سفيان عشي
في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وفي خضم ارتفاع نسبة الفقر في البلاد، ومع أربعة ملايين مواطن على شفير المجاعة في العراق، قرر الرئيس العراقي السابق صدام حسين أن ينفق ملايين الدولارات على ثلاثة مشاريع عملاقة في مراهنة لترسيخ إرثه الإستبدادي، وفي سبيل إشباع ميوله الدينية الإسلامية، والحفاظ على صورته كأسد السنة كما يشار إليه، هذه المشاريع التي تم إنجاز واحد منها فقط.
تم تصميم مسجد (أم المعارك) من أجل تخليد حرب الخليج الأولى من سنة 1991 إلى 1992، وفي نفس الوقت من أجل أن يساهم على شكل إنجاز شخصي وتخليدا للذكرى الشخصية للرئيس صدام حسين نفسه.
تم إنهاء بناء المسجد الضخم الأبيض والأزرق اللون في شهر أبريل من سنة 2001، تماما في الذكرى السنوية لحرب الخليج الأولى، حيث يعتبر مليئا بالعديد من المراجع التي تخلد كلا من تلك الحرب والرئيس صدام على حد سواء.
يقال بأن المآذن؛ التي هي بحجم الأبراج، المشيدة فوق هذا المسجد صممت بشكل تخلد فيه ماسورة الرشاش الروسي الشهير (الكلاشنيكوف)، بينما اتخذت المآذن الأربعة الداخلية شكل صواريخ سكود القابعة على منصات إطلاقها.
ترتفع مآذن شكل الكلاشنيكوف على ارتفاع ثلاثة وأربعين مترا، التي تشير كذلك إلى الثلاثة والأربعين يوما من الصراع الحربي مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال العملية العسكرية (عاصفة الصحراء)، أما المآذن الداخلية التي ترتفع على امتداد سبعة وثلاثين مترا، فهي بذلك الإرتفاع من أجل تخليد ذكرى مولد الرئيس آنذاك صدام حسين الذي ولد في سنة 1937.
تتموضع القبة المركزية للمسجد في وسط بركة مائية عاكسة لصورتها، التي اتخذت شكل خريطة العالم العربي، والتي كذلك تحتوي على فسيفساء بعرض سبعة أمتار تمثل بصمة السبابة التابعة لصدام حسين، مع نسخة داخلية منها ممغنطة تمثل الحروف الأولى من اسمه مصنوعة من الذهب الخالص.
باعتبار النوافير الثمانية والعشرين لهذا الحوض والمآذن الأربعة الداخلية وارتفاعها البالغ سبعة وثلاثين مترا كلها مع بعضها نتحصل على تاريخ ميلاد الزعيم الدكتاتور العراقي صدام حسين الذي ولد في 28 أبريل من سنة 1937.
ويعتبر أكبر ما يربط صدام حسين بهذا المسجد تطرفا وأكثرها إثارة للقشعريرة موجود داخل المسجد، حيث توجد في صناديق زجاجية 605 صفحات من القرآن التي كان صدام قد كتبها -وفقا للبروباغندا العراقية- بدمه الخاص.
يخبر الوصي على هذه الصفحات بأن صدام قد تبرع بأربعة وعشرين لترا من دمائه على فترة دامت ثلاثة سنوات، هذه الدماء التي تم مزجها بالحبر وبعض المواد الحافظة، وتم كتابة بها تلك الصفحات القرآنية من طرف خبير خط عراقي. لم تأخذ وسائل الإعلام الغربية هذه الإدعاءات على محمل الجد ولم تعرها انتباها كبيرا، مشيرة إلى أن الدماء قد تعود ببساطة لضحاياه.
وبعد سقوط صدام حسين ونظامه الحاكم، في المرحلة اللاحقة لغزو العراق الذي حصل في سنة 2003، تم الإستيلاء على المسجد من طرف المسلمين ”السنة“، وتم إطلاق عليه اسم مسجد (أم القرى).
لم يتمكن صدام من إكمال بناء مسجديه الآخرين في الوقت المحدد، واحد من هذين المسجدين وهو (مسجد صدام العظيم)، كان من المقرر منه أن يكون ثالث أكبر مسجد في العالم بعد مسجدي مكة والمدينة، وقد كان من المفترض له أن يكون نسخة ثانية لمسجد أم المعارك، إلا أنه كان ليكون أكبر منه حجما بخمسة أضعاف، كما كان مقررا لقبته أن تكون بارتفاع ستين مترا، وقطر ثلاثمائة متر، وقد كان ليحيط بهذا المسجد كذلك ثمانية أبراج، كل منها يبلغ ارتفاعه مائتي متر.
لم يحرز بناء هذا المسجد الكثير من التقدم عندما اندلعت حرب الخليج، ففي ذلك الوقت تم فقط إرساء بضع الدعامات التي لم ترتقي لتتعدى مستوى الأرض، أما الآن فسيتم إعادة تصميم البناء وهيكلته ليصبح مبنى البرلمان.
ثالث وآخر علامات جنون صدام كان مسجد الرحمن، لهذا المسجد الهائل الحجم قبة غير مكتملة مفتوحة على السماء، محاطة بثمانية قباء صغيرة الحجم، وكل واحدة منها تحيط بها كذلك ثمانية قباء أخرى أصغر حجما محتواة في جدرانها.
لا تزال إلى يومنا هذا رافعات عملاقة معلقة فوق هذا البناء نصف المنجز كما لو أنه مازال في طور الإنجاز.
يقبع هذا المسجد في هذه الحالة من الهجر منذ سنة 2003.
