in

دخلك بتعرف ”الباص السحري“ المهجور؟ أو كما يصفه البعض بـ”منارة الغباء“

اسمه ”الباص السحري“.. هكذا قام (كريستوفر) بتسميته في مذكراته.

لابد أن كل من قرأ كتاب Into the Wild من تأليف (جون كراكاور)، أو قام بمشاهدة الفيلم الصادر في عام 2007 بنفس العنوان والمقتبس عن هذا الكتاب الذي أخرجه (شان بين)، يتذكرون (كريستوفر مكاندليس)، الذي كان رحالة أمريكياً يبلغ من العمر 24 عاماً، قام بالتخلي عن حياته العادية في المدينة وقام بالتبرع بمبلغ 24000 دولار إلى الجمعيات الخيرية، ثم انطلق في مغامرة للعيش في براري ألاسكا جالباً معه القليل من المعدات والطعام، أملاً في العيش ببساطة من أجل قضاء بعض الوقت في عزلةٍ.

بعد ما يقارب أربعة أشهر؛ قامت مجموعة من صيادي الأيائل باكتشاف ما تبقى من جسد (كريستوفر) بعد أن فارقته الحياة بسبب الجوع داخل باصٍ مهجور، قام باستخدامه كملجأٍ في أيامه الأخيرة.

صورة حقيقية لـ(كريستوفر مكاندليس) أمام الباص السحري.
صورة حقيقية لـ(كريستوفر مكاندليس) أمام الباص السحري. صورة: Chris McCandless Memorial Foundation

تحول اليوم باص النقل العام لمدينة (فايربانكس) ذو الرقم 142، أو كما يطلق عليه ”الباص السحري“ Magic Bus إلى موقعٍ للحج، حيث يصل مئات السواح الذين يسيرون على خطى (كريستوفر) إلى الباص الواقع قريباً من الحدود الشمالية لمحمية (دينالي) الوطنية الأمريكية في ألاسكا.

لوح معدني تم وضعه على هيكل الباص تخليدا لذكرى (كريستوفر مكاندليس).
لوح معدني تم وضعه على هيكل الباص تخليدا لذكرى (كريستوفر مكاندليس). صورة: موقع Dan Grec

وُلد (كريستوفر) في كاليفورنيا ونشأ في إحدى ضواحي العاصمة واشنطن تدعى (فيرجينيا)، كان والده يعمل كخبير لدى (ناسا)، بينما كانت والدته تعمل كسكرتيرة في شركة (هيوز) لصناعة الطائرات، وقامت لاحقاً بمساعدة زوجها عندما قام بتأسيس شركة الاستشارات الخاصة به، التي أدارها من المنزل وحققت نجاحاً كبيراً.

بعد تخرجه بمدة قصيرة؛ قام (كريستوفر) بالتبرع بما تبقى من الأموال المخصصة لتعليمه إلى الجمعيات الخيرية، وقام بمغادرة منزله بصمت لبدء مغامرته. في شهر أبريل من عام 1992 مشى (كريستوفر) على مسافة 32 كلم على طريقٍ موحل يقع ضمن براري (دينالي) في ألاسكا يدعى Stampede Trail، وبعد أن قام بعبور نهرين وجد باصاً قديماً مهجوراً تركته هناك شركة إنشاء في ستينيات القرن الماضي.

بدأ (كريستوفر) باستخدام هذا الباص كملجأٍ يعود إليه بعد الصيد، وبدأ يقتات من الطبيعة المحيطة به، فما جلبه معه من المؤن كان قليلاً جداً: 4.5 كيلوغرام من الأرز، وبندقية (ريمنغتون) نصف آلية مع 400 قطعة ذخيرة، وبعض الكتب، وبعض معدات التخييم.

كان يقوم باصطياد وسلق حيوانات النيص، والسناجب، والطيور مثل طير ترمجان الصخر وطير الإوز الكندي، وبعد فترة حاول العودة لكنه وجد نفسه على الجانب الخاطىء من نهر (تيكلانيكا) الذي كان يفيض بالمياه بسبب ذوبان الثلوج في الصيف، مما جعل عبوره مستحيلاً.

نظرة جوية على موقع الباص في الغابة.
نظرة جوية على موقع الباص في الغابة. صورة: Travis S./Flickr
الباص السحري.
الباص السحري. صورة: RichardwagnerAU/Flickr

عاش (كريستوفر) في هذا الباص مدة 113 يوم، وعندما عثر عليه، كان قد وافته المنية بسبب الجوع حيث لم يكن يزن حينها سوى 30 كيلوغراماً فقط، وهو ما جعل الأغلبية تظن أنّ ما عجّل بنهايته هو المجاعة، بينما يصر آخرون على أنه تناول إحدى النباتات السامة بالخطأ، لكن ما يتفق عليه الجميع أنّ نهاية (كريستوفر) كان من الممكن تفاديها، فقد كان ينقصه الكثير من المعدات الضرورية، كما أنّه كان يفتقد للخبرة اللازمة لمواجهة التحديات الطبيعية التي ستواجهه، والكثيرون يعتقدون أنّ أفعاله كانت غبية وأنّ نهايته كانت مأساوية شبيهة بالانتحار.

أثارت قصة (كريستوفر) العديد من التساؤلات وسببت جدلا كبيراً حول الآمان في البرية وما يجب ألا يقوم به المرء هناك، وبعد عرض فيلم Into the Wild في صالات السينما عام 2007؛ تحول الباص السحري، كما قام (كريستوفر) بتسميته في مذكراته، إلى نقطةٍ جذابةٍ جداً سياحياً تقوم بجذب مئات السياح كل عام، فتحول هذا الانجذاب الغريب والافتتان بمغامرة (كريستوفر) إلى مصدر قلقٍ للسلطات السؤولة عن المحمية، حيث أنّ الطريق المؤدي إلى الباص محفوفٌ بالمخاطر.

نظرة داخل الباص السحري.
نظرة داخل الباص السحري. صورة: RichardwagnerAU/Flickr
نظرة داخل الباص السحري.
نظرة داخل الباص السحري. صورة: موقع Dan Grec
نظرة داخل الباص السحري.
نظرة داخل الباص السحري. صورة: موقع Dan Grec

قبل 5 سنوات، وجدت إحدى مجموعات الحجاج إلى هذا الباص نفسها في مأزق كبير مما استدعى تدخل السلطات لإنقاذها، وقبل عدة سنوات غرق سائح سويسري في النهر، وما هو أسوأ من ذلك أنّ البعض يحاولون المشي على خطى (كريستوفر) والتخييم بقرب الباص حارمين أنفسهم من الطعام، كما أصبح الكثير من المتحمسين يفكرون ببدء مغامرتهم الخاصة مثل (كريستوفر)، والعديد من المنتديات والمدونات على الإنترنت تقدم نصائح حول طرق عبور نهر (تكلانيكا)، والعديد من هذه النصائح خطيرة جداً.

يعتقد الكثير من الناس أنّه يجب إزالة الباص لأنه يمثل كما يصفونه ”منارةً للغباء“، هذا على الرغم من أنّه آيل للزوال حتى بدون تدخل السلطات، ذلك أن الكثير من السواح الذين ظلوا يحجون إليه خلال الـ20 عاماً الماضيين كانوا يأخذون أجزاء من هيكله المعدني كتذكارات. تم تمزيق الباص إلى هيكله المعدني ببطء فبدأت تظهر عليه علامات الزوال، وبدأ يختفي ويذهب طي النسيان.

يقول (كريس فيستر)، المتحدث باسم محمية (دينالي) الوطنية: ”لا أظن أنّ هذا الباص سيبقى إلى الأبد بسبب الوضع الحالي وعدد الأشخاص الذين يذهبون إلى هناك ويأخذون جزءاً منه“.

يبقى ما فعله (كريستوفر) ضرباً من الجنون منقاداً بأحلامٍ كبيرة أدت لنهايةٍ حزينة، لكن لا يستطيع الكثيرون منا أن ينكروا أنهم أيضاً فكروا يوماً وخططوا وحلموا بأن يقوموا بنفس ما قام به، لذا نأمل أن يبقى باص (كريستوفر) السحري منارةً تُحيي ذكرى شجاعته لا أكثر.

سائح يتموضع لالتقاط صورة أمام الباص السحري
أحد السواح وهو يلتقط صورة تقليدا لـ(كريستوفر مكاندليس). قبل أيام من التقاطه لهذه الصورة، جاءت إلى الموقع شقيقة (كريستوفر) بصحبة مؤلف كتاب Into The Wild لزيارة الموقع. صورة: Paxson Woelber/Flickr
مجموعة من السواح تخيّم بقرب الباص السحري في البرية.
مجموعة من السواح تخيّم بقرب الباص السحري في البرية. صورة: Erikhalfacre/Wikimedia Commons

مقالات إعلانية