in

تعرف على قصة البريد الذي تم تهريبه إلى القمر على متن صواريخ (ناسا)، ما أثار بلبلة كبيرة

 صورة رسمية لطاقم رحلة أبولو 15

كان يُسمح لرواد الفضاء خلال رحلات (أبولو) والبعثات التي سبقتها بأخذ بعض الأشياء الشخصية معهم كتذكارات، حيث سافرت الكثير منها إلى القمر ذهاباً وإياباً على متن صواريخ (ناسا)، وكان على رائد الفضاء أن يصرح بقائمة الأشياء التي سيصطحبها معه إلى الفضاء وتقوم شركة (ناسا) بعد ذلك بالتحقق من هذه الأغراض طالما لم يكن الطلب غير معقول ولم تتجاوز تلك الأشياء وزناً وحجماً معيناً.

حملَ أفراد طاقم (أبولو) خلال 14 رحلة قاموا بها أنواعاً عديدة من الأشياء، كالدبابيس، وقطعة من طائرة الأخوين (رايت)، وسيفاً ضوئيا، وبعض التراب من ملعب (اليانكي)، بالإضافة إلى البذور.

أثار فيما بعد رائد الفضاء (جون يونغ) الذي توفي في يناير من هذا العام فضيحة بسبب قيامه بتهريب شطيرة لحم بقر قام بتناولها على متن إحدى الرحلات التي أطلق عليها (الجوزاء 3) وكان ذلك في عام 1965، وقد أثارت هذه الفضيحة ضجة حول الطريقة التي عطّل بها (يونغ) اختباراً مبرمجا للأغذية في الفضاء، ولم تكن (ناسا) مسرورة بذلك التصرف، لكن بعد 6 سنوات هزت وكالة (ناسا) فضيحة أكبر، ولم تُخرِّب صورة رواد الفضاء فحسب، بل تسببت في فقدان ثلاثة منهم لوظائفهم.

منذ بداية بعثات (أبولو) أصبحت تذكارات الفضاء واحدة من أكثر الأشياء المرغوبة لدى جامعي التحف والأغراض النادرة، وكان من بين الممارسات الشائعة التوقيع على أظرفة بريدية مصممة خصيصاً لهذا الغرض تعرف باسم ”الأغلفة“، والتي يتم فتحها في يوم انطلاق الرحلة وهو ما يطلق عليه اسم ”أغلفة اليوم الأول“، التي كانت تدر الكثير من المال لدى بيعها في المزادات، أما إذا تمكنت هذه الأغلفة من الذهاب إلى القمر والعودة إلى الأرض فسوف ترتفع قيمتها المالية بشكل خيالي.

اليوم –على سبيل المثال– يمكن لغلاف طار ضمن رحلة (أبولو 11) وعاد إلى الأرض أن يحصد ما يقارب 50 ألف دولار في المزاد، وهو كمّ هائل من المال بالفعل، لذلك عندما طرح (هورست إيرمان) –أمريكي الجنسية ومولودٌ في ألمانيا ومقيمٌ في (شتوتغارت)– على طاقم (أبولو 15) هذه الخطة، اقتنع بها الطاقم المؤلف من رواد الفضاء الثلاثة (ديفيد سكوت) و(ألفريد ووردن) و(جيمس إروين) على الفور.

 صورة رسمية لطاقم رحلة أبولو 15، من اليمين إلى اليسار: (جيمس ب. إروين) و(ألفريد م. واردن) و(ديفيد ر. سكوت).
صورة رسمية لطاقم رحلة أبولو 15، من اليمين إلى اليسار: (جيمس ب. إروين) و(ألفريد م. واردن) و(ديفيد ر. سكوت) – صورة: NASA/Wikimedia

كان رواد الفضاء يلجؤون إلى بيع تواقيعهم وتذكاراتهم من رحلاتهم الفضائية لتمويل مستقبل أسرهم وتعليم أطفالهم في حالة حدوث مكروه لهم، وذلك لأنهم كانوا يتقاضون أجوراَ منخفضة جدا، فقد كانوا يحصلون على ما يقارب 17000 دولار سنويا –أي ما يعادل 100000 دولا أمريكي حالياً– لكن نظراً إلى تعليمهم الاستثنائي وخبرتهم الكبيرة بالإضافة إلى المخاطر الهائلة التي يواجهونها في مهماتهم، فقد كان ذلك الأجر يعتبر بخساً، ومن جهة أخرى لم يكن هنالك أي تعويض خاص أو منحة يتقاضونها عن مخاطر المهمة التي سيخوضونها –لقد تلقى رائد الفضاء (باز ألدرين) في رحلة (أبولو 11) التي مشى فيها على القمر على 33 دولار كنفقات سفر إلى القمر (ذهاباَ وعودة)– كما لم تكن هنالك شركة تأمين مستعدة للمضي قدماً والرهان بالقليل على صحة وحياة رواد الفضاء في مساعيهم الخطيرة.

صندوق البريد الذي سافر إلى القمر الذي عوقب بسببه رواد الفضاء.
صندوق البريد الذي سافر إلى القمر الذي عوقب بسببه رواد الفضاء – صورة: Eric M. Jones
صورة لـ(ديفيد سكوت) على سطح القمر وبحوزته الصندوق السابق وهو يقوم بفتح البريد.
صورة لـ(ديفيد سكوت) على سطح القمر وبحوزته الصندوق السابق وهو يقوم بفتح البريد – صورة: سكرينشوت من يوتيوب

أقنع (هورست إيرمان) رواد الفضاء الثلاثة بإحضار 100 غلاف إضافي، بالإضافة إلى حوالي 250 غلاف قد تم إعدادها بشكل رسمي للذهاب إلى القمر، وعرض 7000 دولار على كل رائد فضاء من أجل أتعابهم، و100 غلاف إضافي لكل رائد فضاءٍ ليفعل بها ما يشاء، ووعدهم بعدم بيع الأغلفة إلا بعد انتهاء برنامج (أبولو).

انطلق رواد الفضاء الثلاثة في 26 يوليو من عام 1971 مع ما مجموعه 632 غلافاً من مركز (كينيدي) للفضاء، حيث كان من المفترض أن تبقى الحاجيات الشخصية لرواد الفضاء في وحدة القيادة خلال البعثات، لكنهم انتهكوا القاعدة وجلبوا السلع المهربة إلى المركبة الفضائية (فالكون).

تم تسليم الأغلفة عند العودة إلى (إيرمان) الذي كان يعمل كوسيط بين رجال الفضاء وتاجر الطوابع الألماني (هيرمان سيجر) الذي أتى بفكرة الأغلفة، والذي أخلف وعده بأن لا يبيعها إلا بعد انتهاء برنامج (أبولو)، وباع الأغلفة على الفور بفائدة تقارب 150000 دولار، وسرعان ما انتشرت أخبار مبيعات (سيجر)، الأمر الذي أجبر (ناسا) على اتخاذ بعض الإجراءات التأديبية الأشد قسوة على رواد الفضاء.

صورة لأحد "الأغلفة" البريدية التي تم تهريبها إلى القمر بصورة غير قانونية.
صورة لأحد ”الأغلفة“ البريدية التي تم تهريبها إلى القمر بصورة غير قانونية.

أحالت وكالة (ناسا) العقيد (وردن) على التقاعد مباشرة، ولكن بعد تقديم بعض المناشدات تم نقله إلى موقع آخر ضمن الوكالة لا يمارس فيه مهنة الطيران، وغادر العقيد (جيمس إيروين) وكالة (ناسا) وأسس مجموعة إنجيلية حيث أمضى العشرين سنة التالية ”سفيراً للنوايا الحسنة لأمير السلام“، مشيراً إلى أن ”يسوع الذي يسير على الأرض أكثر أهمية من الرجل الذي يمشي على القمر“.

أما بالنسبة للعقيد (سكوت) الذي كان يطمح للطيران في مهمة (أبولو سويوز) المهمة المشتركة مع الاتحاد السوفييتي، فتمت إقالته من دوره كطيار ليصبح مستشاراً فنياً بدلاً من ذلك، وفي وقتٍ لاحق أصبح مدير مركز (درايدن) لبحوث الطيران التابع لـ(ناسا) وتقاعد من وكالة (ناسا) في عام 1977.

مقالات إعلانية