رامز جابر
نعلم جميعاً كيف تبدو هذه المعالم الشهيرة في يومنا هذا، لكن بالعودة للماضي، كان تمثال الحرية أو دار سيدني للأوبرا يبدوان مختلفين بشكل ملحوظ أثناء عملية تجميعهما وبنائهما حتى أخذا هذه الشهرة الواسعة وأصبحا على الشكل الذي نعرفه الآن.
على سبيل المثال استغرق بناء (الأوبليسكو) الذي يبلغ طوله 67 مترا في (بوينس أيرس) بالأرجنتين بضع أشهرٍ فقط، بينما استغرقت بعض المعالم الأخرى وقت أطول بعض الشيئ.
بالحديث عن دار سيدني للأوبرا، هذا الصرح العظيم المبني على شكل أصداف مكسية بأكثر من مليون قطعة قرميد التي وضعت في مواقعها باستخدام رافعات مصممة لهذا الغرض فقط، إذ استغرق بناؤها 14 سنة وتم الانتهاء منه عند زيارة الملكة (إليزابيث الثانية) لأستراليا في عام 1973.
أما كنسية (ساغرادا فاميليا) أو كنيسة ”العائلة المقدسة“ من تصميم (أنتوني غودي) الموجودة في برشلونة بإسبانيا التي تضم 18 برجاً مزخرفاً ونوافذ مصنوعة من زجاجٍ ملون بالإضافة إلى الكثير من الأسطح المزخرفة والمنقشة، فمازالت قيد البناء منذ سنة 1882.
إليك عزيزي القارئ 9 مبانٍ مشهورة من أماكن متفرقة حول العالم توضح لك مراحل إنشائها والشكل الذي تبدو عليه في الوقت الحالي:
أولا: برج إيفل
صنف برج إيفل عندما تم الانتهاء من بنائه كأطول مبنى في العالم بطول يبلغ 324 مترا.
بدأت عملية بناء برج إيفل الموجود في مدينة باريس منذ عام 1887 تمهيداً لانعقاد المعرض الدولي سنة 1889. سمي برج إيفل نسبةً لـ(غوستاف إيفل) الذي قام ببنائه مستعيناً بتصميم كبار مهندسيه (موريس كيشلان) و(إميل نوغيي) واستخدم في ذلك 18000 قطعة من الحديد المطاوع بتكلفة إجمالية بلغت 1.5 مليون دولار أمريكي.
بُني برج إيفل بشكل مؤقت وكان من المفترض هدمه في عام 1909، إلا أن عمداء المدينة اكشتفوا إمكانية تحويله لمحطة راديو لاسلكية، وهو الآن أحد اكثر المعالم المعمارية شهرة على مستوى العالم.
ثانيا: برج خليفة في دبي
أطول بناء في العالم في يومنا هذا هو برج خليفة القائم في مدينة دبي.
يبلغ طول برج خليفة الذي انتهى بناؤه عام 2009م 828 مترا، أي ما يساوي 3 أضعاف طول برج إيفل، ويعد برج خليفة الأطول ”نظريا“ بين جميع المباني الموجودة من أي نوع في العالم.
- اقرأ أيضا مقال: ”أكذوبة ناطحات السحب الأطول في العالم؛ ربع ارتفاع برج خليفة (244 متر) ما هو إلّا ارتفاع زائف.“
بالإضافة إلى كونه أطول بناء في العالم، حطم برج خليفة أرقام قياسية معمارية أخرى، إذ يعد أطول بناء طابقي وأطول هيكل قائم في العالم، سارقاً اللقب من سارية الإرسال التلفزيوني (KVLTY_TV) التي تقع في (بلانشارد) بشمال (داكوتا) وبرج الـ(CN) الموجود في (تورنتو) بكندا.
وفقاً لموسوعة (غينيس) للأرقام القياسية، يحتل برج خليفة مرتبة أطول مصعد في العالم، وأكثر عدد طوابق لبناء في العالم، بالإضافة لاحتوائه على أعلى مطعم مرتفع عن سطح الأرض.
ثالثا: تمثال الحرية
بطول يبلغ 93 متر، كان تمثال الحرية حينها أطول هيكل معدني مبني في العالم.
أهدت فرنسا تمثال الحرية الذي شيد عام 1886 للولايات المتحدة الأمريكية.
كان المفكر السياسي الفرنسي والمؤيد لمبدأ إلغاء العبودية (إدوارد دي لابولاي) وراء إنشاء تمثال الحرية، والذي اقترح بناء تمثال يجسد التزام الولايات المتحدة الأمريكية بقضايا الحرية والديمقراطية.
قام (فريدريك أوغست بارتولدي) بنحت ”سيدة الحرية“ واتخذ من وجه أمه حجر الأساس في بناء وجهها، بينما صمم (غوستاف إيفل) الهيكل العام للتمثال.
في الذكرى المئوية لإنشاء التمثال عام 1986، استبدلت الشعلة التي تحملها سيدة الحرية بشعلة أخرى مطلية بذهب من عيار 24 قيراط.
رابعا: دار سيدني للأوبرا
استغرق بناء دار سيدني للأوبرا 14 عاما بمشاركة 10000 عامل، وتم الانتهاء منها سنة 1973.
استند التصميم العصري لدار سيدني للأوبرا على شكل مجموعة من الأصداف المغطاة بألواح من البلاط بلغ عددها حوالي المليون قطعة، وبنيت هذه الأصداف باستخدام رافعات مصممة خصيصاً لهذه المهمة، وانتهى بناء هذه الدار بتكلفة إجمالية بلغت ما يقدر بـ78 مليون دولار أمريكي، مع العلم أن التصميم كان نتاجاً لمسابقة دولية شارك فيها 233 متسابق، فاز بها المهندس المعماري الدانماركي (يورن أوتزورن).
كان مغني الأوبرا الأمريكي من أصول إفريقية (بول روبينسون) أول من غنى في دار سيدني للأوبرا، وقام بعرضه الغنائي هذا أثناء عملية البناء متسلقاً إحدى السقالات أمام جمهرة من العمال في عام 1960، بينما كانت الملكة (إليزابيث الثانية) هي من افتتحتها رسميا سنة 1973.
تم إدراج دار الأوبرا في لائحة مواقع التراث العالمي لليونيسكو في عام 2007.
يزور 8.2 مليون شخص سنوياً دار العرض متعددة القاعات هذه التي تحتوي على 6 مسارح عرض منفصلة.
خامسا: جسر الـ(غولدن غايت) أو ”البوابة الذهبية“ في (سان فرانسيسكو)
انتهى بناء جسر (البوابة الذهبية) في عام 1937 وكان الغرض منه هو وصل شمال ولاية (كاليفورنيا) بشبه جزيرة (سان فرانسيسكو).
مع أن فكرة إنشاء جسر يربط بين (كاليفورنيا) وشبه جزيرة (سان فرانسيسكو) قد طرحت من قبل مسؤول في السكك الحديدية عام 1872، إلا أنها لم تؤخذ بعين الإعتبار حتى عام 1916 عندما أقنع المهندس والمحرر الصحفي (جيمس ويلكنز) زميله المهندس (مايكل أوشوغانسي) أن فكرة إنشاء الجسر يمكن أن تتجسد إلى واقع وتصبح حقيقة.
حالما أعطت ”إدارة الحرب الأمريكية“ الموافقة للمباشرة بالبناء -وهي المنظمة الحكومية التي أشرفت على إنشاء جسر البوابة الذهبية-، بدأت أعمال الإنشاء في عام 1933 واستغرقت 4 سنوات حتى تمام البناء، امتد وقتها الجسر على مسافة 2.7 كم وبلغ وزنه 887 ألف طن، لكنه لم يُفتح لمرور للسيارات قبل مضي عام على إنهائه.
حتى عام 1964، كان جسر البوابة الذهبية أطول جسر معلق في العالم، حتى تفوق عليه جسر (فيرازانو – ناروز) المعلق في نيويورك.
تم طلاء الجسر بلون مصنوع خصيصاً له يدعى ”البرتقالي الدولي“.
لارتفاع هذا الجسر الشاهق، يمكنك رؤية ناصيته حتى عندما يكتسيه ضباب (سان فرانسيسكو) المعروف بكثافته، وفي يومنا هذا يتم طلاء الجسر باللون البرتقالي الدولي الفريد بعد تمهيده بتبطبيق قاعدة لونية من اللون الأحمر، أما الدعامات الفولاذية فهي تطلى ضمن معامل متواجدة في الساحل الشرقي، وبذلك حافظ جسر البوابة الذهبية على هويته إلى هذه اللحظة، وبين كل فينة وأخرى يعاد طلاؤه بنفس اللون الفريد المعمول خصيصاً له.
إن كنت تتساءل كم علبة طلاء يلزم لتلوين هذا الهيكل الضخم، لن ندعك في حيرة من أمرك عزيزي القارئ، إذ يحتاج الجسر بين 190 ألفا إلى 400 ألف ليتر من الطلاء لتنميق ودهن هذا الجسر المكون من 10 مليون متر مكعب من الفولاذ.
سادسا: جسر البرج في لندن
توجب على سكان مدينة لندن عبور نهر التايمز عبر الأنفاق قبل تشييد جسر البرج عام 1894.
عمل 432 عامل بجد لبناء جسر البرج Tower Bridge، واستغرق الأمر منهم 8 سنوات لإنهاء هذه التحفة المؤلفة من 31 مليون طوبة. افتتح الأمير (تشارلز فيليب آرثر جورج) -وهو أمير (ويلز) وولي عهد المملكة المتحدة- برفقة زوجته هذا الصرح العظيم بتاريخ يونيو عام 1894.
قبل هذا التاريخ، اعتمد أكثر من مليون شخص سنوياً بشكل رئيسي على شبكة مترو الأنفاق التي تمتد مسافة 410 متر تحت نهر التايمز بغية التنقل من ضفة إلى أخرى.
أغلقت الحكومة ممشى الجسر المفتوح على الهواء الطلق بين عام 1910 و1982 لأنه كان مرتعاً للنشالين والمومسات اللواتي كنّ يعرضن أجسادهن فيه للبيع مقابل المال.
أعادت السلطات فتح ممرات الجسر في عام 1982 بمناسبة المعرض الذي تم افتتاحه في البرجين التوأمين الموجودين عليه، واستمر هذا المعرض المختص بعرض مراحل تكوين الجسر إلى يومنا هذا.
يعبر اليوم أكثر من 40 ألف شخص الجسر بشكل يومي ومستمر.
سابعا: كنيسة (ساغرادا فاميليا) أو كنيسة ”العائلة المقدسة“ في برشلونة
بدأت عملية بناء كنيسة العائلة المقدسة في برشلونة منذ عام 1882 ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا، وهي من تصميم المهندس الكاتالوني المشهور (أنتوني غودي).
عمل المهندس الكتلوني المشهور (أنتوني غودي) على إنشاء هذا الكنيسة الفريدة، واستمد شكلها من ثقافة البناء القوطية والبيزنطية من عام 1883 حتى وفاته سنة 1926، ولكنه طوال هذه المدة لم يتمكن سوى من إنهاء إنجاز ربع المشروع. من المتوقع إنهاء عملية البناء بشكل تام عام 2026، في الذكرى المئوية لوفاة (غودي).
على الرغم من تعدد المهندسين الذين أشرفوا على بناء هذا الصرح العظيم، إلا أن عملية البناء مازالت مستمرة إلى يومنا هذا، وسبب هذا التأخير هو التصميم المعقد للكنيسة بالإضافة إلى اندلاع الحرب الأهلية في إسبانيا.
وفقاً للمهندس الحالي المسؤول عن عملية الإنشاء (جوردي فاولي)، بلغت عملية الإنشاء مراحلها الأخيرة سنة 2015، ومن المتوقع الانتهاء منها بشكل كامل عام 2026 في الذكرى المئوية لوفاة (غودي)، فإضافة اللمسات الأخيرة والزخارف هي عملية تحتاج لبعض الوقت.
ثامنا: بوابة الهند
تم بناء بوابة الهند الموجودة في (مومباي) بمناسبة زيارة الملك (جورج الخامس) وزوجته (ماري)، واكتمل بناؤها عام 1924.
في الحقيقة لم يكن هذا الصرح قد اكتمل بعد عند وصول العائلة الملكية البريطانية لـ(بومباي) للإعلان عن تعيين إمبراطور وإمبراطورة الهند، بل تمت الاستعاضة عنه بنموذج كرتوني مماثل لبوابة الهند.
تعد بوابة الهند في وقتنا الحالي من المعالم السياحية الرئيسية التي تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
إن كنت ترغب بزيارة مدينة (مومباي) وأتيت عن طريق البحر فإن أول ما ستقع عليه عيناك وأنت في طريقك هو هذا الصرح الضخم، ولهذا السبب يطلق عليه إسم ”تاج محل مدينة مومباي“ (علماً أن تاج محل الحقيقي يقع شمال الهند في مدينة أغرا).
تاسعا: الـ(أوبيليسكو دي بوينس آيريس) أو ”مسلة (بوينس آيريس)“ بالأرجنتين
كان السبب الرئيسي في إنشاء (أوبيليسكو دي بوينس آيريس) في عام 1936 هو الاحتفال بمرور 400 سنة على تأسيس مدينة (بوينس آيرس).
مع أن تاريخ تأسيس مدينة (بوينس آيرس) الفعلي هو سنة 1580، إلا أن الذكرى الـ400 لإكتشاف هذه المدينة التي بنيت المسلة بمناسبتها تعود إلى قبل هذا التاريخ، إذ أن أول إكتشاف (غير ناجح) كان على يد المستكشف الإسباني (بيدرو دي ميندوزا).
على الرغم من جميع الانتقادات والخلافات التي قامت بسبب تأسيس المسلة -والتي كانت السبب في تدمير كنيسة تاريخية كانت موجودة مكانها- إلا أن الأرجنتين وشعبها نسوا خلافاتهم في نهاية المطاف وقبلوا ببناء هذه المسلة التي يصل إرتفاعها إلى 67.5 متر وأطلقوا عليها إسم ”السيف الفضي“.
متربعاً على تقاطع طريقين رئيسين في المدينة، وفي المنطقة التي يتواجد فيها المتحف الوطني لـ(بوينس آيريس)، حاز هذا المعلم على شهرة شعبية كبيرة وأصبح مكاناً تُقام به مختلف الاحتفالات الوطنية.
منذ تاريخ تأسيسها، أصبحت المسلة مكاناً رئيسياً لإقامة الإحتفالات والمهرجانات في المدينة، وشهدت جميع أحداثها المختلفة، من تجمعات مشجعي الفريق الوطني إلى الأعياد والمهرجانات التي تركز على فنون التانغو، والأعمال اليدوية كإحتفال صناعة المثلجات وغيرها.
