in

إليكم الطرق المحفوفة بالمخاطر التي يتبعها مواطنو كوريا الشمالية للهرب من جحيم بلادهم

صورة: EPA

وتعيش كوريا الشمالية في عالم معزول، حيث وسائل التواصل مع العالم الخارجي شبه مقطوعة. لذا من المستحيل أن نعلم كيف يُفكر سكان كوريا الشمالية بعيدًا عن البروباغندا الإعلامية، ولن نعرف الأحلام التي تراودهم أو الآمال التي يطمحون إليها، خاصة أن نظام العقوبات في هذا البلد قاسٍ جداً، فأي مخالفة للقواعد والقوانين قد تعرضك، وتعرض عائلتك أيضًا، إلى الإعدام أو العمل في المعسكرات القسرية.

على أي حال، استطاع كثيرون الهرب من ذلك الجحيم، وتبيّن أن هناك عدة طرق للهروب من كوريا الشمالية، لكنها ليست طرقًا سهلة ولا رحلة مريحة خارج البلاد. تعرف معنا في هذه المقالة على 10 طرق قد تمكّن سكان كوريا الشمالية من الهرب بحثًا عن حياة آمنة وكريمة:

1. عبر المنطقة منزوعة السلاح

المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين. صورة: Wikipedia

تفصل المنطقة منزوعة السلاح الكوريتين الشمالية والجنوبية عن بعضهما، وتمتد على مسافة قدرها 240 كيلومتر، وبالطبع، هناك الكثير من الأسلاك الشائكة والألغام والحراس المتيقظين، على طرفي المنطقة وليس فقط من الجانب الشمالي.

لذا، يُعد الهرب من هذه المنطقة مغامرة قد تكلفك حياتك، خاصة إن رآك جنود كوريا الشمالية الذين لن يترددوا في إطلاق الرصاص إذا شاهدوا منشقًا يهرب إلى الجانب الجنوبي. المثير للسخرية أن بعض الجنود الشماليين الذين كُلفوا بحراسة هذه المنطقة قد حاولوا الهروب سابقًا نحو الجانب الجنوبي، ووُثقت 3 حالات من هذا النوع، تحديدًا عام 2015 حينما غادر أحد الحراس مقره وسار نحو الجانب الجنوبي، بكل بساطة، ثم أعلن استسلامه هناك.

ما يدفع الناس إلى هذه الطريقة الصعبة جداً، والمميتة في أغلب الأحيان، هي الجنسية التي تمنحها كوريا الجنوبية لجميع الواصلين من الشمال، والهدف من هذه الحركة بسيط ومفهوم: فإن لم تقبل كوريا الجنوبية هؤلاء اللاجئين، سيتم إعدامهم على الفور في كوريا الشمالية.

2. عبر البحر الأصفر

البحر الأصفر من الجانب الصيني. صورة: International Business Times

البحر الأصفر هو الجزء الشمالي من بحصر الصين الشرقي، ويقع بين شبه الجزيرة الكورية والصين، سُمي بهذا الاسم نسبة إلى الرواسب الصفراء التي تحملها مياهه. على أي حال، أصبح هذا البحر طريقًا سهلاً نسبيًا للهرب من كوريا الشمالية إلى الجارة الجنوبية، كما أن كلّاً من البلدين يدعي أحقيته بامتلاك جزء من هذا البحر.

قلنا أن الطريق سهل نسبيًا، إذ توجد بعض المخاطر التي لا بد من التعرض لها: أولاً، هناك حراسة شديدة بواسطة القوات البحرية في كل من الجانبين الشمالي والجنوبي، وكالعادة، لن تتردد البحرية الكورية الشمالية في قتل أي منشق، أو الإمساك به، ما يعني موته في نهاية المطاف.

إذ كما تلاحظون، لا يستطيع زعماء كوريا الشمالية تأمين متطلبات الحياة لشعبهم، لكنهم حريصون جداً على منع أي أحد من مغادرة هذه البلاد، حيث تستثمر كوريا الشمالية ملايين الدولارات لبناء ترسانة بحرية قوية تمنع أي أحداً من المغادرة أو الاقتراب، ويشمل ذلك امتلاك كوريا الشمالية 70 غواصة و191 زورق دورية، أضف إلى ذلك أمواج البحار العاتية، سترى أن تجربة عبور البحر ليست بتلك السهولة.

لكن الميزة في هذ الطريق تكمن في كونه مناسبًا جداً للسباحين المحترفين، فالمسافة بين الكوريتين قصيرة نسبية، وبإمكان السباح المحترف عبورها، خاصة أن إمكانية اكتشاف السباحين في البحر أقل بكثير من إمكانية اكتشاف زورق أو قارب صيد.

3. عن طريق خطوط آير كوريو

طائرة تابعة لخطوط “آير كوريو”. صورة: Arthur Mebius/WIRED

هل تعلمون أن لكوريا الشمالية خطوط جوية خاصة بها؟ واسمها «آير كوريو Air Koryo»، وفي الحقيقة، تعد خطوط «آير كوريو» من أسوأ الخطوط الجوية في العالم كله، وهي خطوط الطيران الوحيدة التي حصلت على تقييم نجمة واحدة فقط! وهذا أمر منطقي، فوسيلة الترفيه الوحيدة على متنها هي بث وإذاعة البروباغندا الكورية، والطعام الرديء أيضًا. لكن إن قررت زيارة كوريا الشمالية، فتأكد أنك لن تشهد ازدحاماً في المطار، وعندما تصل إلى البلاد، ستجد مضيفات الطيران يقدمن لك مجموعة من الزهور ترحيبًا بك!

لكن إن كنت من العاملين على متن تلك الخطوط، ففرص هروبك من البلاد مرتفعة. صحيح أن خطوط «آير كوريو» لا تخدم سوى الدول الحليفة لكوريا الشمالية، أي الصين وروسيا بالدرجة الأولى، لذا من الصعب معرفة إن كانت تلك الدول ستعيد الهاربين إلى كوريا الشمالية أم لا.

4. عبر الحدود الصينية والكورية الشمالية

في الخلفية، جسر الصداقة الكوري الصيني، وهو الجسر الذي تمر عبره 70% من حركة التجارة الكورية مع الصين. صورة: Rob Schmitz/NPR

استغل كثيرون من كوريا الشمالية إمكانية الهروب من بلدهم عن طريق الحدود مع الصين، حيث يتم ذلك بواسطة مهربين صينيين، وفي أحيانٍ أخرى قد يكون هؤلاء مواطنون صينييون يعرفون أحد المهربين. لكن المشكلة تكمن في أن الصين متفقة مع كوريا الشمالية على إعادة هؤلاء إلى بلدهم، وبالتالي إذا علمت السلطات الصينية بوجود كوري شمالي على أراضيها، ستقوم بإرجاعه إلى بلده كي يلقى حتفه هناك.

على أي حال، يوجد نفق تحت الأرض بإمكان الهاربين استخدامه، وهو عبارة عن شبكة من السكك الحديدية، حيث يقوم الناشطون الصينيون بمساعدة الهاربين الوافدين إلى الصين عبر ذلك النفق. على مر السنوات، ساعد القس الكوري الجنوبي (كيم سيونغ أون) العديد من المنشقين الشماليين على الهرب والوصول إلى دولة لاوس، وهي بلد غير ساحلي تحدها الصين من الشمال الغربي. لكن عبور ذلك الطريق صعب ويستغرق ما يزيد عن 12 ساعة عبر الجبال.

المشكلة أن هذه الطريقة باتت مكشوفة، بل تعمل لاوس على إعادة هؤلاء الهاربين إلى كوريا الشمالية، لذا بات على الهاربين التخفي في أدغال لاوس وصولًا إلى تايلاند، أو اتباع طريقٍ آخر، هو صحراء غوبي وصولًا إلى منغوليا في الشمال.

5. برامج التبادل الطلابي

طلاب وطالبات كوريون شماليون في بيونغ يانغ. صورة: AFP

على الرغم من كونها دولة معزولة، توجد برامج تبادل طلابي بين كوريا الشمالية وبعض دول العالم، وسنويًا، يغادر عدد من الطلاب الصينيين للدراسة في كوريا الشمالية، على الرغم من الفرق الواضح بين مستوى التعليم في البلدين، إذ ربما يدفعهم حس الفضول والمغامرة إلى زيارة ذلك البلد.

لكن هذا البرنامج يسمح للطلاب الكوريين المتفوقين والمجتهدين في الدراسة خارج بلادهم، وفي الحقيقة، يساهم هذا البرنامج في توفير فوائد سواء للطلاب الذين يقررون الهروب أو الذين يعودون إلى بلدهم. فبإمكان العائدين الاستفادة من خبرتهم في الترقي ضمن المجال الوظيفي وتوفير وضع مادي أفضل في بلدٍ يلتهمه الفقر.

في المقابل، بإمكان الطلاب أيضًا الهروب من النظام الكوري. على أي حال، تعلم الحكومة الكورية بمخاطر إرسال شعبها خارج البلاد، لذا تقوم بمراقبة هؤلاء الطلاب عن كثب كي لا يقدموا معلومات عن بلدهم أو يحاولوا الهروب، حتى أن الصين نفسها غالباً ما تسيّر دوريات قرب القنصليات والبعثات الدبلوماسية الكورية الجنوبية بحثًا عن الهاربين أو الذين يودون الهرب إلى الجارة الجنوبية.

في عام 2017، تمكن طالب كوري عمره 18 عاماً، واسمه (جونغ يول ري) من الهرب بينما كان يمثل بلده في الأولمبياد الدولي للرياضيات المقام في هونغ كونغ حينها. أخذ الشاب سيارة تاكسي إلى المطار، وحاول العثور على مكتب للخطوط الجوية الكورية الجنوبية، فسألهم عن مكان القنصلية الكورية في الصين وتوجه إلى هناك على الفور كي يطلب اللجوء.

لم تسر الأمور في البداية على ما يرام، إذ اضطر (يول ري) إلى قضاء 80 يومًا في القنصلية أثناء محاولة كوريا الجنوبية إجراء مفاوضات مع الصين من أجل ترحيله إلى سيول، لكن لحسن الحظ، تمكن الشاب من تحقيق هدفه وتم إيصاله إلى كوريا الجنوبية بأمان.

6. معسكرات العمل خارج البلاد

عمال وعاملات من كوريا الشمالية يستعدون للعودة إلى بيونغ يانغ من إحدى المطارات الصينية. صورة: AFP

لربما تعلم أن كوريا الشمالية تجبر بعض مواطنيها على العمل القسري في المعسكرات، لكن هل تعلم أن هذا البلد يرسل بعضًا من مواطنيه إلى معسكرات عمل في دول أجنبية؟ تخيّل أن يقوم بلدك بإرسالك كي تعمل في دول أخرى، الصين وروسيا تحديدًا، كي تكسب بلادك أموالاً ثم تستخدمها في بناء ترسانة نووية، أو أسوأ، فقد تذهب تلك الأموال إلى الطبقة الحاكمة فقط!

على سبيل المثال، يتطوع الكثير من الكوريين الشماليين للعمل في معسكرات سيبيريا كي يتمكنوا فقط من مغادرة بلادهم، حيث وقّع الرئيس الروسي (فلاديمر بوتين) صفقة مع نظيره الكوري (كيم جونغ أون) يتقاضى الأخير بموجبها 7 مليون دولار سنوياً مقابل إرسال آلاف العمال الكوريين للعمل في مشاريع بناء ضخمة في روسيا، كملاعب كرة القدم التي تستضيف كأس العالم مثلاً.

هل يستفيد الشعب الكوري من تلك الملايين؟ بالطبع لا، إذ أن تلك الأموال تذهب للصناعات العسكرية، أو لتغطية نفقات (كيم جونغ أون) الشخصية، بالمناسبة، إن كنتم لا تصدقون وحشية الواقع الذي يعيشه الكوريون، إليكم خبرٌ مصدره صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية، جاء فيه أن الزعيم الكوري احتسى في إحدى المرات 10 زجاجات من نبيذ بوردو الفاخر في ليلة واحدة، وهذا الكلام وفقًا لطباخه الخاص الذي أكد عشق الزعيم للنبيذ الفرنسي.

7. عن طريق الفرق الرياضية

غالباً ما تتم مراقبة الرياضيين الكوريين الشماليين المشاركين في دورات الألعاب العالمية. صورة: Getty Images

تملك كوريا الشمالية فريقًا يمثلها في دورات الألعاب الأولمبية مثل أي بلد في هذا العالم، وبالتالي بإمكان اللاعبين الوصول إلى بلدان أخرى خلال تلك الدورات، ثم إمكانية الهرب والانشقاق إن واتتهم الفرصة. على أي حال، إن الهرب وفق هذه الطريقة أفضل بكثير من العودة إلى كوريا الشمالية بعد خسارة المباريات والألقاب، إذ تعاقب كوريا الشمالية الفرق والرياضيين الخاسرين.

فعلى سبيل المثال، وخلال كأس العالم لكرة القدم عام 2010، لم يستطع فريق كوريا الشمالية الفوز بأي مباراة، فاستُبعد من المنافسة. لكن عندما عاد أعضاء الفريق إلى بلادهم، تمت إهانتهم بشكل علني في العاصمة بيونغ يانغ، واضطر مدرب الفريق إلى تقديم استقالته.

8. عبر بحر اليابان

إحدى سواحل إتوتشيما المطلة على بحر اليابان. صورة: GETTY IMAGES

بحر اليابان هو عبارة عن بحر يشبه البحر المتوسط نوعًا ما، إذ أنه بحر منغلق تحده اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا، وبالتالي يُعتبر طريقًا مناسبًا للمنشقين الكوريين الشماليين الراغبين في الهرب من بلدهم.

لكن المشكلة أن عبور البحر يتطلب استخدام زورق، كما أن المسافة طويلة، ما يعني أن احتمال عثور الجيش الكوري على الهاربين مرتفع إلى حد ما. على أي حال، استطاع عدد من الأشخاص الهرب عبر هذا الطريق، حيث تمكنّهم اليابان من الوصول إلى كوريا الجنوبية ولا تعيدهم إلى بلدهم الأصلي.

9. عبر البعثات والهيئات الدبلوماسية

سفارة كوريا الشمالية في العاصمة التشيكية براغ. صورة: Wikipedia

تملك كوريا الشمالية بعثات وهيئات دبلوماسية في العديد من الدول الأجنبية، لكن المفارقة أن كوريا الشمالية لا تدفع ثمن استئجار تلك السفارات والهيئات الدبلوماسية، إذ أصدرت السلطات توجيهات بأن تعتمد تلك الهيئات الدبلوماسية على نفسها من الناحية المادية، ما يجبر الكثير منها على شراء أثاث مستعمل! صدق أو لا تصدق، هذه هي كوريا الشمالية العظيمة!

بالتأكيد، إن إمكانية الهروب من تلك الهيئات الدبلوماسية هي فرصة للنخبة السياسية فقط، وبالفعل، شهدت البلاد عدة حالات مماثلة، ففي عام 2019، انشق سفير كوريا الشمالية لدى دولة الكويت، واسمه (ريو هيون وو) مع عائلته، وهو ليس الوحيد، فهناك السفير الكوري الشمالي السابق في إيطاليا، واسمه (جو سونغ جيل)، الذي اختفى طيلة عام كامل ليتبين في نهاية المطاف أنه موجود في الجارة الجنوبية.

تأكيدًا على تلك الأخبار، وخوفًا منها بالطبع، تُجبر كوريا الشمالية هؤلاء السفراء والممثلين على إبقاء عائلاتهم، أو أفراد من عائلاتهم، في كوريا الشمالية، كي لا يتسنى لهم الهروب والانشقاق.

إن كنتم ترون أن كوريا الشمالية دولة عادية، وأن العالم الغربي يضخّم من معاناة شعبها، فربما عليكم إعادة النظر مجدداً، إذ أن الواقع هناك بائس جداً، وإلا لما خاطر هؤلاء الكوريون بحياتهم وحياة أقربائهم من أجل الهرب من كوريا الشمالية والنظام الحاكم. المصيبة أن النظام الحاكم يعلم تماماً الوضع المزري الذي يعيشه الشعب، وإلا لما حاول قمع وإسكات كل محاولات الهروب تلك.

مقالات إعلانية