in

لماذا لا يتقبل العقل العربي العلمانية؟

رجل عربي

ما هي العلمانية:

أولا العلمانية هي نظام سياسي ينص على فصل الدين عن السياسة، وعن جميع النُظُم السياسية وما تحملها من سلطة، وبرأيي لا يصح قول فصل الدين عن ”الدولة“ في مجتمعنا العربي بالذات، لأن تعريف الدولة هو مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطاتهم السياسية أو الاجتماعية أو الإقتصادية أو الدينية، ضمن منطقة جغرافية محددة تحت سلطة دستور يحمل قوانينها ومؤسسات تابعة لها، وبذلك يكون الدين من ضمن تعريف الدولة لإعتقاد أغلب أفراد المجتمع به فقط، ولكن ليس بالضرورة أن تتبع هذه الدولة سياسة ذات غلاف أو مرجعية دينية، فلا بأس بفصل سياساتها وقوانينها عن الدين مع بقاء اعتقاد أغلب أفراد المجتمع به، مثل الولايات المتحدة الامريكية ذات الأغلبية المسيحية مع سياسة ودستور علمانيّ.

مشكلة العقلية العربية

العقلية العربية (أغلبها) بطبعها تقدم الدين عن أي شئ مهما كان، سواء علم أو إنسانية أو قانون أو غيره، وتأتي هذه المشكلة في الأساس من عدة عوامل ومسببات أولها التربية، وتعليم جميع أبناء هذا المجتمع مدى الأهمية القصوى للدين، لذلك نرى بالمدارس العربية كيفية تعليم الصغار الدين وجعل مادة الدين أساسية، فتعلمهم كيف يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية بدايةً من كيفية النوم إلى كيفية دخول الحمام، ويرى ذاك الطفل أيضاً في بيته التهديدات بالنار وعذابها إذا لم يفعل كذا أو إذا فعل كذا، فيتضخم في عقله كل ماهو له علاقة بالدين ويبدأ بالسؤال عما إذا كان هذا حرامٌ أم حلال؟

طفل يقرأ قرآن

هذا التأسيس والتربية الدينية تكرس في عقلية الطفل الدين وتجعله أساساً من أساسياته اليومية، وعندما يكمل الطفل مسيرة حياته يبدأ بالتأثر بالدين أكثر لأن الدين الإسلامي على وجه الخصوص يضرب على وتر العاطفة، وبذلك عندما يكبر وتزداد معلوماته الدينية، وما يفرضه المجتمع من تقاليد وأعراف تقيد فكره أكثر وأكثر.

فيصبح الفرد في المجتمع العربي محاصرا بأسوار دينية ذات أسس عاطفية بحتة بعيداً عن العقل، فلا تمكنه من السؤال عن مدى صحة اعتقاداته ولا تعطيه المرونة لتقبل الآخر، وتزرع فيه خوف عند مواجهة أي اعتقاد أو فكرة تعارض دينه أو ترفضه، لذلك نرى أن الجميع بدايةً من الشيخ الأربعيني ذي اللحية والجلابية القصيرة إلى الشاب ذي قَصّة الشَّعر العجيبة والبنطال المتدلي حامل الآيبود، أن الدين لديهم خط أحمر يثورون عند سماع أي هجوم عليه.

يجب أن يدرك العلمانيون العرب أنهم أمام مشكلة ليست بالسهلة فهم يواجهون أسسا تربوية وتعليمية وأفكارا مقدسة تعشش في عقليات أغلب أفراد المجتمع لا سيما الشباب غير المثقف.

ما الفرق بيننا وبين التجربة الأوروبية

يتشابه الوضع العربي اليوم مع فترة من تاريخ أوروبا وهي عصر ما قبل النهضة أو ”أوروبا في العصور المظلمة“ فقد استمرت الدماء والحروب 1000 عام وتحديدا ما بين 400م و1400م. وكل تلك الحروب التي أقيمت في تلك الفترة كانت تحمل الطابع الديني وتكاد تكون كلها قائمة على تبريرات دينية، مما جعل بعض المؤرخون يصفونها بألف عام من الهمجية والدين، ولكننا لم نتعلم بعد من هذا التاريخ شيئًا أبداً، فننظر اليوم الي الكثير من أئمة الجوامع وقد امتلأت خطبهم بالهمجية والرجعية القاتمة، ونرى ايضا فتاوي دموية كثيرة ملأت الانترنت، وهي نفس التبريرات التي تبيح دماء الآخرين، لذلك يجب ان ندرك اننا نعيش فترة أوروبا في العصور المظلمة ولكن بنكهة عربية ذات غلاف اسلامي.

ويستغرب الكثير لماذا يطالب البعض بالدولة العلمانية؟ وانا أسألهم ماذا قدمت الأديان للبشرية؟ هل كان لها تأثيرا إيجابيا أم تأثيرا سلبيا؟ هل قدمت احتلال واستعمارات بإسم ”فتوحات“؟ أم قدمت سفك دماء الآلاف وإعدام مخالفين الرأي بإسم ”إحياء كلمة الله“؟ ربما تكون مقولة التاريخ يعيد نفسه ليست صحيحة بالمجمل، ولكن أقول ان الأسس في الحروب تتشابه عبر جميع العصور وستستمر حتى تتدارك الشعوب تفاهة هذه الأسس.

الفرق بيننا وبين أروربا قبل عصر النهضة أننا نملك فقه وتفاسير وأحاديث و7 مصادر تشريع (القرآن، السنة، الإجماع، القياس، المصلحة المرسلة، سد الذرائع، أقوال الصحابة، هذا غير المختلف عليهم)، بينما الأوروبيون كان لديهم الكتاب المقدس ورجال الدين فقط كمصادر للمرجعية، ولذلك كانت مهمة التخلص من كل هذا الإرث الديني أسهل.

ما العمل

في النهاية أقول أننا وبهذا العصر الحديث ومع مواقع التواصل الاجتماعي الذي جعل العالم أصغر قد يسبب استخدامه تفتحاً أكبر في العقليات العربية أو زيادةً في المصائب (حسب الإستخدام)، ومع هذا يجب على المثقفين في مجتمعنا الإستمرار والتواصل في نشر أفكارهم بأي طريقة للوصول إلى الهدف. فالبداية دائما صعبة لكنها ليست مستحيلة.

مقالات إعلانية