إن هذا العمل يندرج ضمن سلسلة من الصور باللونين الأبيض والأسود ذات الأحجام المختلفة المعنونة التقطت من طرف المصور اللبناني هاشم المدني بين سنتي 1948 و1982، وتم جمعها تحت مظلة مجموعة واحدة تعرض من خلالها في دور العرض في يومنا هذا، والتي تتواجد 117 منها في مجموعة مؤسسة متاحف (تايت) البريطانية، حيث ساهم في عرضها هناك الفنان اللبناني أكرم زعتري.
تتضمن جميع هذه الصور أشخاصا، سواء فرادى أو مَثنى أو في مجموعات صغيرة، وتم التقاط جميعها في أستوديو مدني الذي حمل اسم «استوديو شهرزاد»، على الرغم من أن بعضها الآخر قد التقط داخل منازل الأشخاص الظاهرين فيها.
تتضمن سلسلة الصور هذه رجالاً ونساءً وتغطي طيفاً واسعا من الفئات العمرية من الأطفال الرضّع إلى الأشخاص المتقدمين في السن، كما تنفرد بأنها قد تكون الأولى من نوعها التي تضم أزواجاً من نفس الجنس في وضعيات تنم عن الحميمية كالعناق والتقبيل.
تقريبا، يتخذ معظم الأشخاص في هذه الصور وضعياتهم بشكل حر أمام الكاميرا، وأحيانا يتم إرفاقهم بدعامات ووسائل مساعدة أو أزياء متنوعة، ومعظمهم يثبت نظره مباشرة في عدسة الكاميرا.
تظهر هذه الصور العديد من الأشخاص فيها وهم يتفاعلون بطرق متنوعة، بما فيها العناق، والتقبيل، ومحاكاة مشاهد من مسلسلات وأفلام سينمائية مشهورة آنذاك.






معظم هذه الصور مقطوعة بشكل ضيق، مع كون الشخص أو الأشخاص الذين تتضمنهم يحتلون معظم مساحة الإطار، وعلى الرغم من أنه في بعض الحالات يتموضع الأشخاص في الصور على مسافة بعيدة نسبيا عن آلة الكاميرا، على سبيل المثال عندما يتم إطهارهم جالسين على طاولة أو خلف كرسي، فتميل معظم هذه الصور لتكون الخلفيات فيها ضئيلة لا تظهر بشكل جيد، والتي يطغى عليها غالباً جدار خلفي أبيض اللون. توضع معظم هذه الصور على ورق أبيض، ويتم عرضها في إطارات بيضاء تماماً وخلفها نجد توقيع المصور مدني.
تم ترتيب معظم هذه الصور كذلك وتقسيمها ضمن فئات متنوعة من طرف الفنان زعتري، على غرار فئة تجمع صور رجال يرتدون أزياء مقاتلي المقاومة السورية، وفئة أخرى تجمع صور الأزواج المتزوجين حديثاً، ومجموعة تحتوي على الأزواج من نفس الجنس، بينما يتم عرض بقيتها بصور فردية، وقد كان الفنان زعتري قد أشار إلى كونه يفضل أن يتم عرض هذه الفئات والمجموعات مع بعضها.




تم التقاط جميع هذه الصور في هذه السلسلة في مدينة زعتري الأم وهي مدينة صيدا اللبنانية، حيث قام مدني أول مرة بتأسيس أستوديو للصور الفوتوغرافية في سنة 1948، وهذا بموافقة وترخيص من الأشخاص الظاهرين فيها وعائلاتهم، الذين أحيانا يسمحون لمدني أن يختار لهم الوضعيات التي سيتخذونها لدى التقاطها وكذا بعض الملحقات والوسائل والأزياء الأخرى، وأحيانا أخرى يختارون ذلك بأنفسهم.
من أجل مساعدتهم خلال هذه العملية، كان مدني يملك كتابا يحتوي على صور لأشخاص يتموضعون لالتقاط الصور في وضعيات مختلفة ومتعددة، وكان يعرضه على زبائنه ليختاروا من خلاله الوضعيات التي تحلو لهم، كما كان يقدم لهم بعض الدعامات والوسائل المساعدة والأزياء المختلفة عندما كان الأمر يقتضيه.
في حوار صحفي معه في سنة 2004، نوّه مدني إلى أنه قام بتصوير 90 بالمائة من سكان مدينة صيدا، الذين كانوا ينحدرون من خلفيات وطبقات اجتماعية مختلفة، وكان الفنان زعتري قد بدأ العمل على أرشيف مدني منذ سنة 1999 كجزء من مشروع تديره المنظمة غير الربحية تحت اسم «مؤسسة الصورة العربية» التي شارك في تأسيسها زعتري في سنة 1997، والتي تعمل على جمع وكذا دراسة الصور الفوتوغرافية من مختلف ثنايا الوطن العربي.
قام زعتري باختيار الصور من مجموعات صور مدني التي بلغ عددها عدة آلاف، وقام بتركيبها جميعها ووضعها في إطارات خاصة بطريقة فريدة من نوعها، وهي العملية التي لم يشارك فيها المصوّر مدني.
يتضمن عنوان كل صورة فوتوغرافية من هذه المجموعات مجموعة من العناصر المعيارية وهي: أسماء أو صفات الأشخاص الظاهرين فيها، وموقعها، وتاريخ التقاطها، واسم المصوّر الذي التقطها.
عنون هذا العمل الفني بـ«مواضيع الدراسة/أرشيف أستوديو شهرزاد/هاشم المدني/ممارسات الأستوديو»، يشير عنوان سلسلة الصور هذه إلى مدني واسم أستوديو الصور خاصته وهو «أستوديو شهرزاد»، ويجمع بين الجملتين: «مواضيع الدراسة» و«ممارسات الأستوديو»، مما يبرز الطبيعة الازدواجية لهذه الصور التي تعتبر مثالا عن الممارسات الفوتوغرافية للمصوّر مدني ومواضيع دراسة الفنان زعتري وأبحاثه التي يقوم بها لدى «مؤسسة الصورة العربية».
قام زعتري بمناقشة الطبيعة غير المعتادة والمألوفة لطريقة تأليف سلسة الصور هذه، موضحا أن لكل صورة مؤلّفين اثنين وتاريخين اثنين، واقترح أن ”هذا الأمر يظهر لنا أن لهذه الصور الفوتوغرافية معانٍ مختلفة عندما تتم إزالتها عن سياقها الأصلي وإعادة نقلها إلى زمن آخر وسياق آخر، وتقليد آخر، واقتصاد آخر.“
كما يعكس هذا الجانب اهتمام زعتري بالطريقة التي سيصبح من خلالها التصوير الفوتوغرافي جزءا من النسيج الاجتماعي لكل مجتمع، بدلا عن مجرد كونه يفضي إلى مجموعة صور متفرقة. تماما مثلما شرحه في سنة 2006: ”أنا أنظر لهذا المشروع وتورطي فيه الذي يحاكي لحد ما مقاربة أثرية من أجل فهم ما كان الأستوديو يعنيه، وما كانت مجموعة صور تعنيه بالنسبة للمدينة“.


تم التقاط هذه الصور في المقام الأول لأغراض شخصية أو منزلية، ولم يرد منها في البادئ أن تكون أعمالا فنية تعرض في دور العرض ومتاحف الصور حول العالم، وقد شرح زعتري سبب كونه مهتماً بالصور الفوتوغرافية الملتقطة داخل الأستوديوهات القديمة الذي يتمحور حول نوعيتها ”المسرحية“ الملهمة، فقال في هذا الصدد في سنة 2013: ”يتجلى معظم عملي فيما يخص التصوير الفوتوغرافي في الأستوديوهات فيما يلي: كيف أصبحت هذه الأستوديوهات بمثابة مسارح يقوم فيها الأشخاص بالتمثيل، والتي يقومون بالتمثيل فيها في معظم الأحيان للتعبير عن أشياء لا يملكونها أو أشياء افتقدوها في الماضي، ومعظمها يتمحور حول الطبقة الاجتماعية [التي يتمنون لو أنهم كانوا ينتمون إليها]“.
بالإضافة إلى هذا، ولأن معظم الوضعيات التي اتخذها الأشخاص في سلسلة الصور هذه مكررّة تقريبا في عدة صور أخرى، فإن المجموعة تعرض انعكاسا لما كانت الحضارة المهيمنة آنذاك تؤثر به على الطريقة التي يختار الناس وفقا لها كيف يمثلون أنفسهم.


كان الفنان أكرم زعتري قد اكتشف سلسلة الصور المتنوعة هذه في سنة 1998 وقام بإدراجها ضمن المنظمة التي شارك في تأسيسها المذكورة سابقا –«مؤسسة الصورة العربية»، ومن خلال العودة إلى هذه الصور التي كانت تمثل وثائق تاريخية؛ استكشف زعتري القصص الثقافية والسياسية المميزة التي تضمنتها، وسبَر أغوار مدينة صيدا في خمسينات وسيتنات القرن الماضي، التي كان التيار السائد فيها لا يسمح بتفاعل الذكر والأنثى خارج إطار الزوجية، وقد كان التواصل الجسدي محرما إلى حد بعيد.
وداخل أستوديو شهرزاد، كان بعض الممثلين أو بالأحرى الأشخاص الذين تضمنتهم الصور يتدربون على التموضع وفق طرائق معينة من أجل تمثيل دور الأزواج مثليي الجنس في وضعيات حميمية، وقد كان يربط بين معظم هؤلاء الذين لعبوا دور الأزواج المثليين صلة قرابة، أو صداقة متينة، كما لم يكن البعض منهم مثلي الجنس بالضرورة وكان هناك لمجرد تمثيل الأمر لا أكثر، ولربما كان ذلك من أجل رفع الوعي وزيادة تقبل المجتمع لهذه الفئة الصغيرة، مما يوحي لنا بأن لبنان وصيدا الخمسينيات والستينيات لربما كانت أكثر تفتحا من لبنان وصيدا اليوم.
يتذكر مدني تلك اللحظات في قوله: ”كان الناس مستعدين للعب لعبة التقبيل مع الأشخاص من نفس جنسهم أكثر من الأشخاص من الجنس الآخر“، ولا يتذكر أن يكون شخصان من كلا الجنسين قد تموضعا لالتقاط صورة تتضمن تقبيلاً إلا مرة واحدة فقط.


