in

معلومات لا تعرفها عن الإلحاد: دليلك لفهم الإلحاد والملحدين

صورة: Seb Agresti

عند طرح أي حديث يتعلق بالإلحاد، تبدأ المعلومات الخاطئة والآراء المبنية على حقائق غير صحيحة بالظهور. ما أن يُطرح هذا الحديث في دائرة من المتدينين، بصرف النظر عن ديانتهم، حتى تسمع عبارات نمطية ظلت متداولة بين أوساط المؤمنين حول الإلحاد، وغالباً ما تكون هذه المعلومات النمطية بعيدة كل البعد عن الواقع.

قبل الحديث عن الإلحاد، علينا أن نعطي هذا المصطلح حقّه في التعريف، وقبل أن نعرّف الإلحاد، علينا اكتشاف مصطلحات أخرى، كالإيمان والربوبية واللاأدرية (لاغنوصية).

الإيمان بالله وحده لا يعني أن الشخص مؤمن بالكتب السماوية، فالربوبية هي الإيمان بوجود الله ومشيئته وأنه خالق السموات والأرض والإنسان وغيرها، وهذا ما يعتبره الربوبيون قابلاً للتصديق باستخدام العقل وتفحّص العالم الطبيعي من حولنا، لكنهم لا يؤمنون بالكتب السماوية التي جاءت لتوضّح طريقة عبادة الله، وهم يرفضون فكرة تدخل الإله في حياة البشر الإنسانية، سواء عن طريق الوحي الإلهي أو المعجزات أو الرسل.

في الإسلام مثلاً، يُعتبر الإقرار بربوبية الله غير كافٍ، فالمشركون مثلاً أقروا بوجود إله خالق، لكنهم لم يؤمنوا بوحدانية هذا الإله ولم يعبدوه وحده فقط، أي أنهم لم يقروا بإلوهيته. أما الإيمان بالله، فهو الإيمان بوجود الخالق وعبادته أيضاً واتباع العقيدة الدينية التي بُيّنت في كتبه (سواء في الإسلام أم المسيحية أم اليهودية) وتوحيد إلوهية هذا الخالق، أي عبادة الله وحده، وذلك من خلال الصلاة والصيام والدعاء وما إلى هنالك.

اللاأدرية، أو اللاغنوصية (صاغها عالم الأحياء هاكسلي من المصطلح اليوناني أغنوسطس، والذي يعني المجهول أو ما فوق معرفة البشر)، هو غياب الإيمان وعدم الإيمان بالله أو العقيدة الدينية، من مبدأ استحالة إدراك الكائن البشري الطريقة التي خُلق بها هذا الكون، وبالتالي لا يؤمن اللاأدري سوى بما يستطيع العقل البشري استيعابه وإدراكه، فهو لا يؤمن بالله ولا ينكر وجوده.

الإلحاد، في المقابل، هو عدم الإيمان بوجود إله خالق. يحاول الملحد تفسير الظواهر غير المعروفة، كبداية الكون ونشأة الإنسان، بناءً على تفسيرات ومعلومات علمية منطقية، ولأن العلم لم يتوصل لطريقة تكشف لنا عن وجود كيانٍ غير بشري خلق الكون بأكمله، فلا يستطيع الملحد الإيمان بهذه الظواهر الخارقة للطبيعة. على عكس اللاأدريين الذين لا ينفون ولا يؤكدون وجود الله (أو أي ظاهرة خارقة للطبيعة)، يرى الملحدون أن الأشياء التي لا تستند إلى حقيقة علمية واضحة، أو الأشياء التي لا يمكن إثبات وجودها، هي أشياء غير موجودة، ومن ناحية وجود الإله أو عدمه، يرى الكثير من الملحدون أن وجود الله أو عدم وجوده لا يغيّر شيئاً في طريقة سير الحياة والكون.

الملحدون ليسوا شرذمة من الناس

صورة: FibonacciBlue

قد ترى أن الاعتقاد بوجود خالق لهذا الكون هو الفطرة الإنسانية السليمة، وبذلك ستستغرب من وجود أناسٍ يدحضون هذه الفكرة، ويقولون أن الكون وُجد من تلقاء نفسه. بالتالي قد ترى أن هؤلاء يشذون عن الفطرة السليمة، وفي حالات أخرى، قد تعتبرهم مرضى نفسيين أو مختلين عقلياً.

وفقاً لتقرير أوردته «بي بي سي»، يستند إلى دراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث، يُقدر عدد الملحدون في العالم بـ 1.17 مليار شخص وفقاً لإحصاء من عام 2015، وتوقع المركز أن يزداد عددهم إلى 1.2 مليار شخص عام 2060، بينما يتوقع المركز أن يبلغ عدد المؤمنين بصفة عامة نحو 8.1 مليار شخص بحلول عام 2050.

يقول المركز أن عدد الملحدين في تزايد ضمن أوروبا والولايات المتحدة، لكن بما أن الملحدين يميلون لإنجاب عدد أقل من الأطفال، فإن نسبتهم ستتراجع مقارنة بالمؤمنين من مختلف الأديان. في الدراسة نفسها، وُجد أن متوسط إنجاب المرأة المتدينة بين عامي 2010 و2015 هو 2.45 طفل، بينما بلغ العدد لدى المرأة الملحدة 1.65 طفل.

هناك إذاً 1.17 مليار شخص، أو ربما أعلى بقليل، لا يؤمنون بوجود إله. في المقابل، يقول المركز نفسه أن عدد أتباع البوذية هو 500 مليون شخص، والعدد في تراجع. وفقاً للمركز نفسه، يشكل اللادينيون نسبة 16% مقابل نسبة 84% من السكان الذين يؤمنون بديانة ما.

جميع هذه الأرقام تظهر أن عدد الملحدين ليس قليلاً، وهم ليسوا طائفة صغيرة من البشر. ناهيك عن أن البشر لا يسيرون على نهج ديني واحد، فلنأخذ المسيحية مثلاً، والتي لا تقتصر فقط على الطوائف الثلاث الأكبر (الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت)، بل تتعداها لتشمل عشرات الطوائف الأخرى. في العراق وحده 14 طائفة مسيحية معترف بها رسمياً من قبل الدولة، ولم نأتِ على ذكر الطوائف المسيحية في الولايات المتحدة مثلاً، والتي يزيد عددها عن 200 طائفة. أما في العالم أجمع، فوثق «مركز دراسة المسيحية العالمية» وجود 45 ألف طائفة مسيحية في أنحاء العالم!

لنأخذ الفرق الإسلامية، فهناك عشرات الفرق التي ظهرت على مر التاريخ، كالسنة والشيعة والصوفية والمعتزلة والفاطمية والإسماعيلية وغيرها من الطوائف والفرق التي قد لا تلقى اعترافاً من المؤسسات الإسلامية نفسها.

يعني كل ذلك أن البشر لا يسيرون وفق نظام «ملحد/مؤمن»، بل هناك تنوعات واختلافات في طريقة عبادة الإله أو حتى ماهية هذا الإله نفسه. وفقاً لهذا السياق، لا يمكننا اعتبار الإلحاد «الدين الجديد» ولا يمكننا حتى اعتباره مذهباً دينيا، فهو نقيض الدين أساساً.

الإلحاد ليس ديناً

الإلحاد ليس اعتقاداً راسخاً بعدم وجود إله، بل رفض للادعاءات التي تقرّ بوجود الإله. غالباً ما يُعتبر الإلحاد أو يُنظر إليه باعتباره شكلاً من أشكال الإيمان، ولو كان هذا الإيمان بعدم وجود خالق، لكن في الحقيقة، الإلحاد ليس إيماناً بعدم وجود إله، بل غيابٌ تام للإيمان بوجود هذا الإله.

بالنسبة للإنسان المؤمن بوجود إله، لا يستطيع المؤمن النظر إلى الجدل حول وجود الإله أو عدمه من منظور خارجي، وبالتالي لا يمكنه تصوّر أن الملحد لا يؤمن بوجود هذا الإله الذي وصفته الديانات الإبراهيمية أولاً، أو حتى وجود إله غير مرئي خلق الإنسان، مهما كان شكل هذا الإله في مختلف الديانات والطوائف الدينية الأخرى.

لا يمكن القول أن الإلحاد مذهب أو ديانة، إذا كان جَمعُ الطوابع هواية، فهل عدم جمع الطوابع هواية أيضاً؟ بالتأكيد لا. إن فقدان أو غياب إيمان المرء بالمعتقدات الدينية لا يعني أن هذا المرء يتبع مذهباً ما، وهنا يخطئ المؤمن بتفسير ماهية الإلحاد لأنه لا يستطيع وضع نفسه خارج إطار الإيمان الديني بكائن أعلى.

الإلحاد مجرد رفض لتلك المعتقدات الدينية المختلفة، لكن بما أن البشر يحبون وضع أنفسهم في قوالب وإطلاق مسميات معينة، أصبح مصطلح الإلحاد يدل على خيارٍ ديني وأسلوب حياة، بنظر المتدينين تحديداً.

إذا كنت تشكك بوجود الله لكنك لا تعرف إن كان الله موجوداً أم لا، فهذا يعني أنك لاأدري، لكن في نفس الوقت، أنت شبه ملحد لأنك ترفض اتباع ما لا تعرفه أو تدركه. في معظم الإحصائيات والاستطلاعات، يتم الإشارة إلى نوعين من البشر، المتدينين وغير المتدينين. لهذا السبب، ستجد أن عدد الملحدين أقل من عدد ”غير المؤمنين“، لكن هؤلاء ”غير المؤمنين“ هم ملحدون حتى لو لم يريدوا الاعتراف بذلك.

الإلحاد أيضاً لا يميّزك عن باقي البشر، والشيء الوحيد الذي يربط بين كل الملحدين في جميع أنحاء العالم هو عدم إيمانهم بوجود الله. لهذا السبب، لا يمكن اعتبار الإلحاد نظاماً أو ديناً أو مذهباً أو جمعية أو رابطة أو أي شيء من هذا القبيل، الإلحاد هو مجرد الاعتقاد بعدم وجود الله.

الملحدون ليسوا عباقرة ولا حمقى

وهذا تأكيد على الفكرة السابقة، فاعتقادك بعدم وجود الله لا يجعلك إنساناً أفضل أو أكثر ذكاءً. هل الملحدون أكثر ذكاءً من المؤمنين؟ تدعي بعض الدراسات ذلك، وفي اليونان القديمة وروما، اعتُبر المؤمنون أكثر حماقة من المشككين، بينما اعتُبر المشككون أكثر «حكمة» –وفق مجلة Live Science.

لا نريد التعمق في هذا الادعاء، ولن نجادل فيه حتى لو أن بعض أشكال الانحياز والتفضيلات قد تدلنا على مستوى ذكاء الإنسان. على أي حال، الإلحاد فكرة يتوصل إليها المرء من خلال المنطق، وعلى الرغم من أن الإلحاد لا يدل على ذكاء الشخص ولا غبائه، لكن علينا التوضيح أن عدد العلماء الملحدين يفوق عدد العلماء المؤمنين بوجود إله أو كيانٍ أعلى.

أجرت عالمة الاجتماع (إلين هوارد إكلوند) من جامعة رايس إحصائية بين عامي 2005 و2008، استجوبت فيها 1646 عضواً تعليمياً من أفضل جامعات الولايات المتحدة، تسألهم فيها أسئلة مفصلة حول إيمانهم ومفهوم الدين أو الروحانية بالنسبة لهم.

لاحظت (إكلوند) أن العلماء بالمجمل أقل تديناً من عامة الناس. وفي تلك الإحصائية، أجاب 64% من العلماء بأنهم ملحدون أو مشككون، بينما أجاب 6% فقط من عامة الشعب أنهم ملحدون أو مشككون. في المقابل، تقول (إكلوند) أن 9% من العلماء مؤمنون إيماناً تاماً بوجود الله، بينما تبلغ هذه النسبة عند عامة الشعب 60%. المثير للاهتمام أن أجوبة العلماء الملحدين لم تكن معادية للدين أو مسيئة له.

وجدت (إكلوند) أن 36% من العلماء والباحثين الذين أُجريت عليهم الاستطلاع يؤمنون بوجود إله، وتنوعت إجاباتهم بين ”يؤمن بقوة أو كيان أعلى، لكن ليس الله – بنسبة 8%“ و”يؤمن بالله في بعض الأحيان – بنسبة 5%“ و”يؤمن بالله، لكنه يملك بعض الشكوك – بنسبة 14%“ وأخيراً ”يؤمن بالله بدون أي شك – بنسبة 9%“.

الملحدون يعرفون الدين أكثر من المؤمنين

وفقاً لمركز «بيو»، الذي أجرى إحصائية حول المعرفة الدينية من عام 2010، وُجد أن الملحدين واللاأدريين قد حققوا أعلى النتائج، يتبعهم اليهود وطائفة المورمون. الدراسة أُجريت على الأمريكيين، وتبيّن أن أتباع مذهبٍ ديني ما لا يعرفون الكثير عن الديانات الأخرى.

وفقاً لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، قال أحد الباحثين (آلان كوبرمان) أن الملحدين واللاأدريين في الولايات المتحدة عادة ما يولدون لدى مجتمعات متدينة، ثم يتبنون الإلحاد بعد تفكر ودراسة طويلتين. وهذا صحيح إلى حد كبير، فمن فقد إيمانه بالدين إنما فقده جراء تفكر ونقد ودراسة.

التطور البيولوجي ليس إلحاداً

التطور ليس فكرة كي تعتنقها وتؤمن بها، ونظرية التطور صحيحة (مهما قرأت على الإنترنت، فالتطور واقعي ويحدث حتى هذه اللحظة)، لا يهم ما هو أصل الإنسان، لكن الكائنات على كوكبنا تتطور. دائماً ما نجد بعض أولئك المتدينيين الذين يفاخرون بالقول أن «نظرية التطور غير صحيحة وأثبت العلم هذا الأمر»… لا نعرف بداية من أين جاء صاحب هذه الفكرة بمعلوماته، لكن ابحث في المراجع العلمية كيفما تشاء، وسترى أن التطور حقيقة.

غالباً ما يخلط المشككون بين التطور الدارويني والانتقاء الطبيعي ومختلف المصطلحات الأخرى كي يثبت كل طرف أفكاره الخاصة. عندما يقول لك أحدهم أن التطور مجرد نظرية لم يثبت أحد صحتها، فأوضح له أن التطور نظرية –والنظرية لا تعني أن المعلومة غير دقيقة، بل سُميت نظرية لأنها جاءت لتفسير الواقع المُشاهد– طرأت عليها تعديلات كثيرة مع تزايد المعرفة والمعلومات، حتى أن (داروين) نفسه أدرك أن نظريته لا تجيب على كل الأسئلة.

على أي حال، هل الإلحاد يعني الإيمان بنظرية التطور؟ لا بالطبع، بل لا يشغل هذا الموضوع تفكير الكثير من الملحدين أساساً. في المقابل، قد نفهم ربط التطور بالإلحاد، فالتطور يضع قصص الخلق التقليدية تحت المساءلة، لناحية عدم اتساقها مع الاكتشافات الأحفورية والعلمية التي تؤكد وجود الحياة على هذا الكوكب –بل حتى بدء الحياة عليه– بما يتناقض مع ما جاء في الكتب الدينية.

بالمناسبة، برز نوع من التوفيق بين العلم والدين، بحيث يتم تأويل النص العلمية ونظريات بدء الحياة على كوكبنا بما يتناسب مع الدين، وذلك لا يتعدى محاولات الالتفاف على أمور أخرى في الأديان، كمباركة زواج المثليين في الكنيسة (المسيحية) أو تحليل شرب الخمر أو تدخين الحشيش (الإسلام).

هل الملحدون فاشلون اجتماعياً؟

صورة: Unsplash

نشرت صحيفة الغارديان البريطانية نتائج دراسة توصلت إلى أن الناس عادة ما يشككون في أخلاق الملحدين، وقد يشككون في ارتكابهم أفعال سيئة، وقد يأتي هذا التشكيك من طرف ملحدين أيضاً.

في الحقيقة، يبدو أن لدى الناس –في مختلف أنحاء العالم– ميلٌ لاعتبار الإيمان الديني نوعاً من الرادع الأخلاقي، وهذا ما تعلمناه في مدارسنا صراحة، ولعلّكم جميعاً سمعتم بعبارة «الوازع الديني». لكن لنكن صريحين، كم جريمة تحدث ومرتكبها يرتاد المساجد والكنائس ويؤدي كافة التعاليم والطقوس الدينية؟

في مصر مثلاً، آخر القضايا البارزة هي قضية المتحرش الذي كان يحج في مدينة مكة سابقاً، والذي شوهد على كاميرا المراقبة وهو يتحرش بفتاة صغيرة. على موقع ويكيبيديا قائمة مؤلفة من زعماء دينيين ارتكبوا جرائم تتراوح بين القتل والاستغلال الجنسي للأطفال وغيرها من الجرائم الأخرى.

لا نريد إجراء مقارنات بين عدد المجرمين الملحدين والمتدينين، ولا يعني ذلك أن الملحدين لا يرتكبون الجرائم، لكن الإلحاد نفسه لا يتعلق بكون المرء سيئاً أو جيداً، ولا خيّراً أو شريراً. في المقابل، إيمانك بديانة ما لا يعني أنك أصبحت منزهاً عن الكره والشر وارتكاب السيئات.

أخلاق الملحد

الأخلاق كلمة ذات معنى مطاطي تختلف من موقف لآخر، ومن ثقافة لأخرى، لكن الأخلاق الحميدة العامة معروفة بالنسبة لجميع البشر. صورة: Medium

في عالمنا العربي، عادة ما يتهم الملحد بأمور لا علاقة لها بالإلحاد لا من قريب ولا من بعيد، لاعتقاد المتدين أن العاقبة الأخيرة –المتمثلة بجهنم– والخوف من الله هما الرادع الذي يمنع الإنسان من أداء المعاصي وارتكاب الفظائع والشرور، وبالتالي يرون أن الملحد –غير المقتنع بوجود الآخرة والعقاب– سيرتكب المعاصي لعدم وجود رقيب عليه، وكأن الإنسان بحاجة إلى منبّه يذكره بما هو صحيح وما هو خطأ.

هل من الضروري وجود مرجعية دينية كي تعلمنا ما هو الصحيح وما هو الخطأ؟ اسأل نفسك هذا السؤال، وضع نفسك في مواقف تخيلية يُتاح لك فيها ارتكاب الأخطاء، وستلاحظ أنك تملك تفسيراً واضحاً لامتناعك عن أداء الأفعال السيئة، ولست بحاجة إلى فتوى دينية تبيح أو تحرّم هذه الأفعال (السرقة، القتل، الاغتصاب، الاعتداء على الآخرين، قبول الرشوة، الإساءة اللفظية… هل تحتاج لمرجع ديني كي يخبرك أن هذه الأمور خاطئة؟).

أولاً، إن الأخلاق بحد ذاتها أمر غير ثابت، ما تراه أخلاقي وطبيعي قد يراه آخرون شاذاً وغير منطقي، كزواج الأقارب في عالمنا العربي مثلاً، اسأل أي شخص في الغرب عن زواج الأقارب وسيقول أنه غير أخلاقي وقد يؤدي إلى بروز أمراض لدى الأجيال اللاحقة.

هناك حقائق معروفة لا حاجة لنا لمعرفة إن كانت أخلاقية أم لا، كضرب الأطفال مثلاً (مجدداً، إن كنت ترى أن ضرب الأطفال يؤدي إلى تربيتهم فأنت لا تتمتع بأي أخلاق). قد يكون زواج النبي من عائشة أخلاقياً لدى المسلمين، لكن الزواج من قاصر غير أخلاقي بالنسبة لمجتمعات أخرى… أكل لحم الخنزير غير أخلاقي بالنسبة لك لأن الخنزير بنظرك كائن قذر، وهذا حقك، لكنك تعلم أيضاً أن مليارات الأشخاص الآخرين يرون هذا الأمر طبيعي.

تنبع الأخلاقيات من داخل الإنسان، وتحديداً كيميائية الدماغ التي تدفعه إلى التعاطف مع ألم الآخرين، فعندما تشاهد مشردًا بحاله المزرية في الشارع، إما أن تساعده أو تحزن وتحاول ألا تعيره اهتماماً كي تتجنب الإحساس بالذنب والرغبة بالمساعدة.

أخيراً، لا يجب أن يكون الدين هو مرجعك الأول والأخير للأخلاق، ولا يجب أن يكون الخوف من الآخرة رادعك الوحيد لعدم ارتكاب المعاصي. فإذا كنت تتحلى بالأخلاق خوفاً من العقاب، فتلك ليست سوى أخلاقاً وهمية نابعة من الخوف.

هل الملحد إنسان صالح بالضرورة؟ طبعاً لا

كان (جوزيف ستالين) شيوعياً ملحداً، لكنه ليس مثالاً على الإلحاد، فهو دكتاتور ومسؤول عن المجاعات والإعدامات التي حدثت في عهده. صورة: Sovfoto

من يرتكب الجريمة بدون رادع –أو لأسباب شخصية بحتة– هو مجرم، سواء كان مؤمناً أم ملحداً. الزعيم الشيوعي (ستالين) مجرم ودكتاتور بكل معنى الكلمة، على الرغم من ذلك، لم يقم (ستالين) بقتل وتجويع وتهجير شعبه إلى معسكرات العمل الإجباري باسم الإلحاد مثلاً. وهذا الكلام ينطبق أيضاً على بعض المؤمنين، كـ (صدام حسين)، أسد السنة كما يحب البعض أن يلقبه، الدكتاتور وابنه عدي المغتصب ومرتكب الجرائم بدون أي رادع.

لا يوجد شيء يجمع بين الملحدين، فالإلحاد ليس منظمة أو مذهب ديني مثلما ذكرنا، وإن رأيت ملحداً يرتكب جريمة، فهو يرتكبها جراء دوافع شخصية وليس لصالح الإلحاد، أي لن ترَ الملحدين يدافعون عن هذا المجرم فقط لأنه ملحد.

الإلحاد والانتحار

هناك عدة أسباب سليمة تجعل من الملحدين أكثر عرضة للانتحار مقارنة بأشخاص آخرين يملكون إيماناً روحياً. المفارقة هو أن المتدينيين قد يكونوا سبباً في دفع الملحدين إلى الانتحار، خاصة في المجتمعات المحافظة جداً، حيث يتم الاعتداء على الملحدين أو شيطنتهم أو ترهيبهم من العاقبة الإلهية التي يؤمن الطرف الأول بها، وهنا تتبادر إلى أذهاننا قضية الناشطة المثلية (سارة حجازي) التي دمّر المجتمع والقضاء المصري حياتها لأنها رفعت علم قوس القزح في حفلة موسيقية فقط، ما دفعها إلى الانتحار جراء الضرر النفسي الحاصل.

ورد في معظم الإحصائيات والدراسات أن الأفراد الذين لا ينتمون لدين أكثر عرضة لمحاولات الانتحار من أصحاب الميول الدينية. لهذا السبب، ترى أن معدلات الانتحار في عالمنا العربي أقل من مثيلاتها في العالم الغربي، وهذا ليس مدعاة للفخر، فالانتحار بحد ذاته هو رد فعل على الظروف السيئة والمشاعر السلبية التي تنتاب المرء، وهذا لا يعني أن ظروفنا أفضل وحياتنا أكثر رفاهاً، وفي الوقت نفسه، نحن لا نمجّد الانتحار، لكن بإلقاء نظرة سريعة على أرقام ونسب الصحة النفسية في عالمنا، نستطيع فهم هذه الظاهرة بوضوح.

وفقاً لتقرير أعدته منظمة البارومتر العربي حول الصحة النفسية (شمل أكثر من 25 ألف مواطن)، نشرها موقع «سبوتنيك»، وُجد أن العراق من أكثر الشعوب العربية معاناة من الاكتئاب، فوصلت نسبة المكتئبين إلى 43%، بينما بلغت النسبة 40% في تونس و37% في فلسطين و34% في الأردن و30% في لبنان. ناهيك عن أن هذه الدراسة لم تشمل دولاً تخوض حروباً أهلية طاحنة (سوريا واليمن). أوردت الدراسة أيضاً أن 35% من سكان المنطقة العربية يشعرون بالتوتر، على رأسهم تونس 53% ثم العراق بنسبة 49% ومصر بنسبة 27% والجزائر بنسبة 27%.

بالتالي، نرى أن الصحة النفسية في عالمنا ليست جيدة، وتدني معدلات الانتحار لا يعني أن الدين وذكر الله يحمينا من الاكتئاب والقلق والتوتر، إنما خوفنا من العقاب الإلهي تجاه إزهاق الروح هو ما يشكل حاجزاً يقي المؤمن من محاولة الانتحار.

الملحد لا يملك كل الأجوبة

كان الناس في الماضي يفسرون الظواهر الغامضة والأكبر من قدرتهم على استيعابها بنسبها إلى قوى أو كيانات إلهية، كالبرق والرعد والعواصف وغيرها… واليوم، لا يختلف الأمر كثيراً حتى مع كل هذا التقدم العلمي.

لا يعلم العلماء تماماً كيف نشأ هذا الكون وما هي الخلية الأولى التي نشأت على كوكبنا، لكن أن الملحد لا ينسب كل هذه الأمور المجهولة إلى قوة خارقة، عندما يقوم المرء بذلك، فهو لا يبذل الكثير من الجهد لمعرفة الحقيقة، بل يفضل تجاهل الموضوع ونسبه إلى الله الذي يعلم كل شيء وعلى دراية بكل شيء عصيّ الإدراك على البشر. في المقابل، لا يخشى الملحد القول أنه لا يعلم تفسير ظاهرة معينة.

ومن هنا تولد النقاشات العقيمة بين المؤمن والملحد، جدالات حول من خلق من ولماذا خلق الله هذا الكون وغيرها من الأسئلة التي لا تفيد سوى بإحداث مزيد من الشرخ بين البشر.

جاءت الديانات كنوع من التصوف الروحي، ولا يجدر بها أن تكون أساساً علمياً لتفسير الظواهر. لهذا السبب، لا يقضي الملحد وقته بنقد كل ما جاء في الدين، ولا يجب على المسلم أيضاً أن يقضي وقته في «هدم الإلحاد». هناك الكثير من الأمثلة عن أشخاص مؤمنين (بعضهم مسلمون أيضاً)، وتحديداً في العالم الغربي، يسعون إلى التوفيق بين العلم والدين، بل بين الدين وأشياء محرّمة فيه (كشرب الخمر أو المثلية الجنسية).

بالطبع، من وجهة نظر مراقب خارجي، يشذ هؤلاء الموفقون بين الدين والعلم شذوذاً واضحاً عما جاء في الكتب الدينية، لكنهم يرون أن هذه الكتب لم تعد تناسب مستوى الوعي الذي باتوا يحملوه، وفي الوقت ذاته، يرون أن الدين شيء روحي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنه، لهذا يسعون إلى إيجاد نوع من التناغم بين الدين والعلم. (قصة الإمام المثلي ومحاولات تحليل الخمر).

لماذا يثير الإلحاد رعب الناس؟

أحد المتظاهرين في باكستان ضمن مظاهرة ضد الكفر والكافرين عام 2018. صورة: Muhammad Sajjad/AP

يخاف مختلف البشر من الموت، فآليات البقاء لدينا تحاول وقايتنا من هذا المصير أو حتى التفكير به. في الديانات الإبراهيمية، وتحديداً الإسلام والمسيحية، لا يموت الإنسان وتنتهي حياته فقط، بل سيُحاسب على مافعله أيضاً.

من هنا ينبع خوف وجودي من الموت لدى هؤلاء، ما يعزز ذلك هو الفكر الديني القائل أن الروح ليست ملك صاحبها، بل ملك الله. الجميع يخاف من الموت، سواء كان ملحداً أو مؤمناً، لكن ما يثير رعب الناس هو أن الملحد لا يؤمن بوجود محاكمة إلهية في نهاية المطاف، وهذا ما يولّد نوعاً من الذعر في قلب المؤمن.

تقول المؤلفة (غريتا كريستينا) في كتابها «الإعلان عن الإلحاد»: ”عندما يعلن شخص ما إلحاده (تتحدث الكاتبة عن مجتمع مسيحي) فرد الفعل الأول هو إخبار المحيطين به عن الجحيم، وقد يكون رد الفعل عدوانياً، بهدف تخويف الملحد وردّه إلى الإيمان، وفي أحيانٍ أخرى، ينبع رد الفعل من خوفٍ واهتمامٍ حقيقيين بالملحد، خوفاً عليه من عذاب الآخرة“.

إن الوعي بالموت ليس أمراً سهلاً، مجرد التفكير بالموت يطرح على ذهن المؤمن عدداً كبيراً من الأسئلة. لكن عندما يرى هذا المؤمن أن شخصاً آخراً لا يأبه أبداً بالعقاب الإلهي، فمن الطبيعي أن يُثار غضب المؤمن وخوفه، إذ أن الربط بين الموت والعقاب الإلهي والخاتمة السيئة جعل من الإلحاد «بدعة» تهدد المجتمع –بنظر المؤمن طبعاً– وعليه محاربة تلك البدعة لأنها تضر بالنظام الديني–الاجتماعي القائم.

التعسف الديني ضد الملحدين واضطهادهم

متظاهرون في لبنان يرفعون شعارات تطالب بعلمنة الدولة. صورة: The Citizens Foundation

هناك 13 بلداً –جميعها ذات غالبية مسلمة من السكان– تحكم على الملحدين بالموت، فقط لأن هؤلاء يحملون اعتقاداً ذاتياً بأن الله غير موجود. هذه الدول هي أفغانستان وإيران وماليزيا وجزر المالديف وموريتانيا ونيجيريا وباكستان وقطر والسعودية والصومال والسودان والإمارات العربية المتحدة. في الدول الغربية، والتي كانت سابقاً تحكم على الملحدين بأنواع مختلفة من العقاب على مر العصور، رسّخت الديموقراطية الدستورية مبدأ الاستقلال الفكري والروحي للمواطنين، وأن على الدولة ألا تتدخل في شؤون المعتقد الديني لرعاياها وألا تقوم بالتعسف تجاه حملة المعتقدات الدينية.

عدم إعدام الملحدين، في المقابل، لا يعني أنهم يملكون حرية التعبير حتى، ففي دول عربية كثيرة لم تذكرها القائمة السابقة، تُعد المجاهرة بالإلحاد شكلاً من أشكال هدم المجتمع (وكأن المجتمعات العربية هي أفضل وأنقى مجتمعات العالم).

شخصيات ملحدة قدمت الكثير للعالم

لم يكن ابن سينا مسلماً، إذ تم تكفيره على الرغم من إسهاماته العلمية الكثيرة وحصوله على لقب “أبي الطب”. صورة: Alamy

هل الملحدون أذكى من المؤمنين؟ لا نعتقد ذلك، إذ أن عوامل عديدة تلعب دوراً في حصول المرء على المعرفة والوعي الكافيين كي يسهم المرء في الإنتاج العلمي.

هناك مشاهير وعلماء لا يؤمنون بالله، منهم (ستيفن هوكينغ) و(نيلز بور) و(لورن دالمبير) و(سيغموند فرويد) و(بيرتراند راسل) و(إرفين شرودنغر) و(آلان تورنغ) و(سام هاريس) و(كريستوفر هيتشنز) و(ريتشارد دوكينز)، هناك مشاهير أيضاً مثل (جورج كلوني) و(براد بيت) و(أنجلينا جولي) وغيرهم.

من بين العرب أيضاً أناسٌ لا يؤمنون بالله، ووفقاً لمعهد «وين غالوب» لاستطلاعات الرأي الذي أجرى استبياناً عام 2012، وُجد أن 2% من سكان العالم العربي ملحدون، أي ما لا يقل عن 7 مليون شخص (في السعودية وحدها، أفاد 19% من الذين أُجريت عليهم الدراسة أنهم ”لا دينيون“، بينما أجاب 5% أنهم ”ملحدون“).

العالم (آلان تورينغ)، الذي اضُطهد أيضاً بسبب ميوله الجنسية. صورة: Fine Art Images—Heritage Images/age fotostock

بالمناسبة، الإلحاد ليس ظاهرة وليدة العصر، وليس تقليداً للعالم الغربي، فهناك أسماء قديمة من التاريخ وأسماء حديثة، أشهرهم المفكر والشاعر أبو العلاء المعري وابن سينا وابن رشد والرازي والجاحظ والفارابي، وجميع هؤلاء تم تكفيرهم، فابن سينا كافر بالله وملائكته ”البداية والنهاية لابن كثير“ وابن رشد ضال وملحد وينكر البعث ”سير أعلام النبلاء للذهبي“ والرازي من كبار الزنادقة الملاحدة ”درء التعارض لابن تيمية“ وأسماء عربية أخرى كثيرة كانت منارة للحضارة والعلم.

من المفكرين والكُتاب والسياسيين الملحدين الأحدث نجد اليمني علي البخيتي، المتحدث السابق باسم جماعة الحوثي والذي انشق عنهم وهاجمهم لاحقاً، وأعلن عن نفسه باعتباره لادينياً. وهناك المفكر السعودي الأكثر إثارة للجدل، عبد الله القصيمي، الذي يُعتبر مثالاً عن الإنسان العاقل المتفكر الذي انتقل من الدين إلى الإلحاد. من الأمثلة الأخرى العالم اللبناني الكندي جاد سعد الباحث في جامعة كونكورديا، والمفكر السوري زكي الأرسوزي والشاعر الشهير (أدونيس)، والسياسي المصري الألماني حامد عبد الصمد.

لماذا يتجه المتدين نحو الإلحاد؟ إليكم قصصاً واقعية أبطالها عرب

نشر موقع دخلك بتعرف سؤالاً في يوم الردة عن الدين (22 آب) مفاده: أخبرنا ما سبب تركك الدين؟ جاءت الإجابات متنوعة، على الرغم من أن أغلب الردود جاءت من أناسٍ تركوا الإسلام.

أسباب كثيرة قالها المتابعون، منها أن الكتب الدينية مليئة بالأساطير المتفق عليها، ويتم تلقينها للأطفال بحيث تصبح قناعات راسخة لا يمكن حتى التفكير بها أو نقدها، وأسباب أخرى تتمثل في عدم رغبة الشباب الحالي بالالتزام بالعبادات وترك المحظورات.

أسباب أخرى عزاها المتابعون للقصص والمعجزات التي يبدو أنها نُسخت من حضارات وشعوب المنطقة قبل الإسلام، تحديداً الحضارات البابلية والسومرية والآشورية وقصة الطوفان وقصة آدم وحواء. جواب أخير نتمنى أن يفكر به كل إنسان، مفاده “الدين هو الذي ارتد عني، لم يرغب بالعيش مع المنطق في نفس المكان”.

في الحقيقة، إن نظرت للواقع نظرة منطقية، سترى أن الدول الملحدة هي الأكثر حفاظاً على حقوق المعتقد والديانة لدى مواطنيها، فالإلحاد لا يعني التهجم على الأديان وإزالتها بالقوة، بل هو مجرد اعتقاد شخصي يمنعك من الإيمان بما يمليه عليك الآخرون عنوة. إن اهتم كل فرد بنفسه، واحتفظ بمعتقداته لنفسه، لما نبعت كل تلك الكراهية والحقد والعداء بين البشر.

إن كنت روحانياً وتؤمن بمعتقداتك الخاصة، فأنت حر بهذا الإيمان، وما عليك سوى معاملة الآخرين بهذه الطريقة، دعهم يؤمنون بما يشاؤون –وذلك يشمل خيار عدم الإيمان أيضاً– عندها ستجد أن الحياة أصبحت أسهل وأقل تعقيداً.

مقالات إعلانية