in

دخلك بتعرف الجزيرة التي تتغير سيادتها كل ستة (6) أشهر

جزيرة فازنت
صورة: Zarateman/Wikimedia

تقع جزيرة (فازنت) Pheasant ضمن نهر (بيداسوا) قبل 6 كيلومترات من انصبابه في المحيط الأطلسي قرب الحدود الفرنسية الإسبانية، في هذه الجزيرة الصغيرة التقى ممثلو دولتي فرنسا وإسبانيا في عام 1659 وقاموا بتوقيع صلح (البيرينيه) Treaty of the Pyrenees الذي أعلن فيه عن انتهاء حرب الثلاثين سنة ما بين فرنسا وإسبانيا رسمياً.

رسمت هذه الاتفاقية حدوداً جديدة بين البلدين تمتد على طول جبال (البيرينيه)، حيث تستمر على امتداد نهر (بيداسوا) حتى مصبه في خليج (بسكاي) في المحيط الأطلسي راسمةً حدوداً طبيعية ما بين فرنسا وإسبانيا، وكما يحدث عادةً حين رسم الحدود الطبيعية ما بين بلدين، فهذه الحدود قامت بتقسيم نهر (بيداسوا) إلى نصفين، نصف يقع تحت السيادة الفرنسية والآخر تحت السيادة الإسبانية.

موقع جزيرة (فازنت) على الخريطة.
موقع جزيرة (فازنت) على الخريطة.

بما أن جزيرة (فازنت)، التي تبلغ مساحتها 6474 متر مربع،  تقع في منتصف نهر (بيداسوا)، فكان من البديهي أن تقوم هذه الحدود بتقسيمها إلى نصفين أيضاً، لكن الاتفاقية وضعت تدبيراً مختلفاً فريداً من نوعه وقامت بتحويل الجزيرة إلى ملكية مشتركة.

تعني الملكية المشتركة منطقة من الأرض تقع تحت سيطرة وسيادة عدة دول بشكلٍ متساوٍ من دون تقسيم هذه المنطقة إلى عدة أجزاء، فالقارة القطبية الجنوبية تعد مثالاً ناجحاً عن الملكية المشتركة، وتاريخياً كان هناك القليل من المناطق التي تم إعلانها ملكية مشتركة لكن ذلك لم يستمر طويلاً، حيث أنّ نجاح هكذا اتفاقية يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية وهو شيء من الصعب ضمانه لمدة طويلة من الزمن، وعندما تفشل الأطراف المعنية بالتفاهم تفشل الملكية المشتركة.

ما يجعل جزيرة (فازنت) فريدة من نوعها ليس فقط كونها أقدم ملكية مشتركة مستمرة حتى الآن، بل أنّ سيادتها لا تتم بشكلٍ متزامن بل بالتناوب، فلمدة 6 أشهر في السنة تقع تحت السيادة الفرنسية، وفي الـ6 أشهر الأخرى تقع تحت السيطرة الإسبانية.

وصفت جريدة (نيويورك تايمز) بوصف هذه الاتفاقية كما يلي: ”الأمر أشبه بالكرة في لعبة بطيئة جداً من كرة الطاولة ما بين فرنسا وإسبانيا“.

الملك الفرنسي (لويس الرابع عشر) يلتقي بالملك الإسباني (فيليب الرابع) في جزيرة (فازنت) بغرض توقيع معاهدة (البيرينيه).
الملك الفرنسي (لويس الرابع عشر) يلتقي بالملك الإسباني (فيليب الرابع) في جزيرة (فازنت) بغرض توقيع معاهدة (البيرينيه).

قبل توقيع الاتفاقية وقبل بدء الحرب كان وضع جزيرة (فازنت) غير واضح المعالم، وبسبب موقعها الطبيعي المميز كانت تُستخدم بشكلٍ متكرر كنقطة التقاء ما بين ملوك إسبانيا وفرنسا، وكنقطةٍ لتبادل الأسرى، وكنتيجةٍ لهذا الأمر شهدت هذه الجزيرة العديد من اللحظات التاريخية الهامة، فعلى هذه الجزيرة التقى الملك (لويس الثالث عشر) بزوجته الإسبانية (آنا)، وفي نفس الوقت التقى أخاها (فيليب التاسع) بزوجته الفرنسية (إليزابيث) وهي أخت الملك (لويس الثالث عشر)، وقد التقى لاحقاً (لويس الرابع عشر) ابن (لويس الثالث عشر) بزوجته المستقبلية (ماري تيريز الإسبانية) على هذه الجزيرة أيضاً.

لقطة جوية فوق نهر (بيداسوا) تستعرض كيف تقسمه جزيرة (فازنت) إلى نصفين وتتوسط فرنسا وإسبانيا.
لقطة جوية فوق نهر (بيداسوا) تستعرض كيف تقسمه جزيرة (فازنت) إلى نصفين وتتوسط فرنسا وإسبانيا.

جرى عبر السنين المزيد من تبادل الزوجات على هذه الجزيرة، فقد تم تسليم (ماري لويس من أورليان) إلى (تشارلز الثاني من إسبانيا) هناك، كما تم تسليم (ماريانا فيكتوريا من إسبانيا) إلى الملك الإسباني (لويس الخامس عشر)، غير أن هذا الزواج لم يتم.

لا يسمح للزوار في يومنا هذا الوصول إلى جزيرة (فازنت)، لكن يمكن للمرء الاقتراب منها جداً، حيث أنّها تبعد مسافة 30 متر فقط من بلدة (ايرون) الواقعة على الجانب الإسباني من ضفة نهر (بيداسوا)، كما تبعد مسافة 35 متر من بلدة (هينداي) الواقعة في الجانب الفرنسي.

نصب تذكاري شيد على جزيرة (فازنت) لتخليد ذكرى توقيع اتفاقية (البيرينيه).
نصب تذكاري شيد على جزيرة (فازنت) لتخليد ذكرى توقيع اتفاقية (البيرينيه).
مراسيم تبادل السيادة على جزيرة (فازنت)
كل ستة أشهر يلتقي مسؤولون من فرنسا وإسبانيا على جزيرة (فازنت) حيث تجري بعض المراسيم التقليدية، التي يتم خلالها تبادل الوثائق التي تنقل السيادة على الجزيرة من طرف إلى آخر.
جزيرة (فازنت).
جزيرة (فازنت).

مقالات إعلانية