in

حل لغز أصل الشعب الدرزي بعد 1000 عام

على مدى 1000 عام، استحوذ الأصل الغامض للدروز -الذين يعيشون بشكل شبه حصري في جبال سوريا ولبنان وإسرائيل- على اهتمام اللغويين والمؤرخين وعلماء الاجتماع الذين لم يتمكنوا من الاتفاق على ما إذا كان الدروز من أصل عربي أم تركي أم قوقازي أم فارسي. ولكن بفضل بحث جديد، بإمكاننا القول إنه قد وجد الحل لهذا اللغز المُحيّر، وذلك باستخدام نظام GPS جيني يعمل بطريقة مماثلة لتلك الطريقة التي يعمل بها نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية Sat Nav المزودة به السيارات.

يُعتقد أن هناك قرابة المليون درزي في العالم في يومنا هذا، تطور دينهم السّري في عام 986 ميلادي كحركة داخل الإسلام. في حين أن الأسرار الروحانية لدينهم تخضع لرقابة شديدة وهي فقط معروفة لكبار السن (الشيوخ)، إلا أن ما هو معروف من ممارساتهم وشعائرهم يعتبر مزيج من ديانات مختلفة تشمل الهندوسية والمسيحية والإسلام واليهودية. من المرجح أن هذا التنوع يستند على التجمعات التاريخية التي تعتبر نموذجية للقبائل البدوية.

لطالما كانت البحوث السابقة تعيد أصول الدروز إلى منطقة الشرق الأدنى. ومن خلال تفحّص المنطقة، تمكّن نظام تحديد الموقع الجيني (نظام التموضع الجيني أو الوراثي) من تتبّع أصل غالبية الدروز إلى المنطقة تتداخل شمال شرق تركيا وجنوب غرب أرمينيا وشمال العراق. تقع هذه المنطقة على حدود جبال زاغروس وجبال أرارات وهي المنطقة الأكثر ارتفاعاً في تركيا.

اكتشفنا ذلك من خلال تطبيق نظام التتبع على مورثات (جينومات) أكثر من 150 درزيًا، إلى جانب الفلسطينيين والبدو والسوريين واللبنانيين لمقارنة أصول أجدادهم.

المحاربون معتمرو الجبال

على مر التاريخ، تعرضت منطقة القوقاز -المتاخمة لأوروبا وآسيا- لصراع سياسي وعسكري وديني وثقافي، الأمر الذي دفع بالعديد من القبائل إلى اللجوء إلى المناطق النائية بحثاً عن الملاذ. ولم يكن الأمر مختلفاً بالنسبة للدروز.

من المرجح أن يكون أوائل المتعبدون الدروز قد عاشوا في القاهرة، حيث تبنّى الحاكم بأمر الله والذي حكم مصر وشرق البحر الأبيض المتوسط -المعروف باسم بلاد الشام- في الفترة الممتدة بين عامي 996-1021، تبنى الدروز في فترة حكمه. لكن بعد اختفائه المفاجئ، لم يلق الدروز الرحمة من خليفته الذي كان يعزم على القضاء على الإيمان الدرزي وأقصاه من مصر. إلا أن الإيمان الدرزي كان قد انتشر بالفعل خارج مصر في ذلك الوقت ولاقى قبولاً بين العديد من الجماعات المشرقية.

مواطنين قوقازيين من أبخازيا، يشبهون إلى حد كبير دروز اليوم

كان الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي من توديلا هو أول من سجَل الدروز رسميّاً وقد حدث ذلك في القرن الثاني عشر حيث وصفهم بأنهم شعب محارب مغوار يعتمر الجبال ويحب اليهود. في تلك الأثناء ونتيجة الاضطهادات التي سبق أن تعرضوا لها، أغلقوا باب الدخول في ديانتهم أمام الأتباع الجدد كما عارضوا الزواج خارج الديانة الدرزية.

وفرت المناطق الجبلية النائية الحماية للدروز ومكَّنتهم من الحفاظ على البنية المجتمعية الوثيقة والتي هي جزءًا لا يتجزأ من شعائرهم الدينية. من الممكن أن يكون الدروز قد تكيّفوا وراثياً مع الهواء الجبلي العليل، كغيرهم من سكان القوقاز، ما يمنحهم حياة مريحة في هذه الأجزاء الجغرافية النائية.

الدروز يلتقون باليهود

مع أنّ بعض علماء الوراثة في السابق اعتبروا أن الدروز لم يحظوا إلا بالقليل من الاختلاط الجيني -المعروف باسم “العزل السكاني”- إلا أن هذا غير صحيح في الواقع. حيث أنه من خلال تبادل جينات الشرق الأدنى المتنوعة مع سكان الشرق الأوسط -مثل السوريين والفلسطينيين- خلق الشعب الدرزي جينوم أكثر تنوعًا من أسلافهم، أو غيرهم من سكان الشرق الأوسط.

وتشير الأدلة الوراثية (الجينية) أيضًا إلى أنه على مر السنين ساهمت القبائل والأفراد غير الدرزية في إثراء تجمع الجينات الدرزية.

كما أظهرت الأبحاث السابقة أيضًا أن اليهود الأشكناز والدروز هم أقرب وراثيًا لبعضهم البعض من سكان الشرق الأوسط لكن السبب في ذلك لم يكن واضحاً حتى الآن. وبالاستناد إلى بحث السابق يُظهر الأصول التركية الشمال شرقية لليهود الأشكناز، يمكننا شرح هذا التشابه الجيني من خلال الأصل المشترك لليهود الأشكناز والدروز. عاش اليهود الأشكناز في العصور الوسطى في قرى قديمة في شمال شرق تركيا تُعرف باسم “أشكناز القديمة”، والتي كانت قريبة من الموطن الجبلي للدروز.

إن ما جرى التوصل إليه من نتائج يروي قصة 1000 عام من البطولات لشعبين يعيشان جنبًا إلى جنب في هذه الأراضي. ومع انتقال اليهود الأشكناز شمالًا إلى الإمبراطورية الخزرية، انتقل الدروز جنوبًا إلى فلسطين- فقط لإعادة لم شمل شعبين بعد مئات السنين. رغم أنه في ذلك الوقت، لم يتذكر أي منهما جذورهما المشتركة، فقد احتفظ كلاهما بالدليل في جيناتهما.

مقالات إعلانية