in

قصّتي عندما كنت إرهابياً

ارهابي
صورة: Jack Dylan

يوم جميل، وأنا سعيد. يوم جميل رغم كل زحمة الأحداث على هذه الكرة الأرضية المجنونة، لكنّني بخير.

أعيش حياتي كما هي دائماً؛ بزُهدها كما هي، وبأيامها كما هي، وبتفاصيلها المملّة، وبما تقدّمه لي من سعادة.

ضوضاء الأحداث امتدّت إلى مدينتي. فتلك صور للحروب هنا وهناك؛ جثثٌ في كلّ مكان. أخافُ أن أفقد سلام المنظر!

في يومٍ من أيامي العادية خرجتُ من بيتي متأخراً. هرعتُ إلى المواصلات وجلستُ وصبري يقارب على النفاذ. كنتُ أنظر من خلال نافذة الباص؛ رأيتُ صوراً على الجدران تشبه صور المجرمين. ”يالله متى سنتخلّص من هذا الهمّ“.

أمعنتُ النظر قليلاً، وجدتُ صورة تشبهني. فركتُ عيني، ولمت الصداع الذي أصابني. نظرتُ مرّة أخرى. تلك الصور تشبهني فعلاً. رجلٌ بكامل ملامحي ولكن بمواصفات أخرى. بعيون أكثر جرأة، بلحية قصيرة وعثّة.

لم أتمالك نفسي، كان قلبي ينبضُ بسرعةٍ تتزايد أكثر فأكثر. كان رجلٌ بالقرب منّي يقرأ الجريدة، وجدتُ الصورة نفسها؛ تلك المخيفة، ذلك المسخ، ذلك الذي تصرخ ملامحُه باسمي.

ابتلعتُ خوفي، وطلبتُ من سائق الباص أن يتوقّف. رغم تأخّري. رحتُ أسير في الشارع وأقتربُ من الصور، ألاحظها جيداً. أدرسُ ملامحها. ذلك أنا؛ ولكنّه غيري.

كل محاولاتي بعدم تصديق الواقع باءت بالفشل. أصبحتُ متوتراً جداً، توترٌ كبير حتى القلق، وقلقٌ كبير حتى الهلع، وهلعي أعادني ركضاً إلى منزلي.

رأيتُ زوجتي وأولادي بحالةٍ من الخوف؛ أخافني منظرُهم. اقتربتُ منهم ولكن لم يروني. كنتُ بالنسبة لهم رجلاً ميتاً.

نعم، لقد مُتّ. كانت زوجتي تبكي وتقول ”زوجي؟ إنّه أفضل رجلٍ في هذه الدنيا، مستحيل أن يكون مات كإرهابيّ“.

إرهابيّ؟! صعقتني تلك الكلمة التي ضجّت بها الدنيا. إرهابيّ، إرهابيّ، إرهابيّ. أرهبني بكاء أصدقائي وعائلتي. إرهابيّ! تلك الكلمة التي ترافقني وأنا ميّت، ولكنّني لم أمُت بعد.

كنتُ مصاباً بذهول شديد، وبإرهاق مريب، وبكمٍّ هائلٍ من الرعب؛ وهل يشعر الإرهابيّ بالرعب؟

تساءلتُ لماذا صوري في كل مكان؟ لماذا أقومُ بأشياء كثيرة في الآن نفسه؟ لماذا حضوري كان في التلفاز وفي الشوارع وفي الجرائد وفي الإنترنت، هل أصبحتُ حكاية هذا الزمان؟!

أنا الرجل الهائمُ في يومي فقط، الصامت، العابد، الذي لا يبحث عن شيء سوى حسن الخاتمة!

هلعي الشديد دعاني للركض؛ صرتُ أركض واركض، مذهولاً، خائباً، خائفاً، لا أعرف طريقي؛ ولكنّني واصلتُ الركض، أصبحتُ آلة ركض، أصبحتُ هارباً، هارباً من كلّ شيء.

كل الطرق توصلني لطريق واحد؛ كأنّني أدور في الشارع نفسه، ولكنّني في منتصف الشارع. أغمضتُ عينّي ورأيتُ ما لم أره؛ رأيتُ بأنّ الصور تتغيّر، وبأنّ الملامح تختلف.

ذلك الشخص هو غيري. تلك الملامح الكاذبة أتّضحت أكثر فأكثر. لستُ ذلك المسخ يا إلهي. ذلك رجلٌ عشوائيّ التركيب. يبدو كبشرٍ لكنّه ليس كذلك. لديه صفاتي ولكنّه ليس أنا.

توقّفت نبضات قلبي عن النبض ثم عادت فجأة. أصبحتُ أكثر هدوءاً، تماسكتُ، واستجمعتُ نفسي، وفتحتُ عينيّ على واقع آخر.

عدتُ للبيت؛ وجدتُ عائلتي سعيدةً رغم حزن الحياة. رأيتهم يمارسون حياتهم بطبيعيّة رغم جنون العالم. هل كنتُ أهذي؟ أم أنّني ببساطة لستُ غيري؟

مقالات إعلانية