in

20 معلومة قد لا تعرفها عن الكاثوليكيين

الكنيسة الكاثوليكية

قد يشعر جميع من هم غير مسيحيين بالحيرة عندما يسمعون عن الطوائف المسيحية المختلفة، ففي سوريا مثلاً من النادر لغير المسيحي أنّ يدرك ما الاختلاف بين هذه الطوائف المتعددة، وكيف يُميز بينها أو يتوقع كون الشخص ينتمي إليها، وهل من المهم حقاً التمييز بينها أم لا. وعن تجربةٍ شخصية فالكثير من غير المسيحيين لم يعلموا أصلاً بوجود اختلاف في الطوائف المسيحية لولا وجود عطلتين في عيد الفصح والتي تسميهما الحكومة السورية عطلة عيد الفصح الغربي والشرقي، بينما قد يختلف الأمر في لبنان مثلاً حيث تبرز الطوائف بشدة في الانتماءات الجغرافية والسياسية حتى.

فالكنيسة الكاثوليكية في الحقيقة مصطلح واسع جداً، ظهر للمرة الأولى في عام 110 ميلادي في رسالةٍ من القديس (إغناطيوس) إلى أهل (سميرنا)، حيث ذُكر في رسالته:

”حيث يكون الأسقف هناك يجب أن تكون الرعية، كما أنه حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة الكاثوليكية“.

بالطبع لم تكن حينها الكنيسة الكاثوليكية التي نعرفها اليوم قائمة، ويُعتقد أنّه قصد بذلك ”الكنيسة الجامعة“، وذلك للتمييز عن باقي الكنائس التي كانت موجودة حينها، وقد تم التأكيد على مصطلح «الكنيسة الكاثوليكية» في مرسوم (تسالونيكي) الذي أصدره البابا (ثيودوسيوس الأول) عام 380، وهو آخر إمبراطور للإمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت إلى شطرين بعد وفاته، وقد جعل فيه المسيحية ديناً وحيداً للإمبراطورية، لكن ما ذُكر في المرسوم تحديداً هو المسيحية الكاثوليكية.

في عام 451 للميلاد؛ انعقد المجمع الخلقيدوني، والذي يُعد المجمع المسكوني الرابع، وقد نجم عنه انشقاقٌ أدى لانفصال الشراكة بين الكنائس المشرقية (القبطية والأرمنية والسريانية) من جهة، والكنيستين الرومانية والبيزنطية من جهة، واللتان كانتا حينها كنيسة واحدة، وفي عام 1054 ميلادي حدث ما سُمي الانشقاق العظيم، وهو انشقاق الكنائس الشرقية والغربية الخلقيدونية عن بعضها مشكلةً بذلك فرع غربي كاثوليكي، وفرع شرقي بيزنطي أرثوذكسي.

وعلى الرغم من أنّ الكنائس الشرقية اليوم تُعرف باسم الكنائس الأرثوذكسية إلا أنّ اسمها الرسمي هو «الكنيسة الكاثوليكية الأرثوذكسية»، وفي حين تعني كلمة كاثوليكية ”الكلية“ أو ”الجامعة“؛ تعني كلمة أرثوذكسية باليونانية ”الرأي القويم“ أو ”الإيمان المستقيم“.

لن نتحدث في مقالنا اليوم عن كافة الأسباب التي أدت إلى انقسام الكنيسة، وعلى الرغم من أنّنا سنذكر بعض النقط المميزة التي أدت لهذا الانقسام في سياق حديثنا عن الكنيسة الكاثوليكية، إلا أنّ تاريخ انقسام الكنيسة والأسباب وراء هذا الانقسام تحتاج مقالاً كاملاً منفصلاً، لكننا أردنا فقط أن نذكر بعض المعلومات البسيطة المهمة كي يستطيع القارئ تكوين صورة أفضل فقط.

من هم الكاثوليكيون؟

جموع من المؤمنين الكاثوليكيين يصلون في ساحة القديس (بطرس) في الفاتيكان. صورة: Italy Magazine
جموع من المؤمنين الكاثوليكيين يصلون في ساحة القديس (بطرس) في الفاتيكان. صورة: Italy Magazine

يتضح مما ذكرنا أنّ الكاثوليكيون هم من يتبعون الكنيسة الكاثوليكية الغربية، التي تشكلت بشكلها الحالي بعد الانشقاق العظيم، أي في عام 1054 ميلادي، ويبلغ عدد الكاثوليكيون حول العالم 1.3 مليار شخص، وتُعد الكنيسة الكاثوليكية لهذا أكبر طوائف الدين المسيحي، يرأس الكنيسة الكاثوليكية «البابا»، وهو أسقف روما، ويُعد وفقاً للعقائد الكاثوليكية خليفة القديس (بطرس) وله سلطة إدارية وتعليمية على الكنيسة الكاثوليكية، ويُعد أيضاً رأس دولة الفاتيكان التي تُعد المركز الروحي للكاثوليكية.

ينقسم الكاثوليكيون إلى كنائس ومؤسسات وعقائد عديدة ومختلفة، فإلى جانب الكنيسة الرومانية الكاثوليكية (الكنيسة اللاتينية) والتي يتبعها غالبية الكاثوليكيون [1.24 مليار كاثوليكي]؛ هناك مثلاً كنائس كاثوليكية شرقية مستقلة متميزة عن الكنيسة الرومانية من ناحية الطقوس والممارسات الدينية، ولها تنظيمها الخاص وقيادتها الذاتية، ويجمع بينها جميعاً شراكتها مع الكرسي الرسولي وإقرارها بسيادة وسلطة البابا.

أين يسكن الكاثوليكيون؟

ينتشر الكاثوليكيون في كافة أنحاء العالم، العدد الأكبر يسكن في قارات أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوروبا، وتحوي البرازيل لوحدها على 134 مليون كاثوليكي، أما في مناطقنا فيتوزع الكاثوليكيون في سوريا ولبنان والعراق بشكلٍ رئيسي، وفي الأردن وفلسطين ومصر بشكلٍ أقل، ومعظمهم يتبعون كنائس كاثوليكية شرقية، ككنيسة «الروم الكاثوليك» والتي ينتشر أبناؤها في سوريا ولبنان بشكلٍ رئيسي ويقع مركزها في سوريا، وكنيسة «السريان الكاثوليك» والتي ينتشر أبناؤها في سوريا والعراق ولبنان ويقع مركزها في لبنان، والكنيسة «المارونية» والتي ينتشر أبناؤها في لبنان بشكلٍ رئيسي وسوريا بشكلٍ أقل ويقع مركزها في لبنان، والكنيسة «الكلدانية الكاثوليكية» والتي ينتشر أبناؤها في العراق وسوريا ويقع مركزها في العراق، والكنيسة «الكاثوليكية القبطية» التي ينتشر أبناؤها في مصر ويقع مركزها هناك أيضاً، وكنيسة «الأرمن الكاثوليك» والتي ينتشر أبناؤها في سوريا ولبنان ويقع مقرها في لبنان.

خريطة تظهر انتشار الكاثوليكية في أنحاء العالم. صورة: Starfunker226/Wikimedia Commons
خريطة تظهر انتشار الكاثوليكية في أنحاء العالم. صورة: Starfunker226/Wikimedia Commons

تتواجد أعلى نسبة للمسيحيين في الوطن العربي في لبنان، بينما العدد الأكبر يوجد في مصر لكن معظمهم ليسوا كاثوليكيين، وتُعد المارونية الطائفة الكاثوليكية الأكبر في لبنان يليها كنيسة الروم الكاثوليكيون، يتواجد الجزء الأكبر من مسيحيي لبنان في جبل لبنان وفي بيروت، التي تُعد المدينة الأولى في الوطن العربي من حيث عدد المسيحيين في الوطن العربي.

أما في سوريا؛ فينتشر المسيحيون في جميع المحافظات، لكن النسبة الأكبر موجودة في حلب التي تعد المدينة الثانية من حيث عدد المسيحيين في الوطن العربي، وتقريباً لا تخلو أي مدينة من بعض الأحياء المسيحية، كما يتواجد عدد كبير من المسيحيين في المنطقة الجبلية الواقعة في ريف حمص وطرطوس أو ما يُسمى ”وادي النصارى“.

بماذا يؤمن الكاثوليكيون؟

يُلخص الإيمان المسيحي الكاثوليكي بقانون الإيمان الذي يُردده الكاثوليكيون في طقوس صلواتهم، وهو التالي:

”نؤمن بإلهٍ واحد، أبٍ ضابط الكل، وخالق السماء والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى، وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الأب قبل كل الدهور، إلهٌ من إله، نورٌ من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، الذي به كان كل شيء، الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا؛ نزل من السماء، وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، وصار إنساناً، وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، تألم ومات، وقبر وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين الله الأب، وأيضاً سيأتي بمجدٍ عظيم، ليدين الأحياء والأموات، الذي لا قناء لملكه، ونؤمن بالروح القدس، الرب المحيي، المنبثق من الأب والأبن، الذي هو مع الأب والأبن، يُسجد له ويُمجد، الناطق بالأنبياء وبالرسل، وبكنيسةٍ واحدة جامعة مقدسة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، ونترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين“.

يتضح مما سبق أنّ الكاثوليكيين ككافة المسيحيين يؤمنون بالله الواحد، وكباقي المسيحيين؛ الله في الكاثوليكية ثلاث أقانيم: الأب والأبن والروح القدس، وككافة المسيحيين يؤمن الكاثوليكيون أنّ الأب خلق السماء والأرض كما خلق الإنسان على صورته وأسكنه في الجنة، ولكن بسبب الخطيئة الأولى التي اقترفها الإنسان؛ عاقب الله الإنسان وأنزله إلى الأرض.

يؤمن الكاثوليكيون أنّ محبة الله للبشر غير المحدودة دفعته، ومن أجل مغفرة خطايا الإنسان؛ لإرسال ابنه الوحيد ليفدي البشرية كافةً بحياته، وتم ذلك من خلال ”سر التجسد“، والذي تجسد فيه الابن برحم مريم العذراء من خلال الروح القدس فيما سُمي بـ”الحبل بلا دنس“، ليولد يسوع المسيح، الشاب اليهودي الذي اتحدت فيه الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، فهو إلهٌ متأنس متجسد.

عاش يسوع المسيح 33 عاماً، ويُعد أساس الإيمان المسيحي الكاثوليكي. تُلخص حياة المسيح في الدين المسيحي الكاثوليكي بأنّه معلمٌ من الناصرة في الجليل، وهي مقاطعة يهودية تقع تحت السلطة الرومانية، تحققت فيه نبوءات العهد القديم التي نبأت بمجيء مُلخص.

يسوع المسيح يتحدث إلى الجموع في موعظة الجبل الشهيرة.
يسوع المسيح يتحدث إلى الجموع في موعظة الجبل الشهيرة.

عُمد يسوع على يد (يوحنا المعمدان)، وكان يتنقل بين المدن والقرى هو وتلاميذه الاثني عشر مبشراً الناس عن ملكوت السموات، ويُخبرهم بكونه ابن الله والمخلص المنتظر، وينشر تعاليمه التي ركزت بكلٍ رئيسي على محبة الآخرين وعبادة الله، كما قام بعددٍ كبير من المعجزات كعلاج المرضى كما أحيا الأموات.

تحدى يسوع الكثير من العقائد السائدة في المجتمع اليهودي حينها، وأثارت تعاليمه هذه قلقاً وعضباً، لذا حُكم عليه بالصلب. ويؤمن المسيحيون أنّه كفرَّ بموته على الصليب عن الخطايا البشرية. دُفن يسوع بعد صلبه لكنه وبحسب الإيمان المسيحي قام من بين الأموات بعد ثلاثة أيام، وقضى 40 يوماً مع تلاميذه قبل صعوده إلى السماء واعداً بمجيءٍ ثاني.

مشاهدة الرسل ليسوع المسيح وهو يصعد إلى السماء بعد أن قام من بين الأموات. صورة: Amgad Ellia/Flickr
مشاهدة الرسل ليسوع المسيح وهو يصعد إلى السماء بعد أن قام من بين الأموات. صورة: Amgad Ellia/Flickr

يُعد موت المسيح على الصليب ثم قيامته من بين الأموات أساس الدين المسيحي، وقد ذكر ذلك الرسول (بولس) في رسالته إلى أهل (كورنثوس):

”فإذا أُعلن أن المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم أنّه لا قيامة للأموات؟ فإن لم يكن للأموات من قيامة، فالمسيح لم يقم أيضاً. وإن كان المسيح لم يقم، فباطلٌ تبشيرنا وباطلٌ إيمانكم“.

يُقسم الكتاب المقدس في المسيحية إلى عهدين وقد كتبه عددٌ من الأنبياء والرسل بوحيٍ من الروح القدس، يُقسم العهد القديم إلى 46 سفراً، وكل سفر يُقسم إلى إصحاحات وآيات، يتحدث العهد القديم عن الفترة الممتدة منذ الخلق حتى ما قبل ميلاد المسيح، أما العهد الجديد فقد تناول حياة وتعاليم يسوع المسيح عبر أربعة أناجيل: «متى» و«مرقس» و«لوقا» و«يوحنا» سُميت بأسماء كتابها، ثم يليهم سفر أعمال الرسل والذي تناول حياة الرسل الاثني عشر وتبشيرهم بالدين المسيحي، ثم أسفار رسائل الرسل والتعاليم الواردة بها، ثم سفر رؤيا (يوحنا) وهو سفرٌ تنبؤي كُتبت الكثير من التفسيرات له في اللاهوت المسيحي.

التعليم الديني

في إنجيل «مرقس» يقول المسيح لتلاميذه: {اذهبوا إلى العالم كله وأعلنوا البشارة إلى الناس أجمعين}، من هنا يتضح أنّ المسيحية دين تبشيري، وقد كان هناك العديد من البعثات التبشيرية الكاثوليكية على مر التاريخ، وتُعلمّ الكنيسة الكاثوليكية أنّها كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، أي أنّها الكنيسة المذكورة في قانون الإيمان المسيحي.

أغلب الأطفال الذين يولدون في عائلاتٍ كاثوليكية في مناطقنا يتلقون تعليمهم المدرسي في مدارس خاصة مسيحية، معظم هذه المدارس توجد إلى جانب كنيسة ويتلقى فيها الأطفال تعليماً مسيحياً كاثوليكياً إلى جانب تعليمهم المدرسي، كما يوُجد هناك من المنظمات التابعة للكنيسة كالكشافات والأخويات ومدارس التعليم الديني –تسمى أيضاً مدارس الأحد–، والتي يُمكن للأهل وضع أطفالهم فيها لتلقي التعاليم الدينية، كما يتم تقريب الأطفال من الطقوس الكنسية من خلال جعلهم يشاركون في الصلوات والطقوس الدينية.

أخويات شبيبة العذراء تُعنى بالتعمق بالإيمان المسيحي والتعليم الديني. صورة: موقع رابطة الأخويّات في لبنان
أخويات شبيبة العذراء تُعنى بالتعمق بالإيمان المسيحي والتعليم الديني. صورة: موقع رابطة الأخويّات في لبنان

التعليم الديني في المسيحية الكاثوليكية ليس إلزامياً، لكنه في مناطقنا شائعٌ جداً كما أنّه أشبه بنشاطٍ اجتماعي، حيث يتعرف الأطفال والمراهقون على بعضهم في هذه المنظمات ويكونون صداقاتٍ، كما يتم تنظيم العديد من النشاطات المسلية لهم كالرحل والمخيمات والألعاب.

أما من يُريد التعمق أكثر فعليه دراسة اللاهوت، واللاهوت مشتق من الكلمة اليونانية ثيولوجيا، والتي تعني ”التعليم عن الله“، ويتم تدريس اللاهوت الكاثوليكي في العديد من الأديرة والكنائس، كما يتم أحياناً إرسال الراغب بالتعمق باللاهوت الكاثوليكي لدراسته في الفاتيكان.

بطريرك كنيسة السريان كاثوليك يقوم برسامة كاهن جديد. صورة: موقع بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية
بطريرك كنيسة السريان كاثوليك يقوم برسامة كاهن جديد. صورة: موقع بطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

لا يوجد في الكاثوليكية إلا رجال دين ذكور على الرغم من عدم وجود ما ينص على ذلك بالكتاب المقدس، ويمكن لم يرغب بأن يصبح رجل دين عن طريق ”سر الكهنوت“، ويقسم الكهنوت رجال الدين إلى ثلاث أقسام: «الشمامسة» و«الكهنة» و«الأساقفة»، وتستمر دراسة الكهنوت ليُصبح الشخص كاهناً في الكنيسة الكاثوليكية سبع سنوات، يدرس فيها الشاب الفلسفة وعلم النفس والتاريخ وبعض الاختصاصات الأخرى إلى جانب اللاهوت.

الانقسامات الدينية والخلافات

تحدثنا بشكلٍ موجز عن الخلافات التي نجم عنها الشكل الحالي للكنيسة الكاثوليكية، كما أنّ الحركة البروتستانتية التي ظهرت في القرن السادس عشر أدت إلى حدوث انقسام آخر وظهور الكنيسة البروتستانتية، وخلال العصور الوسطى تحولت هذه الخلافات إلى نزاعاتٍ دامية في الكثير من الأحيان، خاصةً ما بين الكاثوليك والبروتستانت، كحروب فرنسا الأهلية وحرب الثلاثين عاماً.

لوحة فنية تصور ضحايا حرب الثلاثين عاماً الدامية.
لوحة فنية تصور ضحايا حرب الثلاثين عاماً الدامية.

أما في داخل الكنيسة الكاثوليكية فقد كان هناك أيضاً العديد من النزاعات وخاصةً خلال العصور الوسطى، فقد كان للبابا حينها سلطة دينية ودنيوية وكان يحكم مساحةً كبيرة من الأراضي، كما كان للكرادلة سلطة ونفوذ كبيرين أيضاً، لذا كان هناك العديد من النزاعات والخلافات الداخلية حول هذه المناصب، لكن هذا الأمر شبه معدوم في وقتنا الحالي.

الخلافات العقائدية ضمن الكنيسة الكاثوليكية عديدة وخاصةً في الكنائس الكاثوليكية الشرقية المنتشرة في مناطقنا، والتي تملك تقاليد (طقوس) مختلفة عن التقليد الروماني الكاثوليكي، فمثلاً تتشارك كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك مع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية التي لا تتبع سلطة الفاتيكان بالتقليد البيزنطي، وعلى غرارها تتشارك الكنيسة المارونية والكنيسة السريانية الكاثوليكية بالتقليد الأنطاكي مع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وهناك أيضاً تقاليد أخرى تتبعها بعض الكنائس الكاثوليكية الشرقية كالتقليد الكلداني والتقليد الأرمني والتقليد الإسكندري.

المناسبات الدينية والاجتماعية والطقوس

يمتلك الكاثوليكيون مناسبات دينية عديدة، وعادةً لا تقتصر الأعياد في المسيحية على الاحتفالات الدينية بل تترافق بممارسات اجتماعية مميزة، أبرز هذه المناسبات هو «عيد الميلاد» والذي يحتفل به الكاثوليكيون بذكرى ميلاد يسوع المسيح في الـ25 من شهر كانون الأول/ديسمبر، ويتم عادةً تزيين البيوت والمحلات وحتى الشوارع في المناطق المسيحية خلال هذه الفترة.

وتتألف الزينة عادةً من شجرة عيد الميلاد، وهي شجرة صنوبرية الشكل يتم تزيينها بالعديد من الأضواء والأشكال، ويتم عادةً وضع مغارة صغيرة بجانبها مشابهة للمغارة الحقيقية التي وُلد فيها المسيح، كما يتم وضع أضواء الزينة في المنازل والشوارع والعديد من الأمكنة الأخرى، وبالإضافة إلى أشكالٍ متعددة من الزينة؛ يتبادل الكاثوليكيون الهدايا وزيارات التهنئة بحلول عيد الميلاد ويتم تقديم الحلوى والشوكولا عادةً للضيوف، أما دينياً فيحضر الكاثوليكيون في ليلة الـ24 أو صباح الـ25 قداساً خاصاً بمناسبة عيد الميلاد.

الاحتفالات وإضاءة شجرة الميلاد في بيروت. صورة: ساكو بيكاريان/موقع النهار
الاحتفالات وإضاءة شجرة الميلاد في بيروت. صورة: ساكو بيكاريان/موقع النهار

بالطبع لم تعد هذه المناسبة الاجتماعية مقتصرة حالياً على الكاثوليكيين أو حتى المسيحيين بشكلٍ عام، ففي الغرب يحتفل الكثيرون من غير المسيحيين بعيد الميلاد كمناسبةٍ اجتماعية دون الاكتراث بمعانيها الدينية، وفي مناطقنا يقوم العديد من المسلمين بوضع شجرة عيد ميلاد في منازلهم خلال هذه الفترة، كما يذهب العديد منهم إلى المطاعم للاستمتاع بإحدى البرامج الموسيقية التي تنتشر عادةً في مناطقنا خلال هذه الفترة.

أحد الأعياد الدينية الأخرى هو «عيد القيامة» –يُسمى أحياناً عيد الفصح– ويتم فيه الاحتفال بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات بعد ثلاثة أيام من موته على الصليب، ويتم عادةً تهنئة الآخرين بحلوله بأن يقول الشخص الأول: ”المسيح قام“، ليرد عليه الشخص الثاني قائلاً: ”حقاً قام“، كما يتم عادةً تزيين المنازل بالأرانب والبيض المزين، وتنتشر بين الصغار في منطقتنا في هذا العيد لعبة التسابق بقوة البيض، حيث يختار كل طفلٍ بيضة مسلوقة مزينة ويقومون بضرب البيوض ببعضها، والطفل الذي لا تنكسر بيضته هو الرابح.

يُسبق هذا العيد بمناسبتين دينيتين مهمتان، الأولى هي «أحد الشعانين» –يُسمى بالعامية في منطقتنا عيد الشعنينة–، وهو الأحد السابق لعيد القيامة، ويُسمى الأسبوع الذي يبدأ به بـ«أسبوع الآلام»، يتم الاحتفال بأحد الشعانين كذكرى دخول يسوع المسيح إلى القدس حيث استقبله الجموع حينها بالسعف والزيتون وفرشوا أغصان الأشجار والنخيل تحته كمنتصر، ويتم عادةً إقامة قداس احتفالي يتم فيه إعادة استخدام السعف وأغصان الزيتون، كما أن إلباس الأطفال ملابس بيضاء وإعطائهم شموعاً بيضاء مزينة هي من العادات المميزة في منطقتنا للاحتفال بهذا العيد.

احتفالات أحد الشعانين في القدس. صورة: موقع يا عيني
احتفالات أحد الشعانين في القدس. صورة: موقع يا عيني

المناسبة الأخرى هي «الجمعة العظيمة» أو «جمعة الآلام»، وهي الجمعة السابقة لعيد القيامة ويتم بها استذكار صلب يسوع المسيح وموته ودفته، وهي مناسبة حزينة عادةً حيث تنتشر بها التراتيل الحزينة –مثل تراتيل الجمعة الحزينة لفيروز–، كما ترتدي بعض النساء الثياب السوداء تعبيراً عن الحزن.

ويتم في هذا اليوم في بعض الكنائس إجراء جنازة رمزية، حيث يتم عادةً صنع تابوت رمزي يحمله الشباب إلى خارج الكنيسة، ليلحق بهم الكهنة وجموع المؤمنين وفرقة موسيقية كشفية، ويتم المشي بهذا التابوت في محيط الكنيسة ثم إعادته إليها ووضعه عند الهيكل، ليأتي المؤمنون للصلاة عند التابوت والتعبير عن حزنهم وامتنانهم لقيام المسيح بالتضحية بنفسه من أجل مغفرة خطاياهم، وكما ذكرنا فلكل كنيسةٍ ومدينة طقوس معينة بالاحتفال، ومن الطقوس المميزة في مدينة حلب ما يُسمى ”الطواف“، حيث يقوم المؤمنون في يوم الجمعة العظيمة بالطواف وزيارة سبع كنائس على الأقل والصلاة في جميعها.

الفرقة الكشفية في احتفالات الجمعة العظيمة في كنيسة السريان كاثوليك في حلب. صورة: موقع قنشرين
الفرقة الكشفية في احتفالات الجمعة العظيمة في كنيسة السريان كاثوليك في حلب. صورة: موقع قنشرين

من الاختلافات الرئيسية بين الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية؛ موعد عيد القيامة، ولهذا الاختلاف جذور تاريخية قديمة، فلأن قيامة المسيح حدثت خلال عيد الفصح اليهودي؛ كان المسيحيون الأوائل يحتفلون بعيد القيامة وفقاً لعيد الفصح اليهودي، ولكن تم تغيير هذا في مجمع نيقية عام 325، وتقرر تحديد موعد عيد القيامة في الأحد التالي لأول قمر مكتمل بعد الاعتدال الربيعي، وكانت حينها جميع الكنائس تتبع التقويم الشمسي اليولياني، ولكن في عام 1582 لاحظ البابا (غريغوريوس الثالث) خطأً في هذا التقويم وقام بتصحيحه واعتماد ما أصبح يُسمى التقويم الغريغوري، ولكن الكنائس الشرقية رفضت اعتماد هذا التقويم الجديد واستمرت باعتماد التقويم اليولياني، واعتماد كل كنيسة لتقويم زمني مختلف هو سبب اختلاف موعد عيد القيامة.

هناك أيضاً العديد من الأعياد التي يحتفل بها الكاثوليكيون كـ«عيد البشارة»، وهو ذكرى تبشير الملاك جبرائيل لمريم العذراء بأنها ستحبل وتلد ابن الله، و«عيد الغطاس» وهو ذكرى عمادة يسوع المسيح من قبل (يوحنا المعمدان)، و«عيد البربارة» وهو عيدٌ شائعٌ في مناطقنا أكثر من الغرب، ومن طقوس الاحتفال به التنكر بأزياء مختلفة وتناول وجبة بسيطة تُسمى ”سليقة“، والعديد غيرها من الأعياد التي تحتفل بعضها بحدثٍ إنجيلي بينما تحتفل بعضها بحياة أحد القديسين، ومن المميز أن تحتفل كل كنيسة بعيد قديسٍ معين يُعد شفيع الكنيسة، وبينما يُعد عيد رأس السنة بالنسبة للكثيرين عيداً مسيحياً إلا أنّه في الواقع مناسبة اجتماعية أكثر منها دينية.

من الطقوس الكاثوليكية المميزة أيضاً «المعمودية»، حيث يجب تعميد كل طفلٍ يُولد في عائلة كاثوليكية بسنٍ مبكر بشكلٍ مشابه لعماد يسوع المسيح، حيث ترمز المعمودية لكون الشخص أصبح تابعاً ليسوع المسيح وللكنيسة الكاثوليكية، ويُعتقد أن الطفل يخلَّص في المعمودية من الخطيئة الأصلية –خطيئة آدم وحواء– ويولد مرة أخرى كإنسان جديد.

تتميز الكنيسة الكاثوليكية عن باقي الكنائس المسيحية في أمرين: الأول هو سن المعمودية، حيث ترى الكنيسة البروتستانتية أنّه لا يجب تعميد الأطفال بل تعميدهم حيث يصبحون راشدين، عكس الكنيسة الكاثوليكية التي تعمد الأطفال في سنٍ صغير، والأمر الأخر هو طريقة المعمودية، فحين تقوم معظم الكنائس الكاثوليكية الغربية برش المياه على وجه الطفل خلال طقس المعمودية ترى معظم الكنائس الشرقية –الكاثوليكية والغربية– وجوب تغطيس الطفل بالكامل في جرن المياه المقدسة.

سر المعمودية لأحد الأطفال في كنيسة السريان كاثوليك في حمص. صورة: موقع eSyria
سر المعمودية لأحد الأطفال في كنيسة السريان كاثوليك في حمص. صورة: موقع eSyria

من الطقوس المميزة الأخرى طقس «المناولة الأولى»، وهو طقس احتفالي تختص فيه الكنيسة الكاثوليكية، بموجب هذا الطقس يتم منح الأطفال ”سر القربان المقدس“ بعد بلوغ الطفل لسن الثامنة، وسر القربان المقدس هو تناول قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز -برشان- بعد غمسها بالنبيذ، حيث يرمز الخبز لجسد المسيح والنبيذ إلى دم المسيح، وهو ما علمه يسوع المسيح لتلاميذه في العشاء الأخير.

طقس المناولة الأولى لأحد الأطفال في إحدى الكنائس الكاثوليكية.
طقس المناولة الأولى لأحد الأطفال في إحدى الكنائس الكاثوليكية.

وبينما يتم عادةً منح سر القربان المقدس للأطفال في الكنيسة الأرثوذكسية مع سر المعمودية في سنٍ صغير، لا يتم منح هذه السر في الكنيسة الكاثوليكية إلا بعد عمر الثامنة، ويترافق عادةً طقس المناولة الأولى بقداسٍ احتفالي يرتدي به الأطفال ثياباً بيضاء تعبيراً عن النقاء، وتُجرى عادةً ولائم غذاء عائلية على شرف هذه المناسبة.

الكنائس والأديرة والإيمان بالمعجزات

يوجد في مناطقنا العديد من الكنائس الكاثوليكية وتصنف البعض منها كنائس أثرية حتى، وعادةً ما تُسمى الكنيسة باسم أحد القديسين ويُعد هذا القديس شفيع الكنيسة ورعيتها، ويوجد عادةً مدرسة بقرب الكنيسة يتلقى بها أولاد الطائفة وغيرهم تعليمهم المدرسي بالإضافة إلى الديني، كما تنعقد في الكنيسة اجتماعات الكشافات والمنظمات الدينية، كما تكون الكنيسة مقراً للجمعية الخيرية الخاصة بالطائفة، ويُشرف على الكنيسة كاهن أو أسقف بالإضافة لوجود شمامسة يساعدونهم، ومن الشائع أيضاً وجود رهبان أو راهبات يساعدون في الكنيسة بالطقوس الدينية والتعليم الديني وغيرها من الأمور.

كنيسة اللاتين في حلب. صورة: Preacher lad/Wikimedia Commons
كنيسة اللاتين في حلب. صورة: Preacher lad/Wikimedia Commons

الأديرة عادةً تقع خارج المدن، لكن بسبب التوسع المدني أصبح الكثير منها داخل المدن حالياً، والدير هو مبنى منعزل عادةً محاط بمزرعة خاصة به، يُستخدم للصلاة والتأمل بانعزالٍ عن العالم الخارجي، وعادةً ما يتبع الدير لرهبانية معينة، وهناك العديد من الرهبانيات التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية، كالرهبانية الساليزيانية والرهبانية الكرملية والرهبانية اليسوعية، وهي جميعاً نشطة في مناطقنا.

يؤمن الكاثوليك بالمعجزات، حيث يذكر الكتاب المقدس قيام يسوع المسيح بالعديد منها، كما يؤمن الكاثوليكيون أنّ الرسل والقديسين قاموا أيضاً بالكثير من المعجزات.

عادةً ما تكون المعجزات عبارة عن شفاء لشخصٍ مريض أو مقعد، لكن في بعض الأحيان يقول أحد المؤمنين أنّ المسيح أو مريم العذراء أو أحد القديسين قد ظهر وتحدث إليه وأبلغه رسالة إلى الكنيسة أو منحه قدرة شفاء المرضى، ومن الحوادث ذات الصفة الخارقة التي تحدث بشكلٍ متكرر هو سيلان الزيت من أيقونة لمريم العذراء في إحدى الكنائس، ويعتقد المؤمنون أنّ هذا الزيت عجائبي ويشفي المرضي ويبارك من يُمسح به، كما يتم أحياناً أخذ هذه الأيقونة إلى منازل المؤمنين لتقوم بمباركتها.

فيما يلي معلومات متفرقة عن الكاثوليكيين قد لا تعرفها:

1. الكاثوليكية هي الكنيسة المسيحية الأكبر، ويُقدر عدد الكاثوليكيين حول العالم بـ1.3 مليار شخص، يقطن أغلبهم في أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وأوروبا.

2. أخذت الكنيسة الكاثوليكية شكلها الحالي بعد الانشقاق العظيم الذي حصل عام 1054، وانفصلت به الكنيسة الكاثوليكية عن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وقد كان أحد أسباب هذه الانشقاق تعديل الكنيسة الكاثوليكية لقانون الإيمان حينها، فبينما تؤمن الكنيسة الكاثوليكية الآن أن الروح القدس ينبثق من الأب والأبن وتذكر ذلك في قانون إيمانها، ترفض الكنائس الأرثوذكسية الشرقية ذلك وتصر على أن الروح القدس منبثق من الأب فقط.

3. تُعلم الكنيسة الكاثوليكية أنّها الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية التي أسسها يسوع المسيح، وأنّ أساقفتها هم خلفاء الرسل، وأنّ البابا الذي هو رأس الكنيسة الكاثوليكية هو أسقف روما وخليفة بطرس الرسول، الذي دعاه يسوع المسيح بالصخرة التي سيبني عليها كنيسته.

4. للكنيسة الكاثوليكية سبعة أسرار مقدسة، والأسرار هي طقوس مرئية مستمدة من تعاليم يسوع المسيح يقوم بها الكاهن لإحلال بركة إلهية غير منظورة، وهذه الأسرار هي: سر المعمودية، وسر التثبيت (الميرون)، وسر القربان المقدس (الأفخاريستا)، وسر التوبة (الإعتراف)، وسر مسحة المرضى، وسر الكهنوت، وسر الزواج.

5. تُعد الكنيسة الكاثوليكية المزود غير الحكومي الأكبر للرعاية الصحية والتعليم في العالم، وذلك عن طريق الجمعيات الخيرية الكاثوليكية المنتشرة في أنحاء العالم، كما يعتبر البعض الكنيسة الكاثوليكية المنظمة الأقدم في العالم الغربي.

6. يقسم الكتاب المقدس إلى قسمين، عهد قديم يتكون من 46 سفراً يتناول قصة الخلق وقصة الأنبياء وتعاليم دينية في الفترة ما قبل قدوم المسيح، وعهد جديد يتناول قصة يسوع المسيح وتعاليمه وحياة الرسل ورسائلهم إلى المؤمنين وسفر رؤيا يوحنا.

7. أغلبية الكنائس الكاثوليكية في مناطقنا تندرج تحت مسمى الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وهي كنائس شرقية لها تنظيمها وطقوسها الخاصة لكنها على شراكة مع الكنيسة الكاثوليكية وتعترف بقداسة وسلطة البابا، وأبرز هذا الكنائس: كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، والكنيسة المارونية، والكنيسة الكلدانية، والكنيسة القبطية الكاثوليكية، والكنيسة الأرمنية الكاثوليكية.

8. لا توجد نسب دقيقة حول عدد الكاثوليكيين في الوطن العربي، وقد تناقص عدد الكاثوليكيين كثيراً خلال القرن الأخير بسبب الظروف والحروب التي شهدتها المنطقة وصعود الإسلام المتشدد في الكثير من الدول، هذا بالإضافة إلى الهجرات التي شهدتها سوريا خلال الأحداث الأخيرة، حيث هاجر قسمٌ كبير من الكاثوليكيين والمسيحيين بشكلٍ عام إلى أوروبا خاصةً.

9. تُعد العاصمة اللبنانية بيروت المدينة العربية الأكبر من حيث عدد المسيحيين وغالبيتهم من الموارنة، تليها مدينة حلب السورية لكن نسبة كبيرة من المسيحيين الموجودين فيها ينتمون للكنائس الأرثوذكسية الشرقية، بينما تُعد كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك أكبر كنيسة كاثوليكية في المدينة وسوريا بشكلٍ عام، وتُعد الكنيسة الكلدانية الكنيسة الأكبر من ناحية العدد في العراق.

ومن الجدير بالذكر أنّ الكنيسة المارونية هي كنيسة أنطاكية سريانية شرقية كاثوليكية تأسست نواتها حول القديس (مارون)، ويُعد شفيع الكنيسة ومؤسسها، والقديس (مارون) هو راهب سرياني عاش في شمال حلب، وقد كشفت التنقيبات الأثرية مدفنه في مدينة (براد) الواقعة شمال حلب وأصبح مقصداً للحج، و(براد) تنتمي إلى ما يُسمى بـ”المدن المنسية“، وهي مجموعة مدن وقرى سورية تقع شمال حلب وإدلب صُنفت حديثاً ضمن التراث العالمي، وهي من أكثر تجمعات المناطق الأثرية في العالم، وتضم كنائس وأديرة أثرية بالغة القدم، أبرزها دير مار سمعان العمودي.

دير مار سمعان العمودي الأثري في شمال حلب. صورة: Bernard Gagnon/Wikimedia Commons
دير مار سمعان العمودي الأثري في شمال حلب. صورة: Bernard Gagnon/Wikimedia Commons

10. يختلف الكثيرون حول عروبة كاثوليكي المنطقة، حيث يرى بعض الباحثين أنّ الروم كاثوليك -المنشقون أساساً من الروم أرثوذكس- واللاتين هم عرب في الأساس، بينما ينتمي أبناء باقي الطوائف إلى أصول عرقية أخرى، فالسريان كاثوليك والموارنة من أصلٍ سرياني، والكلدان من أصل كلداني، والأرمن من أصلٍ أرمني، إلا أنّ بعض الباحثين وبعض الأنظمة القومية صنفت الجميع كعرب، وهو ما أثار جدلاً بين أبناء هذه الطوائف ويرفض الكثيرون منهم هذا التصنيف.

11. تُعد الفاتيكان الدولة الأصغر من حيث المساحة وعدد السكان في العالم وتقع في قلب العاصمة الإيطالية روما، يرأسها البابا ويقوم بحراستها حرسٌ خاص يسمون الحرس السويسريون، وعلى الرغم من صغرها إلا أنّها تضم أرشيفاً ومعارضاً تضم أهم النتاج الأدبي والفني في التاريخ البشري، كما أنّ المدينة مدرجة بقائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقد بنيت الكنيسة في الأساس في هذا الموقع بالذات لأنّه يضم قبر (بطرس) الرسول الذي قال له يسوع المسيح: {أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا}.

12. يتم انتخاب البابا عن طريق المجمع المغلق، فبعد وفاة البابا الحالي يقوم السكرتير البابوي بتسيير شؤون الكنيسة حتى انعقاد المجمع المغلق بعد 15 يوم من الوفاة، يُعقد المجمع في الكنيسة السيستينية في الفاتيكان ويعين أحد الكرادلة الكبار في العمر عادةً كرئيسٍ للمجمع، حيث يجتمع الكرادلة الناخبون وتغلق عليهم الأبواب وينعزلون عن العالم الخارجي، وتعقد قبل انعقاد المجتمع بقليل صلوات تدعو لحلول الروح القدس على الكرادلة كي يقوموا بالاختيار الصحيح.

البابا فرانسيس
البابا فرانسيس.

عند بدأ المجمع يقسم الكرادلة على احترام البابا المنتخب وسلطته وعدم نشر أسرار المجمع وانتخاب من يرونه مناسباً، ويتم في كل يوم جولتين انتخابيتين صباحاً ومساءً، ويتم الانتخاب عبر كتابة كل كاردينال اسم من يريد انتخابه على ورقة ووضعها في كأس القربان عند مناداة اسمه بعد أن يقسم أمام المسيح أنّه انتخاب من رآه مناسباً، ويتم جمع الأوراق وإحصاء الأصوات، فإذا لم يحقق أيٌ من الكرادلة أغلبية الثلثين المطلوبة تحرق الأوراق بعد إضافة موادٍ لها تجعلها تُصدر دخاناً أسوداً كرسالةٍ للعالم الخارجي على فشل انتخاب البابا، وإن حقق أحد الكرادلة تضاف لها مواد باعثة لدخانٍ أبيض كرسالةٍ على نجاح الانتخاب، ولا يحل انعقاد المجمع حتى تنجح عملية الانتخاب، ولا يُسمح بانتخاب من تخطى عمره الثمانون عاماً.

13. ترفض الكنيسة الكاثوليكية الطلاق، وبينما لا يُعد ملغى بالكامل، إلا أنّه مربوطٌ بالعديد من الشروط الصعبة ويُعد أمراً غير محبذاً، ولكل طائفة كاثوليكية محكمتها الروحية الخاصة، وهناك اختلاف بعض الشيء في قوانين الأحوال الشخصية بين هذه المحاكم.

14. ترفض الكنيسة الكاثوليكية وسائل منع الحمل وتعتبر استخدامها خطيئةً، وتُعد الوسيلة الوحيدة المسموحة هي تنظيم الأسرة الطبيعية والتي تتم عبر ممارسة الجنس خارج أيام الإباضة من الدورة الطمثية للمرأة (تسمى هذه الطريقة أيضاً العد أو التنظيم)، ولهذه الطريقة مزايا ككونها آمنة إلا أن سيئاتها كثيرة مثل عدم الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيت، وأنّ نجاحها يتطلب وعياً وثقافةً كبيرين.

15. لا ترفض الكنيسة الكاثوليكية نظرية التطور بالكامل، فالكنيسة الكاثوليكية تؤمن أنّ الله خلق الإنسان كما ذُكر في الكتاب المقدس، وأنّ كل إنسان هو روحٌ من الله، وتدعم الكنيسة ما يُسمى التطور الإلهي أو الخلقية التطورية، وهي مفهوم يؤكد أنّ التعاليم الدينية حول الخلق متوافقة مع التطور البيولوجي، وأنّ التطور هو عملية طبيعية حدثت أثناء الخلق، أي أنّه أداة وظفها الله لخلق الحياة البشرية، ويتم تدريس التطور الإلهي في دروس علوم الأحياء في بعض المدارس الكاثوليكية.

16. كان عالم الفلك (جورج لومتر) كاهناً كاثوليكياً، ويُعد (جورج) أول من اقترح نظرية الانفجار العظيم والتي تقترح طريقة نشأة الكون، وقد رحبت الكثير من المنظمات الدينية حول العالم بهذه النظرية ورأت أنّها تدعم قصة الخلق الإلهي، وفي عام 1951 أعلن البابا أنّ هذه النظرية لا تتعارض مع المفهوم الكاثوليكي عن بداية الخلق.

17. تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بوجود المطهر، والمطهر هو مكان تذهب إليه أنفس الخطأة المؤمنين الذين لم يتوبوا توبةً كاملة إلى الله، فتذهب أنفسهم إلى المطهر حيث تطهر بالله لتصبح جاهزة لدخول ملكوت الله (الجنة)، ولا تؤمن باقي الطوائف المسيحية الكبرى بوجود المطهر ويُعد نقطة خلاف عقائدية كبرى.

18. لا يسمح لرجال الدين الكاثوليك بالزواج، وذلك بخلاف معظم الطوائف المسيحية الأخرى، وتُعد العفة شرطاً لازماً لرجال الدين، لكن توجد هناك استثناءات قليلة خاصةً في الكنائس الكاثوليكية الشرقية.

19. على الرغم من أنّ دور الكنيسة الكاثوليكية الآن يقتصر على الإرشاد الديني والروحي والتبشير والأعمال الخيرية، إلا أنّ دورها كان أكبر بكثير سابقاً وخاصةً خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، لكن بنفس الوقت فقد حاربت الكنيسة بعض العلماء، كما اقترفت العديد من الأمور الشنيعة في تاريخها، فقد انخرطت الكنيسة الكاثوليكية في العديد من الحروب الخارجية كالحروب الصليبية والنزاعات الداخلية على السلطة، كما كانت الكنيسة تمنح ما يُسمى بـ”صكوك الغفران“ وهي صكوك تغفر بها الكنيسة ذنوب شخصٍ ما مقابل ”تبرعه“ بمبلغٍ ما للكنيسة، كما اقترفت محاكم التفتيش الكاثوليكية العديد من الفظائع خلال العصور الوسطى.

20. خلال العقود الأخيرة تزايد اتهامات رجال الدين والرهبان الكاثوليكيين بالتحرش الجنسي بالأطفال خاصةً في البلدان الغربية، وقد نشرت صحف عديدة كـ(بي بي سي) و(دير شبيغل) أرقاماً ونسباً مهولة، وقد شملت الاتهامات شخصيات كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية، كما انخرطت الكنائس الكاثوليكية حول العالم في العديد من الدعاوي القانونية خاصةً في أمريكا، وقد اضطرت الكنيسة لدفع تعويضات مالية كبيرة في بعض الأحيان.

وبينما تؤكد الكنيسة الكاثوليكية أنّها تحارب هذه الظاهرة بشدة إلا أنّ الكثيرين يربطون هذه الظاهرة بمنع رجال الدين والرهبان من الزواج وممارسة الجنس، وبينما لم تنتشر الكثير من هذه القصص علناً في منطقتنا إلا أنّ العديد من الرهبان الشباب يؤكدون وجود هذه الظاهرة في منطقتنا أيضاً.

في الأخير؛ بالطبع يحتاج الإلمام بكافة تفاصيل الكنيسة الكاثوليكية مقالاً أطول من هذا بكثير، فتاريخها الطويل وعقائدها المختلفة ودورها المهم في العالم جعلها محطاً للكثير من الأبحاث والكتب التاريخية، وإنّ كون المسيحية نشأت بالأصل من هذه المنطقة والوجود المسيحي الكاثوليكي البالغ القدم في هذه المنطقة يجعل الاهتمام بالكنيسة الكاثوليكية بشكلٍ عام والكنائس الكاثوليكية الشرقية أمراً مهماً.

مقالات إعلانية