in

استياء الستة!

قبيلة افريقية
صورة: Okinawa Soba/Flickr

في العام ١٨٧٣ ميلادي وفي إحدى المناطق النائية وسط إفريقيا توجد إحدى العشائر التي يبلغ عدد أفرادها ١٠٠، يحكمهم كبيرُ العشيرة صاحب القوة البدنية، كان يستغلّ هذه النقطة لجباية المحاصيل من أهل المنطقة وأخذ نصف صيدهم اليومي.

كان العامة يأتون إلى ساحة المنطقة عند نهاية كل يوم لتقديم المحصول والصيد لكبير العشيرة ضمن مراسم عشائرية مُعتادة. وبالطبع كان له بعض الحُراس والخدم والحاشية. معظم أهل المنطقة لديهم أُسر وأطفال يُعيلونهم، ولم تكن كمية المحاصيل والصيد المُتبقية تكفيهم بشكل جيد، ولكنهم كانوا يُردّدون ما اعتادوه من عبارات للصبر والرضا بهذه القسمة.

بعضُ المُقرّبين من كبير العشيرة، وإذا اشتدّت فاقة بعض الأُسر وحاجتهم ذكّروهم بأنّ الصبر والقناعة خيرٌ للإنسان من كل نعيم الدنيا. وكثيرٌ من أهل العشيرة اقتنعوا بذلك حقًا وأصبحوا يتداولونه أثناء مصائبهم ومآسيهم إلّا ستّة أفراد لم يكونوا على اتفاقٍ مع هذه الفكرة، خصوصًا عندما مات عدة أطفال من الجوع إثر قلّة المحاصيل.

ذهب هؤلاء الستة إلى التلّة التي يجتمع حولها بعض الأهالي ليلًا وأعلنوا لهم عدم رضاهم عمّا يجري، وألقوا خطابًا بيّنوا فيه امتعاضهم الشديد من هذا الواقع. وما أن انتهوا من الحديث حتى قابلهم الجميع بالغضب والتعنيف، حتى أنّ أحد الرجال قال بصوتٍ مُرتفع: ”أنتم فاسدون وتريدون السوء لأهلنا“. وأردفت إحدى النساء قائلة: ”لقد عاش أجدادنا وجدّاتنا هكذا منذ سنين ولم يضرّهم شيء“.

قال أحد الستة: ”ليس من واجبنا تقديم شيء من صيدنا لكبير العشيرة بينما يموت أطفالنا من الجوع“. غضب أحد المُسنين الحكماء وقال: ”الحياة هكذا، أخذٌ وعطاء، والموت ليس بيدنا ولكنه بيد الآلهة“. ردّ أحد الستة مُتعجبًا من رأي الحكيم: ”وهل الآلهة ترضى بهذا التقسيم الظالم أيها الحكيم؟ لو بقينا على هذه الحالة أيها الحكيم ربما متنا جميعًا من الجوع!“

قاطعه الحكيم وهو يُشير بيديه نحو النار المُشتعلة أعلى التلّة: ”انظر لتلك النار، إنها مشتعلة منذ سنين ولم تنطفئ، ولم يضرّها شيء، فلا تكن متشائمًا“. أجابه الشخص نفسه: ”عجبًا منك يا حكيم، وهل استيائي من الظلم تشاؤم؟ وهل قلقي على أطفالكم وأنفسكم خطأ؟ أجبني أيها الحكيم، ألم تمت زوجتك قبل عامين جوعًا وكُنا نهب الصيد لكبير العشيرة!؟“

صرخ الحكيم وهو يدير ظهره للتلّة: ”هيا اذهبوا لدياركم، غدًا علينا العمل مبكرًا“. وانفضّ المجلس وذهبوا للنوم.

لم يجرؤ أحد على تبليغ كبير العشيرة أو أحد من خدمِه خوفًا ممّا قد يجري، ولكن عُرف عن هؤلاء الستة في أوساط الأهالي أنهم ضالّون ونظرتهم سوداء حتى قطع جميع الأهالي علاقتهم بهم وأصبحوا منبوذين.

حاول الستة المستاؤون مرة ثانية وثالثة التعبير عن رأيهم، وكانت ردّة الفعل ذاتها حتى اكتشف كبير العشيرة ذلك وأمر بمعاقبتهم، كان وقتها قد فرّ اثنان منهم لمنطقة أخرى وبقي أربعة تم تقييدهم بالحبال وإرغامهم على العمل طوال النهار حتى نهاية أعمارهم.

بقيت المنطقة هادئة، وبقي الأهالي يُقدّمون نصف محاصيلهم وصيدهم كل يوم لكبير العشيرة. أمّا الاثنان اللذان فرّا لمنطقة بعيدة أصبحا يعملان دون تقديم شيء من محاصيلهما لأحد.

مقالات إعلانية