في العصر الذهبي للاتحاد السوفياتي، لم يملك الكثير من السوفيات سيارات، فكان لكل 30 سوفياتي من أصل 1000 يملكون سيارة، فكانت السيارات –حتى تلك السيئة منها– تكلف ثروة باهظة. بدلاً من ذلك، اعتاد الناس ركوب وسائل النقل العامة، من بينها المترو، والذي تبيّن أنه تحفة معمارية أكثر من كونه وسيلة نقل.
هناك مصوّر يدعى (كريس هيرويغ)، اشتُهر سابقاً بسعيه لتصوير محطات وقوف الحافلات السوفياتية. ثم بدأ مشروعاً جديداً، وهو تصوير محطات شبكات المترو في الاتحاد السوفياتي السابق، وجمع تلك الصور في مجموعة «محطات المترو السوفياتية»، حيث زار نحو 15 محطة أنفاق في 7 دول شكلت الاتحاد سابقاً.

تبدو هذه الأنفاق مختلفة تماماً عما اعتدناه عن الأنفاق في المدن الكبرى مثل سان فرانسيسكو ونيويورك، إنها أشبه بمتاحف مزخرفة وصالونات فنادق. يتحدث (هيرويغ) عنها قائلاً: ”إنها أحد أجمل المناظر المعمارية في تلك المدن“.

اهتم السوفيات بوسائل النقل الكبرى بدلاً من إنتاج السيارات الخاصة، ووافق (ستالن)، الزعيم الثاني للاتحاد، على مشروع لإنشاء 13 محطة في موسكو وحدها عام 1931. شارك في العمل أكثر من 70 ألف عامل، معظمهم من الأرياف التي عانت من المجاعات، مستخدمين أدوات بسيطة وقديمة لنقل ما يزيد عن 2 مليون و300 ألف متر مكعب من التراب.

عندما افتُتح المترو، كانت القطارات أبطأ من مثيلاتها في نيويورك مثلاً، لكن العمارة المدهشة لتلك المحطات بأعمدتها الشاهقة وأسقفها المنقوشة وثرياتها المذهلة جعلتها أشبه بغرف القياصرة سابقاً. ستشاهد في تلك المحطات جدارناً من الرخام والذهب، والكثير والكثير من المنحوتات «الشيوعية» كي تثير الحماس في أنفس الطبقات العاملة. أطلق (لازار كاغانوفيتش)، أحد مساعدي (ستالن)، عليها «رمز المجتمع الجديد الذي يجري بناؤه» والتي «تشمل دمائنا وحبنا وعشقنا للإنسان الجديد».

على مر العقود الخمس التالية، وبينما كانت الولايات المتحدة تبني نظام الطرق السريع ما بين الولايات –الذي يمتد لنحو 75 ألف كيلومتر–افتتح السوفيات 14 نظام أنفاق جديد في مدن بعيدة جداً، كـ نوفوسيبيرسك في سيبيريا وطشقند في أوزبكستان. كانت ميزانية مشروع الاتحاد أصغر، وغالباً ما كانت المحطات أكثر بساطة، لكنها بالطبع مزخرفة من الداخل والخارج. يقول (هيرويغ): ”بُنيت هذه المحطات بمزيج من الغرابة والإبداع، اللذان تجاوزا كل المحاولات السوفياتية السابقة لجذب الاهتمام أو التفاخر“.

بدأ المصوّر الكندي التعرف على الكتلة الشرقية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت الدول حينها «رخيصة وممتعة» وكان بإمكان المرء حضور دار الأوبرا أو أمسية باليه بدولار أو اثنين. لكن ما جذب اهتمامه حقاً هو محطات المترو تلك، وكذلك مواقف الباصات في البداية. استمر (هيرويغ) بالتقاط صور مواقف الباصات لنحو 17 عاماً، وسار مسافة 48 ألف كيلومتر تقريباً للعثور عليها، ثم بدأ يهتم بمحطات المترو عام 2017.

فوثق تلك المحطات عن طريق إمضاء 250 ساعة راكباً القطارات باستخدام كاميرته Sony a7iii، على الرغم من أن هوايته أثارت فضول السلطات في عدة مرات، حيث منعوه من التصوير 30 مرة خلال رحلاته. يقول ساخراً: ”يبدو أن هناك تقليداً لديهم يتمثل بالرقابة على المعلومات“.

أسقطت صور (هيرويغ) تلك التقاليد، وكشفت لنا عما يحويه ذلك العالم الذي فضل الانعزال بعيداً عن الغرب. كل محطة من محطات الميترو تبدو مختلفة عن سابقتها، بل وكأنها من خيال معماري واحد أراد التفوق على عمله في كل مرة. تبدو تلك المحطات وكأنها مزيجٌ من ثقافات متعددة، بعضها يرجع إلى مصر القديمة أو بلاد الإغريق، بينما يمتاز بعضها الآخر بتصميم مستقبلي وكأنها محطة للسفر نحو الفضاء، أو الجنة الموعودة، تلك الجنة لم يصل إليها السوفيات مثلما تخيلوا.

لم تكن تلك المحطات مقصد المواطنين العاديين، خاصة أن معظم المدن كانت صغيرة، وحتى في العاصمة موسكو، كان عدد راكبيها قليلاً نسبياً، بينما ركب معظم الناس الباصات وحافلات الترام القديمة، حالمين –ربما– باليوم الذي سيشترون فيه سيارة.
إليكم المزيد من الصور







