in

الراب الإسلامي: وسيلة جديدة لتشجيع الشباب العراقي على الاهتمام بالدين والمزج بين الراب واللطميات

الراب الغربي يشجع على الفساد والمخدرات والجريمة، بينما يشجع رابنا على الحوار والسلام والتأمل والعبادة وفهم واستيعاب الإيمان.

صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

الصرفي أحد مساجد حي الشعب ضمن بغداد، وهو أحد أحياء الطبقة العاملة، ينخرط أتباع حركة الصرخي –وهي حركة دينية تنتمي للطائفة الشيعية– في حفلات تتنوع بين اللطميات والراب الإسلامي. داخل جدران المسجد، ينبض المكان المقدس بالموسيقى، وسترى عشرات الرجال والشباب يضربون صدورهم بإيقاع مماثل لموسيقى الراب.

يمسك أحد الحضور بالميكرفون، ويبدأ مراسم اللطميات الشيعية التقليدية، ومع أن اللطميات طقوس يؤديها أتباع المذهب الشيعي في مختلف أماكن العالم، يبدو أن لأتباع الإمام الصرخي رأي آخر، حيث يقول الرابر لؤي محمد البالغ من العمر 40 لموقع «ميدل إيست آي»: ”الراب الغربي يشجع على الفساد والمخدرات والجريمة، بينما يشجع رابنا على الحوار والسلام والتأمل والعبادة وفهم واستيعاب الإيمان“.

من هو محمود الصرخي؟

الشيخ محمود الحسني الصرخي. صورة: Wikipedia

يُعتبر رجل الدين الشيعي محمود الحسني الصرخي رأس هذه الحركة، ويدعي أن أتباعه يزيد عددهم عن 10 آلاف فرد. لكن المشكلة أن محمود الصرخي نفسه ليس محبوباً في الوسط الشيعي، كما أن الصرخي أثار الجدل سابقاً في العراق، حيث اشتبكت ميليشياته عام 2014 مع القوات الحكومية واعتُقل من أتباعه نحو 300 شخص، كما اشتبك أيضاً مع القوات الأمريكية –التي نادى دائماً بخروجها من العراق– ومناصري المرجع الشيعي الأعلى في العراق، وهو السيد على السيستاني، بل وصل الأمر بالصرخي إلى معارضة الكثير من تصريحات السيستاني، ثم اختلف الصرخي مع حليفه السابق مقتدى الصدر. ولأسباب أخرى كثيرة، أصبح الصرخي مثيراً للجدل في الوسط الشيعي، خاصة بعدما نادى بوضع حد للتدخل الإيراني في الأضرحة الدينية المقدسة ضمن العراق، ومطالبته بإغلاق القنصلية الإيرانية في كربلاء.

كان للصرخي مواقف عديدة خلال حياته وخلال التحولات التي شهدها العراق، فهو من سعى دائماً لإقامة علاقة طيبة بين السنة والشيعة، وهو من أفتى بحرمة الدم العراقي أثناء الاقتتالات الطائفية، وقال في حديثه عن الأحزاب السياسية التي باتت تحكم العراق وتفرض طائفيتها البغيضة ”إن المكر السياسي في العراق فاق كلّ مكر العالم“.

عندما وقع الغزو الأمريكي للعراق، رفض الصرخي الإمضاء على الدستور معتبراً أنه كُتب تحت إشراف قوات الاحتلال الأمريكي، كما رفض نظام المحاصصة السياسية وقال أن ذلك سيؤدي إلى تقسيم العراق، وهذا ما حصل بالفعل.

لم يسلم الصرخي أيضاً من إساءات الشيعة، تحديداً إيران التي رأته غير ممتثلٍ لنهجها السياسي أو الديني، فعملت على عزله وإبعاده عن الساحة. كان للصرخي مواقف كثيرة كادت تجعله رجل دين إصلاحي يوفق بين شؤون الدين والدنيا، خاصة في آرائه المتعلقة بداعش والمعركة الفكرية ضد التنظيم الإسلامي المتطرف، حيث يرى الصرخي أن الشعب العرقي بحاجة لحملة فكرية ضد هذا التطرف. مع كل هذا وذاك، يبدو أن الصرخي وأتباعه تعرضوا للاضطهاد أو التهميش على يد كافة الأطراف، سواء الدولة العراقية أم إيران أم حتى بعض أطياف الشعب العراقي.

الراب واللطميات وسيلة لكسب اهتمام الشباب

يمزج أتباع الصرخي بين اللطميات التقليدية وأغاني الراب بالعربية. صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

في المسجد أيضاً الشيخ سالم الجناحي، وهو الذي قال لموقع «ميدل إيست آي»: ”بفضل الراب الإسلامي، والذي يحبه الشباب العراقي، بدأ الشباب بالعودة إلى المسجد، وبإمكاننا القول أننا حققنا أحد أهدافنا“.

مع ذلك، يشكك الكثير من العراقيون في صدق هذ المسعى، فتقول غفران ابراهيم، طالبة الصيدلة من بغداد والتي تشكك بنوايا كافة الزعماء الدينيين في العراق: ”لا أثق ولا عائلتي بأي كلمة يتفوهون بها، لأنهم يسعون وراء المكاسب الشخصية من خلال خطاباتهم“.

صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

وفقاً لإحصائية حديثة –بين عامي 2018 و2019– قامت بها شبكة «بي بي سي»، يبدو أن العراقيين يفقدون إيمانهم الديني، وكذلك إيمانهم وثقتهم برجال الدين. فبعد كل ما شهده العراق من يأس وفشل سياسي، بدأ العراقيون يشككون في مساعي زعمائهم الدينيين، ما أدى إلى تزايد نفور بعض العراقيين من هؤلاء الزعماء، خاصة مع بروز اعتقاد عقب الغزو الأمريكي يتمثل بأن رجال الدين سيقودون البلد إلى النمو والازدهار، ووفقاً لأحد الشباب الذين تحدثوا إلى «ميدل إيست آي» ولم يذكر اسمه، بات في العراق اليوم «فئتان فقط، المتطرفون والملحدون».

صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

يعترف السيد حسين القزويني، وهو مختص في فقه الشريعة الإسلامية من كربلاء، بأن الإسلام يفقد زخمه بين فئة الشباب. يقول القزويني: ”شُوّهت صورة الإسلام على يد الأحزاب السياسية التي تتحدث باسم الدين“.

في المقابل، قد يعترف رجال الدين بالوضع الحرج الذي وصلت إليه البلاد، لكنهم لا يرون أن حلول الحركة الصرخية ناجحة. يقول القزويني: ”الموسيقى محرمة في الإسلام، وهؤلاء يمزجون بين الدين والراب، والأخير معروفٌ بسلوكه الشائن. قد تكون موسيقى الراب مقبولة في لوس أنجلوس، لكن ليس في العراق“.

السيد حسين القزويني. صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

من مكتبه في كربلاء، يرى القزويني أن على المؤسسة الدينية العراقية تعلّم التحدث بلغة الشباب، والتأكد من أن الخطاب الإسلامي لا يتعارض مع العلم. يقول: ”أعتقد أن علينا الترويج للسلام والوفاق مع الديانات الأخرى. لسوء الحظ، يبدو أن الطريق طويلٌ أمامنا“.

ترى الحركة الصرخية أن هذا الراب الديني يسهم في إرجاع الشباب إلى الدين، وتشجيعهم أيضاً على قراءة القرآن. ويرى القزويني أن الحركة وجدت حقاً طريقتها لإعادة التواصل مع الشباب: ”بشكل أو بآخر، نجحت الحركة ووضعت مزيدًا من المسؤولية على أكتاف مؤسستنا الدينية. لنكن واقعيين، لم نقم بما فيه الكفاية كي نتواصل مع الشباب، وإذا لم نتصرف، فقد نخسرهم إلى الأبد“.

لكن القزويني يبدو متحفظاً هو الآخر على استخدام الراب، حيث يقول: ”اليوم استخدمنا الراب، لكن إن فتحنا هذا الباب علينا، فقد نجد غداً شيئاً آخر، إلى أين سنقود هذا الدين؟“. في المقابل، يقول الرابر لؤي محمود أن الراب لغة عالمية يفهمها جميع الشباب في عصرنا الحالي: ”إنها لغة عادية تُستخدم لإيصال الرسائل“.

صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

في بلدة المدحتية، الواقعة على بعد 100 كيلومتر جنوب بغداد، حضر الشيخ سالم الجناحي في مسجد يضم عشرات المراهقين الذين يرتدون ستراتهم الحمراء، ويقفون إلى جانب بعضهم البعض وكأنهم يتحضرون للصلاة، لكن مكبرات الصوت تنضح بإيقاع الطبول، وهناك شاب ارتدى عباءته السوداء وبدأ الغناء بسرعة تضاهي رابرز نيويورك أثناء أداء معارك الراب الخاصة بهم.

ينتمي الجناحي إلى حركة الصرخي، وهو يرى أن «الراب الحسيني» طريقة ناجحة لإرجاع الشباب إلى الدين، وهو –أي الجناحي– متهم أيضاً بتشويه صورة التقاليد المحافظة. لكن للجناحي رأي آخر بخصوص التقاليد، حيث يرى أن الشيوخ الآخرين «منخرطون في الفساد والسياسية، لذا بدأ الشباب بالنفور من الدين».

في العراق، ينتمي أكثر من نصف السكان إلى المذهب الشيعي، ولكن التقاليد الغربية آخذة بالتمدد في هذا المجتمع، ولهذا السبب، يؤكد الرابر الحسيني، كرار البديري، أن العراق بحاجة لأسلوب مهجن من العبادة ”الشباب يهجرون الدين والأخلاق بسبب رجال الدين المتخلفين والتقليديين“.

يقول البديري أيضاً: ”اتجه الشباب نحو الجريمة واستخدام المخدرات والجهل والإلحاد“، ولمحاربة هذا الوضع، اتجه هو وبعض رفاقه المسلمين إلى الراب لخلق شكل جديد من العبادة قائم على الدين بشكل أساسي، يكمل البديري: ”أصبح الراب الحسيني إحدى الوسائل المهمة كي نصل إلى الشباب، وننشر رسالة السلام والاعتدال والأخلاق أيضاً“.

صورة: Sebastian Castelier/Middle East Eye

لا تعجب هذه المظاهر جميع المتدينيين، فرؤية حشد من الشباب بقمصانهم الخضراء وهم يلطمون صدورهم بسرعة تماشياً مع إيقاع الأغاني أثار حنق بعض رجال الدين. فالأناشيد الدينية التي يؤديها الشيعة عامة لا تشمل استخدام أدوات موسيقية، وهناك خلاف في الإسلام على تحريم الموسيقى أم لا، حيث يرى المتشددون أن الموسيقى حرام بكل أنواعها حتى خارج المسجد، بينما نرى استخدام الطبول والرقص في الصوفية مثلاً.

في الحقيقة، تعود اللطميات الشيعية إلى زمن أقدم بكثير من الإسلام، وتحديداً إلى التاريخ البابلي في العراق قبل 4000 سنة. لكن في المقابل، لم يعهد الشيعة استخدام الراب الأمريكي في اللطميات، فكسبت هذه الطقوس أسماءً عديدة، كـ الراب المهداوي أو الراب الحسيني. أثارت هذه الظاهرة جدلاً بلا شك، لكن لا وجود لموقف شيعي رسمي من هذه اللطميات، وعلى الرغم من أن المتحفظين لا يستطيعون تقبّل هذه «الظاهرة» الجديدة، لكن من الواضح أن لها آثاراً إيجابية، سواء من ناحية نشر التسامح والوفاق بين الناس، أو من ناحية التصوّف البعيد عن التشدد والتطرف.

مقالات إعلانية