in

دخلك بتعرف قصة النيزك الذي غير مسار المسيحية

تمثال كريس المخلص في البرازيل

عانت المسيحية في ظل الإمبراطورية الرومانية لأكثر من قرنين من الزمان، حيث تم إلقاء القبض على المسيحيين وتعذيبهم وتشويههم وحرقهم وتجويعهم، كما تم هدم المباني المسيحية وبيوت المسيحيين وأُحرقت كتبهم المقدسة، انتهى هذا الاضطهاد عندما اعتلى الإمبراطور (قسطنطين) العرش، وعلى عكس أسلافه كان الإمبراطور راعياً عظيماً للكنيسة، فقد بنى عدداً كبيراً من الكاتدرائيات في جميع أنحاء الإمبراطورية، كما منح امتيازات لرجال الدين وزوّد الكنيسة بالأرض والثروة، وتجدر الإشارة إلى أنه أعاد الممتلكات التي صادرها حكام سابقون من المسيحيين إلى أصحابها.

كان السبب الذي جعل الإمبراطور (قسطنطين) يعتنق المسيحية موضع نقاش من قبل اللاهوتيين والمؤرخين لعدة قرون، فمن الممكن أن تكون والدة (قسطنطين) قد عرّفته على المسيحية منذ سن مبكرة، ولكن يعتقد العديد من المؤرخين أن (قسطنطين) قد شهد حدثاً مثيراً في عام 312 قبل بدء معركة (ميلفيان)، وذلك على ضفاف نهر (التيبر) على مشارف روما في العصر الحديث، الأمر الذي ترك تأثيراً عميقاً على إمبراطور المستقبل.

معركة جسر (ميلفيان) لـ(جوليو رومانو) 1520-24
معركة جسر (ميلفيان) لـ(جوليو رومانو) 1520-24

وصف (يوسابيوس) القيصري، وهو أحد المؤرخين الأوائل للكنيسة المسيحية، رؤيا كانت لدى (قسطنطين) أثناء السير نحو موقع المعركة: ”بينما كان يصلّي (قسطنطين) بحماس شديد، ظهرت له علامة رائعة من السماء، والتي ربما كان من الصعب تصديقها لو كانت مرتبطة بأي شخص آخر، وعند الظهر رأى بأم عينيه كأس صليب النور في السماء فوق الشمس، وكان الصليب يحمل النقش (ستنتصر بذلك)، فأصيب هو نفسه بالدهشة بعد هذا المنظر، وكذلك جيشه كله الذي تبعه في هذه الحملة وشهد المعجزة“.

لم يكن (قسطنطين) متأكداً من معنى ما رآه في بداية الأمر، لكن في الليلة التالية راوده حلم رأى فيه المسيح، حيث أوضح له أنه يجب أن يستخدم تلك العلامة ضد أعدائه، لذلك أمر (قسطنطين) قواته أن يزينوا دروعهم بالرمز المسيحي وهو الـ(كاي رو) الذي رآه في السماء، ربح جيش (قسطنطين) تلك المعركة، ومنذ ذلك الحين كرّس الإمبراطور الجديد مجده للمسيح الذي اعتقد أنه ساعده في نصره.

ولكن ما هو الحدث السماوي الذي كان له تأثير كبير على (قسطنطين)؟

يعتقد الجيولوجيون أن (قسطنطين) قد شهد سقوط نيزك، والحقيقة أنه مازالت الحفرة التي تركها أثر النيزك موجودة في وسط إيطاليا، وهي فوهة (سيرينتي) الواقعة في المرتفعات شمال سلسلة جبال (سيرينتي)، وهي عبارة عن حفرة صغيرة ودائرية، وعلى الرغم من وجود الكثير من النظريات حول تكوينها، يعتقد عالم الجيولوجيا السويدي (ينس أورمو) أنها فوهة صدمية، ويوضح (أورمو): ”يحيط بتلك الحفرة العديد من الحفر الأصغر حجماً منها، والتي نتجت من الحطام المقذوف، كما هو متوقع من نماذج التصادم النيزكية“.

فوهة (سيرينتي)
فوهة (سيرينتي)

يبين تأريخ الكربون المشع تكوين الحفرة أنها تكونت في نفس الوقت تقريباً الذي رأى فيه (قسطنطين) رؤيته السماوية، والحقيقة أن التأثير الذي ينتج عنه فوهة بحجم (سيرينتي) كان يمكن رؤيته من مسافة بعيدة، فقبل أن يضرب النيزك، كانت النيران قد اشتعلت في السماء في كرة نارية كبيرة أدهشت (قسطنطين) وقواته، وتجدر الإشارة أنها كانت ستضرب الأرض بقوة قنبلة نووية صغيرة يبلغ حجمها حوالي واحد كيلوطن.

يتوافق عمر الحفرة أيضاً مع القصص التي تداولها التاريخ المحلي، فقد تم هجر قرية قريبة فجأة ربما بسبب الحريق خلال القرن الرابع، كما أن سراديب الموتى التي يرجع تاريخها إلى نفس الفترة تكشف عن العديد من الجثث المدفونة بطريقة مستعجلة، ومن ناحية أخرى توفر الأسطورة المحلية التي تم تمريرها شفهياً وصفاً حياً للحدث المأساوي، وتقول نسخة منها: ”وبعد ذلك اجتاحت الضجة الجبل محرّكة أشجار البلوط العملاقة معلنة عن وصول الإلهة بعنف، طغت الحرارة المفاجئة على الناس وتردد الصراخ في كل مكان، وفجأة هناك في السماء ظهر نجم جديد لم يسبق له مثيل من قبل، وكان أكبر من النجوم الأخرى، اقترب ثم اختفى وراء قمة الجبال الشرقية، قريباً أشرق النجم بحجم شمس جديدة، وانتشر ضوء مبهر لا يقاوم في السماء، فارتجفت أوراق البلوط ثم أفقدت تلك الكرة اللولبية الغابة نسغها“.

فوهة (سيرينتي)
فوهة (سيرينتي).

أدى التقارب الوثيق في كل من الوقت والجغرافيا بين معركة (ميلفيان) وموقع سقوط نيزك (سيرينتي) إلى إعادة النظر في الأحداث التاريخية، فوفقاً لإحدى الدراسات، تم تحديد موقع معسكر (قسطنطين) وقواته العسكرية على بعد 100 كم من موقع سقوط النيزك قبل معركة (ميلفيان)، وقد أعطاهم ذلك رؤية واضحة لسحابة عيش الغراب أو ما تعرف بسحابة الفطر –أو Mushroom cloud وهي سحابة مميزة يتم الربط بينها وبين الانفجارات النووية عادةً– الأمر الذي أثّر على (قسطنطين)، والذي أثّر بدوره على مسار المسيحية.

مقالات إعلانية