in

مرثية النجوم

مرثية النجوم

ماذا تريد أنت؟ لا هُم..

أخرجُ إلى شوارع المدينة بعد منتصف الليل، الوقت المفضّل عندي للخروج، حيث معظم الكائنات قد أوَت إلى مساكنها بعد نهار طويل وشاق تحكُمه التفاهة..

أشعلُ لفافة التبغ بهدوء مراقباً السكون الذي يلفّ المنطقة، لا شك أنّ الحواس تعمل بشكل أفضل أثناء الليل، حتى الهواء يتغيّر مذاقه ويصبح أكثر صفاء وخفّة.

التأمّل عادةٌ لا يحسنها أبناء بلادي، فهم مشغولون بفعل أشياء تلحّ عليهم باستمرار، دون انقطاع، بعضها مفروض عليهم بفعل غرائزهم، لا تكاد تشبع حتى تطلب المزيد وهكذا..

قالوا إنّ البعض يفضّل الموت على مجرّد التفكير، أو التأمل، وهذا ما يحصل في الواقع؛ أي أنهم يموتون سريعاً أو بطيئاً، أو أنهم يسعون إلى ذلك غير آبهين، ثم ترويضهم على هذا أيضاً؛ أن لا يأبهوا..

قد تضع كمية هائلة من الأسماك داخل حوض طوال حياتها، السمك سيسبح كالعادة حتى يحين أجله، ثم يرحل، للسمك ذاكرة قصيرة، قيل، البشر سُلخت ذاكرتهم، اجتُثّت من جذورها حينما سُلبوا إرادتهم في الحياة، وأثناءها.

كيف حصل ذلك ولماذا! إن أردت استعباد شعبٍ ما، كائنٍ ما، فما عليك إلّا أن تخيفه، تبرحه خوفاً، فينتفي الكائن ويصبح الخوف على شكل كائن.. لا إرادة فيه ولا حياة، الخوف نقيض الحياة، والحب.

الكلمات بكرة خيوط تُحاك كيفما اتفق وتُنسج حسبما يمليه عليها الزمن ويُعاد تأليفها، أمّا المعنى فشيء آخر، هو الجوهر الصافي الذي يتعذّر تحويله، وتأويله.

الكلام السليم هو ما طابق المعنى والواقع، فالدال والمدلول إذاً واحد، تلك وظيفة شاقة يصعب إحرازها لكنّنا من غيرها سنفقد حساً مشتركاً أصيلاً بيننا.

فوق سطوح أبنية هذه المدينة تحلّق، بأعداد لا حصر لها، نجوم وأجرام، في كبد السماء، لا يُسمع لها من هنا حسيساً، يلمع بعضها بين الفينة والثانية.. تُرى متى يلمع كوكبنا هذا!

أباهم الذي في السموٰت أعطهم خبزهم كفاف يومهم واغفر لهم ذنوبهم وخطاياهم.. هكذا قالوا مراراً، وثمّة من قال بصوت خافت: ”هذا ما جناه عليّ أبي وما جنيت على أحد..“

الوعي صلاة، والآلهة سُبحة خشبية تضعها في جيبك.

من يدرك أنّ الفناء انتفاءٌ للذات فحسب لا للوجود كيف يحيا! تعدد الألوان حيلة نصبتها الطبيعة، الأبيض لا حدّ له والأسود له ضد، الماء والمرآة لا لون لهما، الإنسان مرآة لذاته وذاته على الماء استوت.

مقالات إعلانية