in

الذين انتحروا أحبّونا كثيراً

”انزلقت رجلها ووقعت من الطابق السابع“، ”أطلق النار على نفسه بالخطأ هو ينظّف المسدّس“.. عبارات، أو بالأحرى هي عناوين أقرؤها في معظم حالات الموت، للتغطية على موضوع الانتحار.

الانتحار عيب، المرض النفسي لا يزال عيباً.. هكذا يتعامل مجتمعي مع انتحار شبابه وشابّاته.. لا يزال ينظر إلى هذا الموضوع باستخفاف، أو على الأقل لحين انتحار أحد من أفراده.

ما العيب في طلب المساعدة؟ أين العيب إذا تكلّم أحدنا عن أفكاره السوداوية؟ حين نسمع خبر انتحار أو محاولة انتحار، نهرع ونبدأ بالتكلّم عن المتوفي، ونلومه، وننعته بأشنع الصفات (الأناني، الضعيف، الكافر، ترك أهلو ودينو وخسر آخرتو..)، ننسى أنّ له أهلاً وإخوة وأصدقاء مفجوعون بهول المصيبة، يقرؤون كلّ شيء، وأنّ للمنتحر حياةً كان يعيشها قبل موته، فلما لا نحتفل بحياته بدلاً من التركيز على لحظة واحدة في حياته؟

أنسيتم أنّهم كانوا مثلنا؟ كانوا يركضون ويمرحون، أحبّوا الحياة جداً في لحظات عديدة، كانوا يضحكون ويُضحكوننا، كانوا يركضون في المنزل صغاراً ويقومون بأعمال سخيفة لإضحاكنا إذا كنا حزناء؟ ألم تحظى المنتحرة بصديقة كانت تحبّها كثيراً، كانت تواسيها في حزنها وتشاركها فرحها، كانت تركض لمعانقتها في الصباح كل يوم؟ ألم يحظى المنتحر بصديق كان يساعده في محنه، كان ينتظر مكالمته مساءً للدردشة والضحك؟ كانوا جزءاً منّا، كانوا مصدر فخر وفرح للعائلة… ولا زالوا ولا زالوا، انتحارهم لن يغيّر من طبيعتهم الجميلة وفخرنا بهم، انتحارهم لن ينسينا ضحكاتهم الجميلة..

الانتحار ليس قوة وليس ضعف، هو في معظم الحالات ناتج عن مرض نفسي.. توقّفوا عن لومهم، تذكّروا لحظاتهم السعيدة، حافظوا على ذكراهم الجميلة.. الذين انتحروا أحبّونا كثيراً، لم يكرهونا يوماً، ليسوا أنانيين، بل هم أناس حاربوا كثيراً معارك خفيّة صعبة جداً، انتصروا عليها مرّات عديدة لوحدهم، ولكنّهم تعبوا وعانوا، كثيراً… توقّفوا عن كرههم ولومهم، توقفوا..

مقالات إعلانية