in

صور من زمن كان فيه العراق جميلا ومتفتحا ومتمدنا، قبل قدوم حزب البعث

عندما تسأل مواطنا عاديا من أي مكان في العالم وخاصة من العالم الغربي عما يعرفه عن العراق، فلن يفاجئك البتة أن عقولهم تذهب مباشرة لاستحضار صور الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقبل ذلك حرب العراق التي شنتها الولايات المتحدة وحلف الناتو، وقبل ذلك أيضا حرب الخليج الدامية، والفكرة والمغزى هنا هو أن العراق في نظر معظم سكان العالم ارتبط طويلا بالحروب وبمفهموم الأرض المعادية.

حتى قبل أن يتصدر تنظيم الدولة الإسلامة عناوين الصحف بجرائمه الشنعاء في شمال البلاد منذ بضعة سنوات مضت، كان معظم العالم قد ربط العراق منذ زمن طويل بأنه تلك المنطقة من العالم التي يسودها العنف والتفكير الرجعي، وبشكل أخص المناهضة الشديدة والعداوة الضارية للغرب وكل ما له علاقة بالعالم الغربي.

غير أنك لن تكون في حاجة إلى النظر إلى أبعد من ذلك بقليل في الماضي لتكتشف عراقا متمدنا ومتحضرا ومواليا للحضارة الغربية ومواكبا لركب التقدم والتمدن، وكان المجتمع الدولي آنذاك يعتبره جوهرة واعدة.

بدأت تلك الحقبة الذهبية مع نهاية سنة 1932 عندما أصبح العراق دولة مستقلة ذات سيادة بذاتها، وانضم إلى ”عصبة الأمم“ وهو التنظيم الذي سبق منظمة الأمم المتحدة، الذي لم يكن تمنح حق الانضمام في فترة ازدهاره إلا لثلث دول العالم آنذاك.

شوارع بغداد بالقرب من جسر (مود) سنة 1932
شوارع بغداد بالقرب من جسر (مود) سنة 1932
أحد الصفوف الدراسية في كلية الطب الملكية في بغداد
أحد الصفوف الدراسية في كلية الطب الملكية في بغداد سنة 1932
احتفال الشعب العراقي بانضمام العراق لعصبة الأمم في بغداد في شهر أكتوبر 1932
احتفال الشعب العراقي بانضمام العراق لعصبة الأمم في بغداد في شهر أكتوبر 1932

عندما عوضت هيئة الأمم المتحدة عصبة الأمم في سنة 1945، كان العراق من بين الدول المؤسسة، وفي نفس السنة ساعد حتى على إنشاء وتأسيس جامعة الدول العربية، التي تعتبر منظمة تطوير إقتصادي وإحلال السلام تعنى بالدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خلال العقود التي تلت قبول دولة العراق ضمن عصبة الأمم هيئة الأمم المتحدة، وبشكل أخص من سنة 1932 إلى سنة 1958، تمتعت الدولة بفترة سلام ورخاء مثالية سادتها علاقات جيدة جدا مع الدول العربية المحيطة والبعيدة، ومع دول الغرب التي كانت تهيمن على باقي العالم آنذاك.

وقد كانت هذه الدول الغربية والقوى الإقليمية، وبشكل أخص المملكة المتحدة، قد تعاملت بلطف واحترام مع دولة العراق لكون النظام الملكي الحاكم في العراق آنذاك قد مكنها من بعض خيرات بلاده من النفط والمحروقات، كما كان لها حضور عسكري في أكثر من منطقة على امتداد البلاد، وخلال الحرب العالمية الثانية، تدخلت المملكة المتحدة كذلك وساعدت على قمع عملية انقلاب استهدفت النظام الملكي الحاكم آنذاك لفائدة نظام آخر موالي لدول المحور، وعلى الرغم من كون هذا الأمر يبدو جميلا ومثاليا غير أنه يجعلنا نتساءل عن مدى استقلالية العراق آنذاك.

لكن بغض النظر عما إذا كان العراق مستقلا تماما آنذاك أم كان يعاني من تبعية سياسية ما، فقد استفاد كثيرا اقتصاديا من القوى الغربية التي ساعدته في عمليات التنقيب عن النفط وتأسيس شركات طاقة قوية، كما استفاد كذلك من تدخلها في شؤونه وحمايتها لمبادئ دولته آنذاك التي كانت موالية لمبادئها، والأهم من هذا كله هو أن العراق لم يكن يعتبر القوى الغربية على أنها دول معادية.

غير أن الأجيال اللاحقة اعتبرت هذه المبادئ خاطئة ونظرت إلى الغرب نظرة عداء، وهو الأمر الذي أقعد النمو الاقتصادي والفكري والثقافي للبلاد الذي كان يسري بوتيرة أقل ما يقال عنها أنها جيدة جدا، كما دحض كل فرص كانت تلوح في أفق العراق بأن يصبح قوة ومرجعا إقليميا ودوليا، حيث عصفت هذه الأجيال اللاحقة بالمبادئ التي قامت عليها الدولة العراقية الواعدة إبان استقلالها سنة 1932.

المدخل الرئيسي لكلية الطب الملكي في بغداد
المدخل الرئيسي لكلية الطب الملكي في بغداد

مسؤولون عراقيون يجتمعون خارج القصر الملكي في بغداد احتفالا بانضمام العراق لعصبة الأمم
مسؤولون عراقيون يجتمعون خارج القصر الملكي في بغداد احتفالا بانضمام العراق لعصبة الأمم
الملك فيصل يدلي خطابا بمناسبة انضمام العراق لعصبة الأمم في يوم السادس من أكتوبر سنة 1932
الملك فيصل يدلي خطابا بمناسبة انضمام العراق لعصبة الأمم في يوم السادس من أكتوبر سنة 1932
شوارع مدينة الموصل
شوارع مدينة الموصل

تلقت تلك الدولة الناشئة والواعدة ضربة قوية في سنة 1958 على إثر عملية انقلاب عسكري انتزع السلطة ومقاليد الحكم من الأسرة الملكية الحاكمة آنذاك، وكان السبب الأكبر في ذلك هو كون هذه الأخيرة قد تركت الدول الغربية تتدخل بشكل كبير في شؤون البلاد الاقتصادية والسياسية، خاصة فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط والمحروقات.

أسدل النظام الذي أحكم سيطرته على البلاد ظلاله عليها وأدخلها في حقبة من الحكم العسكري المستبد والقومية المتعصبة للعرب والعروبة، والمناهضة للغرب وكل ما هو غربي، وبشكل أخص، عندما بدأ القادة الجدد يعتبرون الاتحاد السوفييتي الشيوعي حليفا لهم، بدأت الولايات المتحدة وباقي العالم الغربي يرون في العراق عدوا محتملا.

بحلول سنة 1959، وعندما شكل الرئيس الأمريكي آنذاك (دوايت آيزنهاور) لجنة خاصة لمناقشة ودراسة موضوع العراق، والتحضر للقيام بالخطوات المناسبة في حالة ما تسلم الشيوعيون مقاليد الحكم هناك، لم يعد العراق بعدها تلك الدولة الواعدة الناشئة وجوهرة المجتمع الدولي التي كان عليها، والتي كان الجميع يرغب في التعامل معها، بل أصبح دولة يشعر الغرب بضرورة مراقبتها مراقبة لصيقة.

ثم بمجرد استحواذ الحزب الواحد الاستبدادي الشديد التعصب للعروبة وهو ”حزب البعث“ تحت قيادة الشاب صدام حسين على السلطة هناك، انتقلت تدابير العالم الغربي في العراق من مجرد المراقبة اللصيقة إلى التدخل في نهاية المطاف، وخلال العقدين المقبلين كانت الولايات المتتحدة وحدها تنفق عشرات ملايين الدولارات سنويا من أجل بعض التدابير اللازمة للإبقاء على العراق مواليا للغرب ومناهضا للشيوعية على قدر الإمكان.

في نهاية المطاف، بغزو العراق للكويت في سنة 1990، تدخلت الولايات المتحدة نفسها إلى جانب دول حلف الناتو على غرار كندا وفرنسا والمملكة المتحدة بشكل مباشر داخل الأراضي العراقية، وهو الأمر الذي بدأ على إثره العالم يرى في العراق تلك الأرض المعادية والخطيرة.

لكنك عزيزي القارئ لو تعد بالزمن قليلا إلى الوراء إلى سنة 1932 بالضبط، موعد ميلاد العراق المستقل حديثا، وقبل الحروب، وقبل ثورة الانقلاب في سنة 1958، وقبل حرب الخليج وعاصفة الصحراء، ستكتشف عراقا مختلفا اختلافا جوهريا عما نراه اليوم، عراقا جميلا بشكل كبير.

إليك باقة الصور عدا السابقة التي اقتطفناها لك من زمن العراق الجميل:

جميع حقوق الصور تعود لمجموعة G. Eric and Edith Matson Photograph/Library of Congress

معدات حديثة يتم استعمالها لبناء شوارع المدينة الحديثة في بغداد
معدات حديثة يتم استعمالها لبناء شوارع المدينة الحديثة في بغداد
أحد الأقسام في الكلية الملكية للطب في بغداد
أحد الأقسام في الكلية الملكية للطب في بغداد
أحد الأقسام في الكلية الملكية للطب في بغداد
قسم التشريح في الكلية الملكية للطب في بغداد

مدخل جسر (مود) على طول نهر الدجلة في بغداد
مدخل جسر (مود) على طول نهر الدجلة في بغداد سنة 1932
ملعب أطفال حديث في بغداد
ملعب أطفال حديث في بغداد
تجمع الحشود لتوديع الملك فيصل المتوفي حديثا في الرابع عشر من سبتمبر سنة 1933
تجمع الحشود لتوديع الملك فيصل المتوفي حديثا في الرابع عشر من سبتمبر سنة 1933
الشارع الرئيسي في كركوك
الشارع الرئيسي في كركوك
الشارع الرئيسي الذي يؤدي مباشرة إلى مدخل المسجد الكبير في كربلاء
الشارع الرئيسي الذي يؤدي مباشرة إلى مدخل المسجد الكبير في كربلاء
آبار النفط في مقاطعة كركوك
آبار النفط في مقاطعة كركوك
آبار النفط وآلات التنقيب في مقاطعة كركوك
آبار النفط وآلات التنقيب في مقاطعة كركوك
الملك الطفل فيصل الثاني، آخر ملوك العراق في سنة 1943
الملك الطفل فيصل الثاني، آخر ملوك العراق في سنة 1943

مقالات إعلانية