التاريخ مليءٌ بالأشخاص الذين يقومون بتشفير رسائلهم للحفاظ على المعلومات القيمة بعيداً عن أعين المتطفلين.
دعونا نأخذكم في رحلة للكشف عن الألغاز الكامنة وراء بعض الشفرات الأكثر شهرة في التاريخ، وكيف تم حلها…
شفرة زودياك:
لنبدأ بالشفرة الغامضة للقاتل المتسلسل «زودياك» مجهول الهوية، الذي أثار الرعب في قلوب سكان شمال كاليفورنيا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.
فقد سخر القاتل من السكان والسلطات عبر إرسال رسائل مشفرة إلى الصحف المحلية، أولها أطلق عليه اسم “Zodiac Killer 408 Cipher” والتي تمكن مدرّس في مدرسة ثانوية وزوجته في النهاية من حلها، وذلك عبر تجاهل التهجئة، واستبدال الأصوات المتماثلة لكل حرف من الأحرف في الشفرة، وقد كشفت هذه الطريقة أن زودياك قال في الرسالة: “أحب القتل لأنه ممتع للغاية”.
شفرة قيصر:
دعونا نعود بالزمن إلى روما القديمة لنتحدث عن “شفرة قيصر” وهي واحدة من أقدم الشفرات المعروفة والتي استخدمها الإمبراطور قيصر في مراسلاته الخالصة.
وفي هذه الشفرة كان الإمبراطور ينقل الحروف إلى ثلاث مسافات، فعلى سبيل المثال قد يصبح حرف A الحرف D ويصبح الحرف B الحرف E،
ولكن كيف تم فك هذه الشفرة؟
لاحظ الناس أن الأحرف مثل D تُذكر بشكل متكرر أكثر مما ينبغي، مما يشير إلى أنه تم استخدامه بالفعل كحرف متحرك، ومن خلال تحليل عدد مرات ظهور كل حرف في الرسالة المشفرة، تمكن محللو الشفرات من فك شفرة النص الأصلي وكشف أسرار قيصر.
شفرة Tunny:
لننتقل في الحديث إلى الأوقات المضطربة للحرب العالمية الثانية، وتحديداً آلة التشفير الشهيرة Lorenz، والمعروفة أيضًا باسم Tunny، حيث كانت آلة التشفير الألمانية هذه تنتج رموزاً معقدة غير قابلة للاختراق، وكان يُنظر إلى فك هذه الرموز على أنها تحد صعب بسبب استحالة المهمة.
ولكنّ مخترقي الشفرات البريطانيين، بقيادة عقول لامعة مثل «ماكس نيومان» و«تومي فلاورز»، طوروا آلة تسمى Colossus والتي يمكنها تحليل الرموز وإنشاء المفتاح اللازم لفك شفرة Lorenz وفك تشفير الرسائل التي تم اعتراضها.
شفرة لغة نافاهو:
في خضم الحرب العالمية الثانية، ظهرت شفرة غير متوقعة ولكنها فعالة للغاية، وهي شفرة لغة نافاهو، حيث وظّفت الولايات المتحدة جنود نافاهو الأمريكيين الأصليين لنقل الرسائل المشفرة باستخدام لغتهم الأم.
ومن الناحية النظرية، كان مثل هذا النوع من الرسائل المشفرة سهل الحل، نظراً لأنه يمكن لأي شخص على دراية بهذه اللغة أن يفك الشيفرة، إلا أن تعقيدات لغة نافاهو جعلت من مهمة فهم الرسائل المشفرة شبه مستحيلة بالنسبة للعدو، وبينما أصبحت الشفرة معروفة على نطاق واسع اليوم، إلا أنها ظلت دون حل من قبل دول تحالف المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) مما ساعد الحلفاء (أمريكا والاتحاد السوفييتي وبريطانيا) على تحقيق النصر.
شفرة Vigenère:
أخيرًا، دعونا نكشف عن لغز شفرة Vigenère، وهو عبارة عن تشفير بديل يستخدم الاستبدال الأبجدي لترميز النص ويقوم بنقل الحروف وفقاً لكلمة رئيسية مكررة، وعلى الرغم من أن تعقيد هذا التشفير قد يبدو فعالا في البداية، إلا أنه تم اختراقه في النهاية، حيث لعب الفيلسوف «تشارلز بابيج» وعالم اللغويات «أوجوست كيركهوفس» أدوارًا رئيسية في حل هذا اللغز من خلال تقنيات مثل اختبار Kasiski، والذي تضمن العثور على تسلسلات متكررة في النص المشفر، واستنتجا طول الكلمة الرئيسية وتمكنا من فك تشفير الرسالة المخفية بنجاح.
ومع وصولنا إلى الختام نستنتج معاً أن تعقيد الشفرات قد أثار فضول البشرية لعدة قرون، مما أدى إلى إحساس بالغموض والإثارة، ولكن مع ذلك فقد أظهر التاريخ أنه بالإصرار والأدوات الصحيحة يمكن حتى فك الشيفرات الأكثر تعقيدًا. وتذكرنا قصص فك الشيفرات هذه بأنه طالما هناك أسرارًا محفوظة، فسيكون هناك من هم على استعداد لحلها.