in

المرأة والتعليم: نجاحها يعني نجاح المجتمع

في عالم يتجه أكثر فأكثر نحو الاستقلالية والفردية، أصبح من البديهي والضروري اتجاه الأفراد، إناثًا كانوا أم ذكورًا، نحو الاعتماد الكلي على الذات. من أجل الوصول إلى تلك المرحلة، على الشخص أن يثبت استحقاقه عبر النجاح في مراحل عدة تسبقها. من بين هذه المراحل، يحتل التحصيل العلمي مكانة كبيرة الأهمية، إذ أنه، في معظم الأحيان، الدافع للفرد وراء السعي نحو سوق العمل، والسبيل لتحقيق استقلاله المادي على الأقل.

ومع كل هذه الضرورة، لا تزال بعض البلدان والحضارات تجهل هذا الأمر ولا تعطي فكرة التعليم الاهتمام الكافي، لا بل بعضها من يمنع التعليم عن المواطنين. إن نظرنا إلى الإحصاءات، سنعلم أن معظم الأفراد الذي لا يتمكنون من الوصول إلى حقّهم في التعليم هم النساء. صحيحٌ أن السنوات الأخيرة شهدت تحسنًا في هذا المجال، لكن الأرقام ما زالت ضخمة، والإحصاءات لا تترجم واقع جميع البلدان.

وأمام هذا الواقع السيء، نسأل: لماذا يعتبر تعليم المرأة أمر بالغ الأهمية؟

أهمية تعليم المرأة

الدكتورة حياة سندي، عالمة وباحثة سعودية في مجال التقانة الحيوية، ولها إنجازات كثيرة وجولات في أهم مراكز الأبحاث والعلوم في العالم، كما أنها أستاذ زائر في جامعة هارفارد العريقة.

أولًا، وبديهيًا، لأن التعلّم هو حق لكل إنسان، أي كان جنسه، من أي بلد كان وفي أي ظروف يعيش. لكن تعليم المرأة، بشكل خاص، يسهم في تحسين حياتها ونمو المجتمع الذي تتقاسمه مع الرجل. في أحيانٍ أخرى، يكون تعليم المرأة ضروريًا لإنقاذها وإنقاذ المجتمع من التدهور والجهل. الأسباب وراء أهمية تعليم المرأة كثيرة، إليكم أبرزها:

تحكم ذاتي أكبر في حياتهن

عند ارتيادهن للمدارس، ينمو لدى الفتيات الحس بقيمتهن وقدراتهن، فيكبرن ويصبحن نساءً قادرات على اتخاذ القرارات المصيرية في حياتهن عمومًا، والقرارات التي تخص عائلاتهنّ لاحقًا، بما يتناسب مع مصالحهن، وقد يصبحن أقل عرضة للعنف المنزلي.

التقليل من مشكلة زواج القاصرات

في البلدان التي ترتفع فيها أعداد الفتيات غير المتعلمات، نشهد أعدادًا مخيفة جدًا من زواج القاصرات، ذلك أن التعليم يزيد من وعي الفتيات بحقوقهن، ويحثهن على مواجهة الانتهاكات التي يتعرضن لها، ويسمح للفرد بالتفكير في تأسيس حياة ناجحة له قبل كل شيء، ويفتح له الفرص من أجل تحقيق ذلك.

نمو اقتصادي

إن السماح للفتيات بالتعلم يعني السماح لهن بالانخراط في سوق العمل في المستقبل، مما ينعكس إيجابياً على الإنتاجية وبالتالي المزيد من النمو الاقتصادي، فتخسر بعض البلدان أكثر من مليار دولار أمريكي بسبب فشلها في تحقيق توازن بين أعداد المتعلمين الذكور والإناث. وبحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، فإن تعليم الفتيات يعد أحد أهم الطرق للتقليل من نسب الفقر.

عدد السكان

تثبت الإحصاءات أن تعليم المرأة يساهم في التخفيف من الاكتظاظ السكاني، ويخفض معدل الولادات في البلدان بشكل واضح، إذ أن النساء المتعلمات والعاملات ينجبن عددًا أقل من الأولاد، وذلك نظرًا لتزايد الوعي الصحي والاجتماعي، والتركيز أكثر على تربية وتنشئة الأولاد، لا على عددهم.

تحضير لأدوار مهمة

تعليم الفتيات يُحضرهن لتحمل مسؤوليات قيادية في المستقبل، إذ يصبحن قادرات على إثبات أنفسهن في الحياة الاجتماعية، وفي الحياة السياسية أيضًا. وهكذا، يشاركن في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهن وغيرها المتعلقة بمحيطهن، فيزداد إذًا التنوع الجندري بين الأشخاص الذين يتحملون هكذا مهام.

أم متعلمة، أطفال بصحة أفضل

لدى النساء المتعلمات وعي صحي أكثر من غيرهن غير المتعلمات، إذ يعلمن كيفية التعامل مع أولادهن، في حال المرض مثلًا، كما لديهن اختيارات أفضل فيما يتعلق بغذاء ونظافة وصحة أطفالهن عمومًا.

يمكننا إذًا رؤية المنفعة التي يعود بها تعليم المرأة على النساء بالدرجة الأولى، وعلى المجتمع ككل أيضًا، فما هي العقبات التي تحول دون هذا التعليم؟

العقبات التي تواجهها المرأة

أدت الحرب الدائرة في أفغانستان وصعود التطرف الديني إلى حرمان النساء من التعليم لسنوات، وتلك إحدى العوائق التي تعيق النساء، في مختلف أنحاء العالم، من الوصول إلى حقّهم في التعليم والعمل. صورة: Human Rights Watch

الفقر وعمالة الأطفال

يقلل فقر الأهل كثيرًا من اهتمامهم بالعلم، خاصة إن كان الأهل غير متعلمين أساسًا أو غير مدركين لأهمية العلم في حياة أولادهم. فينظرون إليهم على أنهم يد عاملة إضافية لا أكثر، وغالبًا ما يعمل صغار السن في الزراعة وأعمال أخرى عوضًا عن قضاء هذا الوقت في المدارس.

عادات وتقاليد

رغم كل ما وصلنا إليه من تطور فكري وحضاري، لا يزال شبح العادات والتقاليد يجوب بلدانًا عدة، ومنع الفتيات من التعليم إحدى النتائج السلبية لتلك العادات والتقاليد.

يُنظر إلى النساء في بعض المجتمعات على أنهن مسؤولات عن تربية الأولاد وتنظيف المنزل وإرضاء الزوج لا أكثر. في ظل هذا الواقع المحزن، لا تُمنح الفتيات أي فرصة لإثبات أنفسهن في مجال الدراسة وتحقيق مستقبلهن، ويتم تزويجهن في أعمار مبكرة، ما يلحق الكثير من الأضرار على الفتاة والمجتمع عمومًا.

الحروب

في بلدان حيث تعم الحروب وتدمر المدارس والمنازل، ويغدو هدف الأهل الأساسي إيجاد مكان آمن لحماية أطفالهم من الموت، من الطبيعي جدًا أن يصبح تعليم الأولاد شبه مستحيل. تستمر هذه الأزمات لوقت طويل، وتكون نتائجها مدمرة في معظم الأحيان، لذا تكبر عدة أجيال دون تعليم، وتغدو فيما بعد غير مدركة لأهمية هذا التعليم حتى بعد تخطي الأزمات، فتترك وراءها أيضًا أجيال غير متعلمة.

هذه العقبات وغيرها الكثير هي التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم من واقع صعب

لكن لا بد من أن ننهي هذا المقال بالتشديد على فكرة مفادها أن الرجال والنساء قادرون حتماً، وعلى حد سواء، من تحقيق طموحاتهم إن توفرت طرق الوصول إليها. ففي المجتمعات حيث الفرص متساوية بين النساء والرجال، نرى تساوٍ أيضًا في النجاحات والانجازات.

وهذا ما شددت عليه المهندسة ”ديانا السندي“، وهي مهندسة الدفع الصاروخي في شركة فيرجن أوربت، شركة تعمل في مجال إطلاق الأقمار الصناعية بولاية كاليفورنيا، إذ قالت في إحدى المقابلات بأن أيام سيطرة الرجال على سوق العمل واحتلالهم كل المناصب المهمة وتفردهم في بعض المجالات، قد ولّت: ”اليوم، بإمكان النساء فعل أي شيء، تستطيع المرأة أن تكون مهندسة أو عالمة أو خبيرة في الرياضيات أو أي شيء!“.

مقالات إعلانية