تلك التي جعلني الزّمن أتّخذها صديقةً لي، ليست كباقي الأصدقاء. صديقتي، التي إن صادفتموها قد تشرعون بالركض خائفين.
ولأكن صريحةً، هي مخيفةٌ بعض الشيء، مخيفة لِمن لا يحاول فهمها، مخيفة وغريبة. هذا النص هو محاولةٌ بائسة لوصفها لعلّ تضارب الأفكار في رأسي يهمد قليلاً.
صديقتي الغريبة.. قد أستيقظ على لمساتها في الصباح الباكر، تأتيني من دون موعد، لا تأبه لكوني غير جاهزة لاستقبالها. فهي تكره ”الرسميات“. قد تظهر أمامي فجأةً بين الجموع وتحتضنني لدقائق غير آبهة لوجودهم. فهي تعلم أنني لا أقوى على صدّها. قد تدخل خلسةً إلى الحمام وأنا أستحم، فأحياناً تكون وقحة. قد تزورني ليلاً، عندما يغفى الجميع وأصبح وحدي، فهي تحب أن تكون مركز الاهتمام.
صداقتها متعِبةٌ لن أكذب، بل مُرهقة. لم أعد أذكر متى التقينا لأول مرة، منذ سنتين أو ربما ثلاث. كنت أخافها في البداية، لطالما بحثت عمن باستطاعته أن يحميني منها، لكن مع الوقت ومع كثرة زياراتها استطعت أن أتفهم تصرّفاتها، اعتدت على غرابتها.
قد يمر شهر أو أكثر دون أن تزورني لكنها تعود وتطيل مكوثها كنوعٍ من التعويض. وأنا أستقبلها برحابة صدر. فهي وفيةٌ، لا تنساني.
وجودها يوقف شعوري بالزمن، يُفقدني القدرة على الكلام، يُثقل قلبي ويسارع دقاته. هي أوجاعي وأمراضي، هي مصدر قوتي وهشاشتي. هي نوبة القلق.