in

تخيل أنك على وشك الإنطلاق إلى الفضاء.. كيف سيبدو الأمر؟

رائد فضاء في المرحاض Scott Listfield
صورة لـScott Listfield

تسير الطائرة ببطئ على مدرج الإقلاع، لتزيد من سرعتها بعد ذلك، يشعر الركاب بدفع شديد نحو مقاعد الجلوس، تبدأ الطائرة بالاهتزاز عند اختراقها للغطاء السحابي، لكن سرعان ما يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي وتسود أجواء الهدوء مجددا في أرجاء الطائرة.. ولكن كيف كان ذلك ليبدو إذا ما قررنا السفر في أحد الصواريخ؟!

طائرة boeing 777 من الاسفل

عندما صعد رواد الفضاء إلى قمرة القيادة، شعروا بالصاروخ كـ”كائنٍ مفعم بالحيوية“ ولكن بنفس الوقت كشيءٍ مخيف وغريب للغاية.

يقول رائد الفضاء Alexander Gerst أحد أعضاء وكالة الفضاء الأوروبية ESA في كتابه ”166 يوم في الفضاء“: ”إضافة إلى البخار البارد الذي شكل العديد من الخوابير الجليدية على الغطاء الخارجي المبرد من الوقود السائل؛ كانت صمامات الصاروخ تنفث وتصفر في كل مكان“.

تحمل مركبة السويوز (Soyuz) حوالي 80 طن من الكيروسين و194 طن من الأكسجين السائل، أي ما يعادل قرابة 300 طن من الوقود المُشغّل. هذه الكمية تتكفل بايصال الصاروخ إلى الفضاء الخارجي بقوة دفع تبلغ 4 ميغانيوتن (أي تقريبا ما يعادل قوة 26 مليون حصان)، يقول Grest مضيفا: ”تلك الأرقام الكبيرة مرعبة حتى بالنسبة لرواد الفضاء أنفسهم!“ فقط عدد قليل من الناس يستطيعون الإجابة على السؤال عن شعور الصعود إلى الصاروخ والركوب فيه.

منذ بدء سفر البشر إلى الفضاء قبل 55 سنة، استطاع 550 إنسانا الوصول إلى الفضاء والعودة منه مرة أخرى سالمين إلى الأرض. أحد أولئك هو رائد الفضاء الألماني Alexander Gerst.

بالتعاون مع الصحفي Lars Abromeit من مجلة GEO قام Alexander بتسجيل ذكرياته عن مهمته الأولى إلى الفضاء في كتاب مصور: ”166 يوم في الفضاء“. يبدأ بالساعة الأخيرة قبل الانطلاق من الأرض إلى محطة الفضاء الدولية (ISS) في مايو 2014، وينتهي بالعودة إلى الأرض بعد ما يقارب النصف سنة لاحقا.

تسارع يصل إلى 28.000 كم في الساعة

من داخل قمرة القيادة في مركبة السويوز، ”يرى الطاقم الثواني العشر الغير منتهية، الطويلة، الأخيرة تنقضي، إلى أن تُظهر ساعة المركبة وقت الإنطلاق“. راويا Gerst في كتابه.

مضخات الوقود تعمل، المحركات تشتعل في ثلاثة مستويات أدائية متعاقبة، ولكن بالكاد يستطيع رواد الفضاء أن يسمعوا أو يشعروا بكل تلك الأشياء.

فقط مستوى الأداء الثالث يستطيع رفع الصاروخ عن الأرض. النوافذ تكون في الـ157 ثانية الأولى مغطاة بسبب وهج النار القادم من المحركات ومن سحب الدخان الضخمة، لذلك يعجز الرواد عن رؤية أي شيء في هذه الأثناء.

يبدأ الصاروخ بالاهتزاز قليلا، بعد ذلك ”يشدنا الدفع فجأة إلى المقاعد بشكل لين“ يستذكر Gerst، ”في بداية الأمر يكون الشد مماثلا لما هو على حاله في الطائرة العادية“.

محطة بايكونور الفضائية
صورة يوم 28 مايو 2014، Alexander Gerst يرتفع في الصاروخ من محطة بايكونور الفضائية، ويصل بعد 3 دقائق إلى الفضاء

لكن عما قريب سرعان ما يتغير كل شيء. كلما احترقت كمية وقود أكبر كلما فقد الصاروخ كمية أكبر من كتلته—علما بأن قوة الدفع تبقى محافظة على ثباتها—يشرح Grest ماذا يعني هذا الشيء: ”يتزايد التسارع مع كل ثانية تمر، إلى أن نُضغط أخيرا بقوة 4 أضعاف الجاذبية إلى مقاعدنا، أي ما يعادل 3 أضعاف الضغط في سيارة السباق الفورميلا 1“.

يبدأ الدخول في الفضاء على ارتفاع 100 كم فوق سطح الأرض، لا يطول هذا طويلاََ: بعد 3 دقائق و10 ثوانٍ يصل رواد الفضاء إلى الفضاء، ولكن، ما هذا إلا انتصار مرحلي. يجب على السويوز أن تزيد سرعتها إلى 28.000 كم في الساعة لتصل لمدار أرضي ثابت، ولاحقا إلى محطة الفضاء الدولية. التسارع الهائل إضافة إلى الضغط القوي بإتجاه المقاعد يستمر بذلك لأكثر من 8 دقائق.

لحظة خيالية

عندما تصل السويوز إلى المدار تنفصل الطبقة الصاروخية الأخيرة لتتوقف عن حرق الوقود، وتستمر المركبة الفضائية بالطيران. ”كانت لحظة خيالية“ يسبح Gerst في خياله. إنها اللحظة التي يبدأ بها إنعدام الجاذبية.

”يتوقف التسارع بشكل متقطع، يبدأ كل شيء بالهدوء، ونشعر بأننا نُدفع بقوة إلى الامام نحو احزمة الأمان“ يروي رائد الفضاء. ”بعد ثلاثة ثوان يسمع صوت طرق عالٍ، مركبتنا تنفصل عن طبقة الصاروخ لتحلق حرة في الفضاء، وأنا أشعر وكأنني خفاش يتدلى من سقف إحدى الكهوف.“

ما أن يصل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية يبدأ العمل الفعلي: لضبط مسار كبسولة السويوز إلى محطة الفضاء، يجب على الرواد إشعال المحركات عدة مرات، ومراقبة نظام التشغيل. ويعتبر التحام المراكب الفضائية محفوفا بالمخاطر.

لحسن الحظ يعمل الالتحام بشكل تلقائي كامل، ولكن يجب على الطاقم أن يبقى على استعداد دائم لتولي القيادة في حال حدوث خطأ ما.

وعلى ذكر الخطر: كل رائد فضاء مدرك تماما أنّ عملية إطلاق الصاروخ خطرة، وأنه يوجد العديد من الإحتمالات الأخرى التي من الممكن أن تتعرض بها الحياة للخطر. يعلم كل واحد منهم أنه يغادر الكوكب، ومن المحتمل ألا يستطيع العودة إليه مرة أخرى.
”لم ينس أحد بعد صور 28 يناير 1986، التي أظهرت الدقائق الأخيرة من حياة طاقم مكوك شالنجر الفضائي والذي احترق ليكون تحذيرا في سماء الصباح الأزرق“ يقول Gerst في كتابه.

خلاصة Gerst: ”إما أن نحط بكبسولتنا على أحد السهوب، أو لا نحط أبد، فنتصالح مع أنفسنا بحقيقة هذا الأمر“

دخلك بتعرف: أنه عندما يركب رواد الفضاء بالمركبة وخلال انتظارهم بداية الإقلاع، يستمع كل منهم لموسيقاه المفضلة، ولديه قائمة التشغيل الخاصة به. استمع Gerst لأغنية ”Rückenwind“ لـ.Thomas D.

مقالات إعلانية