in

دخلك بتعرف (كو-غو)، سلاح اليابان السري المستوحى من ”شعاع الموت“ الذي ابتكره (تيسلا)

رادار الحرب العالمية الثانية

أسفر السباق نحو التسلح الذي انطلق خلال الحرب العالمية الثانية عن نشأة مجموعات كبيرة وجديدة كليا من أنواع الأسلحة، فتح بعض هذه الأسلحة وجهات نظر جديدة كليا على الحروب كما نعرفها، بينما كان بعضها الآخر من بنات المخيلة البشرية الأكثر تطرفاً.

أُطلق على هذه الأسلحة اسم ”أسلحة العهد الجديد“، وهي أسلحة خارجة عن المألوف اعتُقد بأنها كانت قوية جدا لدرجة أنها كانت قادرة على إنهاء الحرب لمفردها، وعلى الرغم من أن قادة العالم آنذاك ركزوا آمالهم وقوتهم على الأسلحة المتعارف عليها والمألوفة، غير أن معظمهم أبقى على عين واحدة من عينيه صوب واحد من هذه الأسلحة ”المستقبلية“، وفي السنوات التي سبقت الحرب، وخلالها، بدأت هذه القوى بتطوير هذا النوع من الأسلحة الخارج عن المألوف.

صورة من سنة 1925 تظهر استعراض الأشعة في الليل.
صورة من سنة 1925 تظهر استعراض الأشعة في الليل.

أُخرج بعض هذه الأسلحة إلى النور، على شاكلة القنبلة الذرية التي قصفت اليابان، غير أن بعضها الآخر لم ير ضوء النهار قطّ، ومن بين الأسلحة التي تنطوي ضمن الفئة الأخيرة، كان سلاح (كو-غو) الياباني الذي استوحاه مصمموه من ”شعاع الموت“ الذي ابتكره (نيكولا تيسلا).

سلاح (تيليفورس) من إبداع (تيسلا):

بشكل مثير للاهتمام، كان لسلاح شعاع الموت الياباني الغريب أصول تتجذر في الولايات المتحدة الأمريكية. كان واحد من بين ألمع العقول العالمة على مر التاريخ وهو (نيكولا تيسلا) أول من قال ببناء سلاح عبارة عن ”شعاع موت“. أطلق (تيسلا) على سلاحه اسم (تيليفورس)، ولم يتم تصميمه لاستعمال أي نوع من الأشعة الضارة، بل فقط صمم ليقوم بتوجيه جزيئات ميكرويّة مشحونة بالتيار الكهربائي نحو أهدافه.

صورة لمحطة (واردنكليف) الخاصة بـ(تيسلا) في (شورهام) بنيويورك، سنة 1904.
صورة لمحطة (واردنكليف) الخاصة بـ(تيسلا) في (شورهام) بنيويورك، سنة 1904.

كان سلاح (تيسلا) معقداً، فقد تضمن عدة آليات متظافرة من أجل إنتاج تيار كهربائي ذا قوة هائلة تتراوح بحوالي 60 مليون فولط، وقد تطلبت قوة من هذا العيار منشآت إنتاج طاقة كبيرة وثابتة، والتي قدر ثمن الواحدة منها آنذاك 2 مليون دولار في سنة 1940.

ادعى (تيسلا) أن سلاحه هذا سيكون على درجة من القوة تمكنه من إسقاط آلاف الطائرات على بعد 322 كيلومتر، وعلى الرغم من أنها كانت لديها القدرة لتتحول إلى أكثر الأسلحة دماراً، فإن فكرة (تيسلا) خلف تصميم هذا السلاح كانت سلمية، وذلك لكونه ذا حجم كبير وثابت لا يمكن نقله وتحريكه، ومنه لن يكون بالإمكان استعمال (تيليفورس) إلا كسلاح دفاعي، ورأى (تيسلا) أن سلاحاً دفاعيا بهذه القوة سيجعل من الخوض في الحروب أمراً سخيفاً.

المخترع الأمريكي-الصربي (نيكولا تيسلا) في مختبره في (كولورادو) حوالي سنة 1899، هنا يظهر جالساً بصدد قراءة كتاب بجانب مولد التيار القوي وجهاز الإرسال الممغنط الضخم خاصته بينما تنتج هذه الآلة شرارات هائلة من التيار الكهربائي.
المخترع الأمريكي-الصربي (نيكولا تيسلا) في مختبره في (كولورادو) حوالي سنة 1899، هنا يظهر جالساً بصدد قراءة كتاب بجانب مولد التيار القوي وجهاز الإرسال الممغنط الضخم خاصته بينما تنتج هذه الآلة شرارات هائلة من التيار الكهربائي.

من أجل السبب الآنف ذكره، قام (تيسلا) بتقديم مخططات سلاحه أمام «رابطة الأمم» —هيئة الأمم المتحدة سابقاً— ثم قام بطرح فكرته أمام قادة الدول الغربية.

رفض مكتب المعايير في الولايات المتحدة فكرة (تيسلا) واعتبر تحقيقها مستحيلاً، لاعتقاد المسؤولين فيه بأنه من المستحيل إنتاج كل ذلك الكم الهائل من الطاقة.

حاول البرطانيون صناعة سلاح ”شعاع الموت“، وهو ما نتج عنه اختراع جهاز الرادار، أما الاتحاد السوفييتي، فقد قام ببعض المجهودات الجبارة من أجل الوصول إلى مخططات (تيسلا)، غير أن هذا السلاح لم يصنع أبدا هناك.

أول وحدة رادار قابلة للاشتغال من صنع (روبرت واتسون وات) وفريقه.
أول وحدة رادار قابلة للاشتغال من صنع (روبرت واتسون وات) وفريقه. صورة: Elektrik Fanne

سلاح الموجات الميكرويّة:

دون ذلك، ما بدا غير مهم بالنسبة لدول الحلفاء استقطب اهتمام بعض دول المحور، حيث تم نشر مقال صحفي في صحيفتي (نيويورك صن) و(نيويورك تايمز) في الحادي عشر من شهر يوليو 1934 حول سلاح ”شعاع السلام“ الخاص بـ(تيسلا) والذي حظي باهتمام كبير وسط المراسلين الصحفيين اليابانيين في الولايات المتحدة.

عندما تم نشر المقال في اليابان، لاقى ”شعاع الموت“ الخاص بـ(تيسلا) اهتماما واسعا بين العامة كذلك. في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، وبينما كان اليابان بتحضر للدخول في الحرب، كان الجنرال (ياماموتو) يبحث عن سلاح قد يمنحه الأفضلية على الولايات المتحدة الأمريكية، ولأجل هذا الغرض، اتجه إلى واحد من ألمع الفيزيائيين اليابانيين وهو (يوجي إيتو)، الذي كان في معهد أبحاث التكنولوجيا البحرية آنذاك.

صورة (يوجي إيتو)، مهندس وعالم كان له دور كبير في تطوير اليابان للصمام المغناطيسي الإلكتروني ومعيّن المدى الراديوي.
صورة (يوجي إيتو)، مهندس وعالم كان له دور كبير في تطوير اليابان للصمام المغناطيسي الإلكتروني ومعيّن المدى الراديوي.

قضى (إيتو) عدة سنوات في ألمانيا يدرس تطوير القنبلة الذرية والصمامات المغناطيسية الإلكترونية، مما منحه المعرفة المطلوبة لبناء مثل هذا النوع من الأسلحة. بعد دراسته لتصميم (تيسلا)، أدرك (إيتو) وبعض الفيزيائيين الآخرين وهم (ماسو كوتاني) و(سين إيتيرو توموناغا) أنه غير قابل للإنجاز، ومنه وصلوا لنفس الاستنتاج الذي وصل له نظراؤهم الأمريكيون، فقد كان ببساطة من المستحيل إنشاء محطة قادرة على إنتاج هذا القدر الرهيب من الطاقة.

لأجل هذا السبب، حول (إيتو) وفريقه أنظارهم لما كان مسبقا في متناول أيديهم: الموجات الميكروية.

مقطع عرضي داخل تجويف صمام مغناطيسي إلكتروني يُستعمل في فرن مايكرويف.
مقطع عرضي داخل تجويف صمام مغناطيسي إلكتروني يُستعمل في فرن مايكرويف. صورة: Pingu Is Sumerian

في سنة 1940، كان اليابانيون قد بدأوا مسبقاً العمل على الصمامات المغناطيسية الإلكترونية كجزء من أبحاثهم في مجال الرادارات، عندما قرر (إيتو) أنه يجب عليهم إعداد صمام مغناطيسي إلكتروني أكبر حجماً وأكثر قوة.

كان من المطلوب من هذا الصمام المغناطيسي الإلكتروني إصدار أشعة ذات طاقة عالية من موجات راديوية قصيرة بإمكانها التسبب في مشاكل نفسية أو جسدية لجنود العدو، أو حتى التسبب في موتهم. اعتقد (إيتو) كذلك أن نفس مبدأ العمل قد يتسبب في إحداث أعطال على مستوى محركات آليات العدو، أو توقفها تماما في أفضل الأحوال.

اعتقد المسؤولون اليابانيون أن لهذا المشروع مستقبلا واعداً، لذا استثمروا مبلغ 2 مليون ين ياباني — حوالي نصف مليون دولار آنذاك— في سبيل إنجازه.

وُضع المشروع برمّته تحت إشراف الجنرال (سويوشي كوسابا)، وتم وضع مختبر جديد كليا تحت تصرفه وفريق العلماء العاملين على المشروع في (شيمادا) بمقاطعة (شيوكا)، وأطلق على هذا السلاح الاسم الرمزي (كو-غو).

الجنرال (سيوشي كوسابا)
الجنرال (سيوشي كوسابا)

تجارب أداء سلاح (كو-غو):

لمدة خمسة سنوات ونصف، أجرى اليابانيون التجارب على الحيوانات وعلى محركات السيارات والطائرات. أظهرت التجارب التي أجريت على الفئران، والأرانب، وجرذان الأرض، والقردة في سنة 1943 أن الموجات التي كانت أطوالها تتراوح بين 60 سنتمترا إلى 2 متر تسببت في نزيف على مستوى الرئتين، بينما كانت الأمواج الأقل من مترين قادرة على تدمير الخلايا الدماغية للحيوانات، ومنه اعتقد العلماء اليابانيون أنه يمكن التأثير بهذا السلاح على البشر كذلك.

غير أن التجارب التي أجريت على المحركات لم تكن بنفس نجاح التجارب السابقة التي أجريت على الحيوانات، اعتقد (إيتو) أن الموجات الميكروية قد تجعل المحركات تتوقف عن الاشتغال، غير أن تجاربه لإثبات اعتقاده هذا مرت بالكثير من العقبات.

في سنة 1943، تمكن (إيتو) وفريقه من إيقاف تشغيل محرك سيارة مكشوف غير أنهم فشلوا في القيام بنفس الأمر مع نفس المحرك المزود بغطاء، كما أظهرت كذلك عدة تجارب على محركات الطائرات من سنة 1944 أن الموجات الميكرويّة كانت أضعف في مواجهة المحركات المحمية بشكل جيد.

صمام مغناطيسي إلكتروني أزيل منه أحد أجزائه لعرض تجويفاته.
صمام مغناطيسي إلكتروني أزيل منه أحد أجزائه لعرض تجويفاته. صورة: HCRS

أُجريت أكبر تجربة في سنة 1944 عندما تم بناء أول نموذج أولي عن سلاح (كو-غو) من طرف شركة راديو اليابان، ويتعلق الأمر هنا بصمام مغناطيسي إلكتروني ذو 80 سنتمتراً يشتغل بطاقة 30 كيلواط تغذي هوائياً ثنائي القطب متموضعاً في قاع عاكس بيضاوي الشكل ذو متر واحد.

في سنة 1944، كانت الصمامات المغناطيسية الإلكترونية ذات الـ80 سنتمتراً هي أكبر ما تمكن اليابانيون من إنتاجه في مجال إصدار أقصر موجات ميكروية.

في التجربة الأولى، وُضع سلاح (كو-غو) في مواجهة أرنب على بعد 30 متر، نفق الأرنب بعد أن تعرض للموجات الميكروية الصادرة عنه لمدة عشرة دقائق متواصلة، ونفق جرذ أرضي كذلك بعد تعرضه للموجات الميكروية لضِعف تلك المدة.

لم يكن متاحا إجراء تجارب تتضمن القردة ذلك أنه تعذر الحصول على واحد في تلك الأثناء.

انهيار المشروع:

وُضعت مخططات في سنة 1945 من أجل بناء سلاح جديد يتكون من أربعة صمامات مغناطيسية إلكترونية تشتغل بطاقة 300 كيلواط مع هوائي ثنائي القطب وعاكس بحجم 10 أمتار. قدّر الفيزيائيون اليابانيون أن سلاحا بهذا الحجم لن يستغرقه الأمر أكثر من مجرد دقائق لقتل أرنب يقف على مسافة 100 كيلومتر.

غير أن تدهور الأوضاع على جبهة المحيط الهادي وسقوط الإمبراطورية اليابانية على يد الولايات المتحدة في سنة 1945 أوقف الاستمرار في هذه الأبحاث.

لربما أظهر هذا المشروع بوادر احتمال بناء سلاح ”شعاع الموت“، غير أنه كان بعيدا كل البعد عن كونه اكتمل في سنة 1945.

خريطة تبيّن طرق هجمات الحلفاء على الإمبراطورية اليابانية.
خريطة تبيّن طرق هجمات الحلفاء على الإمبراطورية اليابانية.

مقالات إعلانية