قدّمت أفغانستان في ستينيات القرن الماضي صورة مشرقة ومناقضة تماماً لما نعرفه اليوم عن هذا البلد الذي مزقته الحروب. حيث تظهر الصور القادمة من هناك، وفي تلك الفترة، بلداً تملؤه الابتسامة والوجوه المشرقة والتحرر والسلام، على عكس ما نعرفه اليوم تماماً. فإن سألت أي شخصٍ كيف يتخيّل ذاك البلد، سيجيب أن كلّ ما يستطيع تخيّله هو الحرب والتعصب والخوف والفساد. للأسف، لم تكن أفغانستان كذلك قبل مجيء طالبان، بل كانت منفتحة على العالم بأكمله، ونتيجة هذا الانفتاح، استطعنا الحصول على تلك الصور الزاهية التي التقطها الأمريكي (بيل بودليك) أثناء تواجده هناك.
في عام 1967، تمكّن بروفيسور جامعة أريزونا الدكتور (بيل بودليك) من التقاط سحر العاصمة الأفغانية كابول على العدسة. فبعد أن أنهى (بيل) خدمته العسكرية في الحرب العالمية الثانية، أراد الرجل الترويج للسلام في كل أنحاء العالم، ولهذا السبب، التحق باليونيسكو وعمل سنتين كاملتين في دار المعلمين العليا في العاصمة الأفغانية. وصحبه إلى هناك طفلاه (جان) و(بيغ) وزوجته (مارغريت).
باستخدام فيلم كودا كروم، استطاع الرجل التقاط روح أفغانستان التي تجمع بين الحداثة والبساطة والسلام والطبيعة، وكأنها لا تشبه أبداً البلد الذي نسمع عنه اليوم. قال (بودليك) في إحدى المرات عن هذه الصور: ”بإمكانها تشجيع الناس وحثّهم على زيارة أفغانستان ورؤية الشعب الأفغاني. من الضروري أن ندرك ما هو مشترك بيننا وبين البشر في شتى أنحاء العالم بدلاً من التحدّث عما يميزنا عنهم“.
لمحة تاريخية عن أفغانستان (بإمكانكم مشاهدة الصور أسفل هذه الفقرة)
كانت ستينيات وخمسينيات القرن الماضي فترة زمنية مليئة بالأمل للشعب الأفغاني. فالصراعات الداخلية والتدخل الأجنبي أهلكا البلد وشعبه لقرون، لكن العقود التي تلت تلك الأحداث كانت هادئة نسبياً.
في ثلاثينيات القرن الماضي، قرر الملك الشاب والتقدمي (أمان الله خان) تحديث بلده الأم، وجلب الإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شهدها عند الغرب إلى موطنه الأصلي.
فطلب الملك من أغنى دول العالم المساعدة المادية لتحقيق أهدافه وإصلاحاته، ووافقت القوى الكبرى على ذلك. بالطبع، كان للغرب مصالح استراتيجية في تطوير وتحديث أفغانستان.
بين عامي 1945 و1954، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 50 مليون دولار على شكل قروض من أجل بناء طريق سريع يربط مدينة هرات (غربي البلاد) بمدينة قندهار (جنوبي البلاد). وبحلول عام 1960، وصلت قيمة المساعدات الأمريكية إلى أفغانستان إلى 165 مليون دولار. كانت أغلب المساعدات المالية تذهب لتحسين البنية التحتية في البلد. في المقابل، تحفّظت الولايات المتحدة على الاستثمار في العاصمة الأفغانية كابول، يبدو أنها كانت حذرة في هذا الموضوع لسبب ما.
وهنا يأتي دور الاتحاد السوفياتي: بحلول عام 1960، أنفق الروس أكثر من 300 مليون دولار على شكل قروض. وبحلول عام 1973، وصل حد النفقات إلى 1 مليار دولار! استثمر السوفيات أيضاً في قطاع النفط والصناعات البترولية، وبذلك حصلت أفغانستان على مساعدات مالية أكبر (لكل فرد) من طرف الاتحاد السوفياتي.
كانت كابول أول مدينة يطرأ عليها التغيير، باعتبارها عاصمة البلد وأكبر مدينة فيه. فظهرت الأبنية الحديثة إلى جانب الطرقات الحديثة التي امتدت على طول المدينة.
كان للنساء أيضاً فرص أفضل في الحصول على التعليم، فكان باستطاعتهن الالتحاق بجامعة كابول، ولم يكن البرقع أو النقاب إجبارياً. تحدت بعض النسوة الأزياء التقليدية المحافظة في مجتمعهنّ وارتدين التنورات القصيرة.
وهكذا، جلب البلد الكثير من السياح والزوار من أنحاء العالم، فكان باستطاعة السائح الاستمتاع بالحدائق الجميلة والعمارة المتقنة والجبال الساحرة، وبالطبع، السكان اللطفاء.
بالطبع، كان لكلّ تلك الأموال –الممنوحة من أقوى قطبين سياسيين متخاصمين في العالم –نتيجة مدمرة وكارثية. لكن على مرّ عقدين من الزمن، كانت الأمور تجري على ما يرام.
بدأ العصر الذهبي لأفغانستان في ستينيات القرن الماضي، لكن الأمور بدأت بالتدهور في ربيع عام 1978، عندما نظّم الحزب الديموقراطي الشعبي الأفغاني (وهو حزب شيوعي) انقلاباً عسكرياً على رئيس البلاد وقتها (محمد داود خان) –الذي انقلب على الحزب واضطهد أتباعه. أجرى الشيوعيون عدداً من الإصلاحات عند تسلمهم السلطة، من بينها توزيع الأراضي وإصلاح النظام القضائي الإسلامي، وهو أمرٌ يبدو أن البلاد لم تكن مستعدة له.
بحلول خريف ذاك العام، ثار الجزء الشرقي من البلاد، وتصاعد العنف حتى وصلت الأمور إلى حرب أهلية بين ثوار حركة المجاهدين المدعومة من باكستان، والحكومة الجديدة في أفغانستان.
أيّد الاتحاد السوفياتي الحزب الديموقراطي الشعبي في أفغانستان، وعندما تصاعدت وتيرة الحرب الباردة وازدادت التوترات بين القوتين العظمتين، تحرّكت الولايات المتحدة على الفور لإيقاف المد السوفياتي، فقدّمت دعمها لحركة المجاهدين.
حاول الاتحاد السوفياتي تعيين رئيس جديد للبلاد يتماشى مع سياسته ويمتثل لأوامره، بينما ضاعفت الولايات المتحدة دعمها المُقدم إلى المجاهدين، وأرسلت المليارات على شكل مساعدات مادية وأسلحة إلى باكستان، وهي الدولة التي تأوي المجاهدين وتزودهم بالمصادر.
يُشار إلى هذا الصراع عادة بالحرب السوفياتية الأفغانية، واستمر 10 سنوات، وتوفي فيه مليوني أفغاني، كما شُرّد نحو 6 مليون جرّاء الغارات الجوية التي دمّرت المدن والقرى. لم يستمر عصر أفغانستان الذهبي سوى فترة قصيرة جداً. انسحب الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف، لكن حركة المجاهدين شكّلت كابوساً جديداً: ألا وهو حركة طالبان، ما أغرق البلاد في المزيد من الفوضى والدمار.
ترك لنا (بيل بودليك) إرثاً شديد الأهمية، يخبرنا فيه تاريخ بلد لا يمكن تقفي أثره الآن، خاصة بعد مرور عقود من الفوضى والحرب والحرمان في أفغانستان. فذلك البلد الذي التقط (بودليك) صوراً له لم يعد موجوداً، وما يتخيله الناس اليوم عن أفغانستان هو مجموعة من القبائل المتصارعة ولا وجود للقانون في تلك الدولة، بالإضافة إلى تاريخ دموي ومروّع عانى فيه الشعب الويلات.
إليكم الصور التي التقطها (بيل بودليك) على عدسة الكاميرا، والتي تمنحنا أملاً بعود الحياة إلى أفغانستان:
1. الدكتور (ويليام بودليك) –الثاني من اليسار– حاملاً كاميرا Olympus الصغيرة معه في رحلاته، وهو غالباً ما يلتقط الصور بنفسه، لذا تُعد هذه الصورة التي يظهر الرجل فيها صورة نادرة.
2. رجال أفغان خرجوا في نزهة.
3. الابنة (بيغ بودليك) في رحلة من كابول إلى بيشاور، باكستان.
4. الدكتور (بيل بودليك) وهو يتنزه فوق إحدى التلال في كابول.
5. تمثال بوذي في وادي باميان. في عام 2001، دمّرت حركة طالبان أكبر تمثالين لبوذا في البلد.
6. رجال ينظرون نحو قرية إستاليف، وهي مركزٌ قديم جداً لصناعة الفخار.
7. رجال وصبية يستجمون قرب مياه نهر كابول.
8. صبي أفغاني يزيّن قوالب الحلوى.
9. الابنة (جان بودليك) أثناء رحلة تسوّقٍ في إستاليف.
10. سوق مفتوحٌ لبيع الخضار والفواكه، لاحظوا الألوان البهيجة لتلك المنتجات.
11. إحدى الساحات المزدحمة والمليئة بالناس الذين قدموا للاحتفال بالعام الجديد.
12. صفّ متقدم لتعلّم اللغة الإنجليزية في المدرسة الدولية الأمريكية في كابول.
13. طلاب صغار في الفسحة.
14. يحضر هؤلاء الطلاب صفاً خارجياً في الهواء الطلق.
15. المقاعد والخيم التي تصنعها الأشجار هي كلّ ما يحتاجه هؤلاء الطلاب لحضور المدرسة في الصيف.
16. أطفال يلعبون بالماء ونساء يغسلن، البط يطفو قريباً منهم.
17. طلاب وطالبات في دار المعلمين العليا في كابول. درّس الدكتور (بودليك) هناك لعامين.
18. فرقة عسكرية أفغانية.
19. استعراض ومسيرة عسكرية في العاصمة الأفغانية كابول.
20. عمال الإصلاح في كابول.
21. مسجد شاه دو شامشيرا، بُني في أوائل القرن العشرين في عهد (أمان الله خان).
22. الشوارع والسيارات التي تملؤها خلال ساعة الازدحام.
23. الطريق بين كابول وجلال آباد، من أخطر الطرق في البلاد.
24. ابتسامة رغم قدوم الشتاء.
25. صبي يبيع البالونات قرب النهر.
26. رجال تجمعوا فوق العربات المكشوفة، تلك وسيلة نقل بديلة.
27. موقف للسيارات في المدرسة الدولية الأمريكية في كابول.
28. درسٌ في مادة الكيمياء ضمن صفّ ذي جدران طينية.
29. شقيقات يتنزهن في شوارع كابول.
30. وادي «باميان» في أفغانستان، وهو موطن عددٍ من الأديرة البوذية والصروح الإسلامية.
31. رجل يحضّر حلوى الزلابية، أو المشبك كما يطلق عليها أحياناً في بعض البلدان العربية.
32. منازل سكنية على إحدى التلال في كابول.
33. رجل يركع لأداء الصلاة.
34. رجلان أفغانيان عائدان إلى المنزل.
35. رجل يحني رأسه كي يتهيأ للحلاقة.
36. تلة الملك في حدائق بغمان
بُنيت عقب الجولة التي أجراها (أمان الله خان) في أوروبا والهند وإيران. تحوّلت مستوطنة بغمان إلى مكان للاستجمام والتريّض، فاحتوت على الشاليهات والفيلات والحدائق. كانت تلك الحدائق عامة بالطبع، لكن دخولها تطلّب من الشخص ارتداء ملابس غربية. في نهاية القرن العشرين، أصبحت بغمان ساحة حرب، وانتهى مصير كلّ شيء فيها إلى الدمار.
37. القصر الملكي، حيث كان الحراس دائماً مستعدين.
38. نفق سالانغ، الذي بناه السوفيات، ويربط شمال البلاد بجنوبها.
39. رجال أفغان يطالبون بحقوقهم المدنية وينظمون المظاهرات.
40. محطة وقود في كابول.
41. فتيات أفغانيات عائدات إلى منازلهن بعد انتهاء وقت المدرسة. يدرس الشباب والشابات معاً حتى المرحلة الثانوية.
42. حتى مع تطور المدن في تلك الفترة، كان الزمن متوقفاً في بعض المناطق القروية في أفغانستان، وبقيت تلك المناطق بعيدة عن الحضارة.
43. شاحنة تسير بصعوبة أسفل طريق ترابي.
44. مُدرسان أفغانيان في دار المعلمين العليا.
45. توقف مؤقت خلال رحلة الحافلة التي استقلتها عائلة (بودليك).
46. صورة بعدما وصلت (بيغ بودليك) إلى كابول.
استطاع الدكتور (بودليك) التقاط روح الحياة في أفغانستان، ويبدو أن الحياة كانت بسيطة وممتعة هناك بالرغم من صعوبتها أحياناً. أصبح البلد اليوم عالقاً في مشاكل لا يمكن حلّها، أو ربما لا تتوفر تلك الحلول من الأساس. نتمنى أن يأخذ البشر عبرة من هذا البلد، الذي أدى فيه اختلاف وجهات النظر السياسية إلى حرب طاحنة أهلكت السكان وخرّبت فترة من الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي لا نعتقد أنها ستعود قريباً.