in

11 تفصيل فاخر ساهم في جعل قصر فرساي واحداً من أرقى وأفخم القصور في العالم

قصر فرساي

اتخذ الملوك الفرنسيون من قصر (فرساي) مكان إقامتهم الرئيسي منذ عام 1682 حتى ثورة 1789. ليس من الصعب معرفة السبب لاختيارهم هذا القصر، حيث يقع قصر (فرساي) خارج باريس تماماً، يضم العديد من الأجنحة ومئات الغرف الفاخرة، بالإضافة للحدائق الكبيرة ذات المناظر الطبيعية الخلابة. بالمختصر، إنه لقصر مذهل. أصبح هذا القصر واحداً من أكثر الوجهات السياحية شهرة على الكوكب بحسب لجنة الـ (يونسكو للتراث العالمي).

ولكن دعنا نتخيل سوياً طبيعة الحياة قديماً في هذا القصر؟ كيف كانت حياة الملوك الذين عاشوا هناك؟ أو ماذا عن الأشخاص الذين زاروا قصر (فرساي) في القرنين الثامن والتاسع عشر؟ استطعنا أن نكون فكرة شاملة عن الأحداث التي وقعت في هذا القصر الملكي وذلك بفضل ما دونه المؤرخين قديماً في ذلك الوقت، بالإضافة للعديد من اللوحات والصحف والمذكرات. بعض من هذه الأحداث قد تبدو مألوفة، ولكن البعض الآخر غير معروف جيداً. لذلك، إليك 11 شيئاً لابد عليك معرفته عن قصر (فرساي) العجيب:

1. تم بناء قصر (فرساي) سابقاً ليكون كوخاً للصيد:

المخطط القديم للقصر.

يشتهر قصر (فرساي) حالياً بكونه واحداً من أكبر وأكثر القصور الفاخرة التي شيدت على الإطلاق، ولكنه كان سابقاً أكثر تواضعاً. في الواقع، عند تشييد القصر للمرة الأولى كان يستخدم ككوخ للصيد، وفي نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الملك (هنري الرابع) زيارة قرية (فرساي) لصيد الغزلان والخنازير، وهي قرية صغيرة تبعد 12 ميلاً غرب باريس. أثناء زياراته المتكررة لهذه القرية، شعر الملك (هنري) أنه بحاجة للبحث عن مكان للإقامة به أثناء رحلات الصيد، لذلك قرر الإقامة في نزل الصيد الذي تملكه عائلة (جوندي)، وهي عائلة من نبلاء (فلورنسا) القدماء والتي كانت من أبرز مؤيدي عائلة (ميديشي) سيئة السمعة.

أغرم الملك (هنري) بـ (فرساي) لدرجة أنه عاد إليها في عام 1604 ثم مرة أخرى في عام 1609. ورّث الملك (هنري) حبه للقرية وللصيد لابنه (لويس). في عام1607، زار (لويس) مدينة (فرساي) لوحده عندما كان لا يزال أميراً حاكماً. وقع (لويس) في حب هذه القرية، عندما توج الملك (لويس) الثالث عشر كملك فرنسا عام 1610، عاد إلى (فرساي) واشترى بعض الأراضي هناك. بعد ذلك، قرر بناء مكانه الخاص للإقامة به أثناء رحلاته بدلاً من الاعتماد على عائلة (جودي) لتأمين السكن، حيث يمكن للملك وضيوفه الحصول على مكانهم الخاص. في عام 1623، أمر (لويس) ببناء كوخ صيد متواضع ومريح ومكون من طابقين، الآن يوجد بدلاً من هذا الكوخ فناء رخامي فاخر.

بقي كوخ الصيد على حاله لمدة عقد تقريباً، ربما كان من الممكن أن يحافظ هذا المكان على تواضعه لولا حدوث بعض المؤامرات والاضطرابات السياسية التي اجتاحت فرنسا عام 1630. أسس كل من الكاردينال (ريشيليو) ورئيس وزراء الملك ووالدة الملك (لويس) حلفاً للتخطيط ضد الملك. تمكن الملك (لويس) من هزيمة هذه المؤامرة. على الرغم من هزيمته لهم واحتفاظه بالعرش الملكي لنفسه، إلا أن طعم الخيانة قد ترك أثراً كبيراً في نفسه. عندها أصدر الملك (لويس) أمراً بتحويل كوخ الصيد في (فرساي) إلى قصر كبير، حيث يكون بمثابة ملجأ آمن يلجأ إليه للابتعاد عن ضغوط الحياة في باريس. بين عامي 1631 و1634 أشرف المهندس المعماري (فيليبرت لو روي) على عملية بناء القصر الملكي على الطراز الكلاسيكي. اشترى الملك أرضاً كبيرة من عائلة (جوندي). تحولت هذه الأرض لتصبح حدائق القصر، وتم البدء بوضع أسس قصر (فرساي).

2. كلف بناء هذا القصر 200 مليار دولار:

لوحة تجسد قصر فيرساي خلال الثورة الفرنسية.

عند وفاة الملك (لويس الثالث عشر) عام 1643، توج ابنه البكر (لويس الرابع عشر) ليصبح ملك فرنسا. لكن عند تتويجه كان لا يزال يبلغ من العمر 4 سنوات فقط. في عام 1651، بلغ الملك (لويس الرابع عشر) الـ 12 من عمره، عندها زار قصر (فرساي) للمرة الأولى. لكن لنكن صريحين، لم يقع الملك (لويس الرابع عشر) في حب (فرساي) كما فعل والده، كما أنه لم يكن من أشد المعجبين بالصيد، ففي سن المراهقة كانت زياراته للقصر قليلة. ولكن في عام 1661، تغير بشكل جذري، وذلك نتيجة وفاة رئيس الوزراء الكاردينال (مازارين)، حيث شعر أنه أصبح المسؤول الوحيد عن فرنسا. ساعد هذا الشعور بالمسؤولية على زيادة شغفه وحبه لقصر (فرساي)، وكان مصمماً لجعله مكاناً مناسباً له كملك.

بين عامي 1661 و1678، تمت إضافة العديد من الأجنحة الجديدة إلى القصر، حيث استعان بخبرات المهندس المعماري (لويس لو فاو)، كما تم بناء طابق ثانٍ بأسلوب أمريكي، كما تم تغيير شكل الحدائق. بمجرد الانتهاء من كل هذا، تم بناء شقق خاصة للملك والملكة، مع وجود قاعة رخامية كبيرة تفصل بين هذه الغرف. ثم منذ عام 1678 وحتى وفاة الملك (لويس الرابع عشر) عام 1715، خضع قصر (فرساي) للكثير من الإضافات والتعديلات، حيث تم بناء قاعة المرايا المشهورة عالمياً، بالإضافة لبناء الكنيسة الملكية.

أنفق الملك (لويس الرابع عشر) مبلغاً كبيراً من المال لتحقيق حلمه. ففي إحدى الفترات، قٌدرت الأموال التي أُنفقت لبناء القصر الفاخر بنحو 60% من دخل فرنسا القومي. ومع ذلك، لا يزال المؤرخون حتى يومنا هذا يختلفون حول مقدار المال الذي تم ضخه لبناء قصر (فرساي). حتى أن البعض يعتقد أن القيمة الإجمالية للقصر تقدر بحوالي 50 مليار دولار أو حتى 200 مليار دولار. سبب بناء هذا القصر الفاخر استياء أفراد العائلة المالكة، نظراً لأن الغالبية العظمى في ذلك الوقت من الرجال والنساء الفرنسيين كانوا يعيشون في حالة فقر مدقع، حيث سبب هذا الأمر قيام الثورة الفرنسية في عام 1789.

3. خصص الملك لويس الرابع عشر غرفة كاملة لساعته وأخرى لكلبه:

إحدى الساعات الفخمة الموجودة في القصر. صورة: Wikimedia Commons

لم يقتصر الأمر في هذا القصر على بناء الشقق الملكية فحسب، حيث أصدر الملك (لويس) الرابع عشر أمراً يقضي ببناء مجموعة كاملة من الغرف الأخرى لاستخدامه الشخصي. بعد إصدار هذا الأمر تم بناء كل من الفناء الرخامي والفناء الملكي، كانت هاتين الغرفتين من أكثر الغرف المزينة بأناقة في القصر. كما كانتا رمزاً يدل على مقدار الثروة التي كان يمتلكها الملك، ومدى سعادته عند بناء هذا القصر ببذخ، في وقت كان فيه الملايين من شعبه يعيشون في حالة فقر مدقع.

كان يضم الجناح الملكي على حجرة نومه وغرفة لارتداء الملابس ومطبخاً خاص به. كما أنه بنى غرفة للبلياردو المزينة بالألواح الخشبية المنحوتة بطريقة رائعة على الجدران. لكن كانت مطالب الملك (لويس الرابع عشر) بغاية التواضع مقارنة بمطالب خليفته. كان للملك (لويس الخامس عشر) الكثير من الهوايات ومنها الصيد وجمع الساعات. خصص غرفة كاملة لوضع مجموعة ساعاته الكبيرة. حتى أنه أسس الأكاديمية الملكية الفرنسية للعلوم ”ميريديان الفرنسية“ في هذه الغرفة بالذات، حيث استخدم ساعته الرئيسية والمفضلة لضبط الوقت الرسمي في المملكة بأكملها.

أما بالنسبة لغرفة الكلاب، كانت قد خصصت لكلاب الصيد الملكية. قام الملك (لويس الخامس عشر) بتحويل غرفة ألعاب سلفه إلى غرفة نوم مخصصة لكلاب الصيد، مع وضع الأسرة المخصصة للكلاب وتزيينها بأعمال فنية على شكل كلاب. كان لدى الملك (لويس الخامس عشر) غرفة مخصصة لتناول العشاء بعد الانتهاء من رحلة الصيد داخل جناحه الخاص. كان يعتبر الحصول على دعوة للانضمام للملك (لويس الخامس عشر) لتناول العشاء ومشاركته الألعاب أحد أعظم الأوسمة التي يمكن لأي شخص الحصول عليها عند زيارته قصر (فرساي).

4. بناء قناة كبرى في فرساي لمنافسة قناة البندقية:

لو غراند كانال، أو القناة الكبرى.

كانت القناة الكبرى هي المحور الرئيسي لحدائق قصر (فرساي) ذات المناظر الطبيعية الخلابة، كما كانت واحدة من أكبر المشاريع الهندسية الأوروبية على الإطلاق. لقد كانت كبيرة للغاية، استغرق بناءها حوالي الـ 11 عاماً. لم يكن (لويس الرابع عشر) يطمح لبناء بركة أو بحيرة مائية فحسب، بل إنه أراد منافسة قناة البندقية، كما أنه لم يكن يرغب بالجلوس على ضفاف هذه القناة وتأمل جمالها، بل إنه أراد الاستمتاع بالمياه أيضاً.

بدأ العمل على القناة الكبرى عام 1668 واستمر حتى عام 1679. بلغ طول هذه القناة 1670 متراً. بمجرد اكتمال هذا المشروع، بدأ الملك بعمليات الإبحار بقواربه والاستمتاع بوقته، ثم في عام 1674، زادت أحلام الملك وبدأ يطمح بمنافسة مدينة البندقية الإيطالية. طلب الملك (لويس) جلب 4 زوارق من البندقية وبناء مبنى على أحد أطراف القناة لوضعهم فيه. أُطلق على هذا المشروع اسم (ليتل فينيس)، أو البندقية الصغرى، نسبة إلى مدينة البندقية في إيطاليا.

كان يقوم الملك بدعوة أصدقاءه المفضلين لركوب الجندول (الزوارق التي جلبها من البندقية)، كانت تمتلئ القناة بالقوارب المتنوعة خلال مواسم الصيف، كما كانت تقام حفلات الفوانيس المضيئة على ضفاف هذه القناة بشكل منتظم. أما خلال المواسم الشتوية، كان يُستخدم سطح القناة المتجمد لممارسة رياضة التزلج على الجليد.

سرعان ما أصبحت القناة الكبرى واحدة من أكثر المواقع شعبيةً في (فرساي). لكن لم يحب الناس القناة بسبب تصميمها الهندسي فحسب. كان يقوم الناس بالتجديف بقواربهم في بحيرة (سويس غارد)، ولكن كانت تفوح من هذه البحيرة والبحيرات الأخرى رائحة كريهة، يُعتقد أن سبب هذه الريحة الكريهة هو أن معظم أراضي القصر قد بنيت فوق مستنقعات. صمم المهندسون المعماريون قناة أخرى، قناة (دي لوري) في عهد الملك (لويس الرابع عشر)، وذلك لحل مشكلة نقص إمدادات مياه القصر، ولكن لم يكتمل هذا المشروع لأسباب مالية، حيث كان من الأفضل الاحتفاظ بأموال الخزنة للاستعداد لخوض الحرب بدلاً من صرفها على مثل هذه الحماقات.

5. سُمح للزوار بدخول القصر والتجول في كل مكان:

الملك لويس الرابع عشر. صورة: Wikimedia Commons

لم يرغب الملك (لويس الرابع عشر) بالاحتفاظ بهذا القصر لنفسه، كان على العكس تماماً، حيث كان يعتبر من بين هؤلاء الملوك الذين يستمتعون بالتفاخر بثرواتهم الضخمة وممتلكاتهم الفاخرة، وخاصةً قصر (فرساي) الذي كان موضع حسد العائلات المالكة الأخرى في جميع أنحاء أوروبا. ومع ذلك، لم يقتصر زيارة هذا القصر والاستمتاع بالديكورات الداخلية والخارجية المزخرفة على النبلاء والأرستقراطيون فحسب. ففي عام 1682، فتح الملك (لويس) باب قصره للجمهور، كما سمح لهم بالتجول داخله والسير في أروقة القصر ولكن بشرط أن يتبعوا القواعد.

وفقاً للمعايير الاجتماعي في ذلك الوقت، كان يتعين على كل رجل يرغب بزيارة قصر (فرساي) أن يرتدي ملابساً تليق بهذا المكان، أي أنه عليه ارتداء قبعة وسيف. أما بالنسبة لأولئك الذين جاؤوا دون ارتداء هذا اللباس التقليدي، كان يسمح لهم باستعارة القبعات الرسمية والسيوف والملابس طوال مدة زيارتهم للقصر، أما بالنسبة للنساء، فكان عليهم ارتداء الفساتين الرسمية للرقص في حال أقيمت إحدى حفلات العشاء أو الحفلات الراقصة.

زار مجموعة متنوعة من الزوار قصر (فرساي) بين عامي 1682 و1789. كان من بينهم ممثلين قادمين من دول أوروبية مختلفة. على سبيل المثال، زار سفير مملكة (سيام) –تايلاند حالياً– القصر عام 1686، كما زار سفير مملكة (ميسور) الهندية القصر بعد عامين. شمل هذا الوفد على مجموعة من العلماء والشعراء والنبلاء من الطبقة الراقية الذين كانوا يقومون بـ ”جولة كبيرة“ في أوروبا. في الواقع، أصبحت (فرساي) لا تقل أهمية عن روما في الجولات السياحية الكبيرة، حيث حرص الشعراء والفلاسفة على زيارة القصر. فتح الملك أبواب قصره أمام الزوار، حيث سمح لهم بالدخول لجناحه الملكي. عندما أنجبت (ماري أنطوانيت) ابنتها في شهر ديسمبر من عام 1778، كان هناك حشد كبير من الناس الذين يراقبون كل شيء.

بعد مرور فترة وجيزة على قرار الملك (لويس الرابع عشر) الذي ينص على فتح قصر (فرساي) أمام الزوار، انتشرت محلات الهدايا التذكارية في المناطق المحيطة بالقصر. أراد معظم الزوار شراء بعض الهدايا التذكارية عند زيارتهم للقصر وكانوا يدفعون مبالغ كبيرة مقابلها. كانت الكتب المليئة بالرسومات المطبوعة التي تصور بعض المعالم البارزة داخل القصر كقاعة المرايا وسلم السفراء من أكثر الكتب مبيعاً وأكثرها غلاءً، كما كانت بعض التماثيل المصغرة عن منحوتات موجودة في الحدائق تباع في مثل هذه المحال التذكارية. قد لا يكون قصر (فرساي) اليوم من أكثر المناطق السياحية شهرة، إلا أنه في نهاية القرن الـ 18، كان من الوجهات السياحية الرئيسية.

6. قاعة المرايا المذهلة داخل قصر فرساي:

قاعة المرايا، إحدى القاعات التي تدل على فخامة وعراقة هذا القصر. صورة: Wikimedia Commons

يتميز هذا القصر بوجود مئات الغرف المزخرفة بتصاميم مميزة، لكن لا شيء يمكن مقارنته بغرفة المرايا. اكتمل بناء هذه الغرفة عام 1682، وتم تزيينها بـ 357 مرآة، والعديد من الثريات الفاخرة. كلفت هذه الغرفة ثروة طائلة، كان الملك (لويس الرابع عشر) محط نقد كبير كما كان السبب الرئيسي في التدهور الذي أصاب العائلة المالكة في ذلك الوقت. لم يكن الهدف من غرفة المرايا إظهار ثروة الملك (لويس) والتفاخر بها، حيث كان لها أهمية اجتماعية وسياسية أيضاً.

على سبيل المثال، كانت ترمز قاعة المرايا التي تربط الجناح الملكي بالكنيسة إلى القوة الاقتصادية لفرنسا. في ذلك الوقت، كانت صناعة المرايا حكراً على مدينة البندقية الإيطالية، ولكن تمكن الملك (لويس الرابع عشر) من إقناع مجموعة من نخبة صناع المرايا في البندقية للعمل لصالحه. ووفقاً لبعض الروايات، قُتل هؤلاء الرجال لاحقاً على يد حكام البندقية وذلك لمشاركتهم أسرار صناعاتهم الخاصة.

7. النافورة التي تعرض انتصار الملك على الطبيعة:

نافورة أبولو. صورة: Wikimedia Commons

بحسب التقديرات صرف الملك (لويس الرابع عشر) حوالي ثلث الميزانية الإجمالية على قصره وحدائقه، كما أن قسماً كبيراً من هذه الأموال قد ذهب لبناء نوافير المياه. لم تصمم هذه النوافير بغرض إضفاء لمسة جمالية للقصر، بل إنها قد صممت لتوضيح مدى ثراء الملك، بالإضافة لإظهار قوته. تتدفق جميع مياه الأنهار والجداول للأسفل، لذلك قام (لويس) بتصميم نوافير الماء لديه بحيث تتدفق مياهها للأعلى وذلك لإثبات قدرة الملك (لويس الرابع عشر) وحلفاؤه على تحدي قوة الطبيعة.

تشير التقديرات أنه قد تم بناء حوالي 1400 نافورة في المناطق الواسعة التي تحيط قصر (فرساي). لا يزال هناك 600 نافورة موجودة حتى يومنا هذا (على مر القرون تم تفكيك الكثير منها وبيعها لتمويل الحروب). من بين هذه النوافير هي نافورة (نبتون) التي تضم 99 نافورة، ونافورة التنين. ولكن ربما نافورة (أبولو) هي الأكثر شهرة على الإطلاق. في عام 1636، قام الملك (لويس الرابع عشر) ببناء هذه النافورة المستوحاة من الإله اليوناني إله الشمس الإله (أبولو) وهو يركب مركبته الحربية القديمة، كان الإله (أبولو) مصدر إلهام كبير للملك الفرنسي. أحب الملك (لويس) التباهي أمام ضيوفه بهذه النافورة، مدعياً أنه التجسيد الجديد لإله الشمس.

في ذلك الوقت، كانت تعتبر نوافير قصر (فرساي) من المعجزات المعمارية. كان رجال العلم يتوافدون من مناطق بعيدة ليروا بأعينهم هذه الأنظمة الهيدروليكية العجيبة التي تدفع المياه للأعلى. لاتزال بعض من هذه الأنظمة الهيدروليكية تتبع في يومنا هذا. إذا عدنا في الزمن للقرن الـ 17، كان يتم تشغيل النوافير في المناسبات الخاصة فقط، أو كانت تُشغّل كنوع من الاحترام للزائرين أو لإبراز مدى ثروة وقوة الملك، أما في يومنا هذا، فإن النوافير تعمل بشكل منتظم أكثر.

8. كان إطعام 5000 ضيف أمراً شاقاً للغاية:

كان القصر ضخماً جداً، فمن المتوقع إذاً أن ضيوف الملك كانوا كثيرين جداً، وكذلك طاقم الخدم القائم على هذا القصر.

في بعض الأحيان، كان يتواجد في القصر حوالي الـ 5000 ضيف مقيم، جميعهم بحاجة لتناول الطعام. ونظراً لأنهم كانوا من ضيوف الملك، فكان لابد من تقديم أفخر أنواع الطعام على العشاء، هذا يعني أن القصر كان مجهزاً بالمطابخ والمعدات اللازمة لتقديم أفضل أنواع الضيافة التي يتوقعها ضيوف الملك.

تم بناء مطابخ القصر في وقت مبكر بين عامي 1661 و1678. كانت تقع المطابخ خارج القصر الرئيسي حالها كحال الإسطبلات، وذلك لإبعاد الروائح والضوضاء. كان هناك حوالي الـ 2000 موظف يعملون بالمطبخ ويشرفون على تحضير من طبقين إلى ثمانية طبق في الوجبة الواحدة، كانت تشمل هذه الأطباق على الحساء وأنواع مختلفة من اللحوم والفواكه الطازجة. يزداد الضغط على عمال المطبخ عندما يستضيف الملك إحدى حفلات العشاء الفاخرة، حيث كان يُطلب منهم إعداد حوالي الـ 30 طبقاً لمئات الضيوف في كل حفلة.

كان بناء المطابخ خارج القصر الرئيسي له ميزات عديدة، إلا أنه كان هناك عيباً واحداً. أحب الملك (لويس الرابع عشر) تناول الطعام في الغرف المخصصة للطعام، ولكن بسبب المسافات الشاسعة التي تفصل المطابخ عن هذه الغراف، كان يصل الطعام بارداً في أغلب الأوقات.

في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1789، تم بيع جميع معدات المطبخ في قصر (فرساي). كما تم هدم المطابخ ومخازن الثلج في بداية القرن التاسع عشر، كان يتم تخزين الثلج قديماً بعد جلبه من البحيرات القريبة ليتم تقديمه مع المشروبات والأطباق المثلجة، كان يتم فرز بعض الحراس لحراسة مخازن الثلج، وذلك لأنه كان للثلج قيمة كبيرة في تلك الأيام التي سبقت ظهور المجمدات الكهربائية.

9. كانت دار الأوبرا رائدة في ذلك الوقت:

قاعة الأوبرا الملكية في قصر فيرساي. صورة: RMN-Grand Palais

افتتح خليفة الملك (لويس الرابع عشر) دار الأوبرا الملكية في قصر (فرساي)، بغض النظر عن مدى غرابة الفكرة، ولكنها كانت ولازالت واحدة من أرقى الأماكن الثقافية في أوروبا. عُرف الملك (لويس الخامس عشر) بإنجازاته الفنية العديدة، في كل عام يزور الملايين من السياح القصر لرؤية هذه الأوبرا.

كانت فكرة بناء دار للأوبرا في قصر (فرساي) حاضرة لدى الملك (لويس الرابع عشر)، لكن الشيخوخة قد وقفت في وجه مخططه، لذلك قرر تركيز طاقته على إنهاء بناء كنيسة القصر الخاصة بدلاً من ذلك. يبدو أن خليفته كان يفكر بإهمال فكرة بناء دار الأوبرا أيضاً، لكنه في عام 1742، قام بتعيين المهندس المعماري (جاك آني غابرييل) واعطاءه كامل الصلاحيات لبناء مسرح (فرساي) المثالي. أثبت (غابرييل) كفاءته في عمله بأكثر من طريقة.

قام المهندسون ببناء دار الأوبرا على شكل بيضوي، معتقدين أن التخلص من الزوايا قد يساعدهم على التحسين من جودة الصوت. كما قام (غابرييل) بجعل صفوف المقاعد متداخلة، فبهذه الطريقة سيفسح المجال لعدد أكبر من الناس للاستمتاع بالعرض دون انقطاع. الشيء الأكثر إثارة، هو نظام الرافعات التي يتم استخدامها لتحويل القاعة من مسرح إلى قاعة رقص، كان تطبيق هذا النظام يستلزم فريقاً كبيراً من الرجال، كما أنه قد يستغرق إتمام هذه المهمة يومين كاملين.

تم افتتاح دار الأوبرا الملكية رسمياً لحضور زفاف ملكي في شهر مايو عام 1770. منذ ذلك الحفل وحتى ثورة 1789، لم يُقام فيه سوى 40 مناسبة، بما في ذلك الحفلات الراقصة وحفلات الاستقبال. تمكنت هذه القاعة من النجاة من عمليات التخريب جراء الثورة الفرنسية على عكس باقي أجزاء القصر، وكان سيستخدمها (نابليون) لاحقاً لإقامة المآدب الرسمية. في الآونة الأخيرة، استعاد دار الأوبرا مجده السابق عام 2009، على الرغم من أن معظم آلاته الأصلية لم تعد صالحة للاستخدام.

10. استضاف قصر (فرساي) أول رحلة منطاد في العالم:

إطلاق منطاد من قصر فيرساي عام 1783.

قبل نجاح الأخوان (رايت) في التحليق، كان قصر (فرساي) قد شهد أول رحلة جوية في التاريخ. في أحد أيام شهر سبتمبر الدافئة عام 1783، نجح أخوان فرنسيان في إطلاق أول منطاد هواء ساخن من الأراضي الملكية، في عهد الملك (لويس السادس عشر).
بدأ (جوزيف) و(إيتيان مونتجولفير) تجربتهما في إطلاق المنطاد عام 1782. قبل وقت طويل، كانا يستضيفان مظهرات في بلدتهما الأم (أرديتشي). قامت الأكاديمية الملكية للعلوم بدعوة الأخوين لإجراء تجربتهما في باريس، ووافق الأخوين على هذا الاقتراح، في الـ 19 من سبتمبر عام 1783، قاموا بتجميع مناطيد الهواء المصنوعة من القماش خارج القصر. بعد إجراء تجربتين كان العرض جاهزاً ليعرض للجمهور الملكي. شاهد المئات من الناس من بينهم الملك وبعض علماء أوروبا البارزين هذا العرض الأول من نوعه. في اللحظة الأخيرة، صدر قرار وضع بعض حيوانات المزرعة لاختبار منطاد الهواء الساخن، تم وضع خاروف وبطة وديك صغير في سلة المنطاد الهوائي.

أقلع المنطاد في تمام الساعة الـ 1:11 مساءً، وحلق على ارتفاع يصل لحوالي الـ 600 متر، مما أثار دهشة الحشد ومن بينهم الملك. بعد ذلك بدأ المنطاد بالهبوط والعودة لليابسة بشكل بطيء، وهبط على بعد ميلين من منطقة الانطلاق. أجرى طبيب المحكمة فحصاً شاملاً للحيوانات التي كانت على متن المنطاد وذهل عندما اكتشف أن رحلة التحليق هذه لم تؤثر عليهم. منح الملك لجميع الحيوانات الإقامة في القصر الملكي كنوع من المكافأة على هذا العرض الرائع. بعد مرور شهرين من رحلة منطاد الهواء الساخن الافتتاحي في قصر (فرساي)، اتخذ أول مسافر بشري الخطوة الأولى للتحليق على متن المنطاد، بعد ذلك كان لدى فرنسا العديد من ”رواد الطيران“، ومن بينهم ذلك الطبيب الذي كان يخشى أن يصيب الحيوانات مكروهاً عند تحليقها في السماء.

11. بعيداً عن أجواء الرفاهية التي سيطرت على أجواء قصر (فرساي)، كان القصر بغاية القذارة:

مرحاض في قصر فيرساي.

لطالما كانت (فرساي) مكاناً ساحراً. ولكن بالرغم من المليارات التي قد تم دفعها مقابل بناء هذا القصر من أثاث وديكورات، إلا أنه لك يكن بهذا البهاء. ففي الواقع، من الممكن أن تكون الحياة داخل القصر مزعجة، ولهذا السبب قامت بعض العائلات النبيلة ببناء منازلها الخاصة خارج الأراضي الملكية. حتى (ماري أنطوانيت) سئمت من الحياة في قصر (فرساي) وهربت إلى قرية صغيرة.

من السلبيات التي طغت على جمالية الحياة في قصر (فرساي) هي أنه يفتقر لوجود مرافق المراحيض المناسبة. يبدو أن المهندسين المعماريين قد أغفلوا عنها. صب الملك وغيره من أفراد العائلة المالكة اهتمامهم على الأعمدة المزركشة وعلى غرف النوم وغرف الطعام، وكان الملك يستخدم زاوية عشوائية لقضاء حاجته معتقداً أن الخدم سينظفون من وراءه. لكن حتى أقل الخدم مرتبةً لم يقوموا بالتنظيف وراء كلاب القصر. لم يتم تدريب أي من الخدم على التجول في المنزل، الأمر الذي جعل معظم طوابق القصر بغاية القذارة.

وما زاد الأمر سوءاً هو الأرضيات الرخامية التي كانت السبب في برودة الجو داخل القصر. على الرغم من أن معظم الغرف مزودة بمدافئ، إلا أن المداخن لم تكون جيدة، لذلك غطى السخام الجدران والمفروشات. شعر العديد من الزوار بالرعب من حجم وروعة القصر، لكن لاحظ الكثيرون منهم مدى قذارته، كما تشير السجلات أن بعضاً منهم لم يشعروا بالإعجاب والإثار أثناء إقامتهم في القصر الملكي وقرروا الرحيل دون عودة.

إذا كانت حياة النبلاء داخل القصر بهذا السوء، فكيف سيكون الأمر بالنسبة لمئات الموظفين الذين يعملون داخل القصر. فإذا قارنا مساكن الخدم بالغرف والأجنحة الملكية الواسعة أو بأجنحة الضيوف والزوار، سنجد أن أماكن إقامتهم مزدحمة وقذرة للغاية. لكنهم لم يكن بإمكانهم مغادرة القصر كما فعل النبلاء والسكن في منزل ريفي، لذلك اضطروا للتعايش مع حياة العبودية طوال حياتهم.

مقالات إعلانية