in

أنا أعرف أشياء لا تعرفها أنت، كم هو شعور مميز أن أكون مخدرا بنظريات المؤامرة!

ليس بدءًا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر والنظريات التي حيكت حولها، وطبعا ليس انتهاءً بـ”بروتوكلات حكماء بني صهيون“ التي يعدها الكثيرون المرجع الأساس لمن يريد أن يعرف خبايا ما يحدث على هذه البسيطة، والقائمة تطول…

طبعا لا تتضمن القائمة المحتوى العربي فقط، فنظريات المؤامرة ليست حكرا على العقل العربي فمعظم شعوب العالم شغوفة باختلاق مثل تلك السيناريوهات أو الإيمان بها.

فمثلا؛ البروتوكولات المذكورة آنفا، نشرت أول ما نشرت كملحق لكتاب للكاتب الروسي ”سيرجي نيلوس“ الذي ادعى تسلم مخطوطاتها من صديقه الذي بدوره ادعى أنه حصل عليها من امرأة سرقتها من أحد أقطاب الماسونية في فرنسا، وقد لاقت البروتوكولات رواجا كبيرا بعد اندلاع الثورة البلشفية التي أسماها البعض آنذاك بالثورة اليهودية.

كما وانتقلت البروتوكولات إلى غرب أوروبا عام 1919 بواسطة بعض المهاجرين الروس، وبلغت البروتوكولات قمة رواجها في فترة ما بين الحربين، حيث عزى الألمان سبب هزيمتهم لليهود!

كتاب بروتوكولات حكماء صهيون

ما ذكرته من تفصيل فيما يخص بروتوكولات حكماء صهيون ليس الموضوع الذي سنناقشه في هذا المقال بالطبع، ولكن ذكرته كمثال بسيط لنظرية مؤامرة آمن بها غير العرب، فكل ما ذكر عن البروتوكولات في الأسطر السابقة كان قبل ترجمتها للعربية حتى.

لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة؟

الآن اقترحت دراستان منفصلتان سببا قد يكون هو الدافع الأساسي للكثيرين ليؤمنوا بالنظريات التي ذكرناها آنفا وغيرها العديد.

عنونت الدراسة الأولى بـ”أنا اعرف أكثر مما تعرف أنت“ والثانية كان عنوانها ”كم هو شعور مميز أن أكون مخدرا بنظريات المؤامرة“ وكانت كلتا النظريتان قد شملت ألف شخص كل دراسة على حدا.

فتلك الدراستان كانتا قد وجدتا رابطا بين الإيمان بنظريات المؤامرة، والسعي نحو التميز.

يبين ”Anthony Lantian“ (وهو من المشاركين في إحدى الدراستين) إحدى النقاط التي تناولها البحث: ”هناك دائما تلك الثغرة في نظريات هؤلاء، فهم دائما يملكون تلك المعلومات السرية التي من الصعب الحصول عليها في الواقع… فمعرفته المزعومة بما هو مخفي عن الآخرين، قادتنا لربط الترويج لنظريات المؤامرة بحب الظهور والتميز.“

فالأشخاص الذين هم شغوفون بالتميز، قد يشبعون شغفهم هذا بامتلاك الأشياء على سبيل المثال، أو التفرد بأزيائهم، أو حتى بإجراء تعديلات رياضية أو جراحية على أجسادهم …الخ، بنفس المبدأ يسعى المروجون لنظريات المؤامرة للتفرد بادعائهم معرفة المعلومات التي تسيّر الأحداث العالمية ربما على سبيل المثال، والتي تشرحها تلك النظريات التي يؤمنون بها.

ووفقا لتلك الدراستين، فالعلماء قد وجدوا في عينتهم ما يدعم الفرضيات الثلاثة الأساسية لبحثهم هذا:

فأولا، يرى المؤمنون بنظريات المؤامرة والمروجون لها أنفسهم على دراية بمعلومات هي في غاية السرية.

ثانيا؛ وخلال تلك الدراستين، وجد العلماء أن أولئك المشاع عنهم بين أصدقائهم حبهم للتفرد وتسليط الأضواء عليهم، هم كانوا الأكثر إلماما بنظريات المؤامرة والأكثر تصديقا لها.

وأخيرا، وجد أن الذين يتم حثهم وتشجيعهم على التميز والتفرد على الآخرين (ولو بأشياء غير ذات قيمة) أولئك سيكونون في المستقبل تربة خصبة للتصديق والإيمان بنظريات المؤامرة.

لكن وإن كانت المشكلة محصورة في تشخيصات المختصين بعلم النفس وتحليلاتهم لشخصيات المروجين لنظريات المؤامرة، فهذه تكاد لا تكون مشكلة مقارنة بالنقاط التالية:

أولا، باتت بعض تلك النظريات تحمل أذى مباشرا على بعض ”الدوائر المجتمعية“، فهناك طيف واسع (على سبيل المثال) ممن يؤمنون بأن اللقاحات والتطعيمات التي يتم إعطائها للأطفال تؤدي لخلل بالنمو والإصابة بالتوحد، وطبعا يتم إدراج ذلك ضمن المؤامرات العالمية.

ونشر تلك الخرافة لا يقتصر على حديث نسوة يحتسين قهوة الصباح أو على دجالين يدعون العلم، بل المشكلة أن نشر مثل تلك الخرافة وتهويلها على أنها مؤامرة عالمية بات أمرا تضج به وسائل التواصل الإجتماعي، ووكالات الإعلام المختلفة، مما يدفع بعض الآباء لتصديق تلك الإدعائات والإمتناع عن تلقيح أطفالهم.

هنا الفكرة إذا، فصياغة نظرية مؤامرة والتفنن في حبكاتها هو أمر سهل النشر، ولكن دحض تلك النظرية سيكون أصعب، وفي مثل حالة ”مؤامرة اللقاحات“ سيشكل هذا خطرا على الصحة العامة.

في حين أن النقطة الثانية؛ والتي يمكن أن نعتبرها الأكثر خطورة، هي عندما تربط نظريات المؤامرة بجماعات عرقية أو دينية معينة، فهذا سيولد آليا جماعات من المتطرفين الذين سيفرغون تطرفهم هذا في مجتمعاتهم.

أعتقد أن النقطة الثانية واضحة للقارئ العربي وليست بحاجة للإسهاب.

وكبند ثالث في قائمتنا هذه، وبعيدا عن مناقشة مصداقية تلك النظريات، فسواء كان البعض منها صحيحا أو كاذبا فلا يخفى أثره في الحروب النفسية! فهيمنة فكرة المؤامرة الصهيونية على الفكر العربي (كمثال) يزيد من هيبة إسرائيل ويجعلها تكسب الحروب دون حتى خوضها.

”فمعظم الدول باتت تخطب ود إسرائيل، نظرا لأن حكام تلك الدول يؤمنون بأن البروتوكولات وثيقة صحيحة“، هذا هو نص تصريح سياسي إسرائيلي في جريدة ”هآرتس“ فيما يخص ذلك!

كما وأردف ”يوئيل ماركوس“ في نفس هذا التصريح: ”إن البروتوكولات [وسبب أثرها هذا] تبدو وكأن الذي كتبها لم يكن شخصا معاديا لليهود، وإنما يهودي ذكي يتسم ببعد النظر.“

***

هذا ما أسعفني قلمي في هذا الصدد، وهذا ما وجدته الأقرب للمنطق؛ لكن وفي سؤال تم طرحه على صفحة ”دخلك بتعرف“ على فايسبوك فيم يخص هذا الموضوع، كانت الأجوبة متباينة بشكل ملحوظ.

كان نص السؤال كالتالي: ”للمتابعين المؤمنين بنظريات المؤامرة، ما الذي يدفعك للإيمان ببعض تلك النظريات؟ وإن لم تكن تؤمن بها، برأيك، ما الذي يدفع البعض للإيمان بمثل تلك النظريات؟“

والأجوبة كما قلنا كانت متباينة، لذا حاولت فيما يلي أن أكون قد انتقيت منها شاملا كافة الآراء.

علقت ”لجين أ.“ وقالت: ”أظن أن الدافع في بعض الأحيان هو سعي المؤمنين بها لإيجاد قيمة لوجودهم وحياتهم (أنا مهم جدا لذلك يتآمرون ضدي).“

وقال ”.Zaki S“: ”نظريات المؤامرة هي وسيلة لإسقاط خيباتنا وفشلنا وقذارتنا على الآخرين، فهي وسيلة تريحك، وتجعلك متفرغا للنوم والأكل وممارسة الجنس.“

ويرى ”حيدر ن.“ أن: ”الإيمان بنظريات المؤامرة على اختلافها سببه عدم الإطلاع الواقعي والمنطقي على المخالف والمقابل.“

وفي الطرف المقابل جمعت بعض الأجوبة التي يرى أصحابها عكس ما تضمنت الأجوبة السابقة:

فمثلا قالت ”ريمي س.“: ”لا أصدق التفسيرات التي تستند على نظريات المؤامرة دوما، وحينها يتوجب علي البحث عن السبب الحقيقي للأشياء، لكن أحيانا أذهب قليلا مع تلك التفسيرات في حالة الحروب النفسية، فحينما ترى قدرة الأديان والقوميات على هيكلة رأي جماعي موحد لعدد كبير من البشر، فإن أردت تغيير تلك الهيكلية الفكرية (لسبب ما) فأنت بحاجة لمؤامرة تنفذها لضرب تلك الهيكلية الفكرية…“

ويقول ”مروان م.“ مجيبا على هذا السؤال: ”المؤامرة موجودة منذ آلاف السنين، ولكن بعض الناس لا يؤمن بها إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس، خذ مثلا غزو العراق، لم يصدق البعض في البداية أنها لنهب خيرات هذا البلد، ولن أحدثك عن تقسيم السودان ولا عن احتلال فلسطين… التفكير الموضوعي المفرط يجعل البعض لا يصدقون نظريات المؤامرة إلا بعد تحسس نتائجها.“

ويرى ”عبد ر.“: ”أن للكل نظريات مؤامرة يؤمنون بها، حتى هؤلاء الذين يسخفون فكرة نظريات المؤامرة، فالبعض يسخف الإيمان بنظريات المؤامرة وفي نفس الوقت يؤمن بمؤامرة ذكورية تتحكم بوسائل الإعلام والأديان وجوائز نوبل… لقمع دور المرأة الجندري عبر التاريخ، فالكل يؤمن ببعض تلك النظريات ويسخف الإيمان ببقيتها.“

واتخذ ”مهند م.“ موقفا محايدا أثناء جوابه على هذا السؤال، حيث كان جوابه كالتالي: ”هناك أمور تحدث، هي فعلا مؤامرة كأغلب الأحداث السياسية في الوطن العربي خلال المئة عام المنصرمة الأخيرة، لكن وفي نفس الوقت هناك أمور نسب سبب حدوثها لمؤامرة ما، هو محض سذاجة وإنكار للحقائق لا أكثر، كموضوع الأرض المسطحة مثلا.“

لقد كانت هناك الكثير من الأجوبة على هذا السؤال، لكن أظن أن ما سبق كان شاملا لكل الأفكار التي تم طرحها في الأجوبة على سؤال ”صفحة دخلك بتعرف“.

الآن وبعد قراءة هذا المقال، هل دعم هذا المقال فكرة كنتم تعتقدونها بخصوص نظريات المؤامرة؟ أم هل وجدتم فيه بعض الأفكار التي تخالف ما تعتقدونه في هذا الخصوص، ولكنها أكثر منطقية؟

اقرأ أيضا:

مقالات إعلانية