in

حقائق غريبة عن رحلات الهبوط على القمر لم تحظ بشهرة كبيرة، على الرغم من أنها مثيرة للاهتمام إلى حد بعيد

إن الهبوط على القمر هو دون شك واحد من أهم إنجازات البشرية، كونه أول زيارة بشرية لجرم سماوي عدا كوكبنا الأرض، كما أنه كان محور سباق إلى الفضاء أنتج صرفاً هائلاً على البحث العلمي من الولايات المتحدة ونظيرها الاتحاد السوفييتي السابق، مما تسبب بظهور العديد من التقنيات الجديدة التي نعيش متمتعين بها اليوم ونستخدمها باستمرار في حياتنا اليومية وعملنا، وبغض النظر عن أكوام نظريات المؤامرة المنكرة للهبوط على القمر، فمقدار التفاصيل التي نمتلكها عن هذه المهمات لا يقل عن الأدلة الواضحة المؤكدة للأمر.

عبر السنوات بين عامي 1969 و1972 تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق 6 هبوطات على سطح القمر عبر رحلات (أبولو) من رحلة (أبولو 11) حتى (أبولو 17) –باستثناء رحلة (أبولو 13)–، وخلال هذه الرحلات والمشروع ككل حدثت أمور مثيرة للاهتمام، والعديد منها لم تحظ بشهرة كبيرة على الرغم من أنها مثيرة للاهتمام إلى حد بعيد.

هنا سنذكر بعض الحقائق الغريبة والمسلية عن هذه الرحلات ورواد الفضاء الذين كانوا على متنها.

رسم لقضيب ذكري وصل إلى القمر:

صورة: Gift of Ruth Waldhauer/MoMA
صورة: Gift of Ruth Waldhauer/MoMA

خلال الفترة السابقة لمهمة (أبولو 12) إلى القمر بعد نجاح المهمة الأولى، قام فنان باسم (فورست مايرز) بالتواصل مع وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) لطرح فكرة غريبة ومختلفة: ماذا لو أرسلنا قطعة فنية إلى القمر؟ لم تكن الفكرة حملَ لوحاتٍ أو منحوتات من الأرض إلى القمر بالطبع، بل ببساطة صنع منحوتة صغيرة جداً بأبعاد هي 1.9×1.3 سنتيمتر فقط، حيث يقوم بعض الفنانين المعاصرين بتقديم مقترحات فنية ثم يقوم (مايرز) بنحتها على قطعة من السيراميك.

كانت من المفترض للقطعة أن تمثل ما يشبه تذكاراً لوجود البشر وحضاراتهم على سطح الأرض، ربما ليشاهدها فضائيون في مستقبل بعيد جداً، وبشكل أولي تمكن (مايرز) من الحصول على موافقة أولية، لذا فقد أكمل في مشروعه الطموح وتواصل مع عدة فنانين ليرسلوا له لوحات بسيطة يضعها على قطعته السيراميكية، من بين هؤلاء كان المخرج والمصور والرسام الأمريكي (آندي وارهول)، الذي يعرف بكونه من الشخصيات المهمة في تاريخ الفن الأمريكي لتقديمه لفن الـ(بوب) الحديث عموماً.

كانت فكرة (آندي) لرسم يصل إلى الفضاء بسيطة.. لكن غريبة، فما رسمه كان عبارة عن شكل بسيط لما يشبه قضيباً ذكرياً أرسله إلى (مايرز) الذي لم يمانع أن يضعه على القطعة السيراميكية، لكن (ناسا) كانت تخالف رأي كل من الفنانين ورأت أن إرسال هكذا رسم إلى الفضاء سيخسرها جديتها واحترامها بين العامة الأمريكية ويؤثر على دعمها الحكومي، خصوصاً مع الطبيعة المحافظة الطاغية على المجتمع الأمريكي حينها، لذا فالرفض التام كان مصير الفكرة، على الأقل من الناحية الرسمية.

صورة: Gift of Ruth Waldhauer/MoMA
صورة: Gift of Ruth Waldhauer/MoMA

لكن (مايرز) لم يكن يحب أن يقابل بالرفض، ومع أن (ناسا) رفضت الأمر بشكل رسمي، فقد تمكن من إقناع مهندس يعمل على تصميم المركبة بتهريبها إلى هناك لتصل إلى الفضاء.

بالمحصلة نقلت القطعة الفنية الصغيرة إلى الفضاء، وتستقر اليوم على القمر في موقع هبوط رحلة (أبولو 12). [المصدر]

أول رواد فضاء يصلون إلى القمر لم يكن بوسعهم الحصول على تأمين على حياتهم:

من اليمين الى اليسار، باز ألدرين، مايكل كولينز، نيل آرمسترونغ – صورة: NASA
من اليمين الى اليسار، (باز ألدرين) و(مايكل كولينز) و(نيل آرمسترونغ). صورة: NASA

بالنظر إلى كون مشروع (أبولو) كان قد كلف وكالة (ناسا) حوالي 25 مليار دولار أمريكي بالوصول إلى عام 1973 [حوالي 140 مليار دولار بأموال اليوم] عبر سنوات عمله الأربعة، فمن الغريب جداً أن (ناسا) لم تقدم أي ضمانات من النوع المالي لرواد الفضاء الذين سافروا في الرحلة الأولى إلى القمر عام 1969 عندما كان الأمر أشبه بموت محتم بالنسبة لتلك الحقبة، ففي حال تحطم المكوك مثلاً وهلاك الرواد الثلاثة على متنه؛ لم يكن هناك أي تعويض من أي شكل لعائلاتهم التي ستبقى بذلك دون فرد منها ودون معيل حتى.

لم يقتصر الأمر على ذلك، فشركات التأمين رفضت التأمين على حياتهم كذلك بسبب الخطورة العالية للرحلة التي ينوون الذهاب على متنها، والأمر بات يشتهر بعدها بكون الحالات التي يرفض التأمين عليها بأنها ”حالات رواد فضاء“ بشكل مشابه لما يعرف بـ”قسم جاكي شان“، من حيث أن شركات التأمين ترفض التأمين على حياة أو صحة (جاكي شان) وفريقه من المخاطرين.

على أي حال، فوسط يأسهم من الأمر وكونهم لا يمكن أن يتركوا عائلاتهم تعاني الفقر والحاجة في حال لم تنجح المهمة، فقد قاموا بشيء مختلف تماماً يضمن ربما نوعاً من المعونة المالية لعائلاتهم.

قبل أيام من انطلاق رحلتهم فقط قام كل من (باز ألدرين) و(مايكل كولينز) و(نيل آرمسترونغ) بالتوقيع على آلاف البطاقات البريدية التي تخلد ذكرى الرحلة، حيث أن الكارثة ستشتهر إلى حد بعيد، والبطاقات الموقعة من الرواد الذين ماتوا على متن الرحلة سيصبحون أشبه بأبطال يتسابق الناس على شراء مقتنياتهم أو أغراض موقعة من قبلهم، وهذا ما يعني أن بيع هذه البطاقات سيؤمن استقراراً مالياً مؤقتاً لعائلاتهم في حال حدثت الكارثة.

عند عودتهم من الرحلة الأولى؛ وضع رواد الفضاء ضمن حجر صحي لأيام:

زيارة الرئيس نيكسون لطاقم أبولو 11 وهم داخل المقطورة الصحية
زيارة الرئيس نيكسون لطاقم (أبولو 11) وهم داخل المقطورة الصحية. صورة: NASA

عندما عاد رواد الفضاء الثلاثة الأوائل إلى الأرض من رحلتهم التي شاهدها نصف مليار مشاهد على التلفاز، فأول شيء فعلوه لم يكن استقبالاً حافلاً من العائلة والأصدقاء وشخصيات رفيعة في الحكومة، بل كان الكثير والكثير من المعاملات الورقية والتصنيف للأحجار والعينات التي جلبوها معهم من القمر، وليزداد الأمر سوءاً فجميع هذه المعاملات الورقية كان يجب معاينتها والتوقيع عليها بينما يرتدون بذلات الخطر البيولوجي العازلة، لأن كل من تعامل معهم كان يخشى من أن يحملوا معهم عدوى فضائية ربما.

هذا الخوف الذي ربما يبدو سخيفاً بمعايير اليوم كان جدياً تماماً حينها، فالرجال الثلاثة ظلوا لمدة ثلاثة أسابيع بعد هبوطهم ضمن حجرة معزولة تماماً، ريثما تم التأكد من كونهم أصحاءً تماماً ولم يجلبوا معهم فيروساً أو جرثومة أو مرضاً ربما يقضي على البشرية في حال تعرضت له.

هذا الأمر ربما يبدو مبالغاً به تماماً، لكن في هذا المجال لا يمكن أن نكون ”حذرين أكثر من اللازم“ فعندما وصل الأوروبيون إلى الأمريكيتين مثلاً وعلى الرغم من انهم قتلوا الكثير من السكان الأصليين، فالغالبية العظمى ممن توفوا كانت بسبب أمراض العالم القديم –آسيا وأوروبا وأفريقيا– التي وصلت إلى هناك ولم يكن لدى السكان الأصليين أي مناعة ضدها.

واحدة من الاختبارات الأولى على سطح القمر كانت سقوط رواد الفضاء على الأرض ومن ثم معاودة القيام:

رائد الفضاء (باز ألدرين). صورة: NASA
رائد الفضاء (باز ألدرين). صورة: NASA

عندما تصرف مليارات الدولارات على رحلة إلى القمر وتغامر بكل هذا المال وبحياة ثلاثة أشخاص أيضاً، فالاختبارات التي يجب القيام بها هناك ستكون مهمة للغاية بالطبع، لكن على عكس المتوقع فواحدة من أولى الاختبارات التي قام بها كل من (باز ألدرين) و(نيل آرمسترونغ) هي السقوط على الأرضية ومن ثم محاولة القيام والعودة إلى الوقوف مجدداً، ومع أن الأمر يبدو غبياً جداً فالفكرة كانت مقنعة تماماً في ذلك الوقت.

كان الأمر يعود لرغبة (ناسا) باختبار أفضل الطرق وأكثرها فاعلية للتنقل على سطح القمر تحت جاذبيته المنخفضة جداً مقارنة بالأرض، لذا فقفزات رواد الفضاء الشبيهة بقفزات الكناغر وحتى تعثرهم ومحاولتهم للقيام لم تكن مجرد تسلية، بل كانت اختبارات مهمة كفاية لتكون أول ما يتم فعله على سطح القمر.

في الواقع كان هناك مخاوف حقيقية من أن السقوط على سطح القمر سيكون أمراً خطيراً بسبب الجاذبية المنخفضة والمعدات التي يرتديها رواد الفضاء، التي ستعيق حركتهم وقدرتهم على الاتزان. لحسن الحظ مرت التجربة بسلام وتبين أن السقوط على القمر ليس بهذه الخطورة ويمكن القيام بسهولة نسبياً.

أطول ضربة لكرة غولف في التاريخ كانت على سطح القمر:

يمكنكم رؤية واحدة من كرات الغولف في أعلى يمين هذه الصورة. صورة: NASA
يمكنكم رؤية واحدة من كرات الغولف في أعلى يمين هذه الصورة. صورة: NASA

في عام 1971 وضمن رحلة (أبولو 14)؛ تمكن رائد الفضاء (ألان شيبارد) من تهريب مضرب وكرة غولف إلى المركبة دون أن يعرف أي من المسؤولين عن الرحلة بالأمر، قد يبدو الأمر عادياً جداً، لكن عند العمل مع آلات شديدة الدقة ورحلة إلى الفضاء الخارجي فمضرب وكرة كان من الممكن ان يتسببا بكارثة ربما للرحلة، ومخاطرة بحياة رواد الفضاء وبمليارات الدولارات المصروفة بالطبع، لذا فبغض النظر عن مدى كون التصرف ”شجاعاً“ و”مغامراً“ ربما، فالطريقة الأنسب لوصفه هي خطير وغبي كذلك.

على أي حال، نجاح (شيبارد) بتهريب المضرب والكرة سمح له بأن يكون الرياضي الوحيد الذي مارس لعبته على سطح القمر، بل وحتى الشخص الوحيد الذي ضرب كرة غولف خارج الأرض، هذه الضربة التي لم تكن مجرد ضربة عادية، فعلى القمر القواعد مختلفة تماماً، والضربة التي ترمي الكرة لمسافة خمسين متراً على كوكبنا الأم ترميها لأضعاف المسافة على القمر في ظروف الجاذبية المنخفضة وغياب أي غلاف جوي، مما يعني انعدام التباطؤ بسبب مقاومة الهواء.

بعد ضربه للكرة؛ قال (شيبارد) أن ”الكرة طارت لأميال وأميال“ بلهجة مازحة، ومع أنه لم يكن واثقاً من أنه قد حطم أية أرقام قياسية، فقد صرح أحد العلماء أنه ربما فعل ذلك في الواقع، فبعد دراسته للفيديو الخاص بالضربة ومراجعته إطاراً إطاراً لحساب السرعة وقوة الضربة الممكنة، ومع أخذ عوامل انعدام الغلاف الجوي والجاذبية الضعيفة على القمر وجد العالم أن الكرة قطعت مسافة أطول من 365 متراً، مما جعلها أطول ضربة غولف في التاريخ في ذلك الوقت، ولو أن الأرقام القياسية اللاحقة كانت أكبر. [المصدر]

في السبعينات، حاول أحد الفنانين تحقيق أرباح من تذكار لرواد الفضاء الذين ماتوا أثناء تأدية عملهم

صورة: NASA
صورة: NASA

من الصعب أن يتقدم أي مجال دون وجود تضحيات كبرى على طريقه وخصوصاً في المجال العلمي، والسباق إلى الفضاء مثال على ذلك، فالعديد من رواد الفضاء توفوا نتيجة مشاكل في رحلاتهم الفضائية.

في عام 1971 طلبت (ناسا) من الفنان (بول فان هويدونك) أن يصنع تمثالاً صغيراً تذكارياً يخلد رواد الفضاء الذين دفعوا حياتهم أثناء السباق المحموم إلى الفضاء ومن ثم إلى القمر، حيث كان المخطط أن يرسل هذا اللوح مع الرحلة التالية ويوضع على القمر كتذكار لتضحيات رواد الفضاء هؤلاء في سبيل تقدم البشرية.

كان التمثال مصنوعاً من الألمنيوم والكروم، وأرسل مع مهمة (أبولو 14) إلى القمر حيث ترك هناك مع لوح يتضمن أسما رواد الفضاء الذين توفوا أثناء السباق إلى الفضاء.

في البداية ترك التذكار الذي سمي «رائد الفضاء الفقيد» مخبئاً عن العامة إلى ما بعد رحلة (أبولو 14)، حيث كشف عنه حينها وسرعان ما تواصل متحف The Smithsonian مع الفنان طالباً منه صنع نسخة عن التذكار لتحفظ في المتحف، وبعد أخذ إذن (ناسا) قام الفنان بذلك ورآها فرصة ربحية مقنعة حينها.

على الرغم من أن إذن (ناسا) كان لصنع نسخة وحيدة فقط من التذكار، فـ(هويدونك) استغل الأمر وصنع ما يقارب ألف نسخة من التذكار القمري وعرضها للبيع بإعلان في مجلة مع تسعيرة هي 750 دولاراً للنسخة. لاحقاً انتقدت (ناسا) محاولة الفنان للاستفادة واستغلال رواد الفضاء بشكل تجاري، وبالنتيجة قام بسحب الإعلان والاعتذار وتوقف عن بيع هذه التذكارات للعامة.

هناك شخص سرق ومارس الجنس فوق حجارة من القمر

صورة: غلاف كتاب Sex on the Moon
صورة: غلاف كتاب Sex on the Moon

عبر السنوات الأربعة الفعالة لمهمات (أبولو) إلى القمر؛ قام رواد الفضاء بجمع العديد من العينات والصخور الصغيرة من مناطق مختلفة من سطح القمر وأعادوها إلى الأرض لدراستها وإجراء الأبحاث عليها، لكن مع أن هذه الحجارة تعد بعضاً من أكثر الأشياء ندرة وتذكارات لا تعوض بثمن نظراً لقيمتها العلمية والمعنوية، فالكثير منها ببساطة مختفية لأسباب عدة، فمن أصل 270 عينة جلبتها مهمة (أبولو 11) من القمر، هناك حوالي 180 منها مفقودة بسبب السرقة أو الأخطاء في المعاملات والسجلات، وحتى الإهمال أحياناً، بينما ما تبقى مخزن في أماكن سرية حالياً خوفاً من سرقتها نظراً لكون من يريدون الحصول على هذه الحجارة كثيرون جداً.

القصة هنا هي قصة طالب جامعي اسمه (ثاد روبرتس)، تم قبوله في برنامج (ناسا) لرواد الفضاء الناشئين، وأصبح متدرباً في مركز الوكالة في مدينة هيوستن الأمريكية، كان (روبرتس) متزوجاً حينها لكنه وقع بغرام فتاة أخرى، وضمن مسعاه لنيل إعجابها أكثر كانت الطريقة هي محاولة سرقة عينات صخرية من القمر ومن مذنب من المريخ كانت موجودة في خزنة غير محروسة ضمن البناء الذي عمل فيه، وعندما لم يتمكن من فتح الخزنة لسرقة محتواها، أخذ الخزنة كما هي وتمكن من الخروج من المبنى مع خزنة تحتوي حوالي 120 غراماً فقط من الصخور القمرية تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليون دولار.

في نفس يوم السرقة هرب (روبرتس) مع حبيبته الجديدة لبيع العينات إلى أحد الأثرياء المهتمين بجمع المعادن والعينات الصخرية، وقبل اللقاء مع المشترين؛ عاشر حبيبته في غرفة فندق فوق تلك العينات المسروقة مما يجعله في الواقع الشخص الوحيد [على حد علمنا] الذي فعلها.

لسوء حظ (روبرتس) فالمشتري كان قد شك بالأمر وتواصل مع مكتب التحقيقات الفدرالي FBI، وبدلاً من بيع العينات اعتقل (روبرتس) وسجن لستة سنوات فقط، وعلى الرغم من أن إحدى غاياته من سرقة العينات القمرية كان إثارة إعجاب حبيبته الجديدة، فلم يرها أو يتمكن من التواصل معها بعد ذلك أبداً.

هناك الكثير من النفايات على القمر

أكياس استخدمت لتخزين البراز خلال بعثات أبولو.
أكياس استخدمت لتخزين البراز خلال بعثات أبولو.

واحدة من الأشياء التي توحدنا ربما كبشر هي إنتاجنا للنفايات، فنحن ننتج الكثير والكثير من النفايات على شكل مواد وأدوات لم نعد نحتاجها بالدرجة الأولى، وبالوصول إلى القمر، فقد نقلنا عاداتنا معنا أيضاً.

في الواقع نحن قد قمنا بتلويث كوكبنا والمدار حوله أيضاً، فحول كوكبنا تدور 5500 طن من القمامة على شكل حوالي 600000 قطعة معدنية من بقايا أقمار صناعية وبعثات فضائية سابقة، هذا الإنتاج المكثف للنفايات وصل إلى القمر بالطبع.

قبل أن ترسل (ناسا) مركباتها المأهولة إلى القمر، كان قد تم إرسال عدد كبير من المسابير والأقمار الصناعية إلى القمر لدراسته بشكل قريب، وكما أي أداة تكنولوجية فمع الوقت ستصبح هذه الأشياء قديمة وينتهي عمرها التشغيلي، وعندها ستسقط على سطح القمر بالطبع، لكن الأمر لا يتوقف هنا، فرحلات (أبولو) الستة التي هبطت على سطح القمر كانت مأهولة، ومع كون أي حمولات زائدة للمركبة خصوصاً في طريق العودة هو أمر غير عملي ولا حاجة له، فقد تركت هذه الرحلات الكثير من الفضلات البشرية هناك، بالتحديد 96 كيساً مملوءًا بالبراز والبول والقيء.

تركت لغاية إضافية هي دراسة تأثير ظروف الجاذبية المنخفضة والإشعاع الكوني على المدى البعيد، حيث أن المخطط كان أن بعض هذه الأكياس سيتم استعادتها في وقت ما في المستقبل لدراسة التغييرات التي حصلت عليها عبر السنوات الطويلة. حتى الآن لم يتم استعادة أي منها بالطبع، لكن مستقبلاً الأمر ممكن تماماً.

أول شيء فعله البشر على القمر كان طقساً دينياً

رائد الفضاء (باز ألدرين). صورة: NASA
رائد الفضاء (باز ألدرين). صورة: NASA

العلاقة بين العلوم والدين لم تكن في يوم من الأيام جيدة في الواقع، والأمر ببساطة يعود للاختلاف الجوهري بين الدين الذي يقدم إجابات نهائية محدودة على كل شيء، والعلم الذي يبنى على الشك وعدم اليقين وكونه عرضة للتغيير والبحث في كل شيء. هذا الأمر لم يمنع كون العديد من العلماء متدينين بالطبع، كما لم يمنع كون بعض رجال الدين يقدمون إسهامات علمية كبرى مثل عالم الوراثة الشهير (ماندل). لكن في جميع الحالات فالعلاقة بين العلم والدين هي حالة انفصال عن بعضهما البعض في أفضل الأحوال، لذا فكون أول شيء فعله البشر ضمن واحد من أهم الانتصارات العلمية هو طقس ديني سيبدو أمراً غريباً وربما حتى مزعجاً للبعض.

عام 1969 وبعد هبوط مركبة (أبولو) على سطح القمر بنجاح، كان أول شيء فعله رائد الفضاء (باز ألدرين) هو طقس ”المناولة“، حيث كان يحمل معه قطعة صغيرة من الخبز وجرعة صغيرة من النبيذ لتنفيذ الطقس على سطح القمر، فعلى عكس (أرمسترونغ) الربوبي؛ كان (ألدرين) مسيحياً ملتزماً ومهتماً بشدة بالطقوس الدينية، حيث قام بالطقس وحيداً بينما كان (أرمسترونغ) يقف على بعد أقدام قليلة منه بانتظار أن ينتهي.

بالطبع فـ(ناسا) لم تقم بنشر أي خبر عن الأمر لأسباب واضحة تتلخص بكون الرحلة لا تحمل أي طابع ديني من ناحية، وكون ممارسة طقس ديني بروتستانتي على متن الرحلة قد يرى كتصرف إقصائي تجاه الفئات الأخرى بما يشمل معتنقي الأديان الأخرى واللادينيين والملحدين. الأمر لم ينشر حتى سنوات عدة لاحقة، وحتى (ألدرين) نفسه قال أن تصرفه كان خاطئاً بالقيام بذلك على المركبة التي كانت تمثل أمل البشرية العلمي كجنس كامل لا كدين او طائفة ما فقط.

مقالات إعلانية