الساعة السابعة والعشرون وجعاً بتوقيت الروح المتألّمة؛ الشمس ما تزال خجولة لم تشرِّفني بعد، حتى هي ككل البشر متأخّرة في مواعيدها، لا شيء في هذا الكون يلتزم النظام؛ حتى الفيزياء تخطئ أحياناً.
وصلتُ إلى عملي باكراً، باكراً جداً، لن أحكي اليوم عن عالم ما وراء النافذة؛ روحي مأخذوة بعالم آخر، والبشر مملّون جداً بالنسبة لقضية أحكيها كل يوم.
سأنتهز فرصة تأخّر الشمس وأخبركم عن القمر لماذا هي وحيدةٌ للغاية؛ وأنها لم تكن كذلك في السابق وأنها منذ كونٍ وحزن تعيش انفصالاً مؤلماً؛ وأنها إلى يومنا هذا لم تنسَ.
سأحكي لكم كل الأسرار ولكن لا تخبروا الشمس وإلّا استاءت وغضبت؛ فهي أنانية جداً، وتغار من القمر حدّ الكره!
نمتُ البارحة وأنا أعلم أنّ للقمر معشوقاً يدعى كوكو؛ يحبّها ولا يفارقها، وأنهما متشرّدان في الكون يهيمان حباً بلا قيود، واستيقظتُ فوجدتها وحيدةً تركض بائسة خلف الأرض؛ تجري معها بلا تعب؛ وكوكو يناجيها من البعيد البعيد، يرسل صرخاته من هذا الكوكب الأزرق، فلا هو يدركها ولا هي تصل إليه.
صديقي من قال ذلك! كان يحكي لي قصة ما قبل النوم، أو لعلّها ما قبل الموت..
والقمر أنثى لو تعلمون، لكن الذكوريين في كوكبي اغتصبوا حق أُنوثتها فقط لأنها جميلة، أكثر من احتمالهم أن تكون هذه المعجزة أنثى..
وقال صديقي أنّ القمر وكوكو كانا عاشقين؛ يعيشان معاً في عالم الأرواح؛ يجولان في مجرّتنا كل ليلة، حتى أنهما يتسلّلان خلسة إلى مجرات أخرى؛ ويعقدان جلسة عشق مشعّة على ضوء النيازك، كانا يطوفان بين النجوم وبين الكواكب وحتى أنهما مرة وصلا لبوابة كون آخر، إلَّا أنَّ كوكو خاف على قمر ولم يسمح لها بالدخول، ذلك أنّ بعض الأكوان شريرةٌ جداً؛ تأسر زائريها وتعذّبهم، ربما تعلّموا ذلك منّا أو نحن من تعلّمنا منهم، لستُ أدري!
لم تكن قمر أبداً ملتصقة بالأرض كما هي الآن؛ لم تكن رهينة لها! علماء الفضاء بمساعدة الشمس ألّفوا الأساطير.
كل القصة أنّ كوكو كان مغرماً بها ويغازلها كل ليلة فتضيء، وليس ذلك بسبب أنها تعكس ضوء الشمس كما أفهموكم، بل الشمس من اخترعت هذه الكذبة لأنها تغار منها، الشمس تألّف الأساطير فقط لتبقى في الصدارة، وقمر لا تهتم لذلك؛ تريد كوكو فقط! الشمس التي تحبّونها شريرة جداً..
حينها كوكو لم يكن وحده من أحب قمر؛ بل كان ينافسه في ذلك روحٌ شريرة غيورة حاقدة تدعى تريكستار، وكان تريكستار يريد قمر له وحده ويسعى لإبعاد كوكو عنها..
في ذات حلمٍ بينما كانت قمر غافية على الغمام بعد ليلة رقص مع كوكو في ذكرى ميلادهما؛ وآه! بالمناسبة، قمر وكوكو هما أول من وُلدا في كوننا هذا؛ الشمس أيضاً اخترعت كذبت أنها أول من وُلد وربما قبلها النور، ونور الشمس هو غضب وشر! ونور القمر هو عشق وحزن!
المهم؛ أخبر تريكستار كوكو أنّ قمر تريد وروداً مخملية؛ لكن الورود المخملية لا تنبت إلّا في مكان واحد فقط؛ يُدعى الأرض!
ذهب كوكو مسروراً ليحضر لقمر ورودها، لكن كوكو المسكين لم يعلم بأنه وبمجرد أن يخرج من عالم الأرواح لن يستطيع العودة إليه مجدداً!
جمع الكثير من الورود لحبيبته لكنه تفاجأ بأنه مطرودٌ من مملكة الأرواح للأبد، وأنه غير مسموحِ له الالتقاء بقمر مجدداً.
بقي كوكو عالقاً في محيط كوكبنا اللعين؛ الشمس كانت سعيدة بذلك فهي لا تحب أن يُعشقَ أحدٌ سواها..
ومن وقتها؛ وكوكو يهيم في الأرض كسيراً؛ يناجي محبوبته البعيدة بألم ويبكي أحياناً؛ ونحن نسمعه يناديها؛ ذاك صوت عواء الذئاب عند اكتمال القمر، إنه كوكو!
حتى قمر لم تعد تقفز بين الكواكب، بل بقيت مرتبطة بمحيط الأرض التي سَرقت محبوبها؛ تدور معها بوجع باحثة عن كوكو الذي لن يعود.. وحين يبلغ الشوق أوجه تصبح بدراً؛ وحين يأكلها الوجع تنطوي على نفسها وتتلاشى إلى أن تختفي.
وهذه دورتهما، عشق وألم وشوق ونداء واكتمال..
كوكو لن يلمسها أبداً؛ ولا هي ستراه مجدداً.. ولذلك القمر وحيدةٌ للغاية.
ومن يومها أيضاً؛ والعشّاق يهدون بعضهم وروداً مخملية؛ ويسهرون تحت ضوء قمر الحزينة.. ومن يومها وإلى الآن نحن نمجّد قصة العاشقين تلك دون أن ندري..
الشمس تشرق!
سأنهي حكايتي هنا قبل أن تختلس السمع وتغضب، فتصبّ لعنات الأكوان على قمر..
حين تأكلكم الوحدة ليلاً؛ ولا يكسرها إلّا عواء الذئاب؛ حينها فقط.. تذكّروا كوكو؛ وتذكّروا قمر!