in

ما قصة ”الكرة“ البيضاء التي ملأت التعليقات على صفحة دخلك بتعرف؟

للأسف الشديد، وبعد نشر صفحة ”دخلك بتعرف“ الرسمية على الفايسبوك لصور سيارة (تيسلا رودستر) التي أطلقتها شركة (سبايس آكس) في الفضاء في الأيام القليلة الماضية، تهاطلت التعليقات التي تتهم كلا من (إلون موسك) وشركته (سبايس آكس)، وحتى وكالة (ناسا)، بفبركة الأمر كله، واضعين صورة ”كرة“ بيضاء عملاقة بجانب سكة كاميرا، ومعتقدين بأن ذلك هو ”الأستوديو“ حيث تمت فبركة حدث إطلاق سيارة (تيسلا) إلى الفضاء:

من بين التعليقات على صفحة دخلك بتعرف على صور سيارة (تيسلا رودستر) التي أطلقتها شركة (سبايس آكس) في الفضاء.
من بين التعليقات على صفحة دخلك بتعرف على صور سيارة (تيسلا رودستر) التي أطلقتها شركة (سبايس آكس) في الفضاء.
من بين التعليقات على صفحة دخلك بتعرف على صور سيارة (تيسلا رودستر) التي أطلقتها شركة (سبايس آكس) في الفضاء.
تعليق آخر.
من بين التعليقات على صفحة دخلك بتعرف على صور سيارة (تيسلا رودستر) التي أطلقتها شركة (سبايس آكس) في الفضاء.
تعليق آخر أيضا.
نموذج محاكاة القمر
الصورة الحقيقية للكرة البيضاء العملاقة.

حيث، وعلى ما يبدو، يعتقد بعض متابعي صفحتنا الكرام بأن الأمر برمته مجرد مونتاج وفبركة تمت في ما أسموه بـ”استوديوهات“ (ناسا)، أو هوليوود.

فما حقيقة تلك ”الكرة“ البيضاء يا ترى؟ وهل كان الأمر فبركة وتزييفا بالفعل؟

في مقالنا هذا سنقوم بتوضيح الأمر من أجل قرائنا الأعزاء، حيث سنستهل ذلك بتسليط الضوء على ماهية الكرة البيضاء التي ملأت صورها التعليقات.

رجل خلف لوح تحكم نظام محاكاة لتدريب رواد الفضاء.
رجل خلف لوح تحكم نظام محاكاة لتدريب رواد الفضاء – صورة: NASA

الخامس من شهر ديسمبر سنة 1961، رجل خلف ألواح تحكم أحد النماذج يحدق في سطح القمر عن كثب؛ هل هذا رائد فضاء يقترب من القمر قبل ثمانية سنوات من رحلة أبولو 11؟ كلا، إنه طيار يقوم باختبار مشروع LOLA، وهو شبكة هائلة من الفسيفساءات المرسومة باليد وآلات الكاميرا المزودة بسكك، صممت خصيصا لتدريب رواد الفضاء على الهبوط على سطح القمر.

قبل 54 سنة قمنا باختبار مشروع LOLA -وهو اختصار لعبارة The Lunar Orbit and Landing Approach simulator- في (مركز الأبحاث) بـ(لانغلي) في ولاية (فيرجينيا).

موظف اختبار على جسر رافعة متحرك يتفحص محاكاة لسطح القمر خلال بدايات إجراء الاختبارات على مشروع LOLA.
موظف اختبار على جسر رافعة متحرك يتفحص محاكاة لسطح القمر خلال بدايات إجراء الاختبارات على مشروع LOLA – صورة: NASA

يتطلع هذا الطيار الجالس على جسر رافعة متنقلة إلى قمرة القيادة على نظام تلفزيوني ذو دائرة مغلقة صمم ليتابع ويتعقب فسيفساءات مفصلة تحاكي سطح القمر، استجابة لمفاتيح التحكم الخاصة بها.

شيدت وكالة (ناسا) أربع نماذج على أحجام مختلفة، حتى تتمكن قمرة القيادة من تتبع الجداريات محاكاة لعملية الهبوط، كان أكبر هذه النماذج على كرة يبلغ قطرها ستة أمتار، التي وضعت لتحاكي سطح القمر من على ارتفاع 322 كم، أي أنها كانت على مقياس 1سم مقابل 5.7 كيلومترات حقيقية.

كانت أبعاد النماذج الثلاثة الأصغر ذات التضاريس الكاملة 4.5 أمتار على 12 مترا، وكانت أبعاد النموذج الأخير على مقياس 1سم لكل 61 مترا.

فنان يقوم بالرسم
استعمل الفنانون مزيجا من الرسم باليد والتلوين بالبخاخات من أجل تكوين جداريات ذات حجم كبير لسطح القمر، وذلك من أجل نظام المحاكاة.

تم إنشاء الأسطح القمرية بفضل الرسم باليد وباستعمال البخاخات بعناية شديدة، واستعان في ذلك الفنانون بصور مفصلة تم التقاطها خلال مهمات سابقة إلى القمر.

النموذج القمري رقم واحد
كان (النموذج رقم 1) كرة هائلة بقطر ستة أمتار، تحاكي سطح القمر من على ارتفاع 322 كيلومتر، على مقياس 1 سنتمتر لكل 5.7 كيلومترات.

بناء (النموذج رقم 1) قبل تغليفه بالفسيفساء المرسومة باليد التي تحاكي سطح القمر.
بناء (النموذج رقم 1) قبل تغليفه بالفسيفساء المرسومة باليد التي تحاكي سطح القمر.
سقالة وأسطح (النموذج رقم 2)، و(النموذج رقم 1) مع سكة الكاميرا.
سقالة وأسطح (النموذج رقم 2)، و(النموذج رقم 1) مع سكة الكاميرا.
رفع نموذج سطح قمري إلى موقعه على السقالة.
رفع نموذج سطح قمري إلى موقعه على السقالة.
رجل يجلس خلف لوح تحكم نظام محاكاة
موظف اختبار في نسخة أولية من قمرة القيادة يختبر أنظمة تحكم نظام المحاكاة وقدرته على تحريك الكاميرات على طول السكك المخصصة لها.

إجراء اختبار نموذجي دام مدة ساعة مع الطيار داخل قمرة القيادة يتحكم في الكيفية التي تتتبع فيها الكاميرات النماذج.

بدأت المهمة مع وضع العربة على (النموذج رقم 1)، في محاكاة للإقتراب من القمر والطواف بمداره.

خلال الهبوط، ينتقل نظام التغذية التلفزيوني إلى كاميرا ثانية مسلطة على (النموذج رقم 2)، بينما تم تحويل الكاميرا الأولى إلى (النموذج رقم 3).

يتم قطع وإيقاف المحاكاة على بعد حوالي مائة متر عن ”السطح“ لمنع اصدام الكاميرات بالنماذج.

شخص يرسم سطحا يحاكي سطح القمر
فنان يستعين بسكة الكاميرا كأنها سقالة ليقوم برسم سطح قمري على (النموذج رقم 2)
شخص يرسم سطحا يحاكي سطح القمر
تم إنشاء أسطح النماذج الثلاثة المزودة بالتضاريس باستعمال مادة الستايروفوم لتطابق سطح القمر.

كانت مركبة النموذج القمري تسمح بمجال رؤية يقدر بـ45° عبر أربعة نوافذ؛ كانت شاشات العرض في نظام المحاكاة تغطي مجال رؤية أوسع بزاوية 65°، كان يتم عرض السطح القمري من الخلف باستعمال أربع شاشات عرض من نوع (شميدت) Schmidt.

كانت كل نقطة لم تغطها الأسطح القمرية يعرض فيها حقل من النجوم تم إنشاؤه بواسطة عرض أمامي لمولد حقول النجوم ذو أربعة محاور (كرة نجمية)، الذي تم تركيبه فوق المركبة.

بإمكانك مشاهدة شريط فيديو يبين كيف كان الأمر يبدو بالنسبة لرواد الفضاء الذين استعملوا نظام محاكاة مشروع LOLA:

افترض زوج من موظفي مركز (لانغلي) للأبحاث أن نظام ملاحة بالتحكم بواسطة كمبيوتر لن يكون كافيا من أجل مهمة الهبوط على القمر، لذا ناشدوا لإنشاء نظام المحاكاة هذا الذي بلغت قيمته 2 مليون دولار.

كان من المرجو من هذا النظام أن يعوّد رواد الفضاء على السطح الغريب بالنسبة إليهم، مما قد يساعدهم على تحديد نقاط وإشارات بصرية من شأنها المساعدة على نجاح البرنامج.

بدأ رواد فضاء مهمة (أبولو) باستعمال نظام المحاكاة في سنة 1964، لكن بعد أول عملية هبوط على القمر اكتشفوا أنه لم يكن ضروريا، وتم التخلي عن النظام بعد وقت قريب، ثم استبعد تماما بحلول سنة 1978.

للتنويه، يتم التحجج بهذه الصور بالذات في كل مرة تحقق فيها البشرية تقدما فيما يخص غزو الفضاء، فقد عجت بها الإنترنيت ابتداء من الهبوط على القمر، ثم هبوط المركبات على المريخ، والآن سيارة (تيسلا).

بعد أن بتّ تعلم الآن عزيزي القارئ حقيقة الكرة البيضاء… لننتقل الآن إلى موضوع مظهر سيارة (تيسلا) في الفضاء التي تبدو مفبركة جدا.

لماذا تبدو سيارة (تيسلا) في الفضاء مفبركة للغاية؟ كان هذا هو السؤال الذي طرحناه على خبير كيميائي:

وجد الكثيرون من رواد الإنترنيت حول العالم أن سيارة (تيسلا) هذه مفبركة بالفعل، ولكن ذلك عائد إلى ما تبدو عليه الألوان في الفضاء الخارجي، وفي ملاحظة جانبية له، أخبر (إلون موسك) المراسلين الصحفيين أن: ”لو أنكم تمعنون النظر في لوحة التحكم داخل السيارة، فسترون سيارة قزمة مع (سبايسمان) -أي رجل الفضاء، وهو الاسم الذي أطلقه على الدمية خلف عجلة القيادة- قزم كذلك“.

سيارة (تيسلا) في الفضاء الخارجي
سيارة (تيسلا) في الفضاء الخارجي

كان (إلون موسك) شخصيا قد علق مازحا بأن السيارة التي أطلقها في الفضاء تبدو غريبة بعض الشيء، فقال:

”إنها تبدو سخيفة ومستحيلة أيضا، بصراحة، كونها تبدو مزيفة ومفبركة للغاية يجعلك تعلم تماما أنها حقيقية“.

ثم عمد (موسك) ليشرح كيف أن الألوان، بصفة عامة، تبدو غريبة في الفضاء، وذلك راجع لعدم وجود ”الإنسداد الجوي“ Atmospheric Ocllusin، فكل شيء ”هش للغاية“، لكن ما الذي كان يعنيه من وراء ذلك يا ترى؟ وهل صحيح فعلا أن الألوان لا تبدو في الفضاء كما تبدو عليه هنا على الأرض؟

أولا، ”أجل“، تبدو الألوان غائمة فعلا هنا على الأرض عما تبدو عليه هناك في الفضاء، وهو ما أفادنا به (ريك ساشليبن)، وهو كيميائي متقاعد من (بوسطن)، وعضو في (فريق خبراء المجتمع الأمريكي للكيمياء).

يدعونا (ريك) لأن نفكر في الأمر على الطريقة التالية: بإمكان الضوء السفر والتنقل خلال أوساط عديدة: بما في ذلك الهواء، والماء، والفراغ الفضائي، هذه الأوساط التي لدى كل منها مؤشر انكسار أشعة مختلف، ومنه تقوم هذه الأوساط المختلفة بثني الضوء بشكل مختلف ومتباين، مما يفسر سبب كون الضوء الملون يبدو مختلفا حسب الوسط الذي يمر خلاله.

لا يتوقف الأمر هنا، فعندما يسافر الضوء خلال الغلاف الجوي للأرض، فهو يمر خلال الهواء الذي يحتوي على جزيئات على غرار الغبار، أو السناج -هباب الفحم- والدخان وقطرات السوائل.

كما أن الهواء ذاته له نسب كثافة مختلفة حسب كمية المياه التي يحتوي عليها ودرجة الحرارة التي يكون عليها، على سبيل المثال، يعتبر الهواء على قمة جبل (إيفيرست) أقل كثافة من الهواء الموجود في المناطق على مستوى سطح البحر، وهو الأمر الذي يفسر كون التنفس على قمة (إفيريست) يشكل تحديا كبيرا.

يقول (ريك) أن كل هذه العوامل السابقة بإمكانها أن تغير الطريقة التي تبدو عليها الألوان على الأرض: ”تتطاير جزيئات الضوء وترتد عن هذه الجزيئات الموجودة في الهواء“، ويضيف: ”عندما يلامس جزيء الضوء ذرة غبار، فهو يرتد عنها ثم يرتطم بذرة غبار أخرى، ويتطاير من تلك الأخرى، لهذا تكون الصورة التي نراها على الأرض أكثر ضبابية وغائمة نوعا ما، وأقل تميزا، أما في الفضاء، فلا يوجد كل ذلك“.

يعقب (ساشلبن) حديثه بقوله أن في الفضاء، بالكاد يوجد ما قد يثني الضوء أو يمنع مروره، لهذا تكون الصورة التي يلتقطها تلسكوب (هابل) الفضائي أكثر وضوحا وحدّة من الصور التي تلتقطها التلسكوبات الأرضية، حيث قال: ”عندما تكون في الفضاء، تحصل على تلك الصور الغاية في الجودة“.

تظهر صور أخرى تم التقاطها في الفضاء على غرار صورة (الرخام الأزرق) Blue Marble ألوانا واضحة للغاية، لكن على الأغلب لم يلاحظها الناس ذلك أن تلك الصور لم تكن على نفس القدر من الجنون الذي كانت عليه سيارة (تيسلا) وهي تتجه نحو حزام النيازك.

بسبب كون الألوان في الفضاء تبدو حادة ومتميزة للغاية، فقد تبدو أشرطة الفيديو أو الصور الملتقطة هناك وكأن أحدهم قام بتركيبها وتعديلها، وهذا على الأرجح ما دفع (موسك) للمزاح بشأن كون سيارة (تيسلا) في الفضاء تبدو ”مفبركة“.

إلا أن (ساشلبون) رمى إلى أنه لم يسمع من قبل بمصطلح ”الانسداد الجوي“ Atmospheric Ocllusin، وهو المصطلح الذي استعمله (موسك)، كما قال بأن (موسك) قد يكون يشير بذلك إلى الجزيئات في الغلاف الجوي التي تعيق الضوء وتجعله يرتد، إلا أنه لا يمكننا الجزم بذلك قطعا.

يقول (ساشلبان): ”قد يكون (موسك) يتحدث عما يعيق تقدم الضوء وما يتسبب في تطايره وارتداده، لكنه استعمل في ذلك مصطلحا ليس خاطئا بالضرورة، لكنه ليس معياريا كذلك“.

مقالات إعلانية