in

متى يصبح من المسموح اطلاق النار على طفل مسلح؟

إن إحدى أسوأ المآزق التي قد يقع بها الجنود في ساحات القتال هي مواجهتهم طفل مسلح، إذ أن القانون الدولي ومعظم المدونات العسكرية توصي الجنود بمعاملة المقاتلين الذين هم دون سن الرشد كأبرياء لا كأعداء.

ومن شأن هذه القوانين أن توجه الجنود نحو الحقوق القانونية التي يتمتع بها هؤلاء الأطفال وبالطريقة المحددة للتحقيق معهم ومن ثم تسريحهم، غير أن المسألة لن تكون بهذه السهولة عندما تواجه طفلا مسلحا بكلاشينكوف، ماذا تفعل في هذه الحالة؟ أتقتله؟

هنا كانت كندا أول دولة التي قدمت جواباً صريحاً بهذا الخصوص والذي يقول: ”إن كنت مجبراً، كن من يطلق النار أولاً“، موضحة بذلك عقيدتها العسكرية وموقفها فيما يتعلق بهذا الأمر.

هنا تجدر الإشارة إلى أن مواجهة الجيوش لمقاتلين يافعين أو دون سن الرشد ليست بنادرة، حيث أن عدد النزاعات والمعارك التي يتواجد بها جنود أطفال تصل حتى 17، من ضمنها مالي، العراق والفليبين. هذا وقد ذكر الجنود في الجيوش الغربية – وهم من قوات حفظ السلام – مواجهتم أطفال مسلحين يبلغون السادسة من عمرهم، وبحسب ما صرحت به منظمة الامم التحدة، تم تسريح أكثر من 115000 مقاتل قاصر منذ العام 2000 وحتى الآن.

تجنيد الاطفال

أما بالنسبة للقادة العسكريين الذين يضمون إلى صفوفهم مقاتلين أطفال، هم في الواقع يعتبرون تواجدهم صفقة مربحة من جميع الجهات، فالاطفال أقل كلفة من الجنود الراشدين وخاليين من اي شعور بالخوف عندما يتم تخديرهم، بالاضافة إلى أن وجودهم يضع الخصم في مأزق أخلاقي فيجعله عاجزا عن المبادرة اتجاههم، خاصة أن بعض الجيوش المتمردين هم في معظمهم تحت سن الرشد.

في العام 2000، واجهت مجموعة تابعة لقوات حفظ السلام البريطانية في سيراليون؛ وهي دولة تقع غرب قارة إفريقيا، مجموعة من الأطفال مسلحين بكلاشينكوف من نسخة AK-47، وعندما رفض أعضاء هذه المجموعة مقاتلة الأطفال انتهى بهم الأمر محتجزين كرهائن من قبلهم. وهذه الحادثة أدت إلى ممات مظليّ وإصابة أحد عشر جندي في محاولة انقاذ هؤلاء الجنود.

أما بالنسبة للجنود الذين أقدموا على مقاتلة أطفال مسلحين وايذائهم، فعانى هؤلاء من أزمات نفسية حادة. ففي محاولة منه لحماية قوافل في أفغنستان من هجوم فرقة انتحارية مؤلفة من أطفال، عانى أحد الجنود الكنديين من أزمة نفسية جعلته غير قادر على معانقة أولاده حتى، وقد وصل الأمر ببعض الجنود الآخرين للانتحار.

وصرّح الجنرال الكندي ”روميو دالير“ عند الإدلاء بشهادته في جلسة استماع برلمانية للبحث في حالات انتحار الجنود، بأنه لطالما اعتقد أن تواجد الأطفال في ساحات المعارك هو كمين للايقاع بهم، وأن هذه المواقف هي من أصعب الأزمات التي قد يواجهها أي جندي خلال الحرب.

كاريكاتير طفل مسلح

ونذكر هنا اتفاقية جنيف وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي تمنع وتحذر من مهاجمة المدارس أو خطف الأطفال أو أي من الأفعال والممارسات التي من شأنها أن تؤذي الأطفال بأي شكل من الأشكال. غير أن هذه الاتفاقيات لم توضح موقفها فيما يخص مواجهة الجنود لمقاتلين مسلحين دون سن الرشد، ومواجهة الأطفال في هذه الحالة تجعل من مسألة الدفاع عن النفس تبدو وكأنها جريمة.

وربما هذا ما دفع بكندا لتبني عقيدة عسكرية في الثاني من آذار تصرح من خلالها بحق الجنود استعمال السلاح للدفاع عن أنفسهم حتى لو كان مصدر التهديد مقاتلين أطفالا، هذا وقد عبّرت كندا أن أي من المقاتلين دون سن الرشد مسلح ببندقية أو قاذفة للمتفجرات اليدوية يمثل تهديداً بقدر ما يمثله أي مقاتل راشد مسلّح بنفس نوع الأسلحة. وقد استوحت كندا مبدأها هذا من معهد ”مبادرة الجنود الاطفال“ الذي اسسه الجنرال ”دالير“ في محاولة منه للقضاء على ظاهرة تجنيد الأطفال كماقتلين في ساحات المعارك.

إنما هذه العقيدة – التي تعترف بحق الجندي بالدفاع عن نفسه في مثل هذه الحالات – لا تقتصر فقط على لحظة مواجهة الجندي للطفل المسلح، بل تذهب أبعد من ذلك، حيث أن على ضباط المخابرات الإبلاغ عن أماكن تواجد الأطفال والطريقة التي يتم استغلالهم بها. كما أن على الجنود الموزعين في المناطق التي يتواجد فيها الأطفال المسلحين أن يكونوا مستعدين نفسياً ومدربين للتعامل معهم، هذا بالاضافة إلى ضرورة خضوعهم للفحص من قبل أطباء نفسيين بعد عودتهم.

وتنص التعليمات أن قتل الأطفال أو التصويب عليهم يجب أن يكون الخيار الأخير بالنسبة للجنود، فهي تسمح بالتصويب على المقاتلين الراشدين بينما توصي بالسماح للمقاتلين القاصرين بالهرب والإستسلام.

ولم يغب عن مقترحي هذه التعليمات الجديدة أن قتل الأطفال ولو بغاية الدفاع عن النفس من شأنها أن تشعل موجات عارمة من الغضب والاستنكار، وحتى الآن أبدت مجموعات حقوق الانسان تفهما بخصوص هذا الموضوع. وقد وضح ”جو باكر“ الأخصائي في حقوق الاطفال لدى منظمة ”مراقبة حقوق الانسان“ أن كندا تسعى لتحقيق التوازن بين معاملة الأطفال كأبرياء من جهة، وتمييزهم كخطر يهدد حياتهم في المعارك من جهة أخرى.

وقريباً قد تضع كندا تعليماتها تحت الاختبار، حيث أن الحكومة الكندية وعدت بارسال 600 جندي في بعثة سلام على مدى ثلاث سنوات، ولن يهم في أي مناطق سوف يتمركزون، ذلك أنهم أينما سيكونوا متواجدين هم معرضين لمواجهة أطفال مسلحين. وهنا ستسعى الحكومة الكندية باطلاع الجنود على حقهم بالدفاع عن نفسهم وذلك بغاية تخفيف الصدمة عنهم إذا ما انجبروا على مجابهة مقاتلين يافعيين.

مقالات إعلانية