in

طقطقة تحت الزينكو

طقطقة تحت الزينكو

– ماذا دهاك؟! هدّئ من روعك يا رجل!

– لقد اشتدّ المطر للغاية فجأة؛ سرتُ ثلاث ساعات كاملة حتى رأيت هذا الزينكو من بعيد فجريت بكل ما أوتيت من قوة كي أصل إليه.

– محظوظ يا ابن الق**ة! ثلاث ساعات فقط؟! سرت سبعين عام بالتمام والكمال، سبعون عام لم يتوقف المطر أبداً! ولا حتى دقيقة واحدة.

– سبعون عاما؟ منذ متى وأنت تقف هنا تحت الزينكو؟

– مذ بدأ الثلج يحاصر المناطق المجاورة! نحن – على فكرة – جميعنا أبناء ق*بة محظوظون؛ إنه مطر وحسب، ربما تظن أن طقطقة المطر تحت الزينكو ستصيبك بالجنون ولكن لا تخف، سرعان ما تعتاد عليها.

– لا أعتقد أنه بإمكاني البقاء هنا طويلاً، سأكمل مسيري بمجرّد أن تخفّ شدّة المطر.

– يمكنك البقاء إن رغبت بذلك، ويمكنك الرحيل كذلك، ولكن نصيحة، حاول تذكّر وجه قاتلك جيداً، ما أدراك ربما يأتي إليك قسم التحقيق الإلهي بقلم رصاص وورقة يطلبون منك رسم وجه قاتلك، فالأسماء والأماكن تشابهت حتى تكاد تكون هي ذاتها.

– هاي أنت! لا تزاود، أنت تقف تحت زينكو رحيم وربّه محايد.

– محايد؟ يا رجل! الحياد يشبه التبوّل في بئر تشرب منه كل يوم، ربما لا تشعر بطعم غريب عندما تروي ظمأك ولكنك تعلم أنك حتماً تجرّعت ولو قطرة من بولك.

– ”مفلسف“ رب الزينكو محايد على أيّ حال، أشعر بذلك جيداً، تربطني علاقة خاصة بالزينكو.

– وهل تظن أنك تعرف الزينكو أكثر منّي؟

– ربما أنا مجرد لاجئ مؤقت هنا! أو عائد من يدري؟ ولكنّني أمتلك مكر ثعلب وخبث ذئب ورائحة إبط سائق فورميلا وان.

– يا حبيبي! وصل بطل شعارات جديد، أتساءل لماذا كل الوافدين الجدد تحت الزينكو يجيدون حياكة الخطابات الرنانة والشعارات الزائفة! حتماً ليست مصادفة، طيب، متى ترحل؟

– يُحكى أنّ في الهندوراس وحش ضخم يشبه القرد بشعر طويل يختطف النساء إلى كهوفه في أعماق الغابات الموحشة حيث يعيش، إحدى النساء التي اختُطفت لسنوات طويلة وبعد أن أنجبت ثلاثة أبناء منه، تمكّنت من الهرب مع أبنائها، وفي محاولة يائسة منها عندما دنا الوحش منهم يلاحقهم، عبرت النهر وتركت الأولاد عند الضفة الأخرى، ولمّا وصل الوحش قام بإغراق الأطفال؛ أطفاله، في النهر انتقاماً منها.

– سيناريو متكرر بشكل يثير الرعب في الصدور، صدّقني كنتُ هناك! كانوا يرفعون الأعلام في كل زاوية، ويضعون النياشين على صدورهم ويسلّمون دروع التكريم ويشربون الشاي… يقفون بصمت وإجلال خلال تحية السلام الوطني، كانوا يتلون الخطبة تلو الأخرى، يعبثون في الواقع، ويقلّبون صفحات اللغة لانتقاء حشو رومانسي يليق بالدماء والأرض، إنها آفة مميتة، صدّقني آفة نبّأت بفناء مبكّر.

– وهل حب الوطن آفة يا خائن؟ على فكرة، عندما رأيت أن هنالك إنسان لا زال يعيش تحت الزينكو علمتُ أن في الأمر إنّ.

– لا، أقصد الرومانسية والدماء، يمكنك أن تعتبر حب الوطن تحت المطر آفة! لم يكن ثمّة وقت للحب أصلاً.

– كم دفعوا لك؟

– لم يكونوا بحاجة لإنفاق قرش واحد على أمّة أبدعت في استخدام أدوات التدمير الذاتي.

– لولا صمت العالم المتآمر لما حدث ما حدث.

– العالم يا عزيزي… العالم شركة مساهمة عامة! ولا يمكنك أن تلقي باللوم على شركة هدفها فقط تعظيم الأرباح.

– الآن فقط علمت لماذا تبدو مرتاحاً ومتأقلماً مع طقطقة الزينكو… أنا راحل، لا يمكنني البقاء هنا.

– إلى اللقاء… لا تنسَ وجه قاتلك.

– لن يصمد هذا الزينكو طويلاً… وداعاً.

– مع أنك قلت إنه رحيم وربّه محايد.

– وأنت قلت أنك كنت هناك! عندما رفعنا الأعلام وصُغنا الخطبة تلوَ الأخرى، ولكن أمثالك ينظرون في اتجاه واحد فقط… ربما عليك ولو مرة أن تنظر نحو الأعلى.

رحل اللاجئ العائد، ونظر المنتظر الى الزينكو ووجد أنّ هنالك خرماً صغيراً يتساقط منه الماء.

مقالات إعلانية