in

نظريات مؤامرة مجنونة ظهرت حتى قبل اختراع الإنترنت

لربما يعتقد أغلبنا أن نظريات المؤامرة هي ظاهرة جديدة، خاصة مع انتشار القنوات والمواقع التي تروّج لتلك أفكار. لكن في الواقع، تلك القصص الجنونية المتعلقة بما يجري في عالمنا ليست جديدة على الإطلاق، بل حتى أنها سبقت اختراع الإنترنت، الوسيلة التي وصلت بها تلك الأخبار والقصص إلينا.

جمعنا لكم في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف» مجموعة من نظريات المؤامرة القديمة، منها ما هو غبي حقاً، ومنها ما هو جنوني. تابعوا معنا:

1. جمعية (فريل): مجتمع سري داعم لـ(أدولف هتلر) والعرق الآري

أدولف هتلر
أدولف هتلر. صورة: aeon

في سبعينيات القرن التاسع عشر، بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخوض فترة إعادة إعمار عقب الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها، حاول الألمان توحيد ولاياتهم المتفرقة وبناء دولة قومية واحدة.

خلال تلك الفترة أيضاً، كتب شاب مجهول (كُشفت هويته لاحقاً، وتبين أن اسمه إدوارد بولفير–ليتون) مؤلفاً بعنوان «العرق القادم». طُبع الكتاب الذي ألفه (إدوارد) لاحقاً تحت عنوان «فريل: قوة العرق القادم: اليوتوبيا الجديدة»، مما لا شك فيه أن هذا العنوان سيجلب الكثير من الانتباه.

الكتاب من نوع الخيال العلمي، وهو أمر شاع في تلك الفترة، ويروي قصة عالم سفلي يستغل فيه العرق المتقدم طاقة (فريل) للحصول على حياة طويلة. لم يصب الكاتب الكثير من الاهتمام والجهد في وضع الحبكة، لكن الكتاب لاقى شهرة وشعبية في العالم الغربي، تحديداً في ألمانيا المتوحدة حديثاً. لكن علينا أن نوضح أمراً ما، كان الكتاب مجرد رواية خيال علمي لا أكثر، ولم يحمل أفكاراً قومية أو وطنية.

لو كنا نعيش في عالم طبيعي، لن يجذب هكذا كتاب خيال علمي ضجة كبيرة، وسينسى بسهولة أغلب الظن. لكننا لا نعيش في هكذا عالم، وهذا ما دفع الكاتبين الفرنسيين (لويس باويل) و(جاك بيرغير) في ستينيات القرن الماضي إلى تأليف نظرية مؤامرة تحت عنوان «صباح المشعوذين» The Morning of the Magicians.

ادعى المؤلفان أن «العرق القادم» أشعل مؤامرة حقيقية، وأن جمعية (فريل) هي جمعية حقيقية ومسؤولة بشكل مباشر عن تقلّد (أدولف هتلر) مناصب السلطة في ألمانيا. توصل الكاتبان أيضاً إلى اعتقاد مفاده أن جمعية (فريل) كانت وراء جمعية (ثول)، وهي جمعية وُجدت حقاً، لكنها كانت أشبه بمجموعة من العنصريين الغريبين المهتمين بدراسة أمور أكثر غرابة، ولم يكن هدفهم السيطرة على العالم وتحويله إلى خراب. حيث تأسست الجمعية في ميونخ عقب الحرب العالمية الأولى، وهي مجموعة من الأشخاص المهتمين بدراسة العصور الجرمانية القديمة. لكن للأسف، لم يحو الكتاب أي معلومة دقيقة سوى ذكر المنظمة السياسية.

المصيبة هي الاعتقاد بأن الأشخاص الموجودين في جمعية فريل هم أشخاص حقيقيون (مع العلم أنه لا وجود للجمعية ولا الأعضاء فيها)، وأن أعضاءها أصدقاء (أدولف هتلر). حتى وصل الأمر بالادعاء أن (أدولف هيتلر) أراد خلق عرق خارق أو فضائي، ما دفع النازيين إلى صنع سفن فضائية والهبوط على القمر في عام 1942. وكأن آلة البروباغندا النازية ستفوت هكذا خبر، ما يدل أيضاً على أن تلك الادعاءات مجرد هراء.

وإن كنتم تتساءلون ماذا حلّ بآلات النازيين الخارقة التي كانت تستغل طاقة فريل بعد الحرب العالمية الثانية، فلهذا الأمر تفسيرٌ أيضاً عند أتباع نظريات المؤامرة، حيث يُقال (وتلك أيضاً مجرد إشاعة غبية) أن النازيين اختفوا واختبأوا في أماكن سرية مثل القارة القطبية أو القمر (باعتبار أنهم وصلوا إلى القمر عام 1942…)

لماذا لم يستغل النازيون تقنية فريل المتفوقة تلك في الحرب؟ يبدو أن أصحاب هذه النظرية لا يعرفون السبب.

2. صامويل مورس: مخترع التلغراف وكاره الكاثوليك

صامويل مورس
صامويل مورس. صورة: newprovidencehistorical

لربما تعلمون أن (صامويل مورس) هو مخترع التلغراف وشيفرة مورس، كلاهما اختراعان غيرا تقنية الاتصالات لدى البشر ومهدا الطريق لاختراع الإنترنت. لكن ما لا تعرفه عن هذا الشخص أنه امتلك مهارات عالية في صياغة نظريات المؤامرة، وهو شيء ربما ورثه عن والده ونظرياته الخاصة عن المتنورين.

بعدما اخترع (مورس) التلغراف، استطاع تحقيق ثروة كافية لافتتاح مكتب في مدينة نيويورك الأمريكية. فشل (مورس) في هذا المجال، والسبب على الأغلب أن نيويورك عام 1830 لم تكن بيئة مناسبة للأشخاص المعادين والكارهين للكاثوليك، وتلك إحدى صفات (مورس) التي عُرف بها.

لم يحاول (مورس) بناء شعبية له في المدينة، بل لجأ إلى طريقة أسهل وأكثر ربحاً، وهي طباعة كل فكرة مجنونة تدور في ذهنه، وبدأ يكتب الكثير والكثير من الأفكار، لدرجة أنه ألف كتاباً بعنوان «المؤامرة الأجنبية ضد حريات الولايات المتحدة: أرقام بروتوس».

يتمحور الكتاب حول الممارسات الشريرة للمؤسسة شديدة السرية المعروفة باسم «مؤسسة القديس ليوبولد»، وهي، حسبما وصفها (مورس)، نسخة شبابية مصغرة عن جماعة المتنورين. تحدث (مورس) أيضاً عن ممارسات سرية تتمثل بإرسال اليسوعيين لإجبار الأمة البروتستانتية بأكملها على التحول إلى الكاثوليكية، ذاك المذهب الذي وصفه (مورس) بالشرير والقذر.

ووفقاً لـ(مورس) أيضاً، كان المتآمرون من الأشخاص ذوي المناصب العالية، من بينهم دبلوماسيون نمساويون وإمبراطور النمسا والمجر، وبلا شك، بابا الكنيسة الكاثوليكية.

حقق الكتاب شهرة هائلة، وأصبح القوة المنظمة لحزب «نو نوثنغ» Know-Nothing، وهو حزب تأصلي ازدهر قبل فترة الحرب الأهلية الأمريكية. بالطبع، موّل (مورس) هذا الحزب عن طريق اختراعه ومؤلفاته، فأحكم الحزب قبضته عام 1856 لدرجة أن انتخب مرشحاً رئاسياً هو (ميلارد فيلمور)، وكان ربع الأصوات التي حصل عليها (فيلمور) من طرف أعضاء وناخبي الحزب السابق. لكن في المقابل، لم يتمكن الحزب من الانتصار إلا في ولاية واحدة، فلم يكن له ممثلون في الكونغرس. لكن إذا نظرنا للموضوع من ناحية محايدة، سنجد أن حزب «نو نوثنغ» تغلب على جميع أحزاب الطرف الثالث على مر التاريخ.

المثير للسخرية أن (مورس) الذي بدأ ينشر أفكار «الهيمنة الكاثوليكية» هو الشخص ذاته الذي بعث أول رسالة عبر التلغراف وقال فيها «ما فعل الله؟» What hath God wrought?. غيّر اختراع التلغراف عالمنا بشكل كبير، لكن الاعتقاد بأن جماعة من المسيحيين تخطط للاستيلاء على الولايات المتحدة بأكملها أمرٌ آخر تماماً.

3. اللورد (كتشنر): عشرات النظريات حول موت أشهر جنرال عسكري في بريطانيا

اللورد (كتشنر)
اللورد (كتشنر). صورة: britannica

كان اللورد (كتشنر) أشهر جنرال بريطاني خلال الحرب العالمية الأولى. في الحقيقة، دُعي الجنود البريطانيون الذين ذهبوا إلى فرنسا أولاً بـ«جيش كتشنر». كان (كتشنر) أسطورة حية وخاض حروباً في جميع أراضي الإمبراطورية البريطانية.

لذا عندما توفي اللورد (كتشنر) على متن الطراد المدرع HMS Hampshire في حادثة انفجار لغم خلفته غواصة ألمانية، برزت على الفور نظريات المؤامرة غير المنطقية التي غذاها الجهل والجنون والافتراء.

ادعى اللورد (ألفريد دوغلاس) أن (وينستون تشرشل) تآمر مع مجموعة من اليهود لاغتيال (كتشنر). بالطبع، لم يحدث ذلك أبداً، بل رفع (تشرشل) دعوى على (دوغلاس) بتهمة التشهير، فحُكم على الأخير بالسجن. ظهرت أيضاً فكرة أقل جنوناً مفادها أن الوطنيين والقوميين الآيرلنديين هم المسؤولون عن الاغتيال، وتلك فكرة مقبولة نوعاً ما نظراً لتعرض الآيرلنديين إلى قرونٍ من الاضطهاد والظلم.

حتى الصحفيون انخرطوا في نظريات المؤامرة تلك، فقال (فرانك باور) أن الحكومة البريطانية أرادت التخلص من (كتشنر)، وقال أن الجنرال نجا من انفجار اللغم وغرق الطراد، لكنه قُتل برصاصة عميل بريطاني عندما كان يحاول الوصول إلى الشاطئ.

وفوق ذلك، وبعد فترة قصيرة، عثر صيادون نرويجيون على جثته ونقلوا تابوته إلى إنجلترا. لكن بعد التحري، وجد البريطانيون أن التابوت مليء بالقار (قطران)، ولا وجود لجثة بداخله.

هناك أيضاً عميل الاستخبارات الألمانية (أبفير) Abwehr، المدعو (فريدريك فريتز دوكين)، والذي ادعى أنه قتل (كتشنر) خلال عملية تخريبية. كان ادعاء (دوكين) هو الحقيقة لفترة من الزمن –حتى أن الرجل نفسه لُقب بـ «قاتل كتشنر»، وكتُب عنه كتاب سيرة ذاتية في عام 1932 بعنوان «الرجل الذي قتل كتشنر»، مع أن لا أحد يعلم حقاً ما إذا كان (دوكين) قد قتل (كتشنر) أم لا.

لاحقاً، حاول (دوكين) إنشاء حلقة جواسيس في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي ألقى القبض عليه في عام 1942.

هناك نظرية أحدث مما سبق، مفادها أن (كتشنر) أنهى حياته بيديه قبل أيام من غرق السفينة، والسبب ربما هو فشل المساعي الحربية للإمبراطورية البريطانية في تلك الفترة. تدعي النظرية أيضاً أن الجيش البريطاني أخفى قصة انتحار (كتشنر) كي يجعله بطلاً حربياً. لكن من غير المرجح أن تكون هذه النظرية صحيحة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار سمعة وشهرة (كتشنر)، لكننا لا نستطيع تأكيد أو نفي ذلك أساساً. أما ما نعرفه حقاً، فهو أن الجميع يموتون في شتى السبل والطرق، فما الغريب إذا توفي هذا البطل الحربي في انفجار لغم؟

4. (تيتوس أوتس): المخادع كاره الكاثوليك الذي أودى بحياة الكثيرين

(تيتوس أوتس) على عمود التشهير.
(تيتوس أوتس) على عمود التشهير. صورة: wikipedia

لو أن (تيتوس) لا يتمتع بمهارات الكذب والافتراء، لكان مجرد قس أنجيليكاني يعيش حياة هادئة وبسيطة. لكنه كان مخادعاً جداً، لدرجة أنه كان مسؤولاً عن إحدى أشهر نظريات المؤامرة في تاريخ إنجلترا.

في القرن السابع عشر، تعرض الكاثوليك في إنجلترا لعقود من الظلم والاضطهاد، حيث كانت إنجلترا بروتستانتية بينما عاش فيها عدد كبير من الكاثوليك. وبالطبع، كان (تيتوس) إلى جانب البروتستانتيين.

اخترع (تيتوس)، إلى جانب زميله (إسرائيل تانغ)، ما عُرف بـ«المؤامرة البابوية» من العدم حرفياً، والتي انتشرت كالنار في الهشيم في إنجلترا وإسكتلندا. ادعى (تيتوس) أن اليسوعيين ينوون اغتيال الملك (تشارلز الثاني) –الذي كان بروتستانتياً، وملك إسكتلندا وإنجلترا– واستعادة الملكية الكاثوليكية لإنجلترا، وجعل كل البلاد تحت تصرف الفرنسيين (الكاثوليك أيضاً).

وصل الأمر بـ(تيتوس) إلى تسمية 100 كاثوليكي منخرط في هذه المؤامرة، من بينهم شقيق الملك (تشارلز) دوق يورك. وبالمناسبة، أصبحت هذه المؤامرة حديث الجميع في إنجلترا، تحديداً الصحافة التي كانت في بداياتها.

بالطبع، أدت تلك الكذبة إلى قتل اليسوعيين بأعداد كبيرة، وتوفي الكثير منهم في السجون، وهاجر أغلبهم لتجنب هستيريا القتل تلك. أصبحت تلك المؤامرة جزءاً لا يتجزأ من هستيريا عداء الكاثوليك التي انتشرت في إنجلترا في تلك الفترة.

في نهاية المطاف، حوكم (تيتوس) بتهمة شهادة الزور، ووضع على عمود التشهير –إطار خشبي يُثبت المتهم عليه أمام عامة الناس– وجلد وسحب في شوارع لندن. حتى أن أحد أفراد القضاء شتمه قائلاً «عارٌ على الإنسانية».

بالمناسبة، كانت آخر أعماله السيئة هي ضرب امرأة بعكاز، ما يدل حقاً على أن هذا الرجل كان شراً مطلقاً، حتى بمعايير القرن السادس عشر.

5. الحزب المعادي للماسونية: حزب سياسي معادٍ للماسونية يُتهم لاحقاً بالترويج لها

الماسونية
صورة: pinterest

كان البناؤون الأحرار، أو الماسونيون، عرضة للكثير من نظريات المؤامرة، ربما بسبب لقاءاتهم السرية وشعاراتهم الغريبة. في الولايات المتحدة الأمريكية، انتقلت نظريات المؤامرة الخاصة بالماسونيين إلى مستوى آخر تماماً.

سنتكلم عن رجل يُدعى (ويليام مورغان)، وكان منخرطاً مع جماعة الماسونيين الأحرار في (باتافيا) ضمن ولاية نيويورك الأمريكية. لكن من غير الواضح إن كان (مورغان) ماسونياً أم لا، لكن ما هو واضح تمام الوضوح أن الرجل ألف كتاباً عن الطقوس السرية والشعائر الخاصة بالماسونيين.

وفقاً لنظرية المؤامرة تلك، فالماسونيون لم يرغبوا أبداً بأن ينشر (مورغان) أسرارهم، لذا هددوا الناشر واعتقلوا (مورغان) بتهم زائفة، ثم قادوه بعيداً عن السجن بينما كان يصرخ، واختفى في نهاية المطاف في ظروف غامضة.

وفقاً لتلك النظرية، فالماسونيون هم من قتل (مورغان) وألقوا بجثته في بحيرة أونتاريو. ما يعني أن لا أحد يستطيع تأكيد جريمة قتل (مورغان)، ولا يستطيع أحدٌ تأكيد أقوال (مورغان) ومعرفة ما إذا كانت حقيقية أم لا.

على أي حال، تهافتت وسائل الإعلام لنقل قصة (مورغان) تلك بشكل جنوني، ما أدى إلى إنشاء حزب سياسي في عام 1828 عُرف باسم «الحزب المعادي للماسونية». بعد أربع سنوات، أي في انتخابات عام 1832، دعم الحزب المعادي للماسونية المرشح (ويليام ويرت) للرئاسة ضد المرشحين الديمقراطي (أندرو جاكسون) والجمهوري (هنري كلاي). لكن أعضاء الحزب المعادي للماسونية غيروا آراءهم –في حركة مفاجئة وغريبة ومثيرة للشبهات– وتحالفوا مع الجمهوريين في نيويورك، على الرغم من امتلاكهم مرشحهم الرئاسي الخاص بهم!

بالتالي، أصبح الحزب المعادي للماسونية هدفاً لنظريات المؤامرة نفسها، فاتهمه الديمقراطيون بالتدخل لصالح الماسونيين عن طريق تنحية (أندرو جاكسون) وإبعاده عن السباق الرئاسي والحرص على عدم انتخابه. بالمناسبة، كان (أندرو جاكسون) ماسونياً.

انقلب السحر على الساحر، فهل من المعقول أن يحاول الماسونيون السيطرة على الحزب المعادي للماسونية والحزب الجمهوري كي يمنعوا انتخاب مرشحهم الماسوني أساساً؟

على أي حال، لا أحد يعلم تماماً ما الدافع وراء هذه النظريات الغريبة، ربما أصبح خلق معلومات كاذبة لا يتحقق منها أي أحد ظاهرة ممتعة.

مقالات إعلانية