كان الكثير من العمال في فترة الاتحاد السوفييتي يفضّلون قضاء عطلهم في مصحّة منتجع –التي كانت تشبه كثيرا المنتجعات في أيامنا هذه لكنها كانت تقدم الأدوية والعلاجات– بدلا من تضييعها في الكسل والخمول، حيث كانت العطل في روسيا السوفييتية هادفة ومهمة كالعمل، فكانت غايتها توفير الراحة والاستجمام للتعافي من إرهاق العمل خلال السنة، ليعود منها العمال بروح جديدة وهمة عالية، لبدء سنة عمل جديدة.
تشبه زيارة إحدى هذه المصحّات العودة بالزمن إلى عدة عصور مضت، حيث ترك الاتحاد السوفييتي آثاره في جميع الأنحاء، وكل شيء في هذه الأبنية يوحي بملامح ذلك العصر: من ورق الجدران والفسيفساء الملونة التي تزينها من الداخل والخارج، إلى النباتات المتعددة الأشكال والأحجام التي تغطي كل زاوية، وتذكر غرف النزلاء المزودة بسرير واحد بعقود ماضية.
مصحّات العصر السوفييتي هي من الأبنية الأكثر ابتكارا وزخرفة، تحدّت فيها الفكرة السائدة أن العمارة في عصر الشيوعية كانت بشعة ومملة.
تعتبر المصحّات السوفييتية مثل منتجع صحي معاصر Spa ولكن مع عامل علاجي. يمكن أن تطيل فترة الإقامة فيها لمدة أسبوعين، وتتكفل الدولة بدفع جميع تكاليفها. لذلك كان العديد من العاملين يتطلعون إلى تلك العطلة المدفوعة من قبل الدولة.
بدأت المصحّات في الانتشار في جميع أنحاء الاتحاد السوفييتي خلال العشرينيات من القرن الماضي، بعد أن أضيفت عطلة الأسبوعين إلى قانون العمل في 1922.
في سنة 1936، عندما أعاد جوزيف ستالين كتابة الدستور السوفييتي، أصبح ”الحق في الاستراحة“ من الحقوق الأساسية للمواطنين السوفييت، وبحلول سنة 1939 تم بناء أكثر من 18000 مصحّة، مغطية مساحة البلد الهائلة. في ذروتها في 1990، كانت تلك المصحّات قادرة على استقبال أكثر من نصف مليون زائر في أي وقت من السنة.
يشرف الأطباء والمختصون على فترة الإقامة في المصحّة، ويعدّون برامج تدريب وأنظمة غذائية وعلاجية مخصصة لكل زائر.
يخضع النزلاء خلال فترة زيارتهم إلى مختلف طرائق العلاج، بما في ذلك التدليك، وحمام الطين، وحمامات المياه المعدنية، إضافة إلى طرائق أخرى مبتكرة كالعلاج بالصعقات الكهربائية.
أصبحت بعض المصحات مشهورة بسبب طرائق علاجها المتخصصة، مثل حمامات النفط الخام، وحمامات الرادون، والإقامة في كهوف ملحية تحت الأرض.
بعد أكثر من 30 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي، مازالت العديد من هذه المصحّات قائمة تستخدم كمنتجعات صحية، متابعة تقديم العلاج على الطريقة السوفييتية لزوارها، بينما صار بعضها الآخر في حالة يرثى لها، متجهًا نحو طريق الانهيار.
في سنة 2016، أطلقت الصحفية (مريم أوميدي) حملة جمع تبرعات لإرسال مصورين إلى أكثر من أربعين مصحة في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي ليوثقوا طرائق العلاج غير التقليدية المستخدمة في ذلك الزمن، والصور التي ستشاهدها في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، من كتاب Holidays in Soviet Sanatoriums الذي كان نتاج هذه الحملة، تابع معنا القراءة والمشاهدة عزيزي القارئ لتكوّن فكرة عما كانت عليه المنتجعات خلال الحقبة السوفييتية: