in

دخلك بتعرف عرب الأهوار في العراق؟

عرب الأهوار
صورة: Abbas Radhi

يستمد نهري الدجلة والفرات الكبيرين لبلاد ما بين النهرين القديمة منبعهما من أعالي جبال طوروس في جنوب تركيا حاليا، وبعد تدفقهما خلال كل من تركيا وسوريا يَلِجان إلى مملكة العراق الصحراوية الشاسعة.

قبل أن يصب النهران في محطتهما الأخيرة في خليج إيران؛ تجدهما يتفرقان ويتشعبان إلى العشرات من الروافد الصغيرة والقنوات، التي تتوزع وتنتشر بدورها على طول سهل شاسع في جنوب العراق، مشكّلة ما كان يمثل في يوم من الأيام أكبر نظام مستنقعات بيئي في شرق أوراسيا، مغطية حوالي عشرين ألف كيلومتر مربع، وفي هذه المنطقة الخصبة الواسعة وُلدت حضارة قبل خمسة آلاف سنة، وظهرت منها أولى المجتمعات المتمدنة، وتطورت فيها مدن وتجارة وانبثقت عنها دول معقدة التركيب.

عرب الأهوار في العراق
إحدى قرى عرب الأهوار العائمة. صورة: The Sandstorm Magazine/Flickr

بعد اندثار حضارة السومريين والآكاديين؛ انتقل بعض أحفادها من الباقين إلى العيش في منطقة الأهوار وأصبحوا يعرفون باسم «عرب الأهوار» أو «المِعدان» وهو جمع مفرده ”مَعيدي“، وخلال قرون طويلة طور هؤلاء المِعدان ثقافة فريدة من نوعها تركزت على الموارد الطبيعية للأهوار والمستنقعات، غير أن الكثير من طرائق العيش القديمة والتقليدية هذه تعرضت للتدمير والخراب في تسعينات القرن الماضي، عندما قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بتجفيف الأهوار وترحيل مئات الآلاف من سكانها.

كوخ تقليدي مصنوع من القصب يدعى "المضيف" في قرية خاصة بعرب الأهوار في العراق.
كوخ تقليدي مصنوع من القصب يدعى «المضيف» في قرية خاصة بعرب الأهوار في العراق.
يعيش المعدان في قرى معزولة منتشرة على المستنقعات والأهوار التي لا يمكن الوصول إليها سوى على متن القوارب
يعيش المعدان في قرى معزولة منتشرة على المستنقعات والأهوار التي لا يمكن الوصول إليها سوى على متن القوارب.

يعيش المعدان في قرى معزولة منتشرة على المستنقعات والأهوار التي لا يمكن الوصول إليها سوى على متن قوارب، ويعيش سكانها داخل منازل مصنوعة من نوع خاص من القصب يعرف باسم «المضيف» الذي ينمو في الأهوار التي يعيشون فيها، ويكون عرض كوخ القصب النموذجي أكثر قليلا من مترين وطوله ستة أمتار، ويتم بناء هذه الأكواخ سواء فوق المناطق المائية أو على جزر عائمة اصطناعية مصنوعة من القصب هي الأخرى تعرف باسم «الغِباشة»، كما توجد جزر اصطناعية أكثر متانة وثباتا مصنوعة من طبقات من القصب والطين التي تعرف باسم «الدِبن».

يعيش المعدان حياة فلاحية متمحورة حول تربية ورعي قطعان الجواميس التي تعتبر أكثر من ضرورية من أجل بقائهم، فهي تمدهم بالحليب واللحوم والروث الذي يمثل بالنسبة لهم مصدرا حيويا للوقود. يعيش كذلك المعدان على زراعة بعض المحاصيل الزراعية على شاكلة الأرز والقمح والشعير والثيوم الأغبر أو الدخن.

يعيش بعض المِعدان حياة البدو الرحّل ويقومون ببناء منازل وأكواخ مؤقتة ويتنقلون مع قطعان الجواميس خاصتهم حول الأهوار تبعا لفصول السنة، كما يعيش البعض على صيد الأسماك وهي التجارة التي تعد موطن قوة بالنسبة لهم ذلك أن نسبة 60٪ من جميع الأسماك المصطادة في العراق مصدرها مياه الأهوار. غير أن كل شيء تغير تماما بحلول تسعينات القرن العشرين.

صورة ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية تظهر الجفاف الذي حل بالمستنقعات في العراق.
صورة ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية تظهر الجفاف الذي حل بالمستنقعات في العراق.

بعد حرب الخليج الأولى، بدأ الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين بتجفيف مياه الأهوار في محاولة لدفع الميليشيات المنتفضة ضده إلى الخروج منها لأنها كانت تتخذ منها ملجأ لها، كما كانت عملية التجفيف كذلك بمثابة عقوبة جماعية مسلطة على جميع سكان الأهوار لإيوائهم ودعمهم للمتمردين.

لقد تحولت بالفعل منطقة الأهوار لفترة من تاريخها إلى ملجأ لجماعات المنتفضين الشيعة وبعض العناصر الأخرى المطلوبة من طرف نظام صدام حسين، وبأوامر من صدام نفسه بدأ المهندسون حينها ببناء سدود كبيرة وحفر قنوات جديدة من أجل تحويل مجرى الأنهار والمياه بعيدا عن الأهوار، مما ألحق أضرار بليغة غير قابلة للإصلاح بهذه المناطق الرطبة الغنية والشاسعة.

وجاءت هذه الخطة الشيطانية من طرف نظام صدام حسين بهدف تحويل الأهوار والمناطق الرطبة إلى صحراء كبيرة، وهو الأمر الذي كانت ناجحة فيه إلى حد كبير، حيث أنه بحلول نهاية القرن العشرين اختفت نسبة 90٪ من منطقة الأهوار، وتقلصت أعداد عرب الأهوار إلى عشرون ألف نسمة بعدما كانت 500 ألف نسمة في خمسينات القرن الماضي.

بعد انهيار نظام صدام وزواله في سنة 2003، عاد بعض عرب الأهوار إلى موطنهم الأصلي وعمدوا إلى هدم السدود والحواجز المائية التي شيدها الديكتاتور بغية منع المياه من الوصول إلى الأهوار، كما بدأت الحكومة العراقية المؤقتة إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة بذل الجهود والمساعي لاستعادة الأهوار، وخلال أشهر معدودة بدأت المناطق الرطبة والمستنقعات بالنمو والاتساع مجددا، وبحلول سنة 2008 نمت مساحتها لتستعيد نسبة 75٪ من مساحتها الأصلية، غير أن سنوات الجفاف الأخيرة واستمرار بناء السدود في الشمال في كل من تركيا وسوريا وإيران خفضت من منسوب المياه التي تصل إلى العراق، وتقلصت مساحة الأهوار على إثر ذلك مجددا.

مستنقعات وقوارب في منطقة أهوار العراق
أهوار العراق في ستينات القرن الماضي. صورة: Tor Eigeland

تعيش أعداد كبيرة من عرب الأهوار الآن في مخيمات في إيران، حيث يمتلكون مستقبلا أكثر إشراقا من أولئك الذين مازالوا يعيشون في الأهوار والمستنقعات بدون رعاية صحية وشح إمدادات المياه والغذاء. لطالما كانت الحياة قاسية جدا في الأهوار، وهو الأمر الذي دفع بالكثير من قاطنيها، خاصة فئة اشباب منهم، إلى الرحيل عنها ومغادرتها متوجهين نحو المدن خلال سنوات الازدهار في ستينات وسبعينات القرن العشرين.

وفقا للدكتورة (إرنيستينا كوست)، فإن احتمال عودة عرب الأهوار إلى موطنهم الأصلي ضئيل جدا يكاد يكون معدوماً، فتقول: ”بمرور الوقت، ستولد أعداد متزايدة من نسل عرب الأهوار في مخيمات اللاجئين، التي سيقضون فيها على الأرجح قسماً كبيراً من حياتهم، وهو ما سيؤثر كثيرا على آمالهم المستقبلية فيما يتعلق بمكان العيش والإقامة“.

مستنقعات العراق في سنة 1967
مستنقعات العراق في سنة 1967 – صورة: عرب الأهوار في العراق. صورة: Tor Eigeland
قرية عائمة تخص عرب الأهوار تم تصويرها من خلال هيكل منزل "مضيف" تقليدي مازال قيد البناء في سنة 1967.
قرية عائمة تخص عرب الأهوار تم تصويرها من خلال هيكل منزل ”مضيف“ تقليدي مازال قيد البناء في سنة 1967. صورة: عرب الأهوار في العراق

مقالات إعلانية