in

الغارات العثمانية على جزيرة آيسلندا.. هل حقاً وصل العثمانيون إلى هناك؟

القراصنة الأمازيغ

كانت الإمبراطورية العثمانية واحدة من أقوى الإمبراطوريات في القرون الوسطى وعصر النهضة، وكان آل عثمان أطول سلالة حاكمة في التاريخ.

سيطرت هذه الدولة على مناطق شاسعة وواسعة من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية وشمالي أفريقيا لأكثر من 600 عام، وكان للسلطان العثماني سلطة دينية وسياسية مطلقة على شعبه، وكانت الإمبراطورية العثمانية تمثل تهديداً خطيراً للأوروبيين في تلك الفترة، لكن خبراء التاريخ يعتقدون أن للدولة العثمانية دورٌ كبير في جلب الاستقرار والأمن، خاصة في القارة الأوروبية، كما كان للعثمانيين إنجازاتٌ في مجالات عديدة كالعلوم والفنون والثقافة والدين.

الاحتلال العثماني لشمالي أفريقيا:

خير الدين بربروس.
خير الدين بربروس.

حقق العثمانيون انتصارات عسكرية في بلاد الشام والأناضول، واستطاعوا بناء امبراطوريتهم في تلك المنطقة أولاً، ثم حولوا اهتمامهم إلى أراض وبلدان أخرى كشرق أوروبا وشمال أفريقيا.

احتل العثمانيون مصر عام 1517، واستطاعوا فرض سيطرتهم على المغرب العربي بفضل قائدي القوات البحرية الأخوين عرّوج وخير الدين بربروس، حيث استطاع الأخوان احتلال الجزائر عام 1516، وجعلا منها قاعدة للعمليات العسكرية في مواجهة المملكة الإسبانية.

قُتل عروّج لاحقاً في إحدى المعارك مع الإسبانيين عام 1518 في مدينة تلمسان الجزائرية، لذا أعلن خير الدين خضوعه وولاءه للسلطان العثماني، واعترف السلطان في المقابل بسلطة خير الدين على المغرب العربي، لذا كانت الجزائر أول دولة من دول المغرب العربي تخضع للسلطة العثمانية.

الجهاد البحري أو القرصنة الأمازيغية:

إحدى معارك البحر المتوسط بين الدولة العثمانية والقوى الأوروبية.
إحدى معارك البحر المتوسط بين الدولة العثمانية والقوى الأوروبية.

لم تبدأ القرصنة الأمازيغية –التي يطلق عليها اسم القرصنة البربرية– في عهد الامبراطورية العثمانية فحسب، لكن خلال تلك الفترة تحديداً ظهر ما يُعرف باسم الجهاد البحري الإسلامي، أو قرصنة البربر كما يسميه الأوروبيون. وتلك عمليات منظمة قام بها المسلمون تحت رعاية الإمبراطورية العثمانية ضد سواحل أو سفن الدول الأوروبية، وكانت أشبه بحربٍ مقدسة ضد المسيحية.

استمرت هذه الغزوات منذ القرن السادس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر، وكان مقر هذه العمليات في الشمال الأفريقي بشكل خاص، وكان الرَيّس لقباً يُطلق على قبطان البحر، وعُرفت عدة شخصيات تاريخية بهذا اللقب من ضمنها خير الدين بربروس.

كان للرُياس (جمع كلمة رَيّس) الجزائريين فضلٌ كبير في هذه الغارات، وكانوا يعملون تحت إمرة السلطان العثماني، أي أن الجيوش العثمانية لم تزحف أو تعبر البحار والمحيطات للإغارة على السفن أو السواحل الأوروبية بل أوكلت المهمة إلى هؤلاء القراصنة، الذين استطاعوا أسر عددٍ كبير من المسيحيين وبيعهم لاحقاً، مما جلب عائداً مالياً لا بأس به إلى الدولة العثمانية والسلطة ذات الإدارة الذاتية في المغرب العربي.

إذاً هل استطاع العثمانيون الوصول إلى سواحل آيسلندا، تلك الجزيرة النائية والبعيدة جداً؟

القرصنة البربرية

إن أردتم الجواب باختصار، فهو نعم. لكن لنتعرف قليلاً على قصة هذه الغارات وكيف بدأت وماذا حصل مع الأسرى:

غزا القراصنة العثمانيون (أو الأمازيغ إن أردنا الدقة) عدداً من القرى والبلدات على طول السواحل الأوروبية، من البرتغال إلى فرنسا وإسبانيا وهولندا، وصولاً إلى آيسلندا. وكان الهدف من هذه الغارات هو أسر أكبر عددٍ من المسيحيين لاستعبادهم وبيعهم لاحقاً في جميع أنحاء الامبراطورية العثمانية.

بدأ سكان القرى الساحلية في إيطاليا وإسبانيا بهجر منازلهم والانتقال إلى أماكن آمنة لا يصل إليها القراصنة، وبقيت بعض البلدات فارغة تماماً حتى القرن الـ19. ويقال أن القراصنة قد أسروا نحو 800 ألف إلى 1.5 مليون أوروبي بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، وكانت ذروة هذه الغزوات خلال القرن السابع عشر.

وصول القراصنة إلى آيسلندا:

بدأت الغارات البربرية على آيسلندا عام 1627، وكانت مدينتا الجزائر وسلا نقطتي انطلاق هذه العمليات، حيث وصلت دفعتان من المور (سكان شمالي أفريقيا) إلى سواحل آيسلندا في تلك السنة، ونزلوا في جزيرة (هيماي)، إحدى جزر أرخبيل (فيستمانايار) –أو يستمان–. وقاموا بسلب ونهب وإحراق الأراضي، ودمروا المنازل والكنائس، كما تمكنوا من أسر وقتل نحو 242 شخصاً من أصل 500 آيسلندي يقطن الجزيرة، وذلك وفقاً لما جاء في المصادر الآيسلندية.

اختبأ بعض الآيسلنديين، الذين استطاعوا الفرار من الغارة العثمانية–البربرية، في كهوفٍ ومنحدراتٍ صخرية على طول الساحل. وهناك عددٌ كبير من الأماكن في الجزيرة تمت تسميتها تخليداً لذكرى هذا الهجوم المروّع، كـ”خليج القراصنة“، و”كهف المائة رجل“، حيث يُعتقد أن 100 شخصٍ قد لجؤوا إلى هذا المخبأ.

ما مصير الأسرى؟

حروب القرصنة البربرية

بيع هؤلاء الأسرى في سوق العبيد في الشمال الأفريقي. وبالطبع، توفي العديد منهم خلال الرحلة الطويلة والشاقة، وتوفي بعضهم الآخر خلال الأسابيع أو الأشهر الأولى حتى بعد وصولهم. لكن استطاع عدد قليل منهم البقاء على قيد الحياة بالرغم من الصعاب التي واجهوها، وقد اعتنق بعض هؤلاء الأسرى الدين الإسلامي وفقاً لرغبة أسيادهم.

كان أبرز الأسرى امرأة تدعى Guðríður Símonardóttir، وُدعيت باسم (غودا التركية)، حيث كانت (غودا) واحدةٍ من الأسرى القلائل الذين تم إطلاق سراحهم لاحقاً وتمكنوا من العودة إلى آيسلندا. للأسف لم تعد (غودا) إلى موطنها في آرخبيل (فيستمانايار)، لكنها تزوجت من الشاعر والكاتب الآيسلندي (هالغيمور بيتورسون)، الذي عمل كاهناً وكان أحد أشهر شعراء آيسلندا.

وصف أحد الأسرى أيضاً، والذي يدعى Guttormur Hallsson، ظروف الأسر في الجزائر في رسالة كتبها إلى عائلته. وصلت هذه الرسالة عام 1631، وحاول عدد لا بأس به من الأسرى إرسال رسائل إلى عائلاتهم، آملين أن تصل هذه الرسائل إلى أحبائهم أو أن يشتريهم هؤلاء ويتحرروا من الأسر.

دفع الملك الدنماركي في نهاية المطاف المال مقابل تحرير الأسرى، وبعث بالهولندي (فيلهلم كيفت) لتحرير الأسرى المسيحيين أو الذين يرغبون بالعودة إلى أوطانهم، ووُضعت قائمة تشتمل على أسماء 70 آيسلندياً كي يتم تحريرهم عام 1635، وكانت (غودا) من بين هؤلاء الأسرى المحررين.

ارتحلت مجموعة المحررين من الجزائر إلى (مايوركا) في إسبانيا، ثم أكملوا إلى مارسيليا ثم (نربونة)، وهي مدينة في شرق جنوب فرنسا، ووصلوا بعدها إلى (بوردو) ثم إلى أمستردام و(غلوكشتات) في ألمانيا، وأخيراً إلى كوبنهاغن في خريف تلك السنة. ولم يستطيعوا الرحيل من الدنمارك إلى موطنهم حتى انقضاء الشتاء، فلا تبحر السفن إلى آيسلندا حتى حلول الربيع.

استطاع القراصنة إجمالاً أسر نحو 400 إلى 900 شخصٍ آيسلندي (حيث كان عدد السكان في آيسلندا وقتها نحو 60 ألف شخص)، أغلبهم من (فيستمانايار)، وقتلو نحو 40 شخصاً.

إذاً كيف انتهت هذه الغارات البربرية؟

منذ بداية النصف الثاني من القرن الثامن عشر، مالت كفة ميزان القوى لصالح الأوروبيين في البحر المتوسط. ولم يعد بإمكان السلطات في الشمال الأفريقي الاعتماد على أموال القرصنة وبيع العبيد. وتبع ذلك الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، مما أنهى بشكل قطعي قروناً من القرصنة البربرية المدعومة من الامبراطورية العثمانية.

مقالات إعلانية