طرح موقع «دخلك بتعرف» في الثاني والعشرين من شهر أغسطس سؤالاً على متابعيه بمناسبة يوم الردة عن الدين، وعنوانه ”أخبرنا ما هو سبب تركك الدين؟“.
وعلى الرغم من أن هذا السؤال ليس استطلاعاً رسمياً واسع النطاق، إنما هو استطلاع لمعرفة آراء متابعي الموقع والصفحة على منصة فيسبوك، إذ أن الموقع يجذب قراءً من مختلف الانتماءات الدينية، بدءاً من اللادينيين وصولاً إلى المتشددين.
على الرغم من أننا لم نسأل عن سبب ترك دين معين، لكن معظم الأجوبة كانت من أشخاص تركوا الإسلام. على أي حال، لم تخلُ الإجابات من المعترضين على ترك الدين، ولم تخل أيضاً من تعليقات الساخرين، والذين لا يريدون حتى مناقشة اللادينيين في التعليقات –لدرجة أن البعض يتحدث عن فكرة ما فيرد عليه آخر بفكرة أخرى من موضوع مختلف لا علاقة للاثنين ببعضهما!
جاء أحد الأجوبة كالتالي: ”لأن [جميع ما في الأديان] أساطير متفق عليها، يتم تلقينها قسراً منذ مرحلة الطفولة حتى تغدو قناعات راسخة رغم غبائها وتعارضها مع العقل، ليس من السهل ترك الدين لأنه أشبه بالانسلاخ عن الجلد.. لكن حينها ستكتشف أنك خُدعت، وستبدأ المقدسات بالتساقط مثل أحجار الدومينو..“.
وأجاب حساب آخر: ”من أكثر أسباب ترك الدين شيوعاً هي عدم رغبة الشباب بالالتزام بالعبادات وترك المحظورات..“.
بينما علل آخر قائلاً: ”بسبب لا منطقيته، فالقصص الدينية عبارة عن خرافات وأساطير الأولين، أخذوها ووضعوها في كتب وادعوا أنها من خالق الكون، وإذا لم نصدقها فسنحرق في نار إلى الأبد“.
تبيّن لنا أن معظم من تركوا الدين لم يستطيعوا تصديق ما جاء فيه، بل أن بعضهم أجرى أبحاثه الخاصة وتوصل إلى استنتاج، أو حقيقة بالأحرى، وهو أن جميع الأديان الإبراهيمية تشابه بعضها، وأنها جميعاً تحوي قصصاً من حضارات سابقة وُجدت في المنطقة، مثل العديد من القصص الأسطورية التي لا يمكن تصديقها.
قال حساب باسم (أحمد النجار): ”أغلب القصص والآيات والعبادات كانت موجودة لدى حضارات أخرى سبقت النبي محمد، مثل الحضارات البابلية والسومرية والآشورية وقصة الطوفان وقصة آدم وحواء، جميعها منسوخة من بعضها… حاولت أن أتبع القطيع وأقتنع بما جاء في كتب الدين، والسبب هو خوفي من العذاب وليس محبة بالله، لكن عقلي لم يطاوعني“.
بينما أجاب حساب لسيدة باسم (مايا جلعود): ”المعرفة! كلما زادت معرفتي أصبحت أكثر واقعية، وبدأت القناعات والتوجهات المنطقية تتشكل لدي بعيداً عن الخرافات الدينية“، معللة أن جميع الخرافات تلك سيجد لها المتدينون ”تفسيراً ربوبياً غبياً“.
وقال آخر ساخراً: ”الدين هو الذي ارتد عني، لم يرغب بالعيش مع المنطق في نفس المكان“.
وتأكيداً على دور الخرافات والأساطير في إبعاد بعض الناس عن الدين، قال حساب باسم (أحمد شهاب): ”العلوم والفلسفة والتاريخ، بالإضافة إلى التفكير العقلاني المنطقي الخالي من العواطف، جميعها أسباب تدحض الدين والإله والخرافات“.
وبعيداً عما جاء في الكتب في المقدسة، يبدو أن الواقع الديني والاجتماعي هو أحد الأسباب الكبرى لردة المتدينين، حيث عزى الكثير من الأشخاص تركهم الدين إلى الواقع الذي نعايشه اليوم. قال أحد الحسابات: ”السبب هو كثرة المتحدثين باسم الله، ونوابه على الأرض، فترى شخصاً يقول أن الله قصد كذا وكذا، بينما في الحقيقية، تلك مجرد تأويلات شخصية وليس إلا، ولو أراد الله بعث رسالة لنا، لكانت واضحة صريحة لا مجال للعبث فيها“.
وفي السياق ذاته، ورد تعليق من حساب آخر لم يوضح إذا ما ترك دينه أم لا، لكنه يبعث رسالة إلى جميع هؤلاء الناس الذين يعتقدون أن لهم الحق في التدخل بحياة الآخرين: ”لا يختلف مَن يحاول فرض رأيه على الآخرين عن داعش، لا يجوز تكفير الناس لمجرد تفوههم بكلام ما، بل علينا بحسن الظن، ولم يفوض الله أحدنا نيابة عنه“.
يشير بعض المعلقين أيضاً إلى استيائهم من الآيديولوجية الدينية التي يعتنقها الكثير من المتدينين، وتحديداً ”التفوق“ العنصري الذي يمارسونه ضد كل شخصٍ لا ينتمي لدينهم أو لا يتبع تقاليدهم. فقال حساب باسم (حسن الخاش): ”الكثير من الممارسات والأفكار الخاطئة دفعتني لترك الدين، مثل غياب المنطق العلمي وحصر الإنسانية بأبناء الدين نفسه وتفضيل الذكور وازدواجية المعايير“.
أورد الشاب نفسه أيضا فكرة مثيرة للاهتمام، حيث قال: ”يتمنى الكثير من شباب الدول الإسلامية اليوم السفر إلى الخارج، على الرغم من أنهم يتشدقون طوال اليوم بالأخلاق والعفة والطهارة، بينما تنتشر الرذيلة في بعض دولنا حتى في الشوارع“.
دليل آخر يؤكد أن تدخل الدين بالسياسة والمجتمع هو أحد الأسباب التي أدت إلى نفور البعض، حيث قال أحد الحسابات: ”ترك الناس الدين لأن رجال الدين باتوا يتدخلون بالسياسة ويستخدمون السلطة والأحكام الدينية لنشر الجهل والتخلف“، وقال آخر: ”جميع رجال الدين، من شتى الطوائف، يعيشون على حساب الشعب المسكين“.
هناك فكرة أخرى طرحها العديد من المتابعين، وهي كيف لأناس عاشوا منذ آلاف السنين –في عصور مختلفة تماماً عما نحن عليه اليوم– أن يحددوا نمط حياتنا وما علينا فعله وما هو محظور؟ فالأخلاق الحسنة لا يحددها الدين أو الشرائع السماوية، وخير دليل على ذلك هو البلدان التي تفصل بين الدين والدولة والتي حققت مستويات عالية من معايير المعيشة لسكانها.
للأسف، كل ذلك يذهب هباءً في وجه متعصب لدينه لا يستطيع أن يرى أبعد من أنفه، فيقول لك أن دول الغرب ”قذرة“ أخلاقياً –بينما يتفشى التحرش بالنساء والاغتصاب في بلده– ويقول لك أن الدين يضبط الأخلاق –بينما تحتل بلاده مرتبة مرتفعة في الفساد– ويقول لك أن دينه دين مسالمٌ لا يؤذي أحد –بينما يسعى طوال الوقت للتدخل في شؤون من يتركون دينهم، بل أن الدين الإسلامي لا يقبل حتى أن تترك دينك، حتى لو كنت من خيرة البشر.
في المقابل، جاءت معظم ردود المتدينين على الشاكلة التقليدية، مثل ”إن لم يكن هناك إله فكيف خُلقت؟“ أو ”عندما يحل يوم القيامة ستنكشف الحقيقة“ أو ”عالم الملحدين مليء بالانحلال والانحراف“…
أورد أحد الحسابات فكرة مثيرة للاهتمام حيث قال: ”الأديان تمنع الغش والسرقة وعمل قوم لوط وشرب الخمور والزنا، والملحدون يعيشون في بؤس وشقاء وضياع“، كثيرة هي الأجوبة التي جاءت على شاكلة الجواب الأخير، من مبدأ أن الدين ”يضبط“ المجتمع ويمنع انحلاله، لكن لا نستطيع منع نفسنا من الرد على هذا التعليق، فإن كان الدين يمنع كل ما هو ”خاطئ“، فلماذا أصبحت دول مثل اليابان، والتي يدعي ما بين 30 إلى 39 بالمئة من سكانها أنهم لادينيون، إحدى أكثر الدول تقدماً؟ وكذلك الأمر في دول أوروبا الشمالية، حيث توجد نسبة كبيرة من اللادينين –على عكس بعض المعلومات الخاطئة التي وردت في التعليقات، والتي جاء في بعضها أن نسبة المسيحيين في السويد 90 بالمئة! (وهنا نقع في مشكلة أخرى تنخر عالمنا العربي، وهي المعلومات الخاطئة والمفبركة التي يتناقلها الناس عندما تتفق مع آرائهم المسبقة بدون البحث عن مصدرها أو التشكيك حتى في صحتها).
المشكلة الأكبر هي عندما نقارن دولنا المتدينة بالدول الأخرى الأكثر تطوراً وعدلاً واحتراماً لحقوق الإنسان، فيتهافت المتدينون– وتحديداً المتعصبون للإسلام– للرد على الفكرة السابقة قائلين أن الإلحاد لم يبنِ تلك الدول. بالطبع، الإلحاد وحده لم يبنِ تلك الدول ويجعلها متطورة! لكن عندما قررت تلك الدول اللحاق بركب الحضارة، ارتأت أن فصل الدين عن الدولة ومنح حرية المعتقد للمواطنين يحلّ الكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية، فأصبحت تحترم خيار سكانها بترك الدين، وليس العكس!
يرى المتعصبون للدين أيضاً الدول الإسلامية السابقة، كالدولة الأموية أو العباسية أو في الأندلس، كانت متفوقة على غيرها، متناسين أن علماء تلك الفترات أبدعوا في مجالات كالرياضيات والفيزياء والطب، ولم يأخذوا علومهم من القرآن على الإطلاق.
للأسف، الأحكام والأفكار المسبقة المسيطرة على المتدينين هي التي تمنعهم من التعايش بسلام مع مواطني بلدهم غير المتدينين. وهنا نتساءل، إن كنت حريصاً فقط على دخول الجنة وعدم إغضاب إلهك، لماذا لا تلتزم بدينك وتترك الآخرين بحالهم يحترقون بنار جهنم ويخلدون فيها إلى الأبد؟
في الحقيقة، لم نشهد في دولنا العربية، على مر تاريخنا الحديث، أي محاولة للاعتداء على المسلمين أو أملاكهم أو مساجدهم من طرف علمانيين أو ملحدين، أي أن هؤلاء لم يتسببوا في أي أذية تذكر للمسلمين، فلماذا كل تلك الهستيريا والجنون والغضب والاستياء تجاه من يترك دينه؟ وهل هذا الدين هشّ لدرجة أن إنساناً ملحداً قادرٌ على هدم هذا المجتمتع؟