in

محطات أنفاق الاتحاد السوفياتي: تحف معمارية تجسد أحلام الاتحاد التي لم تتحقق

صورة: Chris Herwig

في العصر الذهبي للاتحاد السوفياتي، لم يملك الكثير من السوفيات سيارات، فكان لكل 30 سوفياتي من أصل 1000 يملكون سيارة، فكانت السيارات –حتى تلك السيئة منها– تكلف ثروة باهظة. بدلاً من ذلك، اعتاد الناس ركوب وسائل النقل العامة، من بينها المترو، والذي تبيّن أنه تحفة معمارية أكثر من كونه وسيلة نقل.

هناك مصوّر يدعى (كريس هيرويغ)، اشتُهر سابقاً بسعيه لتصوير محطات وقوف الحافلات السوفياتية. ثم بدأ مشروعاً جديداً، وهو تصوير محطات شبكات المترو في الاتحاد السوفياتي السابق، وجمع تلك الصور في مجموعة «محطات المترو السوفياتية»، حيث زار نحو 15 محطة أنفاق في 7 دول شكلت الاتحاد سابقاً.

اهتم السوفيات بالآيديولوجيا الجماعية، والتي توجت بمترو الأنفاق. في الصورة، محطة بودينو راد في مدينة كريفي ريه الأوكرانية. صورة: Chris Herwig

تبدو هذه الأنفاق مختلفة تماماً عما اعتدناه عن الأنفاق في المدن الكبرى مثل سان فرانسيسكو ونيويورك، إنها أشبه بمتاحف مزخرفة وصالونات فنادق. يتحدث (هيرويغ) عنها قائلاً: ”إنها أحد أجمل المناظر المعمارية في تلك المدن“.

بُني أول مترو في موسكو، وبينما كانت القطارات تسير بشكل أبطأ من تلك الموجودة في دول أخرى كنيويورك، تمتاز المحطات السوفياتية بعمارتها الرائعة التي ترقى لأن تكون غرفة قيصر. في الصورة، محطة سوكول في العاصمة موسكو. صورة: Chris Herwig

اهتم السوفيات بوسائل النقل الكبرى بدلاً من إنتاج السيارات الخاصة، ووافق (ستالن)، الزعيم الثاني للاتحاد، على مشروع لإنشاء 13 محطة في موسكو وحدها عام 1931. شارك في العمل أكثر من 70 ألف عامل، معظمهم من الأرياف التي عانت من المجاعات، مستخدمين أدوات بسيطة وقديمة لنقل ما يزيد عن 2 مليون و300 ألف متر مكعب من التراب.

ثريا تنير هذه المحطة بسقفها المدهش في مدينة خاركيف الأوكرانية. في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، افتتح السوفيات أكثر من 14 نظام مترو في المدن، حتى وصلت شبكة الأنفاق إلى نوفوسيبيرسك في سيبيريا. صورة: Chris Herwig

عندما افتُتح المترو، كانت القطارات أبطأ من مثيلاتها في نيويورك مثلاً، لكن العمارة المدهشة لتلك المحطات بأعمدتها الشاهقة وأسقفها المنقوشة وثرياتها المذهلة جعلتها أشبه بغرف القياصرة سابقاً. ستشاهد في تلك المحطات جدارناً من الرخام والذهب، والكثير والكثير من المنحوتات «الشيوعية» كي تثير الحماس في أنفس الطبقات العاملة. أطلق (لازار كاغانوفيتش)، أحد مساعدي (ستالن)، عليها «رمز المجتمع الجديد الذي يجري بناؤه» والتي «تشمل دمائنا وحبنا وعشقنا للإنسان الجديد».

كانت المحطات خارج موسكو أصغر، وذات ميزانية أقل، لكنها حافظت على أصالتها أيضاً. هذه محطة لينينسكايا في مدينة نيجني نوفغورود الروسية. صورة: Chris Herwig

على مر العقود الخمس التالية، وبينما كانت الولايات المتحدة تبني نظام الطرق السريع ما بين الولايات –الذي يمتد لنحو 75 ألف كيلومتر–افتتح السوفيات 14 نظام أنفاق جديد في مدن بعيدة جداً، كـ نوفوسيبيرسك في سيبيريا وطشقند في أوزبكستان. كانت ميزانية مشروع الاتحاد أصغر، وغالباً ما كانت المحطات أكثر بساطة، لكنها بالطبع مزخرفة من الداخل والخارج. يقول (هيرويغ): ”بُنيت هذه المحطات بمزيج من الغرابة والإبداع، اللذان تجاوزا كل المحاولات السوفياتية السابقة لجذب الاهتمام أو التفاخر“.

كان مترو الأنفاق أكثر من مجرد بنية تحتية بالنسبة للسوفيات. حيث أطلق عليها أحد المسؤولين الروس اسم “رمز المجتمع الجديد”. صورت المنحوتات والنقوش الفنية في المترو كفاح العمال في سبيل بنائها، وفي الصورة، محطة إليكتروزافودسكايا في موسكو. صورة: Chris Herwig

بدأ المصوّر الكندي التعرف على الكتلة الشرقية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الدول حينها «رخيصة وممتعة» وكان بإمكان المرء حضور دار الأوبرا أو أمسية باليه بدولار أو اثنين. لكن ما جذب اهتمامه حقاً هو محطات المترو تلك، وكذلك مواقف الباصات في البداية. استمر (هيرويغ) بالتقاط صور مواقف الباصات لنحو 17 عاماً، وسار مسافة 48 ألف كيلومتر تقريباً للعثور عليها، ثم بدأ يهتم بمحطات المترو عام 2017.

محطة قطار في طشقند ضمن أوزبكستان. صورة: Chris Herwig

فوثق تلك المحطات عن طريق إمضاء 250 ساعة راكباً القطارات باستخدام كاميرته Sony a7iii، على الرغم من أن هوايته أثارت فضول السلطات في عدة مرات، حيث منعوه من التصوير 30 مرة خلال رحلاته. يقول ساخراً: ”يبدو أن هناك تقليداً لديهم يتمثل بالرقابة على المعلومات“.

لاحظوا الأعمدة المزخرفة في محطة بولشتشا بيراموهي في العاصمة البيلاروسية مينسك. صورة: Chris Herwig

أسقطت صور (هيرويغ) تلك التقاليد، وكشفت لنا عما يحويه ذلك العالم الذي فضل الانعزال بعيداً عن الغرب. كل محطة من محطات الميترو تبدو مختلفة عن سابقتها، بل وكأنها من خيال معماري واحد أراد التفوق على عمله في كل مرة. تبدو تلك المحطات وكأنها مزيجٌ من ثقافات متعددة، بعضها يرجع إلى مصر القديمة أو بلاد الإغريق، بينما يمتاز بعضها الآخر بتصميم مستقبلي وكأنها محطة للسفر نحو الفضاء، أو الجنة الموعودة، تلك الجنة لم يصل إليها السوفيات مثلما تخيلوا.

يعيش المصور الكندي في السويد، لكنه أمضى قرابة عقدين من الزمن وهو يتجول في دول الكتلة الشرقية سابقاً. هذه الصورة من محطة سوفيتسكايا في مدينة سامارا الروسية. صورة: Chris Herwig

لم تكن تلك المحطات مقصد المواطنين العاديين، خاصة أن معظم المدن كانت صغيرة، وحتى في العاصمة موسكو، كان عدد راكبيها قليلاً نسبياً، بينما ركب معظم الناس الباصات وحافلات الترام القديمة، حالمين –ربما– باليوم الذي سيشترون فيه سيارة.

إليكم المزيد من الصور

أسلوب تجريدي في عمارة هذه المنحوتة ضمن محطة ماشينوسترويتيليه في مدينة يكاترينبرغ الروسية. الأحرف CCCP هي اختصار لـ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. صورة: Chris Herwig
هذا التمثال موجود في محطة أنفاق موسكو. صورة: Chris Herwig
تصميم هندسي لسقف محطة أولدوز في باكو، أزربيجان. لاحظ هيرويغ جمال العمارة السوفياتية لأول مرة عام 1997، عندما سافر على متن سكة الحديد العابرة لسيبيريا، لكنه لم يبدأ بالتقاط الصور حتى عام 2017. صورة: Chris Herwig
وضع هيرويغ تلك الصور في كتاب، وقام بثلاث رحلات إلى دول الاتحاد سابقاً، فسافر نحو 250 ساعة. في الصورة، محطة بولشاد 1905 غودا في يكاترينبرغ. صورة: Chris Herwig
ثريا ذات تصميم فاخر تضيء الأعمدة المزخرفة في محطة أفوتوفو في مدينة سان بطرسبرغ. صورة: Chris Herwig
لوحة فسيفسائية في سقف محطة كومسومولسكايا في موسكو. صورة: Chris Herwig
تركز هذه القطعة الرخامية على جهود العمال السوفيات الذين بنوا هذه المحطات، وهي موجودة في محطة إليكتروزافودسكايا في موسكو. صورة: Chris Herwig
تبدو هذه المحطة في مدينة نيجني نوفغورود بسيطة جداً أمام المحطات الأخرى التي تزخر بالعمارة المدهشة. صورة: Chris Herwig

مقالات إعلانية