثنية، خاصة في الأرياف، وكذا جلب الرعاية الصحية والتعليم الحديث إلى المناطق الريفية.

كان بعض هذه التعديلات مفيدا على الأرجح، غير أن التأثير العام والشامل لها كان يتمثل في تفكك الروابط المحلية، مثلما هو الحال في المناطق القبلية، حيث كان الناس يعتبرون أنفسهم أفراداً في قبائل معينة وعلى وصال وثيق بأرضهم بدلا من اعتبارهم لأنفسهم مواطنين للدولة التي تعلن ولاءها لحاكمها. دون ذلك، كجزء من الثورة البيضاء، أسس الشاه لعلاقات دبلوماسية قوية تربطه مع الغرب، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن الدور الذي لعبته هذه الأخيرة في عملية الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب الوحيد في البلد لم يزل من ذاكرة الشعب الإيراني.

بالإضافة إلى ذلك، كان التأثير الغربي يروج لنمط حياة غربي متفتح، وهو أمر لم يكن المجتمع الإيراني المحافظ معتادا عليه، ولم يكن مستعدا لقبوله.

7. اعتُبر البعض من تعديلاته إهانة للإسلام:

بلاط محمد رضا شاه.
بلاط محمد رضا شاه.

تضمن واحد من تعديلات الشاه استبدال التقويم الهجري الإسلامي بالتقويم الميلادي، وهي خطوة جعلت التقويم الإيراني مماثلا للكثير من التقويمات الغربية، وعنى هذا الأمر أن الزمن لم يعد يقاس وفقا للتقاليد الإسلامية، وهو أمر استهجنته الكثير من الشخصيات الدينية البارزة.

أدخل كذلك التعديلات على التعليم حتى لا يصبح متمحوراً بين يدي رجال الدين، وقام بعلمنته لدرجة أن أصبحت النساء قادرات على الدراسة في جامعة طهران. كان الإسلام يخسر نفوذه بسرعة في البلد، وكان رجال الدين المسلمون يفقدون بنفس السرعة سلطتهم ونفوذهم.

كان رجال الدين في إيران يكسبون معيشتهم لزمن طويل من خلال التبرعات الدينية وأموال الزكاة، فقام الشاه في أحد تعديلاته بجعل هذه التبرعات وأموال الزكاة تحت سلطة الدولة، حتى يتمكن بفعالية من تقرير من يسعه أن يصبح رجل دين ومن لا يستطيع ذلك.

حظر الشاه كذلك ارتداء الخمار على النساء وشجعهن، وأحيانا أجبرهن، على ارتداء ملابس غربية، كما حظر على رجال الدين ارتداء ثيابهم التقليدية.

استبدلت محاكم الشريعة الإسلامية بمحاكم علمانية كانت تدار من طرف محامين وقضاة علمانيين كانوا في الغالب رافضين للشريعة الإسلامية.

لربما كانت أكبر إهانة بالنسبة لرجال الدين عندما رخص الشاه لمحل لبيع الخمور في مدينة قم المقدسة. عبر الكثير من رجال الدين عن مقتهم تجاه الطريقة التي كان يغير بها وجه البلد، الذي كان لزمن طويل حصناً للإسلام الشيعي، والذي صار يتهاوى تحت تأثير الدول الغربية، وكان شعبه يصبح شيئا فشيئا متعلقا بنمط حياة الغرب الذي كانوا يرون فيه افتقاداً للأخلاق.

جعلت شركة النفط الأنجلو-فارسية، والدستور العلماني، والتعديلات التي فرضتها حكومة بهلوي من العصرنة والعلمانية والميل للغرب جانبا محتوما من الحياة في إيران.

6. واصلت الولايات المتحدة الأمريكية دعمها للشاه، على الرغم من كون شعبيته في انخفاض كبير:

الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر).
الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر).

في تلك الأثناء، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحت القيادة الدبلوماسية لوزير الشؤون الداخلية (هينري كيسينجر) والرئيس (ريتشارد نيكسون)، واصل هذا الأخير دعمه لحكم الشاه. جعلت حدود إيران مع الاتحاد السوفييتي منها نقطة استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لدعم معركتها ضد انتشار الشيوعية، وكانت واحدة من استراتيجيات أمريكا خلال الحرب الباردة هي منع انتشار الشيوعية، وكانت تركز كثيراً على الإبقاء عليها خارج آسيا الوسطى مهما تطلب الأمر.

بالإضافة إلى الاستراتيجية السياسية، كان احتياطي النفط الوفير الذي تمتعت به إيران مصدر إغراء كبير للاقتصاد الأمريكي، الذي صار يعتمد أكثر فأكثر عليه، فأصبحت بذلك إيران معقلا أساسيا لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

يمكن ملاحظة درجة الاحتكاك الكبير بين الثقافتين الأمريكية والإيرانية في التفاعلات التي جمعت شعوب البلدين، بين سنتي 1950 و1979 السنة التي اندلعت فيها الثورة الإيرانية، حيث زار أكثر من 850 ألف أمريكي إيران، وخلال العقد الذي سبق اندلاع الثورة الإسلامية، قصد حوالي 25 ألف مهندس وتقني أمريكي إيران من أجل العمل على دعم العتاد العسكري هناك، وفي نفس الفترة زار الكثير من الطلبة والمواطنون الإيرانيون الولايات المتحدة، وهناك أعجبهم ما رأوه في البلد، غير أنه تحت كل تلك العلاقات السلسة، كانت المشاكل تطبخ على نار هائدة في قمة هرم السلطة في إيران.

5. في سنة 1971، أقام الشاه مهرجاناً للاحتفال بـ2500 سنة من الحكم الملكي في إيران:

أسطوانة قورش في مركز شاعر الاحتفالية بـ2500 سنة على الحكم الملكي في إيران.
أسطوانة قورش في مركز شاعر الاحتفالية بـ2500 سنة على الحكم الملكي في إيران.

أسس الملك قورش الكبير إمبراطورية إيران في القرن السادس قبل الميلاد، وفي سنة 1971، أراد الشاه الاحتفال بمرور 2500 سنة على تأسيس الإمبراطورية الإيرانية، فأقام احتفالية ضخمة في مدينة «تخت جمشيد» أو (بيرسيبوليس) الأثرية بالقرب من مدينة شيراز. تطلب التخطيط للحفلة وتنظيمها سنة كاملة، فقام الشاه بتجديد مطار (شيراز) حتى يستقبل كل تلك الشخصيات المهمة من المدعوين، كما تم تحديث وتجديد الطريق السريع الرابط بين مدينة (شيراز) ومدينة «تخت جمشيد» الأثرية.

بدل من استضافة كل ضيوفه من الطبقة الراقية في مدينة (شيراز)، أراد الشاه منهم أن يبقوا في مدينة (بيرسيبوليس) الأثرية، ومن أجل ذلك بنى مدينة خيم معدّلة، حيث كانت الخيم فيها في الواقع شقق فاخرة مزينة بالأقمشة الفارسية الباهضة، كما قام بغرس أشجار جميلة واستورد حوالي 50 ألف طائر مغرد من مختلف أنحاء العالم.

حضر أكثر من 600 شخص هذا الحفل الضخم، وكانت لائحة الطعام المقدمة في المأدبة فاخرة جدا وأكثر تعقيدا من أن تصفها الكلمات، للأسف كانت في زمن كان فيه الشعب الإيراني يعاني من الفقر والجوع.

تمت إقامة عدة أحداث احتفالية في المواقع الأثرية في مدينة (باسار غاد) الأثرية، وعند ضريح الملك قورش الكبير، والقصور الأثرية في (بيرسوبوليس). كان محور ومركز الحدث كله هو «أسطوانة قورش»، التي تعتبر بشكل أساسي أول إعلان عن حقوق الإنسان في التاريخ.

للأسف الشديد، لم يدرك الشاه أن الشعب كان يرى فيه شخصاً لم يقلد الملك المؤسس في شيء من مبادئه، ولم يدعم ما تأسست له الإمبراطورية الإيرانية، كما بدا لمعظمهم غير مهتم البتة بحقوق الشعب الإيراني الذي يعيش تحت سلطته.

4. عندما خرج الشعب للاحتجاج ضد سياسات الشاه، أمر هذا الأخير الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين ما أسفر عنه مجازر:

مظاهرات في إيران تتحول إلى مجازر.
مظاهرات في إيران تتحول إلى مجازر.

بينما كان البعض يستفيد من التعديلات التي أدخلها الشاه على إيران، كان معظم الشعب الإيراني يزداد عوزاً وفقرا شيئا فشيئا وهو يشاهد الشاه وهو يعزز من سلطته ونفوذه ويزداد ثراءً.

كان الكثيرون مستائين جدا من هذا الوضع، ومما زادهم غيضا هو تجرؤه على إقامة حفل باهض مثل ذلك على نفقتهم وحسابهم. كانوا يعتقدون أن كل تلك الأموال التي أنفقت في الحفل كان من الأجدر استعمالها للمساعدة على دعم بعض الأمور الضرورية على شاكلة الأمن الغذائي، وليس للتظاهر أمام قادة العالم.

كان آية الله الخيميني بشكل أخص من المجاهرين جدا بصوت المعارضة على تصرفات وحكم الشاه، ومن المنتقدين الأشداء للحفل السابق، فبالنسبة له وللكثيرين غيره، كانت ذلك الحفل بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس.

بعد وقت وجيز من احتفالية مرور 2500 سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، أصبحت المظاهرات المناهضة للشاه أكثر تواتراً، بالنسبة للشعب الإيراني شوه الشاه الإسلام وأهانه، وخضع للإمبريالية الغربية، وتسبب في تفكك النسيج الاجتماعي الإيراني، وذلك كله تحت دعم الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت شرطته السرية SAVAK قد عذبت وقتلت عددا كبيرا من الناس، وكان رد الشاه على المظاهرات المنددة لحكمه أن أمر الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين.

هلك الكثير من الناس في خضم ذلك وجرح الكثيرون أيضاً، أصبح يُنظر إلى الضحايا على أنهم شهداء الثورة واعتبروا رموزا للمقاومة ودليلا على بطش الشاه، مما غذى من العدائية في الساحة السياسية والمعارضة الشديدة له.

أصبحت يدا الشاه الآن ملطختان بدماء الإيرانيين، ولم يكن الشعب قادرا على التزام الصمت بعد الآن.

3. اندلعت الثورة الإيرانية الإسلامية في السابع من يناير 1978:

علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

من الممكن القول بأن الثورة الإسلامية في إيران بدأت في 7 يناير 1978، عندما نُشر مقال صحفي في جريدة Ittila’at الذي تم فيه الإساءة للخميني، والذي كان يعتبر الرمز الأبرز للمقاومة ومعارضة الشاه. خلال ساعات على صدور المقال، تم نهب مكتب الجريدة، وبدأت انتفاضة شعبية في مدينة قم.

بدأت على إثر ذلك سلسلة من أعمال القمع التي نفذتها الحكومة في حق المتظاهرين، فتحولت المظاهرات إلى أعمال عنف وشغب كانت تهدف كلها إلى الإطاحة بالشاه، وعودة الخميني من منفاه في فرنسا، وتأسيس جمهورية إيران الإسلامية في سنة 1979.

بقي الشاه في السلطة سنة أخرى، خلالها تغيرت ملامح البلد بشكل درامي لدرجة لم تعد تقريبا تشبه الأرض التي حكمها الشاه وبناها في يوم من الأيام.

كانت الثورة بمثابة صدمة للمجتمع الدولي. فقبل سنوات فقط، حضر أعيان مختلف مجتمعات العالم حفلات فاخرة في مدينة (بيرسيبوليس) الأثرية للاحتفال بمرور 2500 سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية وحكمها الملكي.

لقد كانت إيران صديقة للغرب منذ زمن طويل، وربما كان ذلك السبب الذي حال دون إدراك رؤساء مثل (جيمي كارتر) في الولايات المتحدة لافتقار الشاه للشعبية اللازمة بين أفراد شعبه، ولم يكن ذلك بالأمر المفاجئ لأن الشاه نفسه لم يكن يعي درجة تدني شعبيته بين مواطنيه وتنامي كرههم وبغضهم له، وعلى ما يبدو لم تكن 2500 سنة من الحكم الملكي كافية له لتأمين حكمه.

2. سرعان ما أُجبر الشاه على الفرار من البلد:

متظاهرون يسقطون تمثالا للشاه.
متظاهرون يسقطون تمثالا للشاه.

استمرت المظاهرات ضد الشاه وازدادت حدّتها. في شهر سبتمبر سنة 1978، قاد رجال الدين قرابة نصف مليون شخص للسير في شوارع طهران في مسيرات احتجاجية. لاعتقاده بأن تلك المظاهرات الهائلة المناهضة له كانت عبارة عن مرحلة انتقالية زائلة في نهاية المطاف، أمر الشاه الجيش بأن يفتح النار في وجه المتظاهرين في ما أصبح يعرف لاحقا باسم الجمعة السوداء، التي سقط فيها 89 قتيلاً.

بدل تثبيط عزيمة الشعب، تصعّدت وتيرة الاحتجاجات والمظاهرات ضد الشاه حتى أدرك أنه من غير الآمن له البقاء في البلد، ففرّ من إيران في 16 يناير 1979، وترك الحكومة بين يدي مجلس وصاية.

اعتقد الكثيرون في المجتمع الدولي أن الثورة الإسلامية كانت ومضة سرعان ما ستتبدد، وأن الشاه سيكون قادرا على العودة إلى إيران المستقرة من جديد. غير أن هذا كان بعيدا كل البعد عن الحقيقة. تعين على قادة العالم وبسرعة إيجاد طريقة ما للتفاوض مع الحكومة الإسلامية الجديدة، التي تم تأسيسها بشكل كامل تقريباً بناءً على أفكار آية الله الخميني الإسلامية.

تأزم هذا الوضع وهذا التحدي بعد أن قامت مجموعة من طلبة جامعة طهران بمحاصرة السفارة الأمريكية وأسر عشرات الدبلوماسيين الذين أخذوهم رهائن، فيما أصبح يعرف على أنه إرث الثورة: أزمة الرهائن الإيرانية.

1. آية الله الخميني يترأس الحكومة الإسلامية الجديدة:

الخميني يعود إلى إيران بعد 15 سنة في المنفى.
الخميني يعود إلى إيران بعد 15 سنة في المنفى.

اعتبر آية الله الخميني لمدة طويلة رمزا للمقاومة الشعبية ضد الشاه. كان حتى الإيرانيون الذين لم يكونوا من المسلمين المتفانين يتهافتون لحضور خطاباته ومحاضراته التي يلقيها، ليس لأنهم كانوا يتفقون معه ومع رؤياه الدينية للدولة، بل لأنه كان يعتبر الشخص الوحيد القادر على الإطاحة بالشاه.

بعد فترة وجيزة من فرار الشاه من البلد، عاد الخميني إلى إيران بعد 15 سنة قضاها في المنفى متنقلا بين تركيا والعراق وفرنسا. رحب به ملايين الإيرانيين بحرارة، إيرانيون بدأوا يشعرون بأن الثورة سرعان ما ستكتمل.

في 11 فبراير سنة 1979، انهارت الحكومة المؤقتة التي تركها الشاه، فتم تنظيم حكومة جديدة تحت دستور تمت كتابته بشكل كبير بناء على أفكار كتاب ”ولاية الفقيه“، الذي هو دليل الخميني لما يجب أن تكون عليه الحكومة الإسلامية وكيف يجب أن تكون هيكلتها. كان في مركز أهمية هذه الهيكلة الحكومية منصب ”الفقيه الكبير“، الذي هو رجل دين يشرف على جميع أعمال الحكومة ويملك السلطة لإلغاء أي قرار قانوني.

عندما تم تنظيم الانتخابات لانتخاب من سيتقلد منصب ”الفقيه الكبير“، صوت 99 في المائة من الشعب الإيراني لصالح الخميني، فأصبح بعد ذلك قائد الحكومة الثورية الإيرانية، ولم يعد بوسع الشاه العودة أبداً إلى إيران.

مقالات إعلانية