in

ضحايا التحرش والاغتصاب

صورة: Kat Jayne/Pexels

التحرش، الاغتصاب، الاعتداء الجنسي.. ليست عبارات مستقطبة من الدول الأوروبية ”الكافرة“ أو مرتبطة بزمننا الحديث هذا، بل عبارات اعتدنا على سماعها جميعنا يومياً على التلفاز، في العمل أو على وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصبح الضحايا مجرد أرقام تستخدم في إحصائيات الدراسات الاجتماعية.

هنّ ضحايا، ضحايا فعلٍ مقزز وشنيع، ولكنهنّ ضحايا مجتمعهن أيضاً، مجتمعٌ يقف أغلبه مع المعتدي أو المتحرّش ويبرّر له فعلته، ويعاقب الضحية، بل ويجلدها ويعذبها غير آبه بحقيقة الأمر، فيبحث عن مبررات للمعتدي متجاهلاً معاناة الضحية من اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق المرافق لها وصولاً إلى الأفكار الانتحارية ولعنة سترافقها طوال حياتها.

ماذا لو قلت لك عزيزي، مثلاً، أنّ الضحية كانت جالسة في ناد ليلي بمفردها، وكانت تشرب حتى الثمالة، فقام بعض الشبّان باستغلالها فهرعوا بها نحو منزلهم واعتدوا عليها، هل ستلوم المعتدين على فعلتهم، أم ستلوم الفتاة كونها لم تدرك طبيعة مجتمعها الذكوري وأنها وضعت نفسها بإرادتها في متناول أيديهم؟

وإذا قلت لك أنّ الضحية كانت جالسةً في الباص، فاقترب رجل منها وجلس بجانبها ثم دسّ يده تحت فستانها، ولكن الفتاة برحت ساكنة ولم تقل شيئاً، فاستمرّ الرجل بفعلته طوال الطريق بحجّة أنّ سكوتها يعني رضاها… هل ستلوم المعتدي أم الفتاة مجدداً على سكوتها وتعتبر أنّها كانت مستمتعة بذلك، وإلّا لكانت صرخت ونهرته حين همّ بالاقتراب؟

ولنفترض أنّ الضحية الثالثة كانت كثيرة العلاقات مع الرجال، فتعرّفت على أحدهم في البار ووافقت على لقائه في منزله، فاستغلّ الرجل ماضيها معتبراً أنّها ”open minded“ واعتدى عليها. هل ستبرّر فعلته هذه أيضاً بأنّه كان عليها رفض اللقاء به وحيدين، وأنّها ”فتاة سوء“ ذات علاقات كثيرة، فبالتالي من المؤكد أنها ترغب بذلك؟

عزيزي القارئ، هناك سيناريوهات عديدة يمكنني الاستمرار في سردها، ولكنها حقيقية وتحصل يومياً أمامنا، والجامع المشترك بينها هو وضع الضحية في خانة الاتهام وإلباسها ثوب الذنب والعار ثم إلباس المذنب ثوب الطهارة والبراءة لمجرد أنّ ظروف الاعتداء لا تعجبك ولا ترضي تقاليد مجتمعك…

فعل الاعتداء واحد، سواء كان في المكتبة أم في نادٍ ليلي، والمعتدي واحد أكان رجلاً أو امرأة أو فرداً من عائلة الضحية، كزوجها أو جدّها.. والضحية أيضاً واحدة، سواء كانت طفلاً أو رجلاً أو امرأة ترتدي لباساً ”محتشماً“ أم قصيراً…

حبّذا لو نخرج من مستنقع أفكارنا القذر ونرتقي قليلاً وندرك أنّ أيّ علاقة جنسية أو تلميح جنسيّ أو لمسة لا يمكن أن تصحّ إلّا برضا الطرفين سوياً وبكامل وعيهما، وأنّ الضحية لا تطلب التحرّش وأنّ صمتها وتجمّدها في مكانها في بعض الحالات ما هو إلّا ردّة فعل على الاعتداء.

وأخيراً إلى كلّ ضحية واجهت مجتمعها وتكلمت، أنت بطلة وأنت بطل، وإلى كل ضحية لا تزال تعاني بصمت، أنت بطلة أيضاً وأعانك الله على ضجيج عقلك، أملاً بمجيء يوم يستطيع فيه كل إنسان العيش بطمأنينة وأمان.

مقالات إعلانية