in

بعد الاتهامات الموجهة إليه من قِبل ثلاث نساء؛ العالم الشهير (نيل ديغراس تايسون) يخرج عن صمته

نيل ديغراس تايسون

خلال الأسبوع الماضي تصدر اسم العالم الشهير (نيل ديغراس تايسون) عناوين الصحف والمواقع الإخبارية المختلفة، لكن هذه المرة لم يكن السبب تصريحاً مثيراً للجدل أو خبراً عن مسلسل «الكون» العلمي الشهير –والذي كان (تايسون) قد قدم الجزء الأول منه، وأنهى منذ أشهر تصوير الجزء الثاني منه والذي سيعرض في ربيع عام 2019–، هذه المرة وبشكل صادم للكثيرين؛ كان الخبر هو أن (تايسون) متهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على ثلاث نساء مختلفات خلال العقود الأربعة الماضية.

وبعد الضجة الأولية؛ قرر (تايسون) الصمت وترك التحقيق يأخذ مجراه، لكنه عاد ليخرج عن صمته في ملاحظة مطولة وتفصيلية عبر موقع فيسبوك يشرح فيها نظرته للحوادث الثلاثة المذكورة، ويدافع عن نفسه أمام الاتهامات التي ربما تدمر مستقبله المهني، سواء في المجال العلمي أو الإعلامي.

هنا سنستعرض الحوادث الثلاثة التي شغلت الصحافة العالمية، أولاً من وجهة نظر النساء المدعيات، ومن ثم من ووجهة نظر (تايسون) ورده.

ما هي قصص الادعاءات القائمة ضد (تايسون)؟

ضمن الأخبار الأخيرة كان هناك ثلاث نساء قدمن ثلاثة ادعاءات مختلفة في شدتها ضد نيل (تايسون)، وهي مرتبة من الأحدث –من حيث وقت وقوعها المزعوم– إلى الأقدم:

عام 2018: (آشلي واتسون) — مساعدة (تايسون) في مسلسل «الكون»

(آشلي واتسون) — مساعدة (تايسون) في مسلسل «الكون»
(آشلي واتسون) Ashley Watson — مساعدة (تايسون) في مسلسل «الكون»

يأتي هذا الادعاء من المساعدة الشخصية لـ(تايسون) خلال تصوير الجزء الثاني من مسلسل «الكون» وهي (آشلي واتسون)، التي كان قد عينها منتجو السلسلة لتحرص على بذل أقصى جهد ممكن من (تايسون) ضمن المسلسل، وحتى أنها كانت السائقة المسؤولة عن إيصاله من منزله إلى مواقع التصوير. عموماً ووفق ما تقوله (واتسون) فقد كان (تايسون) قد حاول التقرب منها جنسياً في عدة مرات مختلفة، لكن من بين هذه المرات قامت بالتركيز على حالة محددة حدثت قبل أيام من انتهاء تصوير السلسلة في الصيف الماضي.

وفق (واتسون)؛ قام (تايسون) بدعوتها إلى منزله بعد يوم عمل طويل بهدف الاسترخاء والراحة، وهناك قام بصب النبيذ وتقطيع الجبنة وحتى أنه خلع حذائه وقميصه (ليبقى بالقميص الداخلي فقط، وقام بتشغيل موسيقى رومنسية، وبعد ساعتين من الحديث وعندما همت بالمغادرة قام (تايسون) بمصافحتها بطريقة تعلمها من السكان الأصليين لأمريكا، وذلك بمد إبهام اليد أثناء المصافحة لتحسس نبض الشخص الآخر من الرسغ مع الإبقاء على اتصال العينين.

لم ينته الأمر بذلك وفق (واتسون)، حيث قالت إن (تايسون) أمسكها من كتفها ثم قال إنه يرغب بعناقها ”لكنه يخشى ألا يكتفي بذلك“، وفي اليوم التالي لدى مواجهتها له بكون أحداث اليوم السابق كانت مريبة من وجهة نظرها، قال لها (تايسون) أنها لن تتقدم أبداً في مجالها المهني لأنها ”لا تقاوم“، وبالنتيجة تركت (واتسون) عملها قبل أيام فقط من انتهاء التصوير.

عام 2009: (كيتلن أليرز) — البروفيسورة المساعدة في الفيزياء وعلم الفلك في جامعة (بوكنل)

(كيتلن أليرز) — البروفيسورة المساعدة في الفيزياء وعلم الفلك في جامعة (بوكنل)
(كيتلن أليرز) Katelyn N. Allers — البروفيسورة المساعدة في الفيزياء وعلم الفلك في جامعة (بوكنل)

وفق رواية (أليرز)، فقد قابلت (تايسون) خلال حفل تلى اجتماعاً للمجمع الأمريكي لعلوم الفضاء، حيث أنها اقتربت منه وطلبت منه أن يتم التقاط صورة لها برفقته ووافق على الأمر، وبعدها لاحظ (تايسون) وجود وشم للمجموعة الشمسية على يدها وكتفها، حيث قام بلمس يدها وهو يتعقب مسار الكوكب القزم (بلوتو) باحثاً عن وجوده من عدمه ضمن الوشم. ووفق (أليرز) فقد قام (تايسون) بمد يده إلى كتفها ليشاهد جزء الوشم المخفي تحت الفستان عديم الأكمام الذي كانت ترتديه.

تم وصف الأمر بأنه سوء سلوك وتحرش وفق (أليرز)، وعلى الرغم من أنها لم تقدم أي شكوى رسمية لإدارة الجامعة أو سواها، فقد أخبرت مسؤولة عن حدث كان من المخطط أن يتضمن حضور (تايسون) في جامعة (بوكنل) عام 2013، ومع أن دعوة (تايسون) لم تلغى، فقد تم التوصية بعدم ترك (تايسون) قريباً من أي إناث وحيدات ضمن ذلك الحدث.

عام 1984: (تشيا أميت) — المغنية و”الطبيبة الروحية“ وزميلة (تايسون) السابقة في الجامعة

 (تشيا أميت) — المغنية و”الطبيبة الروحية“ وزميلة (تايسون) السابقة في الجامعة
(تشيا أميت) Tchiya Amet — المغنية و”الطبيبة الروحية“ وزميلة (تايسون) السابقة في الجامعة.

هذه الحادثة هي الأقدم وتتضمن الاتهام الأشد في الواقع بالنسبة لـ(تايسون)، حيث أن (أميت) ادعت في مقال نشرته على مدونتها الشخصية بأن (تايسون) كان قد خدرها واغتصبها عندما كانت طالبة جامعية في جامعة (تكساس) في مدينة (أوستن)، حيث أن (تايسون) أعطاها كأساً من الماء وفق ادعاها، ومن ثم فقدت الوعي وعندما استيقظت وجدت نفسها على السرير بدون ملابس، وكان (تايسون) هناك وبدأ بممارسة الجنس معها عندما فقدت الوعي مجدداً ولم تتذكر أي شيء آخر بعدها.

وقعت هذه الأحداث المفترضة بين عامي 1983 و1984 حسب (أميت)، حيث تركت الجامعة بعدها وتزوجت لاحقا وأنجبت عدة أطفال وانتقلت للغناء و”العلاج بالطاقة“ والأبراج. وفي عام 2014 نشرت (أميت) ادعائها للمرة الأولى عبر مدونتها، كما أنها حاولت تقديم بلاغ للشرطة، لكن بلاغها رفض كونه تعدى حد التقادم (10 سنوات)، وحتى أن بعض الأشخاص صرحوا كونها ظهرت في إحدى الندوات التي كان يقدمها (تايسون) وخاطبته مدعية أنه قام باغتصابها، ولكن لا يوجد تأكيد على حصول الأمر.

ما هو رد (تايسون) على هذه الادعاءات؟

نيل ديغراس تايسون
نيل ديغراس تايسون – صورة: Erik Pendzich/REX/Shutterstock

في التدوينة الطويلة التي كتبها (تايسون) على فيسبوك؛ بدأ الحديث عن الحالة المجتمعية اليوم في ظل حركة Me_too التي بدأت لتشجيع النساء على التصريح عن حالات التحرش والاعتداء الجنسي ضدهن، حيث تناول (تايسون) مشكلة كون الادعاءات تعامل من قبل العديد من الأشخاص كحقائق دون إثبات، وعلى الرغم من أن الأدلة مهمة للغاية، فكونها غير موجودة هنا يتحول الأمر إلى أقوال متضاربة فقط، والجمهور يصدق الطرف الذي يعتبره مصدر ثقة أكثر ببساطة.

وبعد بعض الاستفاضة بالحديث عن أنه قرر الصمت أولاً كون اتهامات خطيرة كهذه لا يجب البت فيها في الصحافة والإعلام، قال أنه بات من الواضح كونه لا يستطيع البقاء صامتاً، وبعدها عرض الاتهامات الثلاثة من وجهة نظره بداية من حادثة عام 2009.

حادثة عام 2009 من وجهة نظر (تايسون)

وفق (تايسون)، فالحادثة تمت كما الوصف الأولي، حيث أتت البروفيسورة (أليرز) لتلتقط صورة برفقته، وعندما لاحظ الوشم على يدها وكتفها أثار الأمر فضوله، ومع أنه –وفق تصريحه– لا يتذكر كونه بحث عن (بلوتو) في الوشم حقاً، فهو لا يستبعد كونه كان ليقوم بذلك حينها، بالأخص مع كون (بلوتو) خسر مكانته ككوكب ليصبح كوكباً قزماً قبلها بثلاثة أعوام، أي في عام 2006، وكان (تايسون) نفسه أحد المعنيين الأساسيين بالأمر حينها.

وضح (تايسون) أن الأمر حصل وسط احتفال مزدحم ومليء بالأشخاص، ولم يكن في مكان خاص أبداً، كما أن وصف ما حصل بكونه تحرشاً أمر غير مناسب كونه تم برضا الطرف الآخر وفق ما شاهده حينها، ولو أنه ووجه بأن الأمر مريب أو غير ملائم لكان اعتذر حينها كما يعتذر الآن.

حادثة عام 2018 من وجهة نظر (تايسون)

كما الحادثة الأخرى، يوافق تايسون على الجزء الأول من رواية (واتسون) لكن مع بعض التفاصيل الإضافية، حيث يذكر (تايسون) أن طبيعة عملهما معاً جعلتهما مقربين للغاية مع مئات الساعات من الأحاديث المنفردة والشخصية للغاية، وفي يوم الحادثة كان قد دعاها حقاً إلى منزله، لكنه لم يلح عليها وذكر وجود اجتماع لبعض أعضاء طاقم العمل وكونها ربما ترغب بالذهاب إليه بدلاً من الصعود معه، أو ربما تذهب لمكان آخر، مشدداً على أنها ذهبت إلى منزله بملء إرادتها.

أما بالنسبة لما حصل في منزله، فقد عاد (تايسون) ليشدد على عدم وجود أي نوايا جنسية، وأنه أثناء وجودهما في منزله كانت الطاولة التي تحمل النبيذ والجبن فاصلة بينهما، وعندما همت بالمغادرة قام حقاً بمصافحتها بالطريقة التي تعلمها من الأمريكيين الأصليين –واصفاً تفاصيل المصافحة بدلاً من مجرد وصفها بمصافحة حميمة كما في رواية (واتسون)– وبعدها عرضت عناقه لكنه رفض كما فعل في عدة مرات سابقة، مع كونها هي تعتبر العناق أمراً طبيعياً كونها تعانق العديد من الأشخاص من معارفها عند لقائها بهم.

أما بالنسبة للجزء الأخير من رواية (واتسون)؛ يدعي (تايسون) بأن الأمور لم تتم كما وصفتها، بل أنه اعتذر عندما واجهته بكونها اعتبرت أحداث اليوم السابق غير لائقة، وقامت بقبول اعتذاره وحتى أنها عانقته قبل خروجها، ليعرف لاحقاً أنها تركت العمل قبل أيام فقط من انتهائه.

حادثة عام 1984 من وجهة نظر (تايسون)

على عكس الحادثتين الأخرتين، فهذه الحادثة تتضمن اتهاماً أكبر بكثير وأشد وطأة بالطبع، وهو التخدير والاغتصاب، وهنا بدلاً من مجرد اختلاف في تفاصيل الروايات فقد نفى (تايسون) حصول ما وصفته (أميت) بشكل كامل.

ووفق روايته فقد كانت حبيبته في الجامعة لمدة وجيزة مارسا الجنس فيها مرات قليلة قبل أن يكتشفا انعدام الجاذبية بينهما، وبعدها لم يقابلها إلا بعد بضعة سنوات عندما شاهدها وهي حامل مع من يعتقد أنه أب طفلها، وحينها انتهى اللقاء القصير بشكل ودي مع مغادرتها.

وفق رواية (تايسون) فقد صدم من ادعائها عندما وصله مؤخراً، كونه عجز عن تمييز (أميت) سواء بالصور أو بالاسم قبل أن يتمكن أخيراً من ربطها بكونها حبيبة سابقة في الجامعة، حيث أن (أميت) كانت غيرت اسمها أصلاً بعد ترك الجامعة وانتقلت من علم الفلك الحقيقي إلى خرافات الأبراج والعلاج بالطاقة وغيرها. وعلى عكس كل من المرأتين الأخيرتين، تبدو (أميت) في الواقع غير مستقرة حقاً، وهو ما يضفي بعض المنطقية على قول (تايسون) بأن الأمر مجرد ذكرى مزيفة في دماغها لم تحصل أبداً في الواقع.

ماذا سيحصل الآن وما هو مصير تايسون والموسم الثاني من برنامج «الكون»؟

بعد التغطية الإعلامية الكبيرة؛ سارعت كل من شبكتي (فوكس) و(ناشونال جيوغرافيك) إلى الإعلان عن كونهما ستبدأن تحقيقات مستقلة بالادعاءات ضد (تايسون)، ومن جهته رحب (تايسون) بالأمر، وهنا يبدو أن هذه التحقيقات ستتمحور حول القضيتين الخاصتين بعامي 2009 و2018 حيث يبدو الادعاء الخاص بالثمانينيات من قبل (أميت) غير مأخوذ على محمل الجد حقاً.

على العموم وعلى الرغم من أن التحقيقات قد تعطي نتائج متباينة تماماً بين الموافقة لرواية (تايسون) أو المرأتين المدعيتين، فالأرجح أن الضرر قد حصل بالفعل هنا.

في الواقع وفي مثل هذه القضايا عادة ما يتحول الأمر لمحكمة شعبية بغض النظر عن قرار المحققين، وكل شخص يؤيد الطرف الذي يوافق آراءه السياسية أو الاجتماعية أو الذي يبدو أكثر قابلية للتصديق بنظره، ومع أن الجزء الثاني من مسلسل «الكون» على الأرجح أنه لن يتأثر بهذه الادعاءات –بالأخص مع كونه تصويره قد انتهى أصلاً–، فهذه الادعاءات ستتسبب على الأرجح بضربة قوية إن لم تكن قاضية حتى لمسيرته الإعلامية بالأخص، مع كون اتهامات سابقة لشخصيات أخرى كانت كافية للإطاحة بمسيرات إعلامية كبرى.

مقالات إعلانية