in

ما الذي جعل كوريا تنقسم إلى واحدة شمالية وأخرى جنوبية؟

هل سبق لك وتساءلت لماذا توجد هناك كوريا شمالية وأخرى جنوبية؟ وهل سبق لك وتساءلت ما الذي حدث لكوريا فجعلها تنقسم إلى كوريتين مثلاً؟

تماما مثل جميع التغييرات الجيوسياسية في العالم، كان انقسام الكوريتين نتيجة حتمية لصراع وحرب، حيث اندلعت الحرب الكورية في سنة 1950 ووضعت أوزارها في سنة 1953، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحرب الكورية لم تكن السبب في انقسام كوريا في الواقع، بل أن كل ما فعلته الحرب هو أنها جعلت الانقسام دائما ولا رجعة فيه، كما أنه في الزمن الذي اندلعت فيه الحرب، كانت كوريا منقسمة إلى دولتين مسبقًا.

من أجل فهم الصورة الشاملة، يجب علينا ألا ننظر فقط إلى الحرب الكورية، بل إلى أبعد من ذلك.

كان لانقسام شبه الجزيرة الكورية إلى دولتين منفصلتين علاقة كبيرة بالحرب الباردة. وما يثير الاهتمام كثيرا حيال الحرب الباردة هو أنها لم تكن حربا بالمفهوم التقليدي، حيث كانت ”حرب حروب“ بشكل أدق، فقد كانت تجري حيثياتها بشكل أساسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، وبشكل أوسع كانت عبارة عن حرب آيديولوجية بين الرأسمالية في الغرب والشيوعية في الشرق.

لم ينخرط الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية في الواقع في حرب مباشرة بين بعضهما البعض، غير أنهما تورطا بشكل غير مباشر في حروب بالوصاية.

من أمثلة هذه الحروب غير المباشرة نجد حرب فيتنام، حيث كانت الولايات المتحدة التي دعمت جنوب فيتنام الرأسمالي في حرب مع الشمال الفيتنامي الشيوعي، الذي لقي بدوره دعما من الاتحاد السوفييتي والذي زوده بالدبابات والأسلحة والعتاد والطائرات، إلى جانب مليارات الدولارات على شكل تمويل.

مثال آخر على الحروب بالوصاية بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي هي حرب أفغانستان التي قاتل فيها الاتحاد السوفييتي إلى جانب الحكومة الأفغانية الشيوعية، بينما مولت الولايات المتحدة الأمريكية المجاهدين من السعودية بشكل أساسي بغلاف مالي وصل إلى غاية 3 مليارات دولار من أجل محاربة الحكومة الأفغانية ما نجم عنه حرب أهلية دامية.

بالعودة إلى كوريا، نجد أن الحرب الكورية كانت هي الأخرى عبارة عن حرب بالوصاية وجزءا من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

غير أن انقسام الكوريتين كان قد وقع حتى قبل اندلاع الحرب الباردة، حيث انقسمت البلاد بشكل فعلي بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية.

لنعد قليلا إلى الماضي، إلى الحرب العالمية الثانية وما قبلها..

سيطرت اليابان على شبه الجزيرة الكورية لخمسة وثلاثين عامًا.
سيطرت اليابان على شبه الجزيرة الكورية لخمسة وثلاثين عامًا: في هذه الصورة يحتفل الكوريون باستقلال بلادهم عن اليابان في سنة 1948. صورة: Paul Popper/Popperfoto/Getty Images

بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، قامت اليابان بالتخلي عن الأراضي التي احتلتها بالقوة عند توقيعها لمعاهدة (بوتسدام)، ومن بين هذه الأراضي كانت تايوان وشبه الجزيرة الكورية.

إلى جانب تايوان، كانت اليابان تبسط سيطرتها على شبه الجزيرة الكورية كلها، والتي ضمتها الإمبراطورية اليابانية إليها في سنة 1910 من الإمبراطورية الكورية، وقد ظل اليابانيون يحكمون كوريا لمدة 35 سنة قبل استسلامهم وتسليمها بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

غير أن الوضع في كوريا مختلف عن الوضع في تايوان، فقد كانت تايوان عبارة عن جزيرة لم تشكل إلا قسما ضئيلا من مساحة جمهورية الصين الشعبية، لذا كان وضعها يتعلق ببساطة بنقل سيادتها إلى الصين دون تعقيدات، لكن مع كوريا، استحوذت اليابان على كامل أراضيها، لذا فقد مسحت الإمبراطورية الكورية تماما من الخريطة، وعلى إثر ذلك، وبحكم صادر عن هيئة الأمم المتحدة، تم تقسيم كوريا بشكل مؤقت عند دائرة العرض رقم 38 في الشمال، فكانت السيطرة عن الجزء الشمالي لصالح الاتحاد السوفييتي بينما منحت الوصاية عن الجزء الجنوبي منها للولايات المتحدة الأمريكية، مع نية توحيد البلد في المستقبل.

من الجدير التنويه إلى أنه في هذه المرحلة كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي دولتين حليفتين، هذا على الرغم من أن الثقة لم تكن متبادلة بينهما.

برمجت هيئة الأمم المتحدة لإقامة انتخابات في كلا الكوريتين، وكان من المقرر أن تكون هذه الانتخابات عادلة وديمقراطية، فانتُخب في الجنوب (سينغمان ري) زعيما للبلد وتأسست على إثر ذلك الجمهورية الكورية التي استلمت زمام الأمور من الجيش الأمريكي.

بينما في الشمال، رفض الاتحاد السوفييتي تنظيم انتخابات حرة وتأسس على إثر ذلك الحزب الشيوعي الذي وضع أسس الدولة الشيوعية في الشمال مع تعيين (كيم إيل سونغ) زعيما لها، الذي هو في الواقع جد زعيمها الحالي (كيم جونغ أون). بحلول سنة 1949، سحب الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية جميع قواتهما من شبه الجزيرة الكورية.

بينما توجه السوفييت والصينيون إلى تسليح كوريا الشمالية بأسلحة ثقيلة وعتاد ومعدات متطورة، لم تكن الولايات المتحدة بهذا الكرم تجاه كوريا الجنوبية، حيث تركتها حتى بدون دبابات للوقوف في وجه الغزو المحتمل من الكوريين الشيوعيين القادمين من الشمال.

وهو ما حدث بالضبط، حيث اندلعت الحرب الكورية في سنة 1950..

تحت توجيهات من الزعيم السوفييتي (جوزيف ستالين)، عبرت القوات الكورية الشمالية دائرة العرض 38 نحو الجنوب واحتلت كوريا الجنوبية. لم يكن (ستالين) يتوقع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بما أنها قامت مسبقا بسحب جميع قواتها من المنطقة، ولم يسبق لها كذلك أن تدخلت في سيطرة الحزب الشيوعي على الصين الشعبية بعد الحرب الأهلية التي اندلعت فيها في السنة السابقة.

من الحرب الكورية.
من الحرب الكورية.

غير أن الولايات المتحدة فاجأت الاتحاد السوفييتي ودعت إلى إقامة جلسة طائرة لمجلس الأمن الذي صوت بالتدخل العسكري في كوريا، وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفييتي كان عضوا دائما في مجموعة الخمسة الكبار في مجلس الأمن وكان يتمتع بحق الفيتو، فإنه لم يكن حاضرا في تلك الجلسة بالذات، لأنه كان قد قاطع هيئة الأمم المتحدة في وقت سابق بسبب الصين الشعبية الشيوعية، التي على الرغم من أنها انتصرت في الحرب الأهلية، إلا أن جمهورية الصين في تايوان كانت ماتزال تحظى بمقعد دائم في هيئة الأمم المتحدة وهو ما أغاض الصين وحليفها الاتحاد السوفييتي كثيرًا لدرجة جعلته يقاطع جميع اجتماعاتها.

لذا تدخلت الأمم المتحدة من أجل توفير الدعم والحماية لكوريا الجنوبية، هذا على الرغم من أن القوات الأمريكية شكلت السواد الأعظم من جيش الأمم المتحدة.

كان في قيادة قوات حفظ السلام الجنرال الأمريكي (مكارثر). وعلى الرغم من أن (ستالين) وعد بتقديم المساعدة لكوريا الشمالية كلما تطلب الأمر ذلك، فإنه أصدر أوامر صارمة تقضي بعدم الاشتباك المباشر مع القوات الأمريكية، وذلك لأنه كان يعرف جيدا أن الدخول في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تبعات كارثية ليس على البلدين فقط، بل على كامل شعوب الأرض، لأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في تلك الحقبة لم يكونا مجرد قوتين عظيمتين فقط، بل كانتا قوتين نوويتين، مما كان يعني أنه في حالة حدوث حرب بينهما فإن اللجوء لاستخدام السلاح النووي سيكون محتوما، وهو ما قد يؤدي إلى انقراض الجنس البشري من على وجه الأرض.

بحلول شهر سبتمبر من سنة 1950، طوقت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية في نقطة ضيقة من جنوب شبه الجزيرة الكورية وبدا النصر على مرمى حجر بالنسبة للشمال الشيوعي. كان يتعين على كوريا الشمالية إرسال الإمدادات إلى قواتها في الجبهات الأمامية جنوبًا، وهو ما أراد الجنرال (مكارثر) استغلاله جيدا، لذا بدلا من الاشتباك المباشر مع القوات الكورية الشمالية في الجنوب، استعانت الولايات المتحدة بالقوات البحرية لمحاصرة الكوريين الشماليين، فسيطروا على العاصمة سيول وتمكنوا من قطع خط الإمدادات الخاص بالقوات الكورية الشمالية.

في غضون شهور قليلة، تغيرت الأمور بشكل درامي وبدا واضحا أن كوريا الجنوبية هي من أصبح الآن على وشك الانتصار في الحرب، غير أنه في هذه المرحلة قررت الصين الشعبية، التي لم تتدخل حتى الآن في المنطقة، الزحف بجيشها عبر الحدود، ودفعت على إثر ذلك بقوات الأمم المتحدة جنوب دائرة العرض 38.

تقلبت السيطرة على شبه الجزيرة لمدة من الزمن حول دائرة العرض 38، ومما يثير السخرية انتهى الأمر بطريقة مماثلة لما بدأ به، ففي سنة 1953 وقعت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية اتفاقية وقف إطلاق النار بينهما وأنشأتا حدوداً دولية فعلية بينهما.

من الجدير التنويه إلى أن الهدنة ليست بمعاهدة السلام، لذا مازال البلدان في حالة حرب ضد بعضهما البعض إلى يومنا هذا من الناحية التقنية.

بعد توقيع الاتفاق على وقف إطلاق النار، قام كلا الجانبان ببناء حواجز حدودية لمنع بعضهما البعض من عبورها، وهناك نشأت منطقة نزع سلاح عرضها 4 كلم وتمتد على طول الحدود بين البلدين، وهي على الرغم من أنها تحمل اسم المنطقة منزوعة السلاح فإنها تعتبر أكثر المناطق تسليحا في العالم.

في سنة 1991، أصبحت كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية دولتان عضوتان في هيئة الأمم المتحدة، هذا على الرغم من أن كل واحدة فيهما على حدى لا تعترف بالأخرى وتعتبر نفسها الحكومة الشرعية لكوريا كلها.

أين يلتقي زعماء الكوريتين؟

المنطقة الأمنية المشتركة: هي كذلك المنطقة الوحيدة في منطقة نزع السلاح بين الكوريتين التي يقف فيها جنود الجيشين وجها لوجه.
المنطقة الأمنية المشتركة: هي كذلك المنطقة الوحيدة في منطقة نزع السلاح بين الكوريتين التي يقف فيها جنود الجيشين وجها لوجه. صورة: Wikimedia Commons

المكان الوحيد الذي يجتمع فيه قادة كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية يقع على الحدود التي تفصل البلدين ويدعى ”المنطقة الأمنية المشتركة“ the Joint Security Area، ويتضمن على غرفة تحتوي طاولة في وسطها موضوعة فوق خط الحدود مباشرة، بحيث يجلس كل قائد على جانب الطاولة الذي يتواجد في بلده، ومن هنا يجتمع القائدان في مكان واحد دون أن يغادر أي منهما أرض بلاده.

اليوم، اتسع الشرخ الذي يفصل الكوريتين وأصبحت مواطن الاختلاف بينهما أكثر من مواطن التشابه.

على الرغم من أن شعبيهما كانا في يوم من الأيام شعبا واحدا، وعلى الرغم من أن جميعهم يتحدث اللغة الكورية وكلا الدولتان يحمل كلمة ”كوريا“ في اسمه، فإنهما مختلفتان للغاية، حيث تتسم كوريا الجنوبية بأنها دولة رأسمالية تعتمد نظام السوق الحر والديمقراطية السياسية، بينما يمكن تلخيص كوريا الشمالية في أنها بلد شيوعي يتبع نظام الديكتاتورية الشمولية المتوارثة.

لذا إن كنت تخطط لزيارة كوريا في يوم من الأيام، من الأفضل لك أن تختار الجنوبية منها.

مقالات إعلانية