in

نحن الذين لم يحبّنا الله

صورة لـMisha Gordin

كنت كالعادة أسيرُ في الشارع بدون وجهةٍ محدّدة، أوقفَني مراسلٌ يعمل في إحدى القنوات التي لا أعرفُ اسمها لأنني شخصٌ كان عليه الإختيارُ يوماً بين تلفازِه وآخر رغيف يملكه فقرر التخلي عن التلفاز وأطعمَ فُتات رغيفه لما تيسّر من الطيور المهاجرة من وإلى هذه المدينة.

وجّه المصورُ كاميرته نحو وجهي، وجهُ المراسلِ كان بشوشاً ولكنه كان فاشلاً في تصنّع ذلك.

سألني حرفياً هذا السؤال، ماذا ومَن تحب في هذا العالم؟

لم أعتقد يوماً أنّني سأجيبُ عن هذا السؤال لكنّني صارحتُه:

أحبُ الذين يستيقظون دائماً وقد فاتَهم موعدٌ مُهم فيعودون إلى سباتهم مطمئنّين، أحب الذين ينظرون إلى الطائرة من وراء الزجاج ويحلمون بتجربة هذا الشعور، الذين لا يملكون سيارةً ولو حتى من النوع القديم فيعرفون أسرار الباصات والطرق المختصرة، الذين اعتادوا على النوم في مقاعدهم أثناءَ زحمة السير.

أحب الذين تشكّلُ الوجباتُ السريعة طعامَهم اليوميّ، الذين نسيَت أمهاتُهم معالمَ وجوههم، أحب الذين يجاهرون بكُرههم للعائلة والوطن وكلّ الأغلالِ التي وُلدنا نرتديها، أحب التي تهجرُ زوجَها في يوم الزفاف فتركضُ وتترك كل شيء خلفَها دون ندم.

أحب الذين تآمرت عليهم الأقدارُ والحظوظُ، الذين لم يكملوا دراستهم، الذين يقفون بصمتٍ حين يغمرُ المجتمعُ أصدقاءهم الأغنياءَ بالحب والمديح ويكتفون ببسمةٍ صفراء لهُم لأنّهم ببساطة فقراء، الذين يكرهون الكتبَ والثقافة والبدلات الأنيقة، أحب الذين يدخّنون أسوءَ أنواع السجائر منتظرين السرطان بحب وشغف، أحب الذين لا ينظّفون أسنانهم ولا يعرفون استخدام الشوكة والسكين، الذين يُبكيهم أيّ شيء بسبب هشاشة أرواحِهم وشدّة تمزقها، الذين حُرموا من ارتداء ملابسهم المفضلة لأنّ أجسادَهم غيرُ مصقولة، الذين لا يملكون حساباً مصرفياً، الذين لم ترضَ عنهُم الموضةُ يوماً..

أحب الذين أيقنوا بأنّ هذا العالمَ ليس مكانَهم، الذين عرفوا أنّ حربَهم هنا خاسرةٌ لا محالة، الذين لو قُدّر لهم لتركوا هذه المستديرة ساعةَ وُلدوا…

تكلّمتُ مطوّلا فنسيتُ أن أُخبره بأنّني أحب تلفازي وأشتاقُ إليه، خانتني ذاكرتي يومَها فهلّا تقولون له ذلك!

مقالات إعلانية