in

الفرق بين مسلمي بريطانيا ومسلمي الولايات المتحدة

يشكل متبعو الدين الإسلامي حوالي 23% من مجموع البشر على كوكب الأرض وينتشرون في جميع القارات الخمس ليكون الدين الإسلامي  الثاني من حيث عدد المؤمنين به حول العالم بعد المسيحية، ولكن على الرغم من الانتشار الكبير لهذا الدين إلا أن 60% من أتباعه يتمركزون في قارة آسيا وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يعيش 20% من مسلمي العالم مشكلين الأغلبية الدينية في كل دول هذه المنطقة.

لكن أكثر من 300 مليون أو خمس المسلمين حول العالم يعيشون في دول حيث لا يعد الإسلام أغلبية دينية، فعلى الرغم من أن عدد المسلمين في الهند أكبر منه في أي دولة عربية إلا أن المسلمين يشكلون فقط 10 – 13% بالمئة من تعداد سكان الدولة كما أن تعداد المسلمين في الصين أكثر منه في سوريا وتحتوي روسيا ذات الأغلبية المسيحية على عدد مسلمين يفوق الأردن وليبيا مجتمعتين.

أما في دول أخرى فيعد المسلمون من الأقليات الدينية النادرة ففي الولايات المتحدة الأمريكية يشكل المسلمون 1% من تعداد السكان ولا تصل النسبة إلى 10% في أي دولة أوروبية.

ولكنك عزيزي القارئ لم تختر البلد الذي ولدت فيه كما لم تختر دينك الذي تؤمن به، والذي جعلك محسوبا على أقلية أو أكثرية دينية في مكان ما على وجه الأرض، فدعنا لغرض الفضول البحت؛ نفترض أن اسمك محمد ومسلم وولدت لعائلة مسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية وانت عزيزتي القارئة فاطمة مسلمة قد ولدت لعائلة مسلمة في المملكة المتحدة.

وفي هذا المقال سنكشف لكما الفروق التي يجهلها أحدكما عن مجتمع الآخر والذي يقع على الضفة الثانية من المحيط الأطلسي، فدخلك بتعرف الفرق بين مسلمي بريطانيا ومسلمي الولايات المتحدة الأمريكية؟

1. من الناحية الاقتصادية ومستوى التعليم:

لدينا أخبار سارة لك عزيزي محمد فالمستوى التعليمي للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية يوازي في المتوسط بقية المواطنين الأمريكيين ونسبة المسلمين الحاملين لشهادة جامعية لاتختلف عن بقية الفئات الدينية مما يعني أنك على الأغلب ستكمل تعليمك الذي تريده أو الذي تحتاجه على الأقل، أما مستوى دخل المسلمين فيبقى أقل من المسيحيين ولكن عند النظر إلى عدد المسلمين ذوي الدخل العالي سنويا فهو من الأعلى بين المجموعات الدينية في الولايات المتحدة وبالتالي من المرجح أنك ستجد الوظيفة ذات الدخل الكافي لحياة كريمة وهناك احتمال جيد أن تكون من ذوي الدخل العالي أو حتى مولود لعائلة ثرية.

أما على الجانب الآخر عزيزتي فاطمة يحتل مسلمو بريطانيا  المرتبة الأخيرة من الناحية التعليمية في عدة إحصائيات نشرت في عام 2018 والتي أظهرت أن المسلمين هم الفئة الأقل تعلما و تحصيلا للشهادات العلمية في المملكة.

كما يحتل المسلمون المرتبة الأخيرة من حيث نسبة التوظيف في القطاعين الخاص والعام وحتى العمل الحر كما يعدون الأقل فاعلية اقتصادية والفئة ذات الدخل الأقل سنويا حيث أن أكثرمن نصف المسلمين يعملون في مهن لا تتطلب شهادات عليا أو مهارة عالية.

وهذا يعني وللأسف بأنك عزيزتي المولودة في المملكة المتحدة، كونك مسلمة في هذه الدولة سيجعل فرصك في الحصول على التعليم التي تريدينه تستحقينه أقل من بقية أفراد المجتمع كما سيقلل من فرص حصولك على وظيفة ذات دخل سنوي متوسط أو أعلى من المتوسط، وكل هذا ناهيك عن كونك امرأة وهو الجزء الثاني من هذا الفيديو.

2. حقوق المرأة المسلمة ومستواها العلمي:

قد تكون المرأة المسلمة في بريطانيا أكثر حظا من مثيلاتها اللاتي ولدن في الدول العربية أو أي دولة أخرى تعتمد الشريعة الإسلامية مصدرا للقوانين المدنية، ولكنها للأسف تبقى أقل حظا من بقية نساء المملكة المتحدة وبحسب مركز الإحصاء في المملكة المتحدة عام 2018 يقع المسلمون في المرتبة الأخيرة من حيث نسبة توظيف المرأة مقارنة بكل المجموعات الدينية في بريطانيا حيث أن 6 من أًصل كل 10 نساء شاركوا في الدراسة و تتراوح أعمارهم بين 16- 64   قالوا أنهم يعملون فقط كربات منزل وهو سبب عدم قدرتهم على ايجاد وظيفة ذات دخل ولكن لا تتشائمي عزيزتي فاطمة فقوانين الدولة تضمن لك حقوقك كاملة وما عليك سوى الوقوف في وجه الأعراف المجتمعية البالية وهو ما فعلته النساء المسلمات في بريطانيا في السنوات الأخيرة فبحسب مقال للغارديان البريطانية في عام 2020  تجاوز عدد النساء الملتحقات بالدراسة في مراحل ما بعد التخرج عدد الرجال المسلمين وهي مجرد خطوة صغيرة في طريق تحرير المرأة المسلمة من قيود العائلة والمجتمع الإسلامي

أما في الولايات المتحدة فنفس المعتقدات الدينية لم تشكل عائقا للمرأة الأمريكية المسلمة، فبحسب دراسة في عام 2017 تمسك المرأة بالدين إن كان بذهابها إلى المسجد أو مدى التزامها بلبس الحجاب لا يؤثر على احتمالية حصولها على عمل، وفي إحصائية أخرى في عام 2016 لمركز PEW  للاحصائيات فإن متوسط سنوات الدراسة للفتيات في مدارس اميركا الشمالية يمثل ضعف عدد السنوات التي تقضيها الفتيات في المدارس الاوروبية وهذا قد لايؤثر عليك بشكل مباشر عزيزي محمد ولكنه السبب أن أمك على الأغلب قد أنهت دراستها الجامعية و وحصلت على وظيفتها واستقلالها مما جعل حظوظك أكبر في القدوم إلى حياة ذات مستوى أفضل.

3. الموقف من المثلية الجنسية ومجتمع الميم:

لا تقبل المجتمعات الدينية بشكل عام فكرة المثلية والمسلمون ليسوا استثناء في هذه القاعدة فخروج أحد أفراد مجتمع الميم إلى العلن لا يزال يواجه برفض كبير في العائلات المتشددة دينيا.

ولكن المسلمون عادة ما يذهبون أبعد من ذلك فبالرغم من أن بعض الأديان تحرم المثلية يبقى تطبيق العقاب الديني بحق المثليين هو الأشد والأعنف في الدول التي تتخذ الشريعة الإسلامية مصدرا للقوانين في القرن الواحد والعشرين فالعقاب قد يصل حتى الرجم والإعدام في بعض الدول الإسلامية.

أما في الدول حيث يعتبر المسلمون أقلية دينية و وخاصة الدول التي تضمن حرية الأفراد في التعبير عن هويتهم الجنسية فتتباين آراء المسلمين بين مطالبين بتجريم المثلية الجنسية وآخرين غير داعمين أو ذوي موقف حيادي.

وبالنسبة لك عزيزتي فاطمة فالأرجح أن عائلتك لن تتقبل صديقتك أو صديقك من أفراد مجتمع الميم والذي قد يواجه اعتراضا من عائلتك على ميوله أكثر منه في بيته ومدرسته أو جامعته ففي بريطانيا وبحسب مقال نشرته صحيفة الغارديان في 2016 فإن نصف مسلمي بريطانيا يؤيدون تجريم المثلية الجنسية بينما يمتلك بقية المسلمون رأيا محايداً، ونادرا ما يدعمون هذا المجتمع، وننصحك بالانضمام إلى مؤسسات أو حركات مدنية تحمي حقوقك في حال دعمك مجتمع الميم.

أما بالنسبة لك عزيزي محمد  وتبعا  لاستطلاع تم في عام 2017 في الولايات المتحدة فإن المسلمون أصبحوا أكثر تقبلا للمثلية الجنسية بزيادة وصلت إلى 20 بالمئة عن إحصائية تمت في عام 2011 حيث لايختلف المسلمون عن متبعي الأديان الأخرى في نسبة تقبلهم للمثلية فإنك لن تواجه مشكلة في تعريف صديقك أو صديقتك من مجتمع الميم على عائلتك المسلمة ولكنك تبقى عرضة للعار المجتمعي في حال كانت هويتك الجنسية اللامغايرة وأردت التعبير عنها.

4. رأي المسلمين في التطرف الديني:

قد يبدو لكما للوهلة الأولى عزيزي محمد و فاطمة أنه من البديهي الوقوف ضد حركات التطرف الديني في العالم وهذا ما ستجدانه إذا نظرتما إلى نتائج استطلاعات الرأي في كل من بريطانيا وأمريكا فأكثر من 90 بالمئة من المسلمين لا يتعاطفون مع أي من حركات التطرف الأخيرة في الشرق الأوسط ولكن للأسف الواقع مختلف جدا فقد  انتقل ما يقارب ال 750 من أصل 2.5 مليون مسلما في بريطانيا إلى الشرق الأوسط للقتال في صفوف الحركات المتطرفة التي نشأت في المنطقة منذ 2013 وهي نسبة تنخفض إلى أقل من النصف في الولايات المتحدة.

5. الاسلاموفوبيا و تقبل الشعب للمسلمين:

كل الإحصائيات السابقة يمكن أن يتم فهمها بشكل خاطئ أو استغلالها للترويج لرأي سياسي أو اجتماعي معين ويبقى الحد من الكره والتمييز الديني أو العرقي مسؤولية الدولة ومؤسسات المجتمع المدني  اللتان كما يبدو لا تقومان بعمل جيد في المملكة المتحدة فلا يكاد ينتهي الجدل حول لباس المرأة المسلمة حتى يبدأ من جديد فالعديد من استطلاعات الرأي أظهرت أن البريطانيين يؤيدون فرض القيود على لباس المرأة المسلمة التي لم تستطع حتى الآن تقديم نفسها كجزء من المجتمع البريطاني وهو ليس خطأها كما هو خطأ المجتمع المسلم الذي يشكل 5% من الشعب البريطاني والذي لم يستطع أن يحصل على تمثيل مكافئ في مجلس العموم البريطاني ولم تصل المرأة المسلمة هذا المجلس حتى عام 2017.

على الطرف الآخر فإننا لا نشاهد هذا الجدل في الولايات المتحدة فقد نجحت المرأة المسلمة والتي وصلت إلى الكونغرس لأول مرة في عام 2018 بتمثيل نفسها كما تمثيل المجتمع الاسلامي الأميركي كمجتمع متقبل للاختلاف ويطالب بالمساواة فالمرأتين المسلمتين العضوين  في الكونغرس منشغلتين بقضايا أهم بكثير من منع الحجاب أو السماح به وتلعبان دورا مهما في الدعوات الأخيرة لمحاربة الإسلاموفوبيا والتطرف الديني في الولايات المتحدة ودعم اللاجئين الإنسانيين من الدول المسلمة.

في النهاية تبقى معظم الإحصائيات عرضة للخطأ أو التحيز المقصود وغير المقصود ولكن يبدو أن المجتمع الأميريكي يبقى أكثر تقبلا للمسلمين كما يظهر المسلمون اندماجا أوسع في ذلك المجتمع وشعورا أكبر بالانتماء وهنا يبقى السؤال هل يختلف مسلمو بريطانيا في أفكارهم وقيمهم عن مسلمي الولايات المتحدة أم أن الحلم الأميركي جعل الانتماء لقيم الدولة أهم بكثير من العادات والتقاليد البالية؟

مقالات إعلانية